(خطبة) اجتهدوا فالعبرة بالخواتيم
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( اجتهدوا فالعبرة الخواتيم ) 25/9/1442
أما بعد فيا أيها الناس : لازلنا في مضمار الخير الذي تفضل الله به علينا ، إنه مضمار رمضان ، وفي أفضل أيامه ولياليه ، العشر الأواخر منه ، وبقي خمسة أيام ، فلا زالت الفرصة مواتية ، و الخيرات متوافرة ، والفلاح ممكنا ، فلا تفتروا عباد الله ، فالخيل إذا قاربت نهاية المضمار جادت بكل قوتها ، فإن المتأمل بين أحوال الناس في أول رمضان وآخره يجد أن البعض يفتر في العمل ، ويتكاسل عن الخير ، وكأنه يودع رمضان قبل أن يرحل ، وحاله حال المالّ الذي يفرح بانتهاء رمضان ، كلا عباد الله ، فهذا كله من خور النفس ، فالعبرة بكمال النهايات ، لا بنقص البدايات ، فمن كان مجتهدا فليواصل ، وليستعن بالله على ذلك ، ومن كان مقصرا ، فليشمر وليلحق بالركب فلا زال الوقت متاحا ، فسابقوا وسارعوا ، فعما قليل يرحل الضيف ، وتنتهي الأعطيات الجزال .
عبد الله :
حين ترى جموعَ القائمين الساجدين..وحين ترى دموعهم، وحين ترى ابتهالاتهم، وحين ترى المنفِقين، جاهد معهم لا يسبقونك إلى الفضائل وأنت قاعد ، وإن عجزت عن ذلك فاستثمر في حبِّهم، تكن معهم ولو قصَّرتَ. أنتَ مع مَن أحببتَ
ولنعلم أن من قصَّر في أول رمضان وأحسَن في آخره، خيرٌ ممَّن أحسَن في أوّله وقصَّر في آخره؛ ففي الحديث: ((إنَّما الأعمال بالخواتيم)).
قال العلامة السعدي:"من اجتهد أول رمضان وفَتر آخرَه، كان كمن بذر حبَّةً وسقاها ورعاها، حتى إذا أوشك زمَن الحصاد راح وتركها".
عباد الله :
"إذا لم نحسِن استقبال رمضان، فلنحسِن وداعه".
لنحسن فيما بقي، يُغفر لنا ما قد مضى.
إن الشياطين تُصفَّد في رمضان ، فكلّ سوء نفعله في هذا الشَّهر، يعبِّر عن حقيقة نفوسنا.
قال عبيد بن عمير رحمه الله: "تسبيحة بحمدِ الله في صَحيفة مؤمن، خيرٌ له من جِبال الدنيا تَجري معه ذهبًا"!
رحم الله الإمامَ ابن القيم؛ حيث شبَّه القلب الذي ترِد عليه آيات الكتاب بالمرآة.
فإذا كانت المرآة صافيةً نقيَّة، تراءت فيها صوَر القرآن واضحة جليَّة.
وإذا كانت متَّسخة بالأدران، مليئة بالشقوق والخدوش، انعكسَت عليها صوَر القرآن مشوشة ناقِصة ضعيفة الأثر.
فعلى كل منا أن ينظف قلبه من الأوهام والشكوك، وأدرانِ المعاصي وأمراضِ الأحقاد؛ حتى تنعكس عليها أنوارُ القرآن...
معاشر المؤمنين : لنجتهد في النفقة في سبيل الله ، فرمضان شهر الجود ، قال ابن عباس : كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: 39].
حتى ما تنفِقه من راحتك ومَشاعرك،
وما تمنحه للآخرين من فَرحةٍ رغم آلامك..
يُخلِفه انشراحًا وفرحةً في قلبك.
اللهم اختم لنا شهرنا برضوانك والعتق من نيرانك ، أقول قولي ......
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الصائمون : ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ [النحل: 92].
حافِظوا على ما غزلتَم وشيَّدتَم وعملتم و اعتدتم عليه في رمضان.
حافِظوا على صفاء قلوبكم، وسموِّ أرواحكم، وجمالِ ألسنتكم، وغض بصركم.
حافِظوا على كلِّ عمل صالح قدمتموه في رمضان.
إن حلاوة الإيمان التي وجدتَموها في قلوبكم و أرواحِكم في رمضان، باستطاعتكم أن تحافظوا وتداوموا عليها طوال العام.
( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
عباد الله : إن السعادة حقا ، واللذة التي لا تعقبها حسرة ، هي في طاعة الرحمن ، فلا تبحثوا عنها في المعصية ولا في المغامرات والسفريات ، وغيرها من متع الحياة ، فهذه تسعد الجسد والبصر ، وأما طاعة الرحمن فهي سعادة الروح التي بها حياتك ونعيمك الحقيقي .
لابد أن يكون للمرء أعمالٌ مرتبة ، كما فعل في رمضان ، يداوم عليها بعد رمضان ولو قلّت ، فمن المحزن نسيان تلك الأعمال الصالحة كقراءة القرآن والصيام والقيام والصدقة ، إلى رمضان القادم .
معاشر المؤمنين : أكثروا من الدعاء ، وألحوا على ربكم فإنه يحب الملحين ، وأعظموا الرغبة ، فإنه لا يتعاظمه شيء أن يعطيه ، فإذا سألتم الله ، فسلوه الفردوس الأعلى ، ادعوا لأنفسكم ووالديكم وأولادكم ، أكثر من الداء بالثبات ، فالفتن من حوالينا تتفاقم ، وسلوا الله حسن الخاتمة
عباد الله : أخرجوا زكاة الفطر من قوت البلد طيبة بها نفوسكم ، ولا تيمموا الخبيث من الطعام ، أخرجوا مما تأكلون ، وادفعوها للفقراء والمساكين ، وتحروا في ذلك ، وأخرجوها قبل العيد بيوم أو يومين ، إلى صلاة العيد ، ولا تسوفوا فتنسوا ويخرج وقتها .
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك .........