خطبة : ( اتبعوا رسول الله يحببكم الله )
عبدالله البصري
1437/03/07 - 2015/12/18 06:15AM
اتبعوا رسول الله يحببكم الله 7/ 3 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ في الوُجُودِ مَا يَستَحِقُّ أَن يُحَبَّ لِذَاتِهِ مِن كُلِّ وَجهٍ إِلاَّ اللهُ – تَعَالى - ، وَكُلُّ مَا يُحَبُّ سِوَاهُ - سُبحَانَهُ – فَإِنَّ مَحَبَّتَهُ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ ، حَتَّى أَكمَلُ الخَلقِ وَأَفضَلُهُم عِندَ اللهِ وَأَزكَاهُم ، مُحَمَّدٌ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - الَّذِي أَوجَبَ اللهُ عَلَينَا مَحَبَّتُهُ ، فَإِنَّمَا يُحَبُّ لأَجلِ اللهِ ، وَيُطَاعُ لأَجلِ اللهِ ، وَيُتَّبَعُ لأَجلِ اللهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " قُلْ إِنْ كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبْكُمُ اللهُ وَيَغفِرْ لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
إِنَّهُمَا مَحَبَّتَانِ لا تَنفَكُّ إِحدَاهُمَا عَنِ الأُخرَى ، فَمَن أَحَبَّ اللهَ – عَزَّ وَجَلَّ -أَحَبَّ رَسُولَهُ ؛ وَلأَجلِ هَذَا جَاءَ حُبُّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مُقتَرِنًا بِحُبِّ اللهِ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، قَالَ – تَعَالى - : " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ في سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتيَ اللهُ بِأَمرِهِ وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ "
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ : أَن يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ، وَأَن يَكرَهَ أَن يَعُودَ في الكُفرِ كَمَا يَكرَهُ أَن يُقذَفَ في النَّارِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ مَحَبَّةَ الرَسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَصلٌ عَظِيمٌ مِن أُصُولِ الإِيمَانِ الَّتي لا يَتِمُّ إِلاَّ بِهَا ، فَالآبَاءُ وَالأَبنَاءُ وَالإِخوَانُ ، وَالأَزوَاجُ وَالعَشِيرَةُ وَالأَموَالُ المُكتَسَبَةُ ، وَالتِّجَارَاتُ المُنَمَّاةُ وَالمَسَاكِنُ المَرضِيَّةُ ، وَهِيَ الَّتي عَلَيهَا مَدَارُ مَصَالِحِ الخَلقِ وَمَعَايِشِهِم ، لا يَجُوزُ أَن تَكُونَ أَبَدًا أَحَبَّ إِلى مُؤمِنٍ مِن رَبِّهِ وَنَبِيِّهِ ، وَإِلاَّ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا وَخَسِرَ خُسرَانًا مًبِينًا . بِل حَتَّى نَفسُ الإِنسَانِ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ ، وَالَّتي هِيَ أَقرَبُ شَيءٍ إِلَيهِ ، لا يَجُوزُ أَن تَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن نَبِيِّهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – وَإِلاَّ لم يَستَكمِلْ إِيمَانَهُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " النَّبيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم "
وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَعَن عَبدِاللهِ بنِ هِشَامٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لأَنتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن كُلِّ شِيءٍ إِلاَّ نَفسِي ، فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيكَ مِن نَفسِكَ " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ الآنَ ، وَاللهِ لأَنتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن نَفسي ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " الآنَ يَا عُمَرُ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لم تُوجَبْ مَحَبَّةُ نَبِيِّنَا - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - عَلَى الأُمَّةِ لِكَمَالِ خَلقٍ أَو جَمَالِ صُورَةٍ أَو شَرَفِ نَسَبٍ ، وَإِن كَانَ قَد بَلَغَ في كُلِّ ذَلِكَ غَايَةَ الكَمَالِ ، وَإِنَّمَا أُوجِبَت مَحَبَّتُهُ لأَنَّهُ المَبعُوثُ مِن عِندِ رَبِّهِ لِهِدَايَةِ الخَلقِ إِلَيهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَكَذَلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِن أَمرِنَا مَا كُنتَ تَدرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلنَاهُ نُورًا نَهدِي بِهِ مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ . صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ أَلا إِلى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إِنَّا أَرسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلى اللهِ بِإِذنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا "
وَلأَجلِ أَنَّ اللهَ – عَزَّ وَجَلَّ – قَد بَعَثَهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، كَانَ ذَلِكَ مُقتَضِيًا لِلإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ : – " إِنَّا أَرسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً "
وَقَدِ استَفَاضَت الأَدِلَّةُ في بَيَانِ هَذَا الأَمرِ وَالتَّأكِيدِ عَلَى وُجُوبِهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوا عَنهُ وَأَنتُم تَسمَعُونَ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبطِلُوا أَعمَالَكُم "
وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلَاغُ المُبِينُ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم فَإِنْ تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً "
إِنَّ طَاعَتَهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – هِيَ دَلِيلُ صِدقِ مَحَبَّتِهِ ، وَعُنوَانُ انتِفَاعِ المُحِبِّ لَهُ بِهَذِهِ المَحَبَّةِ ، وَكُلُّ مَحَبَّةٍ لا تُحَرِّكُ إِرَادَةَ القَلبِ وَتَحمِلُهُ عَلَى تَحصِيلِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن أَعمَالٍ ، وَاجتِنَابِ مَا يُبغِضُهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ وَالأَخلاقِ ، فَهِيَ مَحَبَّةٌ زَائِفَةٌ كَاذِبَةٌ ، أَجَل – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - لا بُدَّ لِكُلِّ مَحَبَّةٍ في القَلبِ مِن آثَارٍ تَظهَرُ عَلَى الجَوَارِحِ ، وَمَن أَحَبَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُكثِرًا لِذِكرِهِ وَذِكرِ سِيرَتِهِ وَالصَّلاةِ عَلَيهِ ، مُتَشَوِّقًا لِرُؤيَتِهِ وَالاجتِمَاعِ بِهِ في الجَنَّةِ وَالوُرُودِ عَلَى حَوضِهِ وَالشُّربِ مِنهُ ، مُعَظِّمًا لِدِينِهِ وَسُنَّتِهِ ، مُتَبِّعًا له في مَنشَطِهِ وَمَكرَهِهِ ، مُتَحَرِّيًا لِطَرِيقَتِهِ في سِرِّهِ وَعَلانِيَتِهِ ، مُقتَدِيًا بِهِ في كُلِّ أَقوَالِهِ وَأَفعَالِهِ ، مُحَافِظًا عَلَى الفَرَائِضِ مُتَزَوِّدًا مِنَ النَّوَافِلِ ، رَاغِبًا في الدَّارِ الآخِرَةِ مُتَجَافِيًا عَن دَارِ الغُرُورِ ، مُتَأَدِّبًا بِآدَابِ الحَبِيبِ مُتَأسِيًا بِأَخلاقِهِ ، في سِعَةِ صَدرٍ وَلِينِ جَانِبٍ ، وَبَذلِ نَدًى وَكَفِّ أَذًى ، وَبَسطِ وَجهٍ وَسَمَاحَةِ نَفسٍ ، صَبُورًا حَلِيمًا رَقِيقًا كَرِيمًا ، قَرِيبًا مِنَ البِرِّ بَعِيدًا عَنِ الإِثمِ ، وَدُودًا لإِخوَانِهِ مُنصِفًا لَهُم ، غَيرَ عَيَّابٍ لهم وَلا مُلتَمِسٍ لِلبُرَآءِ مِنهُمُ المَعَايِبَ ، وَأَمَّا مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ الحَبِيبِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – ثم لم يَتَخَلَّقْ بِخُلُقِهِ وَجَانَبَ هَديَهُ ، فَهَجَرَ الجُمُعَةَ وَالجَمَاعَاتِ ، وَفَرَّطَ في الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَاتِ ، وَظَلَمَ وَغَشَّ وَغَشَمَ ، وَجَهِلَ وَسَفِهَ وَاعتَدَى ، وَطَغَى وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا ، وَأَقَلَّ مِن ذِكرِ اللهِ وَالاستِغفَارِ ، وَلازَمَ الغَفلَةَ وَالإِصرَارَ ، وَعَقَّ وَالِدًا وَقَطَعَ رَحِمًا ، وَلم يَقضِ لِمُؤمِنٍ حَاجَةً وَلا جَاهَدَ بِنَفسٍ أَو مَالٍ ، فَمَا عَرَفَ مَحَبَّةَ الحَبِيبِ وَلا ذَاقَ لَهَا طَعمًا ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمَونَ – " وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهُ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَمَا رَأَى الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَصَحِبُوهُ حَضَرًا وَسَفَرًا وَعَامَلُوهُ ، وَصَلَّوا وَرَاءَهُ وَجَاهَدُوا تَحتَ لِوَائِهِ ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا وَصِدقًا ، كانت مَحَبَّتُهُم لَهُ أَشَدَّ وَأَقوَى ، وَتَوقِيرُهُم لَهُ أَكمَلَ وَأَوفَى ، وَتَعزِيرُهُم لَهُ أَسمَى وَأَعلَى ، أَحَبُّوهُ حُبًّا فَاقَ كُلَّ حُبٍّ ، وَوَدُّوهُ مَوَدَّةً غَلَبَت كُلَّ مَوَدَّةٍ ، فَآثَرُوهُ عَلَى النَّفسِ وَالوَلَدِ ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ ، وَأَرخَصُوا مِن أجلِهِ الزَّوجَاتِ وَالضَّيعَاتِ ، وَفَارَقُوا لِصُحبتِهِ العَشَائِرَ وَالأَوطَانَ ، وَخَرَجُوا مِن الدِّيَارِ وَهَجَرُوا المَسَاكِنَ وَالبُلدَانَ ، ووَدُّوا لَو لم يُفَارِقُوهُ لحظَةً وَاحِدَةً ، وَضَرَبُوا في ذَلِكَ مِنَ الأَمثِلَةِ أَروَعَهَا ، وَسَجَّلُوا فِيهِ مِنَ المَوَاقِفِ أَصدَقَهَا ، وَكَانَت لهم مَعَهُ قِصَصٌ افتَخَرَ التَّأرِيخُ وهو يَروِيها ، لَقَد أَحَبُّوهُ مَحَبَّةً فَاقَت مَحَبَّةَ الأَهلِ وَالمَالِ وَالوَلَدِ ، وَأَدهَشَتِ العُقَلاءِ مِن أَعدَائِهِ ، فَشَهِدُوا بها وَأَبدَوُا استِغرَابَهُم مِنهَا ، فَهَا هُوَ عُروَةُ بنُ مَسعودٍ الثَّقَفِيُّ وَقَد أَوفَدَهُ المُشرِكُونَ لِلتَّفَاوُضِ مَعَ رَسُول اللهِ في صُلحِ الحُدَيبِيَةِ ، يَقُولُ وَقَد عَادَ إِلى أَصحَابِهِ : أَيْ قَومُ ، واللهِ لَقَد وَفَدْتُ على المُلُوكِ ، وَوَفَدْتُ على قَيصَرَ وَكِسرَى وَالنَّجَاشِيِّ ، واللهِ إِنْ رَأيتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصحَابُ محمَّدٍ محمَّدًا ، واللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَت في كَفِّ رَجُلٍ مِنهُم فَدَلَكَ بها وَجهَهُ وَجِلدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُم ابتَدَرُوا أَمرَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كادُوا يَقتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصوَاتَهُم عِندَهُ ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيهِ النَّظَرَ تَعظِيمًا لَهُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَأَخرَجَ الطَّبَرَانيُّ عَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ لأَحَبُّ إِليَّ مِن نَفسِي ، وَإِنَّكَ لأَحَبُّ إِلَيَّ مِن وَلَدِي ، وَإِني لأَكُونُ في البَيتِ فَأَذكُرُكَ فَمَا أَصبِرُ حتى آتِيَ فَأَنظُرَ إِلَيكَ ، وَإِذَا ذَكَرتُ مَوتي وَمَوتَكَ عَرَفتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلتَ الجَنَّةَ رُفِعتَ مَعَ النَّبِيِّينَ ، وَإِني إِذَا دَخَلتُ الجَنَّةَ خَشِيتُ أَلاَّ أَرَاكَ ، فَلَم يَرُدَّ عَلَيهِ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ شَيئًا حَتَّى نَزَلَ جِبرِيلُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ بِهَذِهِ الآيَةِ : " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا "
وَعَن رَبِيعَةَ بنِ كَعبٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : كُنتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لي : " سَلْ " فَقُلتُ : أَسأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ . قَالَ : " أَو غَيرَ ذَلِكَ ؟ " قُلتُ : هُوَ ذَاكَ . قَالَ : " فَأَعِنِّي عَلَى نَفسِكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
لَقَد كَانَت مَحَبَّةُ الصَّحَابَةِ وَمَن بَعدَهُم مِنَ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ لِرَسُولِ اللهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – مَحَبَّةً صَادِقَةً ، تَمَثَّلَت في طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ هَديِهِ ، وَتَوقِيرِ سُنَّتِهِ وَالتِزَامِ طَرِيقَتِهِ ، فَلَمَّا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ العِلمِ بِزُهدِ النَّاسِ فِيهِ وَرَغبَتِهِم عَن مَجَالِسِ أَهلِهِ ، وَغَرَّتِ المُسلِمِينَ حَضَارَاتٌ زَائِفَةٌ وَغَزَتهُم عَقَائِدُ فَاسِدَةٌ ، قَصَرَ بَعضُهُم حُبَّهُ لِنَبِيِّهِ عَلَى تَنظِيمِ مَظَاهِرَ جَوفَاءَ خَالِيَةٍ مِن الصِّدقِ ، فَأَقَامُوا حَفَلاتٍ وَنَصَبُوا سُرَادِقَاتٍ ، تُنشَدُ فِيهَا الأَشعَارُ وَالمَدَائِحُ الشِّركِيَّةُ ، وَيُشتَغَلُ بِالرَّقصِ وَالتَّمَايُلِ وَالغِنَاءِ وَالطَّرَبِ ، فِيمَا عُرِفَ بِالاحتِفَالِ بِالمَولِدِ النَّبوِيِّ ، ذَلِكُمُ المُنكَرُ الَّذِي وَإِن حَمَى اللهُ أَجزَاءً كَثِيرَةً مِن بِلادِنَا مِن إِقَامَتِهِ فِيهَا ، فَقَد لا تُخطِئُ الأَعيُنُ رُؤيَتَهُ في تِلكُمُ القَنَوَاتِ التي رَعَتِ الفَسَادَ وَنَشَرَتِ الإِفسَادَ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَلزَمِ السُّنَّةَ ، وَلْنَحذَرِ البِدعَ وَالمُحدَثَاتِ وَإِن حَسَّنَهَا الجَهَلَةُ ، فَيَكفِي المُؤمِنَ العَاقِلَ كُرهًا لِلبِدعَةِ وَأَهلِهَا وَمُجَانَبَةً لَهَا تَبَرُّؤُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِمَّن رَغِبَ عَن سُنَّتِهِ وَحَادَ عَن هَديِهِ وَطَرِيقَتِهِ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
المرفقات
اتبعوا رسول الله يحببكم الله.doc
اتبعوا رسول الله يحببكم الله.doc
اتبعوا رسول الله يحببكم الله.pdf
اتبعوا رسول الله يحببكم الله.pdf
المشاهدات 2680 | التعليقات 3
[align=justify]جميل جدا [/align]
[align=justify]لا تحرمنا طلتك يا شيخنا [/align]
لا شلت يمينك، وأحبك الله، ورزقك اتباع نبيه على الوجه الذي يرضيه، وحشرك في زمرته
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق