خطبة : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى)

عبدالله البصري
1439/06/21 - 2018/03/09 08:29AM
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى  21 / 6 / 1439
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، خَيرُ مَا وُعِظَت بِهِ القُلُوبُ وَزُكِّيَتِ النُّفُوسُ ، وَأَعظَمُ مَا صَلَحَت بِهِ الجَوَارِحُ وَاستقَامَت ، كِتَابُ اللهِ العَزِيزِ بِجَمِيعِ سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ ، وَمَا فِيهِ مِن أَحكَامٍ وَقِصَصٍ وَعِظَاتٍ " إِنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبِيرًا . وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعتَدنَا لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا "
فَلْنَقِفِ اليَومَ مَعَ آيَةٍ عَظِيمَةٍ ، آيَةٍ طَالَمَا سَمِعنَاهَا عَلَى المَنَابِرِ ، وَخَتَمَ بِهَا الخُطَبَاءُ مَوَاعِظَهُم وَكَانَت مِسكَ الخِتَامِ لِخُطَبِهم ، جَمَعَت مَكَارِمَ الأَخلاقِ ، وَاستَوفَت مَحَاسِنَ الأَعمَالِ ، فَأَمَرَت بِثَلاثَةِ أُمُورٍ لا يَصلُحُ شَأنُ الإِنسَانِ إِلاَّ بِهَا ، وَنَهَت عَن ثَلاثَةِ أُموُرٍ هِيَ أُسُسُ الفَسَادِ ، فَهِيَ حَقِيقَةٌ بِأَن يَتَدَبَّرَهَا المُسلِمُ وَيَتَأَمَّلَ مَعَانِيَهَا ، وَيَعمَلَ بِهَا في كُلِّ شُؤُونِ حَيَاتِهِ ، وَيَضبِطَ بِهَا حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ ؛ لِيُحَصِّلَ كُلَّ خَيرٍ وَيَسلَمَ مِن كُلِّ شَرٍّ ... إِنَّهَا قَولُ اللهِ - جَلَّ وَعَلا - : " إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ " لَقَد تَضَمَّنَت هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ أُصُولَ الخَيرِ فَأَمَرَت بِهَا ، وَذُكِرَت فِيهَا أُصُولُ الشَّرِّ وَنُهِيَ عَنهَا ، وَلَو تَأَمَّلَ مُتَأَمِّلٌ فِيمَا يَكسِبُهُ الفَردُ أَوِ المُجتَمَعُ مِن خَيرٍ ، وَمَا يَحصُلُ في العَالَمِ مِنِ اختِلالٍ وَزَعزَعَةٍ وَخَوفٍ وَشَرٍّ ، لَوَجَدَ كُلَّ ذَلِكَ يَعُودُ إِلى مَا أُمِرَ بِهِ في هَذِهِ الآيَةِ أَو إِلى مَا نُهِيَ عَنهُ ؛ فَالحَيَاةُ لا تَقُومُ إِلاَّ عَلَى العَدلِ وَالإِحسَانِ وَالصِّلَةِ ، وَلا تَسقَطُ المُجتَمَعَاتُ وَلا تَنهَارُ الحَضَارَاتُ ، إِلاَّ بِظُهُورِ الفَوَاحِشِ وَالمُنكَرَاتِ وَفُشُوِّ الظُّلمِ . فَأَمَّا العَدلُ فَهُوَ الإِنصَافُ ، وَالقِسطُ وَالمَوَازَنَةُ ، وَوَضعُ كُلِّ أَمرٍ في نِصَابِهِ ، وَإِعطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَأَعظَمُ العَدلِ هُوَ عَدلُ العَبدِ مَعَ رَبِّهِ ، الَّذِي خَلَقَهُ وَسَوَّاهُ وَرَزَقَهُ وَأَعطَاهُ ، بِأَن يَعبُدَهُ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، وَأَن يَشكُرَهُ وَلا يَكفُرَهُ ، وَأَلاَّ يُشرِكَ بِهِ غَيرَهُ ، مُتَّبِعًا في ذَلِكَ مَنهَجَ الوَسَطِيَّةِ الَّتي جَاءَ بِهَا الإِسلامِ ، مِن غَيرِ إِفرَاطٍ وَلا تَفرِيطٍ ، وَلا غُلُوٍّ وَلا جَفَاءٍ ، وَلا شِدَّةٍ وَلا ارتِخَاءٍ . وَإِذَا كَانَ اللهُ يَخلُقُ وَالمَعبُودُ غَيرُهُ ، وَيَرزُقُ وَالمَشكُورُ سِوَاهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظلَمُ الظُّلمِ وَأَشنَعُهُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ " وَمِنَ العَدلِ في العِبَادَةِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – تَركُ المُحَرَّمَاتِ كُلَّهَا ، وَفِعلُ الوَاجِبَاتِ بِقَدرِ الاستِطَاعَةِ ، وَأَعظَمُ ذَلِكَ أَدَاءُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ ، وَإِقَامَتُهَا كَمَا أَمَرَ اللهُ وَعَلَى وِفقِ مَا شَرَعَ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ الوَاجِبَةِ ، وَصَومُ رَمَضَانَ وَحَجُّ البَيتِ . وَمَن عَلِمَ أَنَّهُ بِالطَّاعَةِ يَدخُلُ الجَنَّةَ ، وَبِالمَعَاصِي يَدخُلُ النَّارَ ، ثم تَرَكَ الطَّاعَةَ تَسَاهُلاً ، وَبَالَغَ في المَعصِيَةِ تَمَادِيًا ، فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ ، قَالَ – تَعَالى – في قَومٍ مِنَ العَاصِينَ : " وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ " وَبَعدَ العَدلِ مَعَ اللهِ بِتَوحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ ، وَمَعَ النَّفسِ بِتَركِ المَعَاصِي ، يَكُونُ العَدلُ مَعَ الخَلقِ بِأَن يُعَامَلُوا بِإِنصَافٍ ، وَيُعطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ مِنهُم حَقَّهُ ، بَعِيدًا عَنِ الظُّلمِ وَالبَغيِ وَالعُدوَانِ في أَيِّ صُورَةٍ كَانَ ، حَتَّى وَلَو مَعَ البَهَائِمِ وَالحَيَوَانِ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " دَخَلَتِ امرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتهَا ، فَلَم تُطعِمْهَا وَلَم تَدَعْهَا تَأكُلُ مِن خَشَاشِ الأَرضِ " وَإِذَا كَانَ المَرءُ قَد أُعطِيَ مَالاً وَقُوَّةً أَو وِلايَةً فَإِنَّه لَيسَ مِنَ العَدلِ في شَيءٍ أَن يَتَخَوَّضَ في ذَلِكَ كَمَا تَشتَهِي نَفسُهُ أَو تُملِي عَلَيهِ رَغَبَاتُهَا ، قَالَ – تَعَالى - : " وَلا تَجعَلْ يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسطِ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - مُثنِيًا عَلَى عِبَادِ الرَّحمَنِ : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم " وَعَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبي بِبَعضِ مَالِهِ ، فَقَالَت أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لا أَرضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ ، فَانطَلَقَ أَبي إِلى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لِيُشهِدَهُ عَلَى صَدَقَتي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَفَعَلتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم ؟! " قَالَ : لا . قَالَ : " اتَّقُوا اللهَ وَاعدِلُوا في أَولادِكُم " فَرَجَعَ أَبي فَرَدَّ تِلكَ الصَّدَقَةَ . رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ العَدلَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ مَبدَأٌ رَاسِخٌ وَمَنهَجٌ ثَابِتٌ ، لا يَخضَعُ لِهَوَى نَفسٍ أَو شَهوَتِهَا ، أَو مِزَاجِهَا أَو نَزوَتِهَا ، وَلا يَتَأَثَّرُ بِعَظِيمِ مُوَدَّةٍ وَحُبٍّ وَلا شِدَّةِ بَغضَاءَ وَشَنَآنٍ ، وَلا يَزِيدُهُ قُربُ قَرِيبٍ وَلا يَمنَعُهُ بُعدُ بَعِيدٍ ، وَلا يَدعُو إِلَيهِ غِنَى غَنِيٍّ وَلا يَحجُبُهُ فَقرُ فَقِيرٍ ، وَلا يَأتِيهِ المُسلِمُ خَوفًا مِن قَوِيٍّ مَشهُورٍ ، ثم يُفَرِّطُ فِيهِ مَعَ كُلِّ ضَعِيفٍ مَغمُورٍ ، وَلَكِنَّ مُنطَلَقَهُ تَقوَى اللهِ ، وَالبَاعِثُ عَلَيهِ الخَوفُ مِنهُ ، وَالحَادِي إِلَيهِ طَلَبُ كَرَامَتِهِ وَاحتِسَابُ ما عِندَهُ في يَومِ لِقَائِهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَو عَلَى أَنفُسِكُم أَوِ الوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَو فَقِيرًا فَاللهُ أَولى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَنْ تَعدِلُوا وَإِنْ تَلوُوا أَو تُعرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرًا " وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلَى أَلا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ المُقسِطِينَ عِندَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ يَومَ القِيَامَةِ ، الَّذِينَ يَعدِلُونَ في حُكمِهِم وَأَهلِيهِم وَمَا وَلُوا " رَوَاهُ مُسلِمٌ.
هَذَا هُوَ العَدلُ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاجِبٌ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ وَأَشكَالِهِ ، وَأَمَّا الإِحسَانُ فَهُوَ التَّجوِيدُ وَالإِتقَانُ ، وَالإِتيَانُ بِكُلِّ عَمَلٍ مَشرُوعٍ عَلَى أَكمَلِ وَجهٍ وَأَتَمِّ صُورَةٍ ، وَاتِّسَاعُ خُلُقِ الإِنسَانِ حَتَّى يَتَجَاوَزَ الاقتِصَارَ عَلَى الوَاجِبِ ، إِلى التَّفَضُّلِ بِمَا لَيسَ وَاجِبًا ، وَالتَّكَرُّمِ بِمَا لَيسَ مُتَعَيِّنًا ، وَهُوَ أَنوَاعٌ وَأَشكَالٌ ، مِنهُ مَا يَكُونُ وَاجِبًا ، وَمِنهُ مَا يَكُونُ مَندُوبًا إِلَيهِ مُرَغَّبًا فِيهِ ، وَيَشمَلُ عِلاقَةَ العَبدِ بِرَبِّهِ ، وَعِلاقَتَهُ بِنَفسِهِ ، وَعِلاقَتَهُ بِمَن حَولَهُ ، فيُحسِنُ في عِبَادَةِ رَبِّهِ بِأَن يَعبُدَهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ ، فَإِن لم يَكُنِ يَرَ اللهَ ، فَيَعبُدُهُ عِبَادَةَ مَن يَعلَمُ يَقِينًا أَنَّ الخَالِقَ – تَعَالى – يَرَاهُ وَلا يَخفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِن أَمرِهِ ، وَمِنَ الإِحسَانِ مَعَ اللهِ التَّقَرُّبُ إِلَيهِ بِمَا يُحِبُّهُ مِنَ المَندُوبَاتِ ، وَالحِرصُ عَلَى التَّزَوُّدِ مِن نَوَافِلِ العِبَادَاتِ ، وَبَعدَ ذَلِكَ يَأتي إِحسَانُ المَرءِ إِلى كُلِّ مَن حَولَهُ وَمَا حَولَهُ ، قَولاً وَعَمَلاً ، وَفِعلاً وَتَركًا ، وَمُقَابَلَةً لِلخَيرِ بِأَكثَرَ مِنهُ ، وَلِلشَّرِّ بِالعَفوِ عَنهُ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنًا "  وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " اِدفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ ، فَإِذَا قَتَلتُم فَأَحسِنُوا القِتلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحتُم فَأَحسِنُوا الذِّبحَةَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُم شَفرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمِن أَعظَمِ الإِحسَانِ مَعَ النَّاسِ إِيتَاءُ ذِي القُربى ، بِصِلَتِهِم وَبِرِّهِم وَإِكرَامِهِم ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيهِم وَرَحمَتِهِم ، وَتَقدِيرِهِم وَإِجلالِهِم ، وَالصَّبرِ عَلَيهِم وَتَحَمُّلِ الأَذَى مِنهُم ، وَالصِّلَةُ في حَقِيقَتِهَا وَفَاءٌ وَحُسنُ عَهدٍ وَحِفظُ جَمِيلٍ ، بَل هِيَ اعتِدَالُ خِلقَةٍ وَنَقَاءُ فِطرَةٍ ، وَالتَّقصِيرُ فِيهَا ضَعفُ إِيمَانٍ ، وَتَدسِيَةٌ لِلنَّفسِ وَهَوَانٌ ، وَعَمَى بَصِيرَةٍ وَبُعدٌ مِن رَحمَةِ اللهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَهَل عَسَيتُم إِنْ تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ ، وَيُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِمَا . وَأَعظَمُ الإِحسَانِ إِلى ذَي القُربَى الإِحسَانُ إِلى الوَالِدَينِ وَالبِرُّ بِهِمَا ، ثم البِرُّ بِالأَقَارِبِ الأَدنى فَالأَدنى ، قَالَ – تَعَالى - : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَاعبُدُوا اللهَ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَبِذِي القُربَى وَاليَتَامى وَالمَسَاكِينِ واَلجَارِ ذِي القُربى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت أَيمَانُكُم إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُختَالاً فَخُورًا " وَعَن طَارِقٍ المُحَارِبيِّ قَالَ : قَدِمنَا المَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى المِنبَرِ يَخطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ : " يَدُ المُعطِي العُليَا ، وَابدَأْ بِمَن تَعُولُ ، أُمَّكَ وَأَبَاكَ ، وَأُختَكَ وَأَخَاكَ ، ثُمَّ أَدنَاكَ أَدنَاكَ " رَوَاهُ النَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . هَذِهِ هِيَ أُصُولُ الخَيرِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – عَدلٌ وَإِحسَانٌ ، وَصِلَةٌ لِذَوِي القُربى وَالأَرحَامِ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَاعمَلُوا صَالِحًا وَأَحسِنُوا فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ، وَجَاهِدُوا أَنفُسَكُم عَلَى ذَلِكَ يَكُنِ اللهُ مَعَكُم ، فَهُوَ القَائِلُ - سُبحَانَهُ - : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ  "
 
الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَكَمَا أَمَرَ اللهُ – جَلَّ وَعَلا – بِأُصُولِ الخَيرِ وَمَبَادِئِهِ ، فَقَد نَهَى عَن أُصُولِ الشَّرِّ وَمَنَابِعِهِ ، فَنَهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ ، فَأَمَّا الفَحشَاءُ فَهِيَ كُلُّ أَمرٍ تَنَاهَى قُبحُهُ قولاً كَانَ أَو فِعلاً ، مِنَ الذُّنُوبِ العَظِيمَةِ الَّتي تَستَبشِعُهَا الفِطَرُ السَّلِيمَةُ وَالشَّرِائِعُ الصَّحِيحَةُ الحَكِيمَةُ ، كَالشِّركِ بِاللهِ ، وَقَتلِ النَّفسِ بِغَيرِ حَقٍّ ، وَالزِّنَا ، وَالسِّرَقَةِ ، وَنَحوِ ذَلِكَ مِنَ الفواحِش الَّتي تَجلِبُ المَصَائِبَ . وَأَمَّا المُنكَرُ ، فَهِيَ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتُ ، وَكُلُّ مَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لأَوَامِرِ اللهِ - جَلَّ وَعَلا - وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا ثاَلِثُ مَا نَهَى اللهُ عَنهُ فَهُوَ البَغيُ ، وَيَشمَلُ الظُّلمَ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ ، وَأَعظَمُهُ الشِّركُ بِاللهِ ، ثم تَجَاوُزُ الحُقُوقِ في التَّعَامُلِ مَعَ الخَلقِ ، بِالاستِعلاءِ عَلَيهِم وَالتَّجبُّرِ وَالتَّكَبُّرِ ، أَوِ العُدوَانِ عَلَيهِم في دِمَائِهِم وَأَعرَاضِهِم وَأَموَالِهِم ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " كُلُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَامٌ ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الفِطرَةِ السَّلِيمَةِ قَد يَهَابُ مِنَ الوُقُوعِ في الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالكَبَائِرِ ، فَإِنَّ الوُقُوعَ في الصَّغَائِرِ وَاستِصغَارَهَا وَعَدَمَ استنِكَارِهَا وَتَأخِيرَ التَّوبَةِ مِنهَا ، هُوَ بَابُ الشَّيطَانِ لإِيقَاعِ العَبدِ في أَقبَحِ المُنكَرَاتِ وَجَرِّهِ لأَفظَعِ الفَوَاحِشِ ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِع خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ ، وَلْنَتُبْ إِلى الرَّحِيمِ الرَّحمَنِ ، وَلْنُخلِصِ العَمَلَ لَهُ ، وَلْنُقِمِ الصَّلاةَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِن أَعظَمِ مَا يَحمِي العَبدَ وَيَمنَعُهُ مِنَ الوُقُوعِ في الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَيَنهَاهُ عَنهَا ، وَلْنَتَجَنَّبِ الظُّلمَ وَالبَغيَ وَالقَطِيعَةَ ؛ فَإِنَّ اللهَ - جَلَّ وَعَلا - بِالمِرصَادِ لِمَن بَغَى وَتَجَبَّرَ وَتَسَلَّطَ وَاعتَدَى ، أَو قَطَعَ رَحِمَهُ وَلم يُحسِنْ إِلَيهِم ، قَالَ – تَعَالى – في شَأنِ يُوسُفَ – عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَلَقَد هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَولا أَنْ رَأَى بُرهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " اُتلُ مَا أُوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا مِن ذَنبٍ أَجدَرُ أَن تُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةُ في الدُّنيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ في الآخِرَةِ مِنَ البَغيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَفعَلِ الخَيرَ جُهدَنَا وَطَاقَتَنَا ، وَلْنَترُكِ الشَّرَّ وَلْنَتَجَنَّبْهُ ، فَإِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ النَّاسَ شَيئًا " فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ "
المرفقات

الله-يأمر-بالعدل-والإحسان-وإيتاء-ذي-ال

الله-يأمر-بالعدل-والإحسان-وإيتاء-ذي-ال

الله-يأمر-بالعدل-والإحسان-وإيتاء-ذي-ال-2

الله-يأمر-بالعدل-والإحسان-وإيتاء-ذي-ال-2

المشاهدات 3599 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا