خطبة : ( إلى من صام عاشوراء )

عبدالله البصري
1445/01/16 - 2023/08/03 14:46PM

إلى من صام عاشوراء  17/ 1/ 1445

 

الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَأَطِيعُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِمَّا نَرَاهُ في المُجتَمَعِ مِنَ المُبَشِّرَاتِ بِالخَيرِ ، أَنَّهُ مَا يَمُرُّ بِالمُسلِمِينَ يَومٌ مِن أَيَّامِ اللهِ الَّتي يُسَنُّ صِيَامُهَا ، كَأَيَّامِ السِّتِّ مِن شَوَّالٍ وَيَومِ عَرَفَةَ وَيَومِ عَاشُورَاءَ ، إِلاَّ وَجَدتَ الصَّائِمِينَ أَكثَرَ مِنَ المُفطِرِينَ ، وَهَذَا مِن أَثَرِ تَذكِيرِ النَّاسِ بَعضِهِم بَعضًا في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ، مَعَ مَا يَعِظُهُم بِهِ الخُطَبَاءُ وَيَحُثُّونَهُم عَلَيهِ وَيَأمُرُونَهُم بِهِ مِنَ الخَيرِ ، وَمَا يَرَونَهُ مِن قُدُوَاتٍ أَمَامَهُم وَبَينَ أَيدِيهِم .

يَصُومُ كَثِيرُونَ كِبَارًا وَصِغَارًا وَرِجَالاً وَنِسَاءً ، وَيُمسِكُونَ عَنِ المُفَطِّرَاتِ حَتَّى لا تَكَادُ تَجِدُ فِيهِم مُفطِرًا إِلاَّ المَعذُورَ . فَمَا أَجمَلَ المُسلِمِينَ وَهُم يَحرِصُونَ عَلَى فِعلِ السُّنَنِ وَيَستَكثِرُونَ مِنَ النَّوَافِلِ ، اِقتَدَاءً بِنَبِيِّهِم عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَتَأَسِّيًا بِهِ ، وَرَغبَةً فِيمَا عِندَ اللهِ مِن عَظِيمِ الأَجرِ وَمُضَاعَفِ الثَّوَابِ ، وَسُلُوكًا لِطُرُقِ الخَيرِ المُتَنَوِّعَةِ ، وَاستِنزَالاً لِمَا عِندَ اللهِ مِنَ الرَّحَمَاتِ ، وَرَغبَةً في الصُّعُودِ في الجَنَّةِ إِلى أَعلَى الدَّرَجَاتِ ! غَيرَ أَنَّ ثَمَّ مَا هُوَ أَجمَلُ وَأَكمَلُ ، وَهُوَ أَنْ يُعلَمَ أَنَّ الاهتِمَامَ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَظهَرُ في السُّنَنِ المَوسِمِيَّةِ الَّتي تَمُرُّ في العَامِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ ، يَحسُنُ أَن يَبرُزَ في السُّنَنِ اليَومِيَّةِ كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّ مَن عَلَت هِمَّتُهُ فَإِنَّهُ يَحرِصُ عَلَى السُّنَنِ في كُلِّ يَومٍ ، وَيَتَحَرَّى الإِتيَانَ بِهَا في كُلِّ حِينٍ ، وَلا يَغفَلُ عَنهَا في أَيِّ مَوقِفٍ مِن مَوَاقِفِ حَيَاتِهِ المُختَلِفَةِ ، بَل إِنَّهُ سَيَكُونُ إِلى الوَاجِبَاتِ أَسبَقَ ، وَعَلَى الفَرَائِضِ أَحرَصَ ، وَبِهَا أَشَدَّ عِنَايَةً وَأَكثَرَ اهتِمَامًا ، لِعِلمِهِ أَنَّهُ لَيسَ مِنَ الفِقهِ أَن يَكُونَ صَائِمًا صِيَامَ تَطَوُّعٍ لأَنَّهُ يُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ ، ثم لا يَنشَطَ لِلسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَبلَ الصَّلَوَاتِ المَفرُوضَةِ وَبَعدَهَا ، وَهِيَ الَّتي يُبنَى لَهُ بها بَيتٌ في الجَنَّةِ ، أَو يُفَرِّطَ في صَلاةِ الضُّحَى ، وَهِيَ الَّتي تُجزِئُ عَن أَكثَرَ مِن ثَلاثِ مِئَةٍ وَسِتِّينَ صَدَقَةً ، أَو يَترُكَ الوِترَ وَهُوَ الَّذِي مَا تَرَكَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في حَضَرٍ وَلا سَفَرٍ ، أَو يَصُومَ تَطَوُّعًا ثم يُقَصِّرَ في صَلاةِ الجَمَاعَةِ ، أَو يَعُقَّ وَالِدَيهِ أَو يَقطَعَ أَرحَامَهُ ، أَو يَغفَلَ عَن رِعَايَةِ أُسرَتِهِ وَتَربِيَةِ أَبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ ، أَو يَتَجَاوَزَ حُدُودَهُ في التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ وَيُؤذِيَهُم ، أَو يَتَهَاوَنَ بِأَكلِ الحَرَامِ وَلا يَتَحَرَّى الحَلالَ ، أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَمِنَ المُفرِحِ أَن تُفعَلَ السُّنَنُ وَيُحرَصَ عَلَى النَّوَافِلِ ، وَلَكِنَّ فِعلَ الوَاجِبَاتِ وَاجتِنَابَ المُحَرَّمَاتِ أَلزَمُ مِن كُلِّ شَيءٍ وَآكَدُ ، وَالحِرصَ عَلَى السُّنَنِ وَالنَّوِافِلِ كُلِّهَا أَكمَلُ مِن أَخذِ قَلِيلٍ مِنهَا وَتَركِ الكَثِيرِ . وَلَيسَ هَذَا تَزهِيدًا وَلا تَشدِيدًا ، وَلَن نَقُولَ لِمَن لم يَكمُلِ الوَاجِبَاتِ أَو يَقَعُ في شَيءٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ لا تَأتِ بِشَيءٍ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَلا لِمَن يَتَسَاهَلُ في بَعضِ السُّنَنِ لا تَأتي بِالأُخرَى ، بَل نَقُولُ لِمَن وُفِّقَ لِسُنَّةٍ اِحرِصْ عَلَى فِعلِهَا ، فَإِنَّكَ مَأجُورٌ عَلَى حِرصِكَ ، وَمُثَابٌ عَلَى اتِّبَاعِكَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا في نَفسِكَ مِن حُبٍّ لِلخَيرِ ، وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيكَ أَن تَضَعَ كُلَّ أَمرٍ في نِصَابِهِ ، وَأَلاَّ تَختَلِطَ عَلَيكَ الأُمُورُ فَتُقَصِّرَ في فَرضٍ أَو وَاجِبٍ ، أَو تَأتيَ مُحَرَّمًا أَو مَنهِيًّا عَنهُ ، أَو تَزهَدَ في نَوَافِلَ أُخرَى فِيهَا أُجُورٌ عَظِيمَةٍ ، فَتَخسَرَ بِذَلِكَ كَثِيرًا ، وَاعلَمْ أَنَّ الوَاجِبَاتِ مُستَمِرَّةٌ مَعَ العَبدِ طُولَ حَيَاتِهِ ، وَلا خِيَارَ لَهُ في أَن يَفعَلَ مَنهِيًّا عَنهُ اتِّبَاعًا لِهَوَى نَفسِهِ ، أَو يَترُكَ مَأمُورًا بِهِ تَكَاسُلاً أَو تَهَاوُنًا ، وَكَمَا أَنَّ ثَمَّةَ نَوَافِلَ تَكُونُ في العَامِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ ، فَثَمَّ نَوَافِلُ عَظِيمَةٌ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَومٍ ، وَفِعلُهَا سَهلٌ مَيسُورٌ ، وَفِيهَا حَسَنَاتٌ عَظِيمَةٌ وَأُجُورٌ ، وَلَهَا آثَارٌ حَسَنَةٌ عَلَى العَبدِ في دُنيَاهُ وَأُخرَاهُ ، فَإِذَا تَقَرَّبَ العَبدُ إِلى رَبِّهِ بِأَحَبِّ الأَعمَالِ إِلَيهِ وَهُوَ أَدَاءُ الفَرَائِضِ وَفِعلُ الوَاجِبَاتِ وَتَركُ المُحَرَّمَاتِ ، ثم تَزَوَّدَ قَدرَ المُستَطَاعِ مِنَ النَّوَافِلِ وَالمُستَحَبَّاتِ ، فَهَنِيئًا لَهُ ثم هَنِيئًا ، قَالَ اللهُ تَعَالى في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إليَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها ، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها ، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ استَعاذَني لأُعِيذَنَّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " مَا نَهَيتُكُم عَنهُ فَاجتَنِبُوهُ ، وَمَا أَمَرتُكُم بِهِ فَافعَلُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " مَا مِن عَبدٍ مُسلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَومٍ ثِنتَي عَشرَةَ رَكعَةً تَطَوُّعًا غَيرَ فَرِيضَةٍ ، إِلاَّ بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ ، أَو إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيتٌ في الجَنَّةِ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمَن أَرَادَ أَن يَتَقَبَّلَ اللهُ مِنهُ السُّنَّةَ ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى الفَرِيضَةِ ، وَمَن أَرَادَ الكَمَالَ في التَّعَبُّدِ ، فَلْيَبتَعِدْ عَنِ المَكرُوهِ قَبلَ تَركِ المُحَرَّمِ ، وَمَن طَمَعَ في بُلُوغِ مَرتَبَةِ الإِحسَانِ وَتَحقِيقِ العُروَةِ الوُثقَى ، فَلْيُسلِمْ وَجهَهُ إِلى اللهِ ، وَلْيَنقَدْ إِلَيهِ بِالطَّاعَةِ ، جَاعِلاً كُلَّ أَعمَالِهِ صَغِيرِهِا وَكَبِيرِهَا للهِ ، غَيرَ مُمتَثِلٍ لأَمرٍ وَتَارِكٍ لآخَرَ ، وَلا مُجتَنِبٍ لِمُحَرَّمٍ وَوَاقِعٍ في غَيرِهِ ، وَمَن صَامَ السِّتَّ أَو يَومَ عَرَفَةَ أَو يَومَ عَاشُورَاءَ فَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّ الصَّلَوَاتِ المَفرُوضَةَ أَعظَمُ وَأَهَمُّ ، وَمَن حَرِصَ عَلَى أَخذِ حَظِّهِ مِنَ الصِّيَامِ المَسنُونِ ، وَأَمسَكَ عَمَّا أَحَلَّهُ اللهُ ، فَلْيَحذَرْ مِن أَن يُفطِرَ عَلَى مَا حَرَّمَ اللهُ ، مِن عُقُوقِ وَالِدَيهِ أَو قَطعِ أَرحَامِهِ ، أَو إِيذَاءِ عِبَادِ اللهِ وَبَخسِهِم حُقُوقَهُم ، فَإِنَّ صَومَ القُلُوبِ عَنِ الغِلِّ وَالحِقدِ ، وَامتِنَاعَ الجَوَارِحِ عَنِ المَعَاصِي وَالأَذَى ، هُوَ الصَّومُ الَّذِي يَجِبُ أَن يَستَمِرَّ مَعَ المَرءِ طُولَ دَهرِهِ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " وَمَن يُسلِمْ وَجهَهُ إِلى اللهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى وَإِلى اللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السٌّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحيَاي وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ "

 

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعظِمْ لَهُ أَجرًا "

أَيُّها المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ أَن يَكُونَ عَبدًا رَبَّانِيًّا مُخلِصًا أَعمَالَهُ للهِ ، مُتَابِعًا في كُلِّ مَا يَأتي وَيَذَرُ سُنَّةَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ، فَبِذَلِكَ يَتِمُّ لَهُ الأَجرُ وَيُكتَبُ لَهُ الثَّوَابُ " فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " فَأَسلِمُوا وُجُوهَكُم للهِ وَأَحسِنُوا ، وَاتَّبِعُوا مِلَّةَ الحَنِيفِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ ، فَبِذَلِكَ أُمِرَ نَبِيُّكُم ، وَمَا أَنتُم إِلاَّ أَتبَاعُهُ وَإِخوَانُهُ " قُلْ إِنَّنِي هَدَاني رَبِّي إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ . قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ "

المرفقات

1691062969_إلى من صام عاشوراء.docx

1691062970_إلى من صام عاشوراء.pdf

المشاهدات 736 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا