خطبة : إخوان الشياطين .. الاتحذير من الاسراف والتبذير

متدرب متدرب
1437/04/12 - 2016/01/22 09:58AM
إخوان الشياطين
إنَّ الـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أيها المسلمون : ديننا بحمد الله دين الوسطِ والاعتدال ، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(،
كن في أمورك كلها متوسطا. عدلا بلا نقص ولا رجحان
هكذا جاء الإسلام في كل أحكامه وتشريعاته ، ومن ذلك: ما جاء في أمرُ المال والنفقة ، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) ، (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ( ، فالمسلم وسطٌ بين البخلِ والإسراف، وكلا طرفي قصدِ الأمور ذميمُ.
أيها الإخوة .. مشكلةٌ مفزعة وظاهرةٌ مؤرقة على مستوى الأفراد والمجتمعات، والدول والحكومات ، وهي الإسرافُ في صرف المال، وإهدارُ هذه الخيراتِ والنعم، حتى ذهبت البركةُ من رواتبنا وأموالنا. وصار الناس كأسراب القطا، يقلدُ بعضُهم بعضا، ويتنافسون في الكماليات ، ويقلد بعضهم بعضا ، فلقد تداول الناس في الأيام القريبة الماضية في وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لأناس يظنون أنها تدل على الكرم ، وهي ليست من الكرم ، بل مظاهر شاذة لا يمكن تعميمها على المجتمع ، ومن ذلك ، من يغسل أيدي ضيوفه بأغلى دهن العود ، ومن يذبح ذبائح كثيرة ولا يجلس على الذبيحة إلا شخص واحد ، وآخر يطلق الرصاص لقدوم ضيف أو عرس ، وَرَجُلٌ يَنْثُرُ عَلَى أَضْيَافِهِ أَكْيَاسَ الْـهِيلِ ، وَيَضَعُهَا بِالطُّرُقَاتِ وَالْمَمَرَّاتِ ليدوسوا عليها ؛ لِيَدُلَّـهُمْ عَلَى كَرَمِهِ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: إِسْرَافِهِ وَتَبْذِيرِهِ؛ فَوَضَعَهَا فِي غَيـرِ مَوْضِعِهَا، جَرِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الإِدْرَاكِ، والِإسرَافِ وَالْمَـخِيلَةِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّنَا -وَللهِ الْـحَمْدُ- فِي مُـجْتَمَعٍ إِسْلَامِيٍّ وَاعٍ، نَبَذَ فِيهِ الْـجَمِيعُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَبِيحَةَ، وَالعَاقِلُ يَـحْذَرُ مِنْ مُـجَارَاةِ السَّفِيهِ:
فَاترُكْ مُـجَارَاةَ السَّفِيهِ فَإِنَّـهَا نَدَمٌ، وَعَيْبٌ بَعْدَ ذَاكَ وَخِيمُ
فِإِذَا جَرَيْتَ مَعَ السَّفِيهِ كَمَا جَرَى، فَكِلَاكُمَا فِي جَرْيِهِ مَذْمُومُ
عِبَادَ اللهِ: الْـحَذَرَ الْـحَذَرَ مِنَ الإِسرَافِ! وَاللهَ اللهَ فِي الاِعْتِدَالِ، وَكَمَا قَالَ عَلِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَا أَنْفَقْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ فِي غَيـرِ سَرَفٍ وَلَا تَبْذِيرٍ، وَمَا تَصَدَّقْتَ بِهِ؛ فَهُوَ لَكَ، وَمَا أَنْفَقْتَ رِيَاًء وَسُـمْعَةً فَذَاكَ حَظُّ الشَّيْطَانِ)
أيها الإخوة .. المال في حقيقة أمره ليس ملكاً خالصاً لمالكه، وليست له الحرية المطلقة فيه، كلا بل المال مال لله، قال تعالى -: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾، وهو وديعة عندك، وأنت وكيل تعمل فيه بما يرضاه موكلك، قال تعالى -: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾، والمال امتحانٌ للعبد ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ فنجح أقوام، وهوى آخرون. وفي الحديث : (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع .. وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟).
أيها الإخوة .. جاء الكتاب والسنة، وأقوال السلف والحكماء؛ في ذم الإسراف والتبذير، والتحذيرِ من عواقبهما على الفرد والمجتمع.
قال تعالى في موضعين من كتابه: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).
وهذا يشير إلى أن التبذير من كفران النعم، لا من شكرها الواجب، فالله تعالى وصف المبذرين بأنهم إخوان الشياطين ، بينما وصف الله عباده، فقال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).
وعن عبدالله بن عمرو أن النبي قال: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة)رواه أحمد وحسنه الألباني
وعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أن النَّبِيِّ ص قال: (إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ) متفق عليه. قال أهل العلم: إضاعة المال: صرفه في غير ما ينبغي.
ومر النبي ص بسعد ض وهو يتوضأ فقال: (ما هذا السرف يا سعد؟!)، قال: أفي الوضوء سرف؟! قال: (نعم، وإن كنت على نهر جار) رواه أحمد وحسنه الألباني
وحذر عليه السلام من التنعم، لأنه مدعاة إلى الإسراف. لما بعث النبي ص معاذَ بن جبل (ض) إلى اليمن قال له: (إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين) رواه أحمد وحسنه الألباني
قال عمر :(كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى).
وأبصرت أم المؤمنين ميمونةُ -رضي الله عنها- حبةَ رمانٍ في الأرض، فأخذتها وقالت: إن الله لا يحب الفساد.
وجاء عن أنس ض: الاقتصاد نصف المعيشة.
وفي بعض الآثار: ما عال من اقتصد. أي ما افتقر من اقتصد في تدبير المال.
وقال بعضهم: من حفظ مَاله فقد حفظ الأكرَمَين: الدّينُ وَالْعرض.
وقال معاويةُ بنُ أبي سفيانَ رضي الله عنهما: ما رأيت سرفا قط إلا وإلى جانبه حقٌ مضيع.
وَصَدَقَ مَنْ قَالَ: ثَلَاثَةٌ فِيهِنَّ لِلْمُلْكِ التَّلَفْ : الظُّلْمُ وَالإِهْمَالُ فِيهِ وَالسَّرَفْ
أيها الإخوة .. فإن قال قائل: أين الإسراف في واقعنا؟
فالجواب: مظاهرُ الإسراف وصورُه وأمثلتُه في واقعنا المعاصر كثيرةٌ متنوعة، منها على سبيل المثال:
الإسراف في المآكل والمشارب، وما أكثر ما يقع ذلك، لا سيما في المواسم كرمضانَ والأعيادِ والمناسباتِ. ولهذا نرى أن كثيرا من الطعام يفضلُ عن الحاجة وقد يرمى . وعند بعض الناس هوسٌ في شراء الأطعمة أو صنعِها، ولهثٌ وراء المطاعم والوجبات.
وما أحسنَ إرشادَ النبي)ص( لأمته بقوله: (ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الترمذي وصححه الألباني
ومن مظاهر الإسراف : الإسراف في الملابس، ومجاوزة الحد المعقول، ببذل الأموال الطائلة، أو التكثرِ منها بما لا يحتاجه، أو إهمالِها ورميها مع صلاحيتها. ويكثر هذا في أوساط النساء، فعند كثير منهن هوسٌ وشغفٌ في باب اللباس، وتتبع للموضات.
ومن مظاهر الإسراف في المجتمع:- الإسراف في المساكن والبيوت، ولا بد للمرء من بيت يسكنُه، لكن تجاوز بعضهم حد الحاجة وأسرفوا في الكماليات المكلفة، وزادوا الطين بلة إذا كان ذلك عن طريق الديون والقروض.
وكذلك أيضا الإسراف في المراكب، فصار الكثير يشتري سيارة جديدة فاخرة مهما كان مستواه ودخله، وبعضهم يتكثر من السيارات بما لا يحتاجه، وتنافس الناس في هذا الحطام.
ومن مظاهر الإسراف : الإسراف في استخدام الخدمات العامة، كالمياه والكهرباء ونحوهما، وقد كان النبي (ص) يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع. وفي الحديث (لا تسرفوا في الماء ولو كنتم على نهر جار) ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "ولنعلم أن الإكثار من استخدام الماء في الوضوء أو الغسل داخل في قول الله تعالى : (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله : يكره الإسراف ولو كان على نهر جار ، فكيف إذا كان على مكائن تستخرج الماء .
ومن مظاهر الإسراف : الإسراف في حفلات الزواج و التخرج ، وهذا من أوضح ما يتجلى فيه الإسراف في المجتمع، بدءا من المهور الباهظة، مرورا بالولائم التي ينفق فيها الأموالُ الطائلة على قصور الأفراح، والتفاخر بالذبائح وأنواع الطعام والشراب والحلويات والمعجنات، والورود والزينة، والزفة والطرب، وغير ذلك، وتتلف فيها عشرات الآلاف من الريالات في ساعات معدودات.
عباد الله : هل تعلمون أنه وقع هنا بلادنا في نجد مجاعةٌ عظيمة اضطرت الناسَ إلى أكل الميتة والجيف ولحاف الأشجار ، ومات أقوام كثيرون بسبب الجوع، وذلك عام 1327 هـ حتى سميت سنةَ الجوع؟.
قال تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
لقد تخطّفتِ الفتنُ مَنْ حولَنا, وأخذ الله من هو أشدّ قوّةً ومكانة, وعزّةً ومَنَعة, فغدا العزيز ذليلًا, والشريف وضيعًا, والأمير كسيرًا, والغنيّ فقيرًا. إِنَّ الأَخطَارَ تُحيطُ بِنَا، وَالنُذُرُ تَأتِينَا مِنْ بَينِ أَيدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَالأَعداءُ يَتَهَيئُونَ لِلانْقِضَاضِ عَلَينَا، وهم الآن قد دَمَّرُوا العِراقَ وَنَخِيلَهُ وَتَمرَهُ وَثَرَوَاتِهِ، فَلَا تَمْرَ اليوم فِي العِراقِ يَكفِي أَهلَهَا، وَقَدْ كَانَتْ فِي يَومٍ مِنَ الأَيَامِ تُصَدِّرُ لِلعَالَمِ فائضَ تَمرِهَا وتتصدق ، فَأَحَالَها الصَفَوِيُّونَ خَرَابًا يَبَابًا، يَبْحثُ أَهلُهَا عَنْ بُلَغةٍ مِنْ عَيشٍ كَريمٍ فَلَا يَجِدُونَها، وَيَحلُمُونَ بِأَمْنٍ زَالَ عَنْهُم مُنذُ وَطِءَ الأًعداءُ أَرْضَهُمْ.
وَكانتِ الشَّامُ جَنَّةَ اللهِ تَعَالى فِي أَرْضِهِ، وَأَنَهَارُهَا أَعْذَبَ الأَنْهَارِ، وَفَاكِهَتُهَا أَطيبَ فَاكِهَةٍ، وَأَنُواعُ الحَلوَى مُنتَشِرةٌ فِي شَوَارِعِهَا، وَهِيَ الآنَ مِنْ دَمَارٍ إِلَى دَمَارٍ حَينَ سُلِّطَ عَلَيهَا البَاطِنِيُونَ فَغَزَوهَا وَدَمَّرُوهَا وَحَاصَرُوهَا حَتَى مَاتَ أَهْلُهَا جُوعًا. مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أنَّ العِراقَ يَقِلُّ تَمْرُهَا، أَو أَنَّ الشَامَ تَذْبُلُ ثِمَارُهَا، وَيَيْبَسَ شَجَرُهَا؟
وكان آباؤنا وأجدادنا إلى وقت قريب يكابدون الجوع ويضربون الأسفار إلى الهند والصين و العراق والشام ومصر طلبا للقمة العيش ، حتى جرت على ألسنهم الأمثال ومن ذلك قولهم : الهند هندك إذا قل ما عندك ، والريف ( يعني العراق ) والريف ريفك إذا قلت مصايفك ، و الشام شامك إذا الدهر ضامك .
أَلَا فَاعتَبِرُوا -عبادَ اللهِ - بِما حَلَّ بِإِخْوَانِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ ما حل بهم ، وَخُذُوا حِذْركَم مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى، وَارْعُوا نِعْمَتَهُ، فنحن الآن بحمد الله آمنون مُطمئنون, ولو خرجنا شبرًا إلى مَن حولَنا لرأينا ما تشيب له الولدان, وتدمع له العينان, وحالنا كما قال تعالى أهل مكة: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).
إلا أنّ الْعَجَبَ مِن بعض سفهائنا, وشِرْذِمَةٍ مِن بني جِلْدَتِنا, أبوا في هذه الفتن العصيبة إلا الغَيَّ والبَطَر, والكبر والغرور والأشر, والتّبَجُّحَ بكفران النعم, بدعوى الْمُباهاةِ والكرم.
كيف يفتخر هؤلاء الجهالُ بالإسراف والبَطَر, ومن حولنا يُتخطّفون ويُقتّلون, وكثيرٌ منهم يموت جوعًا. ما هي نظرتهم لنا وهم يرون هذه الصور والمقاطع المخزية , سوف يظُنُّون أنّنا كلنا على ذلك, وستتقطّعُ قلُوبُهم أسىً وحسرة, ويتساءلون: أهؤلاء هم أحفاد الصحابة؟ أهؤلاء هم إخواننا في الدين, أهؤلاء أهل الحرمين وأُولى الْقبلتين؟
وإذا لم يردع هؤلاء دينُهم وإيمانُهم, أفلا تردعهم أخلاقهم ومكارمهم؟
بل الواجب أنْ يُردع هؤلاء السفهاء, وأنْ يُؤخذ على أيديهم, وقد جاء في الأثر: "والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يد المسيء, ولتأطرنه على الحق أطراً, أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض"..
وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قرارا حول هذه الظاهرة جاء فيه ما نصه: "يرى المجلس بالأكثرية معاقبةَ من أسرف في ولائم الأعراس إسرافا بينا، وأن يحال بواسطة أهلِ الحسبة إلى المحاكم لتعزرَ من يثبتُ مجاوزتُه الحدَّ بما يراه الحاكمُ الشرعي من عقوبةٍ رادعة زاجرةٍ تكبحُ جماحَ الناسِ عن هذا الميدانِ المخيف" أ.هـ
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعَنا بما فيه من البيانِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.


الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أمَّا بَعْدُ
إن من أهم أسباب الإسراف هو الجهل. فيظن بعض الناس أن المال إذا اكتسب من حلال وصرف في حلال ، فهو جائز حتى ولو جاوز الحد. وهذا غير صحيح فالمسلم محاسب عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه .
من أسباب الإسراف : الغنى بعد الفقر. فمن اكتوى بنار الفقر وشدته ، ثم فتحت عليه الدنيا ، أورث له ذلك توسعا وجنوحا في طلب المتع ، والمبالغة في صرف المال. (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) ، والمعنى: أن الإنسان ليتجاوز الحدود إذا أبطره الغنى، وقال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ).
من أسباب الإسراف : التأثر بمن حوله، لا سيما بعد انفتاح الناس بعضهم على بعض بوسائل التواصل. إننا نعيش تهافتا محموما في الاستهلاك والطلب، وانظروا كم عندنا من الأسواق والمحلات، فمن يملك المال يُسرف، والذي لا يملك يقترض من أجل أن يسرف، ويلبي متطلبات أسرته لا اقول من الضرورات بل من الكماليات، كي يكون مثل غيره. فهذا يقترض ليسافر بعائلته إلى الخارج للسياحة، وثان يقترض ليقيم حفلة زواج يتحدث الناس بها ، وثالث يقترض ليشتري سيارة من سيارات الأثرياء ليشار إليه ، وهكذا في أمثلة كثير من صور السفه والخرق.
من أسباب الإسراف : الضغوط الخارجية على الشخص ، وأكثر ما يقع ذلك من الزوجة والأولاد حين يلحون على الرجل بشراء كذا، وعمل كذا، مما يوقعه في الإسراف ومجاوزة الحد.
أيها الإخوة .. حينما يسرفُ المرءُ، فإن نفسَه تسترسلُ وراء الشهواتِ والمتع ، وهذا يجرها إلى الإثم والغفلة عما خلقتْ له،
والنفس راغبةٌ إذا رغبتها ... وإذا تُرد إلى قليل تقنع
الإسراف يورث الكبر والخيلاء، ويكسر قلوب الفقراء.
الإسراف يعوِّد النفس على الكسل والخمول، ويصعب عليها تحمل المصاعب والمشاق.
الإسراف خسارة للأمة الإسلامية من خيرات هذه الأموال المهدرة. فما ظنكم لو جمعنا تلك الأموال الضائعة، كم سيسهم في سد حاجة الفقراء، وتغطية المشاريع الخيرية.
وإذا حدث ووقع الإسراف من شخص ، فالعاقل لا يصور ذلك وينشره للناس , بل يجعل بلواه لنفسه ولا ينشرها فيضيف إثم الناس على آثامه ، ويجاهر بالمعصية ، فإن المجاهرة بالمعاصي خطيرة .
أيها الإخوة .. اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، كان النَّبِيُّ  يَبِيتُ اللَّيَالِي الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً. رواه أحمد وحسنه الألباني ، وتبعه على ذلك أصحابُه والتابعون لهم بإحسان.
تذكروا المآل القريب حينما توسد في قبرك، لا أنيس ولا جليس، تذكروا الأهوال العظام يوم الحشر والقيام، ولا تغرنكم الدنيا وزينتها عما خلقتم له.
هذا وصلو على خير الخلق محمد بن عبدالله ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وجميع أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهمَّ ارزقنا شُكرَ نعمائِك، وزِدنا من فضلِك وكرمِك وإحسانِك، وارزقنا الفوزَ برضوانِك، واعتقنا بفضلِك من نيرانِك، واحشرنا يومَ القيامةِ مع أنبيائِك وأوليائِك وأصفيائِك، برحمتِك يا أرحمِ الرَّاحمينَ .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعلَ السُّفهاءُ منَّا .. اللهم إنا نسألُك أن تردَّنا إلى الحقِّ ردًا جميلاً .. اللهم إنا نسألُك أن تطهِّرَ قلوبَنا وأن تُحصِّنَ فروجَنا .. اللهمَّ إنا نسألُك الهُدى والتُّقى والعَفافَ والغِنى ..اللهم نَسألُك الأمنَ والإيمانَ في بلادِنا وبلادِ المسلمينَ، اللهمَّ من أراد بلدَنا هذا وبلادَ المسلمينَ بسوءٍ فأشغله في نفسِه، وردَّ كيدِه في نحرهِ، اللهم إنا نسألكُ الأمنَ والإيمانَ والسَّلامةَ والثَّباتَ على الإسلامِ يا رحيمُ يا رحمنُ ..
اللهم ول على المسلمين خيارهم وجنبهم شر اشرارهم ، واجعل ولايتنا فيما خافك واتقاك وابع رضاك
اللهم وفق ولي أمرنا ونائبيه لما تحبه وترضاه وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة . يا راحم الراحمين
اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا يا قوي يا عزي
سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.




الخطبة مستقاة من هذا الموقع وغيره
المشاهدات 1497 | التعليقات 0