خطبة : ( أيها الساهرون )
عبدالله البصري
1437/11/01 - 2016/08/04 20:42PM
أيها الساهرون 2 / 11 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نِعَمُ اللهِ عَلَى العِبَادِ لا تُحصَى ، وَمِنَنُهُ عَلَيهِم لا تُستَقصَى ، بَل هِيَ مُتَتَابِعَةٌ لَيلاً وَنَهَارًا ، عَامَّةٌ سِرًّا وَجِهَارًا ، يَتَقَلَّبُونَ فِيهَا قَائِمِينَ قَاعِدِينَ رَاقِدِينَ ، وَيَقتَطِفُونَهَا مُسَافِرِينَ أَو مُقِيمِينَ ، وَيَجِدُونَهَا بَادِينَ أَو حَاضِرِينَ ، وَمِن تِلكَ النِّعَمِ مَا هُوَ في نَفسِهِ آيَةٌ مِن آيَاتِ اللهِ البَاهِرَةِ ، وَسُنَّةٌ مِن سُنَنَهِ المُحكَمَةِ القَاهِرَةِ ، لا يَملِكُ العَبدُ حِيَالَهَا إِلاَّ التَّسلِيمَ وَالإِذعَانَ ، وَاتِّبَاعَهَا وَعَدَمَ مُخَالَفَتِهَا ، مِن ذَلِكُم نِعمَةُ النَّومِ ، بل آيَةُ المَنَامِ بِالليلِ ، حَيثُ جَعَلَ – تَعَالى - الليلَ لِبَاسًا وَسَكَنًا ، لِتَهدَأَ فِيهِ الأَنفَاسُ وَتَسكُنَ الحَوَاسُّ ، وَلِتَحصُلَ لِلأَجسَادِ الرَّاحَةُ وَالإِينَاسُ ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَجَعَلنَا نَومَكُم سُبَاتًا . وَجَعَلنَا الليلَ لِبَاسًا "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَمِن آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِالليلِ وَالنَّهَارِ وَابتِغَاؤُكُم مِن فَضلِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَسمَعُونَ "
نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - لَقَد جَعَلَ اللهُ الليلَ لِلهُدُوءِ وَالسَّكَنِ وَالرَّاحَةِ ، وَالنَّهَارَ لِلحَرَكَةِ وَالعَمَلِ وَالمَعَاشِ .
وَلَمَّا كَانَتِ الأَجيَالُ تَسِيرُ عَلَى تِلكَ الفِطرَةِ السَّلِيمَةِ وَعَلَيهَا تَقُومُ حَيَاةُ النَّاسِ ، كَانُوا أَهنَأَ عَيشًا وَأَقوَى أَجسَامًا ، وَأَتَمَّ صِحَّةً وَأَوسَعَ صُدُورًا ، وَأَقرَبَ لِلطَّاعَةِ وَأَبعَدَ عَنِ المَعصِيَةِ ، وَلَكِنَّ عَوَارِضَ هَذِهِ الأَزمِنَةِ المُتَأَخِّرَةِ وَمَا أَكثَرَهَا ، أَفسَدَتِ الفِطَرَ وَنَكَّسَتهَا ، وَصَادَمَتِ السُّنَنَ وَعَارَضَتهَا ، فَقَلَبَ أُنَاسٌ وَخَاصَّةً مِنَ الشَّبَابِ الفِطرَةَ ، وَخَالَفُوا الطَّبِيعَةَ وَالسُّنَّةَ ، فَصَارُوا في النَّهَارِ جِيَفًا مُنتِنَةً ، وَفي الليلِ خَفَافِيشَ سَاهِرَةً ، لا يَتَقَيَّدُونَ بِوَقتِ نَومٍ وَلا مَوعِدِ عِبَادَةٍ ، وَلا يَرتَبِطُونَ بِسَاعَاتِ عَمَلٍ وَلا زَمَانِ مَعَاشٍ ، لَكِنَّهُم عَبِيدُ رَغَبَاتٍ وَشَهَوَاتٍ ، وَأَسرَى لِوَسَائِلِ تَوَاصُلٍ وَقَنَوَاتٍ .
وَلَمَّا غَفَلَ الأَولِيَاءُ وَصَدَّ الآبَاءُ ، وَتَهَاوَنُوا وَتَسَاهَلُوا ، وَجَعَلُوا لا يَسأَلُونَ عَمَّن تَحتَ أَيدِيهِم وَلا يَرعَونَهُم ، وَلا يَهتَمُّونَ بِتَنظِيمِ حَيَاتِهِم وَلا تَرتِيبِ شُؤُونِ عَيشِهِم ، إِذْ ذَاكَ نُكِّسَت طِبَاعٌ وَتَغَيَّرَت أَوضَاعٌ ، وَصَارَتِ الأَيَّامُ وَالليالي الَّتي هِيَ مَحَطَّاتُ الحَيَاةِ ، وَالَّتي يُتَزَوَّدُ مِنهَا بِالطَّاعَاتِ وَتُكتَسَبُ فِيهَا الحَسَنَاتُ ، صَارَت مَقلُوبَةً رَأسًا عَلَى عَقِبٍ ، تُقضَى بَينَ سَهَرٍ عَلَى مَعصِيَةٍ ، أَو سَمَرٍ عَلَى مُبَاحٍ غَيرِ نَافِعٍ ، وَنَومٍ عَنِ الصَّلَوَاتِ وَتَثَاقُلٍ عَنِ الوَاجِبَاتِ ، وَإِضَاعَةٍ لِلحُقُوقِ وَتَكَاسُلٍ عَنِ المَسؤُولِيَّاتٍ .
لَن نَتَحَدَّثَ كَثِيرًا عَمَّا صَارَ عَلَيهِ لَيلُكُم في زَمَانِنَا - أَيُّهَا السَّاهِرُونَ - ، وَلا عَمَّا يُعرَضُ فِيهِ عَلَيكُم وَلا مَا تُشَاهِدُونَ ، وَلا أَينَ تَذهَبُونَ وَلا مَاذَا تَفعَلُونَ ، فَكُلُّ ذَلِكَ مُحصًى مَحفُوظٌ في كِتَابٍ لا يُغَادِرُ صَغِيَرةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحصَاهَا ، قَالَ – تَعَالى - : " وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلزَمنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ كِتَابًا يَلقَاهُ مَنشُورًا . اِقرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسِيبًا "
نَعَم – أَيُّهَا السَّاهِرُونَ – لَن نُفَصِّلَ فِيمَا أَنتُم عَلَيهِ في لَيلِكُم ، وَلَكِنَّنَا سَنَقُولُ لَكُم إِنَّكُم في جِهَةٍ وَهَديُ نَبِيِّكُم في جِهَةٍ أُخرَى ، فَقَد كَانَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - يَنَامُ أَوَّلَ الليلِ وَيَقُومُ آخِرَهُ ، وَيَكرَهُ النَّومَ قَبلَ العِشَاءِ وَالسَّهرَ وَالحَدِيثَ بَعدَهَا ، فَفِي سُنَنِ ابنِ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا – قَالَت : مَا نَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَبلَ العِشَاءِ وَلا سَمَرَ بَعدَهَا .
وَعِندَ التِّرمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَن أَبي بَرزَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : كَانَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَكرَهُ النَّومَ قَبلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعدَهَا .
لَقَد كَانَ هَديُهُ – عَلِيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – هَذَا هُوَ أَكمَلَ الهَديِ وَأَشَدَّهُ مُوَافَقَةً لِلفِطرَةِ ، عَدَا أَنَّ النَّومَ قَبلَ العِشَاءِ قَد يُؤَدِّي لِتَأخِيرِهَا عَن وَقتِهَا ، وَالحَدِيثَ بَعدَهَا وَالسَّمَرَ رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِتَركِ صَلاةِ الفَجرِ بِالكُلِّيَّةِ ، أَو تَأخِيرِهَا عَن وَقتِهَا وَأَدائِهَا في غَيرِ جَمَاعَةٍ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّةَ النَّهيِ عَنِ النَّومِ قَبلَ العِشَاءِ وَالسَّمرِ بَعدَهَا هِيَ خَشيَةُ تَركِ الصَّلَوَاتِ أَو تَأخِيرِهَا عَن وَقتِهَا ، فَاعلَمُوا أَنَّ مَن يُؤَدِّي بِهِ السَّهرُ إِلى تَركِ صَلاةٍ أَو عِدَّةِ صَلَوَاتٍ كَمَا يَحصُلُ في زَمَانِنَا وَأَيَّامِنَا ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ السَّهرُ ، وَإِلاَّ صَارَ كُلُّ زَمَانِهِ مَعصِيَةً وَإِثمًا وَأَوزَارًا وَخَسَارًا ، سَوَاءٌ مِنهُ مَا كَانَ فِيهِ سَاهِرًا فَأَدَّى بِهِ إِلى النَّومِ عَنِ الصَّلاةِ ، أَو مَا كَانَ فِيهِ نَائِمًا عَنِ الصَّلاةِ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ حَاصِلٌ . وَإِنَّ حُصُولَ مِثلِ هَذَا في بُيُوتِنَا وَمِن أَبنَائِنَا لَيَدُلُّ عَلَى تَنَاسٍ لِلغَايَةِ مِن وُجُودِنَا ، وَسُوءِ فَهمٍ لِمَا يَجِبُ أَن تَكُونَ عَلَيهِ حَيَاتُنَا ، وَغَفلَةٍ مُستَحكِمَةٍ عَن مَصِيرِنَا ، وَإِلاَّ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُم – لَمَّا جَعَلُوا الغَايَةَ مِن وُجُودِهِم في هَذِهِ الدُّنيَا نُصبَ أَعيُنِهِم ، أَورَثَهُم ذَلِكَ فِقهًا دَقِيقًا وَفَهمًا عَمِيقًا ، جَعَلَهُم يَحتَسِبُونَ نَومَهُم كَمَا يَحتَسِبُونَ صَحوَهُم ، فَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّ أَبَا مُوسَى سَأَلَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - : كَيفَ تَقرَأُ أَنتَ – يَعني القُرآنَ - ؟ قَالَ : سَأُنَبِّئُكَ بِذَلِكَ ، أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ ثم أَقُومُ فَأَقرَأُ ، فَأَحتَسِبُ في نَومَتي مَا أَحتَسِبُ في قَومَتي .
فَرَضِيَ اللهُ عَنهُم ، عَرَفُوا قِيمَةَ الوَقتِ وَثَمَنَ العُمُرِ وَغَلاءَ سَاعَاتِ الحَيَاةِ ، فَنَامُوا لِيَستَعِينُوا بِنَومِهِم عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِم ، وَلَم يَصنَعُوا كَالسَّاهِرِينَ في زَمَانِنَا عَلَى مَا لا يَجُوزُ ، النَّائِمِينَ في النَّهَارِ عَمَّا يَجِبُ ، الآثِمِينَ بِذَلِكَ في مَنَامِهِم وَقِيَامِهِم ، المُتَعَرِّضِينَ لِلسَّخَطِ قَائِمِينَ قَاعِدِينَ رَاقِدِينَ ، فَأَيُّ انتِكَاسَةٍ هَذِهِ وَأَيُّ انقِلابٍ هَذَا ، وَأَيُّ خَسَارَةٍ وَأَيُّ إِفلاسٍ ؟!
أَيُّهَا السَّاهِرُونَ ، هَل أَنتُم مِمَّن يَذكُرُونَ اللهَ في مَجَالِسِ سَمَرِكُم ؟!
إِن كُنتُم كَذَلِكَ وَفَوَّتْتُم صَلاةَ الفَجرِ أَو غَيرَهَا ، فَمَا أَنتُم في هَذَا عَلَى خَيرٍ ، وَمَا تِلكَ بِعَلامَةِ فِقهٍ وَلا سِيمَا تَدَيُّنٍ ، وَإِن لم تَكُونُوا كَذَلِكَ وَإِنمَّا سَهِرتُم عَلَى قِيلٍ وَقَالٍ وَلَهوٍ ، فَانتَبِهُوا لِئَلاَّ تَكُونُوا مِمَّن قَالَ فِيهِمُ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا مِن قَومٍ يَقُومُونَ مِن مَجلِسٍ لا يَذكُرُونَ اللهَ فِيهِ ، إِلاَّ قَامُوا عَن مِثلِ جِيفَةِ حِمَارٍ ، وَكَانَ عَلَيهِم حَسرَةً يَومَ القِيَامَةِ " أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فَاتَّقُوا اللهَ جَمِيعًا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاعلَمُوا أَنَّ الحَيَاةَ سَاعَاتٌ وَلَحَظَاتٌ ، وَأَيَّامٌ وَلَيَالٍ مَعدُودَاتٌ ، ثم مَوتٌ وَقَبرٌ يَتلُوهُمَا بَعثٌ وَحِسَابٌ " فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبرَى . يَومَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى . وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى . فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، بَعضُ مَن يَسهَرُونَ في الليلِ وَيَكمُنُونَ في بُيُوتِهِم في النَّهَارِ ، يَعتَذِرُونَ بِشِدَّةِ الحَرِّ ، وَصُعُوبَةِ الحَرَكَةِ في النَّهَارِ مَعَ حَرَارَةِ الشَّمسِ ، وَلِهَؤُلاءِ وَغَيرِهِم ، فَإِنَّهُ لا يُقَالُ لِلنَّاسِ ابتِدَاءً لا تَسهَرُوا ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُمُ احذَرُوا ثم احذَرُوا ، اِحذَرُوا مِن سَهَرٍ تُضِيعُونَ بِسَبَبِهِ صَلاةَ الفَجرِ ، فَتَكُونُوا مِنَ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَيسَ صَلاَةٌ أَثقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجرِ وَالعِشَاءِ ، وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أَمَّا إِن كَانَ سَهَرُكُم يُضِيعُ عَلَيكُم صَلاةَ الفَجرِ وَالظُّهرِ ، وَقَد لا تُدرِكُونَ بِسَبَبِهِ صَلاةَ العَصرِ ، فَنَبرَأُ إِلى اللهِ مِن فِعلِكُم ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِمَّا حَلَّ بِكُم ، وَنَسأَلُهُ الثَّبَاتَ عَلَى الحَقِّ حَتَّى المَمَاتِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ العَصرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهلَهُ وَمَالَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ثم هَل تَظُنُّونَ أَنَّ الَّذِينَ يَنَامُونَ في الليلِ وَيَتَعَرَّضُونَ لِلحَرِّ وَلَهِيبِ الشَّمسِ في النَّهَارِ في ذَهَابِهِم لِلمَسَاجِدِ وَعَودَتِهِم مِنهَا لا يُحِسُّونَ ؟!
لا وَاللهِ ، وَلَكِنَّهُم عَلِمُوا أَنَّ هَذَا الحَرَّ إِنَّمَا هُوَ نَفَسٌ يَسِيرٌ مِن أَنفَاسِ جَهَنَّمَ ، تِلكَ النَّارُ العَظِيمَةُ المُحرِقَةُ ، الَّتي يُصهَرُ بِحَمِيمِهَا مَا في البُطُونِ وَالجُلُودُ ، وَلِلكَافِرِينَ فِيهَا مَقَامِعُ مِن حَدِيدٍ ، وَإِنَّمَا يَدخُلُهَا بَعضُ مَن يَدخُلُهَا بِسَبَبِ تَركِهِ الصَّلاةَ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ . إِلاَّ أَصحَابَ اليَمِينِ . في جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ المُجرِمِينَ . مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ . قَالُوا لم نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ . وَلَم نَكُ نُطعِمُ المِسكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّينِ . حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ ، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ ، وَاعلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الأَجسَادَ الَّتي تُنَعِّمُونَهَا وَتَحمُونَهَا بِالنَّومِ تَحتَ المُكَيِّفَاتِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ وَلَهِيبِ الشَّمسِ ، أَحَقُّ بِأَن تُرحَمَ مِن نَارِ الآخِرَةِ وَبُؤسِهَا وَعَذَابِهَا الوَاقِعِ ، الَّذِي لَيسَ لَهُ مِن دَافِعٍ ، إِلاَّ رَحمَةُ اللهِ ثم صَالِحُ العَمَلِ ، وَتَحَمَّلُوا حَرَّ الدُّنيَا قَلِيلاً لِتَنجُوا مِن حَرِّ الآخِرَةِ ، فَإِنَّ العَاقِلَ المُوَفَّقَ مَنِ اتَّعَظَ بما يَرَى مِمَّا وَعَظَهُ بِهِ رَبُّهُ في هَذِهِ الدُّنيَا ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " اشتَكَتِ النَّارُ إِلى رَبِّهَا فَقَالَت : يَا رَبِّ أَكَلَ بَعضِي بَعضًا ؛ فَجَعَلَ لها نَفَسَينِ : نَفَسٌ في الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ في الصَّيفِ ، فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ البَردِ مِن زَمهَرِيرِهَا ، وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ مِن سَمُومِهَا " أَخَرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " يُؤتَى بِأَنعَمِ أَهلِ الدُّنيَا مِن أَهلِ النَّارِ ، فَيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً ، ثم يُقَالُ لَهُ : يَا بنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ ؟! هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟! فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ . وَيُؤتى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ : يَا بنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ ؟! هَل مَرَّ بِكَ مِن شِدَّةٍ قَطُّ ؟! فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطَّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المرفقات
أيها الساهرون.doc
أيها الساهرون.doc
أيها الساهرون.pdf
أيها الساهرون.pdf
المشاهدات 2331 | التعليقات 2
جزاك الله خيرا ...خطبة تحكي واقع نعشه نسال الله السلامة والعافية
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق