خطبة : أيها الآباء اسألوا قبل الموافقة
عدنان الدريويش
خطبة : أيها الآباء اسألوا قبل الموافقة
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1] .
أما بعدُ: اعتنى الإسلام بالأسرة منذ بدء تكوينها فوضع الأسس والقواعد التي تجعل الزواج ناجحا ومستقرا للمرأة وللرجل ولذا يعتبر قرار الموافقة على الزواج أمرا هاما يتطلّب الكثير من الحذر لأنّ اختيار الشريك الغير مناسب يجلب التعاسة والحزن، أما اختيار الشريك المناسب يجلب السعادة والهناء للحياة الزوجية .
قال تعالى ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) والصلاح هنا يشمل صلاح الظاهر والباطن ، صلاح الدين والأخلاق ، صلاح السلوك والمعاملات ، لذا كان على الآباء والأمهات قبل الموافقة التحري والدقة في السؤال عن الطرف الآخر وعن أسرته وأخلاقه ، ولا يكتفى بظاهر شكله أو وظيفته .
عباد الله : تقول إحدى الفتيات منذ اليوم الأول من الزواج وانا أعاني من تأخره وسهره خارج المنزل ، ومع مرور الأيام بدأت سجلات زوجي تفتح في وجهي ، فاكتشفت أنه لا يصلي إلا قليلا ، ويكره الدين وأهله ، ويحمل فكرا شاذا ، سهرات وحفلات مع أصحاب سوء ، يأتي ورائحته كلها دخان وشيشة ، حتى وصلت حالي إلى الضرب والشتائم .
ويقول آخر لقد أتعبتني زوجتي بطلباتها وأرهقتني بالديون ، كل هذا حتى تكون مثل المشهورات وتكون أفضل من زميلاتها ، ملاحقة للموضة ومتابعة للسنابات ، تمنعني حقي الشرعي بالأسابيع خوفا على شعرها وجمالها أو إحراجا من صديقاتها وأهلها أو طمعا في زيادة النفقة عليها ، ولو كان ذلك بالديون وسؤال الناس ، أصبحت حياتنا لا تطاق صراخ وشتائم وعناد ونكران للجميل .
جاء عن الحسن رضي الله عنه أن رجلا أتاه ، فقال : إن لي بنتا أحبها وقد خطبها غير واحد ، فمن تشير علي أن أزوجها ؟ قال : زوجها رجلا يتقي الله ، فإنه إن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها .
وقال صلى الله عليه وسلم " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " وفي هذا الحديث جمع الرسول صلى الله عليه وسلم بين الدين وهي العبادات وبين الخلق وهي المعاملات .
فيا أيها الآباء ، لئن يتأخر الزواج خير من دماره وخرابه وفساده ، ولئن يتأخر الزواج خير من عجلة أورثت ندما ، ولئن تكون البنت في بيت والدها معززة مكرمة خير من أن تعيش مع رجل تكون معه مظلومة ومقهورة ومهانة .
لكن بالمقابل ترى كثيرا من الشباب والفتيات يبالغون في الصفات المرغوبة لديهم ، وكأنهم يريدون ثوبا مفصلا مناسبا لأذواقهم دون خلل أو نقص ، حتى يتقدم بهم العمر فيبدئون بتقديم تنازلاتهم ليوافقوا بعد ذلك على أي شخص يتقدم سواء كان صالحا أو فاسدا وهنا تبدأ رحلة من المعاناة والقصص الأليمة .
فلا إفراط ولا تفريط في الصفات والشروط المطلوبة ، وليعلم كلا من الزوجين أنه يستطيع إكمال الآخر والتعاون فيما بينهما في التربية والحياة السعيدة .
عباد الله : رجل كان شرطه الأول الجمال مهما كانت أخلاقها ، ونسي جمال الأخلاق مع جمال الشكل ، فالجمال الظاهر قد يذهب لأي سبب من أسباب الدنيا وهو أمر نسبي تختلف عليها الأذواق .
يقول أحدهما : حياتي معها بين صراخ وهم وتوتر ، نصبح على مشكلة ونمسي على بلاء ، وأخرى كان شرطها الثراء مهما كانت أخلاقه ، حتى جاءها الغني الثري ، تقول : وفي أول ليلة من زواجها دخل عليها وهو سكران لا يعرف بما يهذي ويقول ، فعرفت من هذيانه سوء سريرته وخلقه ، ومع مرور الأيام تطلقت ثم تزوجت برجل في عمر والدها .
عباد الله : إن اختيار الشريك الصالح مسؤولية تقع في بدايتها على الآباء والأمهات ، والأخوة والأخوات ، فاتقوا الله في أبنائكم وبناتكم وابذلوا الأسباب في التحري والدقة في السؤال عن الشريك الآخر ، ويبقى التوفيق والبركة بيد الله سبحانه .
أقول هذا القول، وأستغفِر اللهَ الجليلَ لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعدُ، إن اختيار الشريك المناسب له دوراً مهماً في تحقيق السعادة والتناغم بين الزوجين، والتخلّص من المخاوف والشكوك التي تنتابهما في مُستقبل العلاقة الزوجية، قال صلى الله عليه وسلم " تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ. " رواه مسلم .
يا عباد الله : عند اختيار شريك الحياة لابنتك أو لابنك احرص على التالي :
أولا : أن يكون اختيار الشريك الآخر أساسه هو الدين ، سواء كان اختيار زوج لابنته ، أو اختيار زوجة لابنه ، فعن أبي حاتم المزني – رضي الله عنه – عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد ” وفي رواية: ” وفساد عريض”.
ثانيا : تعرف على شريك الحياة وعن شخصيته ودينه وخلقه ، واطلب بمن تثق فيه أن يساعدك فلعلك تجد من الصفات ما يرغبك فيه أكثر وأكثر .
ثانيا : الحرص على السؤال عن أسرة الشريك الآخر وعن طباعهم وأخلاقهم ، لأن الشريك الآخر يتأثر بعادات أسرته وأخلاقهم ومعاملاتهم مع الناس ، وتذكر أن هذه الأسرة ستكون بيت أولادك الثاني فاحرص على انتقائها .
ثالثا : الحرص على موافقة ابنك أو ابنتك عن الشريك الآخر ، لأن الرفض سيولد لهما مشاكل كبيرة ، فقد تخسر ابنك أو ابنتك بسبب هذا الارتباط ، عوضا عن المشاكل اليومية بين العائلتين والتي قد تصل إلى الانفصال الجسدي أو العاطفي بينهما.
رابعا : كن واضحا في الأمور المادية والنفقة والسكن سواء كان من الزوج في وظيفته ودخله الشهري أو من جانب الزوجة عندما تكون موظفة ومدى مساعدتها لزوجها .
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وآل إبراهيم.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، ودمِّرْ أعداءَكَ أعداءَ الدين، اللهم واحفظ بلاد الحرمين، من شر الأشرار، وأذية الفجار، وكيد الكائدين، ومكر الماكرين، ومن كل متربص وحاسد وحاقد، وعدو للإسلام والمسلمين.
اللهم واجعلها آمنةً مطمئنةً، رخاءً وسعةً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
اللهم ادفع عَنَّا الغلاء والوباء والأدواء، والربا والزنا والزلازل، والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم كُنْ لإخواننا المستضعَفين والمجاهِدينَ في سبيلك، والمرابطينَ على الثغور، وحماة الحدود، اللهم كُنْ لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِحِ الأئمةَ وولاةَ الأمور، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا وولي عهده لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير مبدلين ولا مغيرين، وغير خزايا ولا مفتونين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].