خطبة (أيسرق الإنسان من صلاته؟!) مختصرة
سعيد الشهراني
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابَاً مَوْقُوتَا، وَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهَا الثَّوَابَ، وَعَلَى تَرْكِهَا شَدِيدَ الْعِقَاب، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْوَاحِدُ التَّوَّاب، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَلَّ الْعِبَادَ عَلَى طَرِيقِ الْهِدَايَةِ وَالصَّوَاب، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِ الْمَآب .
أما بعد: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ وَلا تَعْصُوهُ فَهُوَ القَائِلُ :( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)..
أَيُّهَاْ الْمُـسْلِمُونَ : مِنْ أَبْشَعِ الجَرَائِمِ الَّتِي تُفْسِدُ الْـمـُجْتَمَعَ وَتَضُرُّ بِهِ جَرِيمَةُ السِّرْقَةِ الَّتِي تُنَافِي كَمَالَ الإِيمَانِ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى دَنَاءَةِ النَّفْسِ وَحَقَارَةِ الشَّأْنِ ، وَحَدِيثُنَا عَنْ سَرِقَةٍ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ! وَهِيَ مِنْ أَسْوَءِ السِّرِقَاتِ وَأَشَرِّهَا, ذَكَرَهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَما وَجَّهَ سُؤالاً عَلَى الصَّحَابَةِ فَقَالَ : "مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ فِيهِمُ الْحُدودُ ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ،قَالَ : "هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ" قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : "لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا " صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْـمُصَلِّيَ قَدْ يُصَلِّي وَلَكِنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ فِي صَلَاتِهِ فَيُخِلُّ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ, أَوْ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا ،فَيَخُونُ تِلْكَ الأَمَانَةَ ،وَيَسْرِقُ حَقَّ نَفْسِهُ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ الخُشُوعُ الَّذِي هُوَ رُوُحُ الصَّلَاةِ ،وَلَا الأَجْرُ الْـمُتَرَتِّبُ عَلَى الصَّلَاةِ ؛ فَعَدَّ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ السَّرِقَةَ مِنَ الصَّلَاةِ أَسْوَءَ وَأَشَدَّ مِنْ السِّرِقَةِ مِنَ الْـمَالِ! لِأَنَّ لِصَّ الدِّينِ أَسْوَأُ عِنْدَ اللهِ مِنْ لِصِّ الدُّنْيَا، وَقَدْ يُصَلِّي الْـمـَرْءُ سِتِّينَ سَنَةٍ وَمَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ صَلَاةً وَاحِدَةً ; قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : "إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً، ومَا تُقْبَلُ لَهُ صَلاَةٌ، لَعَلَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ، وَلاَ يُتِمُّ السُّجُودَ، وَيُتِمُّ السُّجُودَ، وَلاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ " أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.
عباد الله: وَلَا شَكَّ أَنَّ رَأْسَ مَالِ العَبْدِ فِي دِينِهِ بَعْدَ تَوْحِيدِ اللّهِ تَعَالَى هِيَ صَلَاتُهُ. وَمَعَ ذَلِكَ يَسْرِقُ مِنْهَا, وَرُبَّمَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ بِهَذِهِ السِّنِينِ الطَّوِيلَةِ !فَيَالَـهَا مِنْ خَسَارَةٍ ، ثُمَّ تَأَمَّلُوا أَحْوَالَ الكَثِيرِينَ مِنْ الْـمُصَلِّينَ فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِينَ يَنْقُرُونَ صَلَاتَـهُمْ كَنَقْرِ الغُرَابِ، يَكَادُ سُجُودُهُ يَسْبِقُ رُكُوعَهُ، يَقُولُ: آمِينْ، عِنْدَ النُّزُولِ لِلرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهْ عِنْدَ النُّزُولِ إِلَى السُّجُودِ، وَيَقُولُ: سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وَهُوَ رَافِعٌ إِلَى الجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَأَيُّ صَلَاةٍ هَذِهِ؟ فَضْلًا عَنْ كَثْرَةِ الحَرَكَةِ ،وَالعَبَثِ فِي الصَّلَاةِ، مِنْ تَشْبِيكٍ لِلْأَصَابِعِ، وَقَضْمٍ لِلْأَظَافِر، وَتَسْوِيَةِ العِقَالِ، وَغِطَاءِ الرَّأْسِ، وَالنَّظَرِ فِي السَّاعَةِ وَالجَوَّالِ ،وَرَبْطِ الأَزْرَارِ، وَإِمْسَاكِ الجَيْبِ، وَتَعْدِيلِ القَلَمِ، وَالعَبَثِ بِالشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ، وَالإِمْسَاكِ بِالسِّوَاكِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، عن أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، فَرَدَّ ، وَقَالَ : "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :" ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا" فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ ، فَعَلِّمْنِي ، فَقَالَ : إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّها " مُتَّفَقٌ عَلَيْه
فَاتَّقُوا اللّهَ تَعَالَى، وَحَافِظُوا عَلَى صِلَاتِكُمْ بِإِتْمَامِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ،وَاحْرِصُوا عَلَى الخُشُوعِ فِيهَا ،وَقَبْلَ ذَلِكَ بصِدْقِ الإِخْلَاص لِلّهِ تَعَالَى فِيهَا مَعَ صِدْقِ المُتَابَعَةِ فِيهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ الذي جَعَلَ الصَّلاةَ عَمُودُ الدِّينِ، وحَثَّ على إِقَامَتِهَا في كِتَابِهِ المُبِينِ، وجَعَلَهَا كَبِيرةً إِلا على الخَاشِعِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
أمَّا بَعد :عِبادَ اللهِ: اِتَّقُوْا اللّهَ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أجَلِّ العِبَادَاتِ التي يَجِبُ أنْ نَتَعَلَّمَ أَحكَامَهَا وأَركَانَها ومُبْطِلاتِها، الصَّلاةُ المَفرُوضَةُ ،كيفَ لا ؟ وَهِيَ أوَّلُ مَفرُوضٍ، وأَعظَمُ مَعرُوضٍ وأجلُّ طَاعةٍ وَأَرْجَى بِضَاعَةٍ ،هيَ رَأْسُ الأَمَانَةِ ، وَهِيَ عَمُودُ الإِسْلَامِ، وَهِيَ الَّتِي تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالآثَامِ، وَهِيَ آخَرُ مَا يُفْقَدُ مِنَ الدِّينِ، وَهِيَ آخَرُ مَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ : " الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ " مَرَّتَيْنِ " وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " وَمَا زَالَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ " صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
وَفَلاحُ الْعَبدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمُحَافَظَتِهِ عَلَى صَلاتِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ )) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ " رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ ... فاللهم تقبل منا صلواتنا ، واجعلنا ممن يقيمها على الوجه الذي يرضيك عنا ..
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم محمد ..... (الدعاء مرفق)
المرفقات
1730278873_خطبة ( أيسرق الإنسان من صلاته ) مختصرة.docx
سعيد الشهراني
هذه الخطبة مستوحاة ومختصرة من خطبة الشيخ محمد المهوس جزاه الله خير
تعديل التعليق