خطبة : ( أما الله فقد برأها ... فماذا يريد شانئها ؟
عبدالله البصري
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ وَأَبُو بَكرٍ عَبدُ اللهِ بنُ أَبي قُحَافَةَ ، لا يُذكَرُ هَذَا إِلاَّ ذُكِرَ ذَاكَ ، مُحَمَّدٌ هُوَ رَسُولُ اللهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ المُرسَلِينَ ، وَأَبُو بَكرٍ هُوَ الصِّدِّيقُ ، صَاحِبُهُ في الغَارِ وَرَفِيقُهُ في الهِجرَةِ ، وَوَزِيرُهُ المُلازِمُ لَهُ مُلازَمَةَ الظِلِّ وَخَلِيفَتُهُ الأَوَّلُ ، أَوَّلُ مَن أَسلَمَ مِنَ الرِّجَالِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لا يُخطِئُهُ أَحَدُ طَرَفيِ النَّهَارِ أَن يَأتيَ بَيتَهُ إِمَّا بُكرَةً وَإِمَّا عَشِيَّةً ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ في نَفسِهِ وَمَالِهِ مِن أَبي بَكرِ بنِ أَبي قُحَافَةَ ، وَلَو كُنتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاتَّخَذتُ أَبَا بَكرٍ خَلِيلاً ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسلامِ أَفضَلُ ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوخَةٍ في هَذَا المَسجِدِ غَيرَ خَوخَةِ أَبي بَكرٍ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا لأَحَدٍ عِندَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَد كَافَأنَاهُ مَا خَلا أَبَا بَكرٍ ، فَإِنَّ لَهُ عِندَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللهُ بها يَومَ القِيَامَةِ "
رَضِيَ اللهُ عَنِ الصِّدِّيقِ وَأَرضَاهُ ، وَأَحَبَّهُ وَرَفَعَهُ كَمَا أَحَبَّهُ نَبيُّ الإِسلامِ وَرَفَعَهُ ، وَكَافَأَهُ يَومَ القِيَامَةِ بما سَبَقَ لَهُ مِن يَدٍ بَيضَاءَ لم يَنسَهَا لَهُ أَوفى النَّاسِ وَأَجوَدُهُم وَأَحسَنُهُم خُلُقًا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، هَذِهِ اليَدُ الَّتي لأَبي بَكرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ وَالَّتي لا يُكَافِئُهُ عَلَيهَا إِلاَّ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لم تَكُنْ وَلِيَدَةَ يَومٍ أَو يَومَينِ صُحبَةً لِرَسُولِ اللهِ ، وَلا نَتِيجَةَ إِنفَاقِهِ دِرهَمًا أَو دِرهَمَينِ في سَبيلِ اللهِ ، بَل هِيَ خُلاصَةُ عُمُرٍ مُبَارَكٍ وَعُصَارَةُ نَفسٍ مُخلِصَةٍ ، وَثَمَرَةُ مَالٍ رَابِحٍ وَوَلَدٍ صَالحٍ وَهَبَهَا أَبُو بَكرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ للهِ وَلِرَسُولِهِ ، فَعَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومًا أَن نَتَصَدَّقَ ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِندِي ، فَقُلتُ : اليَومَ أَسبِقُ أَبَا بَكرٍ إِنْ سَبَقتُهُ يَومًا ، فَجِئتُ بِنِصفِ مَالي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا أَبقَيتَ لأَهلِكَ ؟ " قُلتُ : مِثلَهُ . قَالَ : وَأَتَى أَبُو بَكرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ بِكُلِّ مَا عِندَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا أَبقَيتَ لأَهلِكَ ؟ " قَالَ : أَبقَيتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ . قُلتُ : لا أُسَابِقُكَ إِلى شَيءٍ أَبَدًا .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَزَادَ مَحَبَّةَ الصَّاحِبَينِ الكَرِيمَينِ لِبَعضِهِمَا وَقَوَّى المَوَدَّةَ بَينَهُمَا ، أَنَّ تَوَّجَ أَبُو بَكرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ مَا بَذَلَهُ لِرَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِابنَتِهِ وَفَلَذَةِ كَبِدِهِ عَائِشَةَ ، فَدَفَعَ بها إِلَيهِ وَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا ؛ لِتَكُونَ امرَأَةَ إِمَامِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَلِتَصِيرَ زَوجَتَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَلِتُصبِحَ أُمًّا لِلمُؤمِنِينَ وَتَنضَمَّ إِلى بَيتِ النُّبُوَّةِ الكَرِيمِ ، ذَلِكُمُ البَيتُ المُبَارَكُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، المُمتَلِئُ عَفَافًا وَطَهَارَةً وَنَزَاهَةً ، فَيَقُولُ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا " وَلِتَغدُوَ الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ في مَكَانَةٍ لا تُوَازِيهَا فِيهَا امرَأَةٌ مِن نِسَاءِ الأُمَّةِ إِلاَّ أُمَّهَاتُ المُؤمِنِينَ الَّلاتي أَرَدنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، فَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ عَنهُنَّ : " يَا نِسَاءَ النَّبيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ " وَلِتَغدُوَ عَائِشَةُ بِنتُ أَبي بَكرٍ وَأَبُوهَا أَحَبَّ النَّاسِ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَعَن أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَن أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيكَ ؟ قَالَ : " عَائِشَةُ " قِيلَ : مِنَ الرِّجَالِ ؟ قَالَ : " أَبُوهَا "
أُمَّةَ الإِسلامِ ، عَائِشَةُ بِنتُ أَبي بَكرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَعَن أَبِيهَا وَأَرضَاهُمَا ـ عَلَمٌ عَلَى رَأسِهِ نَارٌ ، هِيَ بُشرَى جِبرِيلَ لِرَسُولِ اللهِ وَرُؤيَاهُ في مَنَامِهِ ، وَهِيَ زَوجُهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَلم يَتَزَوَّجْ بِكرًا غَيرَهَا ، وَهِيَ فُرقَانٌ بَينَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ، وَفَيصَلٌ بَينَ مُؤمِنٍ مُحِبٍّ وَمُنَافِقٍ شَانِئٍ ، عَابِدَةٌ زَاهِدَةٌ ، خَطِيبَةٌ أَدِيبَةٌ ، عَالِمَةٌ فَقِيهَةٌ ، مُحَدِّثَةٌ فَصِيحَةٌ ، طَاهِرَةٌ مُطَهَّرَةٌ ، تَقِيَّةٌ نَقِيَّةٌ ، أَقرَأَهَا الرُّوحُ الأَمِينُ السَّلامَ ، وَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ في لِحَافِهَا وَثَوبِهَا ، وَأَحَبَّهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ طُولَ حَيَاتِهِ ، وَتُوُفِّيَ في بَيتِهَا وَفي يَومِهَا وَبَينَ سَحرِهَا وَنَحرِهَا ، وَجَمَعَ اللهُ بَينَ رِيقِهَا وَرِيقِهِ عِندَ مَوتِهِ ، بِكُلِّ ذَلِكَ صَحَّتِ الأَخبَارُ وَثَبَتَتِ الآثَارُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلم يَكمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَريَمُ بِنتُ عِمرَانَ وَآسِيَةُ امرَأَةُ فِرعَونَ ، وَفَضلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " وَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قَالَ لي رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أُرِيتُكِ في المَنَامِ ثَلاثَ لَيَالٍ ، يَجِيءُ بِكِ المَلَكُ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ فَقَالَ لي : هَذِهِ امرَأَتُكَ ، فَكَشَفتُ عَن وَجهِكِ الثَّوبَ فَإِذَا أَنتِ هِيَ . فَقُلتُ : إِنْ يَكُن هَذَا مِن عِندِ اللهِ يُمضِهِ "
وَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَنَّ جِبرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا في خِرقَةِ حَرِيرٍ خَضرَاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " هَذِهِ زَوجَتُكَ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ "
وَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَا عَائِشُ ، هَذَا جِبرِيلُ يُقرِئُكِ السَّلامَ " قَالَت : وَعَلَيهِ السَّلامُ وَرَحمَةُ اللهِ .
وَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّونَ بِهَدَايَاهُم يَومَ عَائِشَةَ ، يَبتَغُونَ بِذَلِكَ مَرضَاةَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَالَت : إِنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ كُنَّ حِزبَينِ : فَحِزبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَودَةُ ، وَالحِزبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَكَلَّمَ حِزبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلنَ لَهَا : كَلِّمِي رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ : مَن أَرَادَ أَن يُهدِيَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَليُهدِهِ إِلَيهِ حَيثُ كَانَ . فَكَلَّمَتهُ فَقَالَ لَهَا : " لا تُؤذِيني في عَائِشَةَ ؛ فَإِنَّ الوَحيَ لم يَأتِني وَأَنَا في ثَوبِ امرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ " قَالَت : أَتُوبُ إِلى اللهِ مِن ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ . ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَونَ فَاطِمَةَ فَأَرسَلنَ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَكَلَّمَتهُ فَقَالَ : " يَا بُنَيَّةُ ، أَلا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ ؟ " قَالَت : بَلَى . قَالَ : " فَأَحِبِّي هَذِهِ "
وَعَن أَبي مُوسَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : مَا أَشكَلَ عَلَينَا أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلنَا عَائِشَةَ إِلاَّ وَجَدنَا عِندَهَا مِنهُ عِلمًا .
وَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : إِنَّ مِن نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ تُوُفِّيَ في بَيتي وَفي يَومِي وَبَينَ سَحرِي وَنَحرِي ، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَينَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِندَ مَوتِهِ ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أَبي بَكرٍ وَبِيَدِهِ سِوَاكٌ وَأَنَا مُسنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَرَأَيتُهُ يَنظُرُ إِلَيهِ ، وَعَرَفتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلتُ : آخُذُهُ لَكَ ؟ فَأَشَارَ بِرَأسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَتَنَاوَلتُهُ فَاشتَدَّ عَلَيهِ وَقُلتُ : أُلَيِّنُهُ لَكَ ؟ فَأَشَارَ بِرَأسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَلَيَّنتُهُ فَأَمَرَّهُ ، وَبَينَ يَدَيهِ رَكوَةٌ فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدخِلُ يَدَيهِ في المَاءِ فَيَمسَحُ بهمَا وَجهَهُ وَيَقُولُ : " لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، إِنَّ لِلمَوتِ سَكَرَاتٍ " ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ : " في الرَّفِيقِ الأَعلَى " حَتَّى قُبِضَ وَمَالَت يَدُهُ .
وَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : مَاتَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَينَ حَاقِنَتي وَذَاقِنَتي .
هَذِهِ هِيَ أُمُّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةُ ، الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ ، نَشَأَت مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهَا في بَيتِ إِسلامٍ وَصَلاحٍ ، لم تَعرِفْ جَاهِلِيَّةً وَلا ضَلالاً ، وَلم تُجَرِّبْ غِوَايَةً وَلا سَفَاهَةً ، قَالَت ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ : لم أَعقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ .
إِنَّهَا المَرأَةُ الَّتي عَاشَت في قَلبِ رَسُولِ اللهِ قَبلَ أَن يَبنيَ بها بِبِشَارَةِ اللهِ لَهُ ، ثُمَّ دَخَلَ بها ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَعدَ أَن هَاجَرَ إِلى المَدِينَةِ وَنَصرَهُ اللهُ في غَزوَةِ بَدرٍ الكُبرَى ، تَقُولُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ : تَزَوَّجَنيَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في شَوَّالٍ ، وَبَنَى بي في شَوَّالٍ ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَحظَى عِندَهُ مِنِّي ؟!
ثُمَّ إِنَّهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ عَاشَت مَعَهُ حَيَاتَهُ وَهِيَ الشَّابَّةُ الصَّغِيرَةُ الحَدِيثَةُ السِّنِّ المَحَبَّةُ لِلَّعِبِ ، فَكَانَ مِن حُبِّهِ إِيَّاهَا يُسَرِّبُ إِلَيهَا صَوَاحِبَهَا يُلاعِبْنَهَا ، وَمَكَّنَهَا مِن أَن تَضَعَ رَأسَهَا عَلَى كَتِفِهِ الشَّرِيفِ وَخَدُّهَا عَلَى خَدِّهِ مُستَتِرَةً بِهِ لِتَنظُرَ إِلى الأَحبَاشِ وَهُم يَلعَبُونَ بِحِرَابِهِم في المَسجِدِ ، وَكَانَ مِن حُبِّهَا أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ مُحَادَثَتَهَا إِذَا سَافَرَ ، وَسَابَقَهَا مَرَّةً فَسَبَقتُهُ ، ثُمَّ سَابَقَهَا أُخرَى فَسَبَقَهَا ، وَبَلَغَ مِن حُبِّهِ إِيَّاهَا أَن كَانَ يُدَلِّلُهَا فَيَقُولُ : " يَا عَائِشُ " وَ " يَا مُوَفَّقَةُ " وَيَا : " يَا بِنتَ الصِّدِّيقِ " وَإِذَا غَارَت زَوجَاتُهُ مِنهَا قَالَ : " إِنَّهَا بِنتُ أَبي بَكرٍ " بَل بَلَغَ مِن حُبِّهِ إِيَّاهَا أَن جَعَلَ يَعلَمُ بما يَدُورُ في خَاطِرِهَا تُجَاهَهُ ، فَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قَالَ لي رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : إِنِّي لأَعلَمُ إِذَا كُنتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنتِ عَلَيَّ غَضبَى ! قَالَت : فَقُلتُ : مِن أَينَ تَعرِفُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا إِذَا كُنتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنتِ عَلَيَّ غَضبَى قُلتِ : لا وَرَبِّ إِبرَاهِيمَ ، قَالَت : قُلتُ : أَجَلْ ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهجُرُ إِلاَّ اسمَكَ .
وَكَانَ يُدَاعِبُهَا فَيَتَعَمَّدُ شُربَ المَاءِ مِنَ المَوضِعِ الَّذِي تَشرَبُ مِنهُ وَالأَكلَ ممَّا تَأكُلُ مِنهُ ، فَعَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يُعطِيني العَرْقَ فَأَتَعَرَّقُهُ ، ثُمَّ يَأخُذُهُ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوضِعِ فِيَّ ، وَيُعطِيني الإِنَاءَ فَأَشرَبُ ، ثُمَّ يَأخُذُهُ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوضِعِ فِيَّ .
حَتَّى إِذَا مَرِضَ استَأذَنَ نِسَاءَهُ في أَن يُمَرَّضَ في بَيتِهَا فَأَذِنَّ لَهُ ، ثُمَّ مَاتَ في حِجرِهَا وَهُوَ رَاضٍ عَنهَا ، بَل وَدُفِنَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَصَاحِبَاهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ في بَيتِهَا .
وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَقِيَتِ الصِّدِّيقَةُ بَعدَهُ مَنَارَةَ عِلمٍ وَمَوئِلَ فِقهٍ ، فَأَفتَتِ المُسلِمِينَ في عَهدِ عُمَرَ وَعُثمَانَ ، وَجَلَسَت لِلتَّحدِيثِ فَرَوَى عَنهَا كِبَارُ التَّابِعِينَ ، وَكَانَ مَسرُوقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنهَا قَالَ : حَدَّثَتني الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ ، حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللهِ المُبَرَّأَةُ فَلَم أُكَذِّبْهَا .
فَرَضِيَ اللهُ عَن عَائِشَةَ وَأَرضَاهَا ، وَرَضِيَ عَن أَبيهَا وَأَرضَاهُ ، وَحَشَرَنَا في زُمَرَتِهِمَا مَعَ مُحَمَّدٍ وَالَّذِينَ أَنعَمَ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الفَضلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ مَا كَانَ ـ سُبحَانَهُ ـ لِيَختَارَ لِرَسُولِهِ وَخَيرِ خَلقِهِ إِلاَّ خَيرَ الزَّوجَاتِ ، مِن أَفضَلِ النِّسَاءِ دِينًا وَخُلُقًا وَأَكمَلِهِنَّ عَقلاً وَعِلمًا ، غَيرَ أَنَّ مِن حِكمَتِهِ ـ سُبحَانَهُ ـ أَن جَعَلَ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الأَنبِيَاءَ ثُمَّ الأَكمَلَ فَالأَكمَلَ ، فَكَانَ أَنِ ابتَلَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكرٍ الصِّدِّيقَ وَزَوجَهُ الصِّدِّيقَةَ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ بِأَن تَنَاوَلَت أَلسِنَةُ المُنَافِقِينَ النَّجِسَةُ عِرضَهَا الشَّرِيفَ ، فَقَذَفُوهَا وَزَنُّوهَا بِرِيبَةٍ ، وَاتَّهَمُوهَا بما تَرتَجِفُ الأَفئِدَةُ مِن أَن تَتَّهِمَ بِهِ امرَأَةً مِن سَائِرِ النِّسَاءِ ، فَكَيفَ بِزَوجِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ المُحصَنَةِ المُؤمِنَةِ العَفِيفَةِ ؟
وَكَانَ أَن حَدَثَت قِصَّةُ الإِفكِ ، الَّتي تَوَلىَّ كِبرَهَا رَأسُ المُنَافِقِينَ عَبدُ اللهِ بنُ أُبيِّ بنِ أَبي سَلُولٍ ، وَوَلَغَ فِيهَا مَن وَلَغَ مِنَ المُنَافِقِينَ أَو ممَّن ضَعُفُوا مِن غَيرِهِم ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ لم يَترُكْ حَبِيبَةَ رَسُولِهِ دُونَ أَن يُبَرِّئَهَا ، فَأَنزَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ بَرَاءَتَهَا في آيَاتٍ كَرِيمَاتٍ في سُورَةِ النُّورِ ، آيَاتٍ تُزَكِّيهَا وَتُطَهِّرُهَا ، وَتَرفَعُ الدَّنَسَ عَنهَا وَعَن بَيتِ النُّبُوَّةِ ، لِيُؤَكِّدَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ : " أَبشِرِي يَا عَائِشَةُ ، أَمَّا اللهُ فَقَد بَرَّأَكِ "
وَلِيَبقَى قَولُهُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم لا تَحسَبُوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم مَا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ وَالَّذِي تَوَلىَّ كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ " لِيَبقَى هَذَا القَولُ الكَرِيمُ نِبرَاسًا لِكُلِّ مُؤمِنٍ أَحَبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، لِيَعلَمَ أَنَّهُ مَهمَا تَكَلَّمَ المُنَافِقُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا في عِرضِ هَذِهِ الطَّاهِرَةِ المُطَهَّرَةِ المَصُونَةِ ، فَإِنَّ في ثَنَايَا ذَلِكَ مِنَ الخَيرِ لِلمُؤمِنِينَ مَا لا يَعلَمُونَهُ ، وَمَا لا يَتَوَقَّعُهُ أُولَئِكَ الأَفَّاكُونَ الظَّلَمَةُ الحَاقِدُونَ ، وَالَّذِينَ ابتَدَأَهُم ابنُ أُبَيٍّ وَشِرذِمَتُهُ الظَّالِمَةُ الحَاقِدَةُ ، وَمَا زَالَ الأَشرَارُ الأَنجَاسُ مِنَ الرَّافِضَةِ يُحيُونَ مَظلَمَتَهُ وَيُرَدِّدُونَهَا في كُتُبِهِم وَمَوَاقِعِهِم ، وَيَفضَحُ اللهُ بها كُبَرَاءَهُم وَرُؤُوسَهُم ، فَيَأبى مَا في نُفُوسِهِم مِن سُوءِ نِيَّةٍ وَفَسَادِ طَوِيَّةٍ ، إِلاَّ أَن يَطفَحَ عَلَى أَلسِنَتِهِم في مَحَافِلِهِم ، لِيُعلِنُوا شَاؤُوا أَم أَبَوا كُفرَهُمُ البَاطِنَ بِبُغضِ أَهلِ بَيتِ رَسُولِ اللهِ ، وَإِنِ ادَّعُوا ظَاهِرًا مَحَبَّتَهُم وتَقدِيسَهُم ؛ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُبَرِّئَانِ أُمَّ المُؤمِنِينَ مِنَ الفَاحِشَةِ ، وَتُعلَنُ طَهَارَتُهَا في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَيَأبى هَؤُلاءِ إِلاَّ رَدَّ كَلامِ اللهِ وَكَلامَ رَسُولِهِ " لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيم "
فَاللَّهُمَّ عَلَيكَ بِالرَّافِضَةِ وَمَن سَارَ سَيرَهُم أَو صَحَّحَ مُعتَقَدَهُم أَو تَقَرَّبَ إِلَيهِم ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ وَأَظهِرِ السُّنَّةَ وَانصُرْ أَهلَهَا ، وَأَذِلَّ الشِّركَ وَاقمَعِ البِدعَةَ وَاخذُلِ المَفتُونِينَ بها .
المشاهدات 3374 | التعليقات 7
بارك الله فيك شيخنا الحبيب أسألك بالله أن لا تحرمنا دائما من جديد موضوعاتك حسب طاقتك وإمكانك فإني أستفيد مما ينزل من الخطب فإذا نزلت خطبتك تركت في يدي من الخطب وأخذت خطبتك بلا تردد
فنع الله بك وآجرك على ما تكتب وجعل كل من يسمعها ممن ألقاها من الخطباء في ميزان حسناتك
أخوك ومحبك في الله عبدالرحمن اللهيبي من مكة وإني لأرجو تشريفك لي في منزلي بمكة متى جئت إليها
رقم جوالي 0555539943
وفيك بارك الله ـ أخي الكريم الشيخ عبدالرحمن ـ وأسأل الله أن يجعلني وإياك وجميع الإخوة في هذا الملتقى من المباركين على أنفسهم وإخوانهم وأمتهم ، وأن يجعلنا خيرًا مما يُظَنُّ بنا ، وأن يغفر لنا ما بيننا وبينه من ذنوب ، وأن يعفو عن زللنا وتقصيرنا ، ويرزقنا التوفيق والصبر في هذا الطريق الطويل الشاق .
إنه جواد كريم .
ولا يخفى ـ أخي الكريم ـ أن كتابة الخطب في هذا الوقت من أبواب الدعوة التي قل من يَلِجُها ، بل هي ثغرة لا يسدها إلا من رزقه الله الصبر ، وقد كنت قبل قليل في حديث مع رئيس المحاكم لدينا ، وشكا إلي ما يراه من تهاون كثير من الخطباء في هذا الجانب .
وقد كنتُ أسمع عن طرائف وحكايات يتناقلها بعضُهم عن خطباء كانوا إلى عهد قريب يقرؤون في دواوين خطب كتبت في العهد العثماني ، فكان أحدهم ربما دعا للسلطان عبدالحميد ، أو نحو ذلك ، وكنتُ أظنُّ ذلك ضربًا من الخيال أو التشغيب على الخطباء ، حتى ذكر لي فضيلة الشيخ في معرض حديثه أن خطيبًا في قرية قريبة منهم ـ وهو معلم أيضًا ـ كان يقرأ في خطب ويدعو فيها لإخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك بالنصر على أعدائهم من الصرب ، حتى نبهه أحد من صلى معه أن مناسبة هذا الدعاء كانت قبل ثمانية عشر عامًا تقريبًا وبعض من يستمع الخطبة لم يولد إذ ذاك !!
وذكر لي فضيلته أن ثمة خطباء يجعلون ديوان الخطب في المنبر ، فإذا صعد أحدهم المنبر والمؤذن يؤذن تصفح الكتاب بسرعة واستخرج منه خطبة فقرأها ببرودة وبلا تمثل لما فيها .
كما أن مما ذكر فضيلته أن خطيبًا في قرية مجاورة خطب في شهر صفر عن فضل عشر ذي الحجة .
وذكر أن أحد الإخوة المحتسبين لما رأى هذا جعل يصور نسخًا كثيرة من خطبٍ يختارها محاولاً مناسبتها للأعم الأغلب ، ويضعها في عداد الكهرباء على باب بيته ، ويمر الخطباء فجر الجمعة ليأخذ كل منهم نسخته .
فيا لله !! كيف يغيب الخطيب عن واقعه لهذه الدرجة أو يتجاهله ؟ وكيف يقصر في أمانته ؟
أهو عدم قدرة على الكتابة أو الاختيار على الأقل ؟ أم أنه عدم إحساس بالمسؤولية لهذه الدرجة المزرية ؟!
إن رجلاً يقف على منبر مستشعرًا أن رسول الله وقف على مثله يومًا فوعظ الناس وذكَّرَهم ، لحقيق أن يجف قلبه ويرتجف فؤاده كلما خطا على درجاته ، و"الإمام ضامن"
كم من أصحاب التوجهات الخبيثة والأفكار الجانحة من يتمنى أنْ لو أتيح له منبر الجمعة ولو مرة واحدة ليستميل به القلوب إلى فكره أو ليحقق في الناس أهدافه !!
بل وكم من المحاضرين المشهورين من يفرح إذا حضر محاضرته خمس مئة رجل مثلاً !!
وبعض إخواننا من الخطباء يتاح له هذا المنبر العظيم في كل أسبوع مرة في جامع قد يتسع لألف مُصَلٍّ أو أكثر ، ويفد إليه عباد الله متطهرين متطيبين مبكرين ، لا يرومون إلا الاستماع لما يقول ، وهم يعلمون أن الحضور فرض عين والاستماع واجب ، فلا يكاد أحدهم يلتفت أو يصرف بصره عن هذا الخطيب ، ومع هذا لا يجدون من خطيبهم الاهتمام اللائق أو الموضوع الذي تتعطش له أسماعهم وتتشوق إليه قلوبهم .
ولا شك أن الخطيب لا يطالب بما لا يطيق ، ولكنه لا يصح بحالٍ أن يترك ما يستطيع " فاتقوا الله ما استطعتم "
ومن جرب الخطابة عرف أن كتابة موضوع رصين في كل أسبوع ليس بالأمر السهل حقًّا ، ومن مارس الكتابة علم أن طريق التأليف ليس بالممهد لكل أحد ، ولكنه ليس بالمستحيل سلوكه لمن أعد العدة وتوكل على الله وأخذ للأمر أهبته .
وهو يحتاج أكثر ما يحتاج إلى طول نظر فيما كتبه من سبق من الخطباء ، وهذا أمر متيسر في هذا الوقت بفضل الله ، حيث تكاثرت دواوين الخطب المطبوعة ، وتنوعت مصادر البحث في الحواسيب والشبكة .
ومن أراد مزيد إتقان فعليه بكتب الأدب الموثوق فيها ، وليكثر من حفظ الأشعار ، وليأخذ بما استطاع من علوم الآلة من نحو وصرف وبلاغة .
وكلما وَسَّعَ الخطيب قراءاته ونوع ثقافته كان أقدر على الكتابة بما يؤثر .
وفق الله الجميع لما يرضيه وتجاوز عنا وعنهم فيما قصرنا .
اللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وبك خاصمنا وإليك حاكمنا ، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك .
بارك الله فيك وفي جهودك ونفع الله بك الإسلام والمسلمين
وفيك بارك الله ـ أخي الكريم الشيخ منصور ـ ونفع بك وسددك .
أحد الإخوة الخطباء ممن أسعد دائمًا باقتراحاته بعث لي على البريد قائلاً :
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
لقد طبعت خطبة اليوم وكالعادة أكررها حتى ألقيها الإلقاء المناسب فشرعت في القراءة حتى خنقتني عبرة أبت إلا أن تتفجر فأرسلتها وأكملت ، فلما انتهيت سولت لي نفسي أن أغير الخطبة خشية الإحراج أمام الناس ، فدخلت مع نفسي في شجار حتى قلت لها : لابد أن نتكلم فلا حيلة لنصرتها إلا بالكلام عن فضائلها ، ثم صليت ركعتين وسألت الله الإخلاص وأن يجنبني ما خشيت ثم ألقيتها ، ووالله إنني في حرج مما حصل لي أمام الناس وليس بيدي منه شيء ، فالحمد لله على كل حال .
وأقول لك يا شيخنا : هذا هو الأسلوب الدعوي والمنهج الصحيح في الطرح لا سب وغلو في مدح وفي نظري إنها أجمل خطبة قرأتها لك وأجزم أنك كتبتها بدم قلبك ودمع عينيك .
وختاما عسى أن يكون في ذلك للإسلام خير ، فأسأل الله أن يوفقني وإياك لخدمة الإسلام والمسلمين ونصرة ديننا على الوجه الذي يرضيه عنا ، وأسأله أن يدر قلمك درا مدرارا في تبيين الحق وزجر الباطل وأهله وصلاح الناس إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
فرددت عليه :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،،
تذكرت وقد حصل لك ما حصل وأنت قد حذرته قول الشاعر :
أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذين تحذرين قد وقعا
ووالله لقد أصابني ما أصابك ، فقد بكيت وأنا أكتب هذه الخطبة ، وعزمت اليوم على أن أخطب بغيرها لئلا أقع فيما وقعت فيه ، فأنا أعرف نفسي ، ولا سيما عند ذكر وفاة الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ لكني تحاملت على نفسي وقلت : لا بد من الذب عن عرض رسول الله وزوجه وحبيبته .
فبدأت الخطبة وجعلت أخنق عبرتي وأتجلد ، حتى إذا ما جاء ما خشيته عند ذكر وفاة الحبيب انفجرت ولم أطق ، وبكيت وجعلت أنشج ، والله المستعان .
وما لنا لا نبكي ـ أخي الكريم ـ وتسيل دموعنا على الخدود وتتعثر الكلمات على شفاهنا ونغص بحروفنا ؟!!
حقيق بنا أن نبكي دمًا لا دمعًا ، وأن تتصدع قلوبنا وتنهد قوانا وتتقطع عروق الوتين منا ونخر ساقطين فزعًا مما أحدثه المنافقون ، مما زال أتباعهم من الرافضة يجترونه في كل زمان من هذا الإفك العظيم والافتراء الشنيع على الحبيب وزوجه الحبيبة .
جزاك الله خيرًا ونفع بك ـ أخي الكريم ـ وجعل لنا ولك نصيبًا من قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار "
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الله لايحرمنا منك ياشيخ عبد الله فقد كانت خطبتي في يوم الجمعة الموافق 15101431هـ هذه الخطبة الرائعة التى تكتب بماء الذهب
أسال الله أن يحرم الله وجهك ووجه والديك عن النار أيها المبارك
مرور الكرام
قال صاحب اللمعة :
ومن السنة : الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء ، أفضلهن خديجة بنت خويلد ، وعائشة الصديقة بنت الصديق ، التي برأها الله في كتابه ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم .
لمعة الاعتقاد : 1 / 31
تعديل التعليق