خطبة أقسام تاركي الصلاة وأحوالهم ووعظهم

خطبة "أقسام تاركي الصلاة وأحوالهم ووعظهم"

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران،102). أما بعد:

أيها المؤمنون: في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَدْرُونَ مَا هَذَا؟) قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا). وقوله: (وجبة) أي سقطة. ما معنى هذا. معنى هذا: أن الإنسان يولد ويشبّ ويدرس ويتوظف، ويتزوج هو، ثم تصبح له أسرة، ثم يتزوج أولاده، ثم ويصبح جدّا، ثم يهرم، ومازال هذا الحجر ساقطا، ما زال  في طريقه إلى قعر جهنم، ولم يصله بعد، وفي قعرها وديان مخيفة، مرعبة، فيها القيح والدم والصديد، ملتهبة نارا.

أيها الناس: ويوم القيامة سوف يُلقى أناس في هذه الوديان، يؤتى بهم إلى شفير جهنم، ثم يلقون فيها، فيقعون ويتساقطون إلى قعرها، ويقطعون تلك المسافة والنار تحرقهم أثناء ذلك، وبعد أكثر من (70سنة)، وهم نازلون ساقطون داخل نار ملتهبة عليهم، يصلون إلى قعرها، وبعد ذلك يسحبون ويجرون ويقادون إلى تلك الوديان المخيفة المظلمة.

أيها المؤمنون: أتعرفون من هؤلاء الذين سيفعل بهم هذا الفعل؟ من هؤلاء؟ إنهم مسلمون، يقولون لا اله إلا الله محمد رسول الله، وهؤلاء هل هم شاربوا الخمرة؟ لا، بل هم شرّ منهم، هل هم الزناة؟ لا، بل هم شر منهم، هل هم المرابون؟ لا، بل هم شر منهم. مَنْ هم إذن؟ إنهم الذين يتركون الصلاة، يتركون الصلاة تهاونا وتكاسلا، وانشغالا بالدنيا والشهوات، هؤلاء، قال الحق سبحانه فيهم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(مريم،59). قال ابن كثير في تفسيره: "(خَلَفَ مِنْ بَعْدِهم خَلْفٌ) أَيْ: قُرُونٌ أُخَرُ، (أَضَاعُوا الصَّلاةَ) وَإِذَا أَضَاعُوهَا فَهُمْ لِمَا سِوَاهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ أَضْيَعُ؛ لِأَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ وَقَوَامُهُ، وَخَيْرُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَأَقْبَلُوا عَلَى شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَمَلَاذِّهَا، وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا، فَهَؤُلَاءِ سَيَلْقَوْنَ غَيًّا. قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِضَاعَةِ الصَّلَاةِ هَاهُنَا، فَقَالَ قَائِلُونَ: الْمُرَادُ بِإِضَاعَتِهَا تَرْكُها بِالْكُلِّيَّةِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي، وَابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَالسُّدِّيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيمرة فِي قَوْلِهِ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ)، قَالَ: إِنَّمَا أَضَاعُوا الْمَوَاقِيتَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَرَأَ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ)، ثُمَّ قَالَ: لَمْ تَكُنْ إِضَاعَتُهُمْ تَرْكَهَا، وَلَكِنْ أَضَاعُوا الْوَقْتَ". وقال ابن كثير في تفسيره أيضا: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، بَعِيدُ الْقَعْرِ، خَبِيثُ الطَّعْمِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ".

أيها المؤمنون:

صلّى عليك الله يا رسول الله، ففي آخر يوم لك في هذه الدنيا، وفي آخر نظرة لك فيها، وفي أخر أنفاس لك فيها، وفي أخر كلمات لك فيها. وأنت على فراش الموت، تودّع أحبابك وأصحابك وأهلك وأمتك، وَصَّيتَنا جميعا يا رسول الله صلى عليك الله وسلم، بوصية عظيمة، وصالكم أيها المسلمون بوصية جليلة القدر، عالية المنزلة، غالية الثمن، كان يرفع النبي صلى الله عليه وسلم يدبه إلى السماء ويقول لنا جميعا، لأتباعه إلى يوم القيامة: الصلاة، الصلاة. حتى تلجلج بها صدره واختنقت بها أنفاسه، وهو يرددها ويوصينا بها، حتى ما استطاع أن يلفظها بلسانه، وحتى تفيض روحه الطاهرة. ففي الحديث الصحيح في مسند أحمد وغيره، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: (الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ، وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ".

أيها المؤمنون:

ومات محمد صلى الله عليه وسلم، مات وترك الناس جميعا يسجدون لله تعالى، تركهم لله سجدا ليس فيهم مسلم واحد، صادق مع الله، موحد لله حق التوحيد، يأبى أن يصلي لربه عز وجل.

ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ خلفت خلوف وأجيال، ومجتمعات، تهاونت في شأن الصلاة، وتناست أمرها، وظنتها من نافلة أمور الدين، وجعلت منها أمراً هامشيا، وحطّت من قِيمتها السماوية، وأنزلت من منزلتها ومكانتها الربانية والدينية، إلا مَن رحم ربك.

فأصبحت هذه الأجيال والخلوف، والناس في زماننا هذا، بالنسبة لشأن الصلاة، ينقسمون إلى أقسام، ويصنفون في أربعة مراتب، فاستمعوا لها جيدا، لأنه لا يوجد واحد منا ولا من غيرنا إلا وهو يندرج تحت قسم من هذه الأقسام أو المراتب الأربعة، فاعرف نفسك في أيّ قسم أنت قبل أن تخرج من هذا المسجد، بل وقبل أن تخرج من هذه الدنيا. وسأذكر هذه الأقسام بالأدلة الشرعية من آيات كتاب الله ومن حديث رسول صل الله عليه وسلم، ومن أقوال الأئمة الأعلام.

أيها المؤمنون:

أما القسم الأول من الناس، فهم الذين يُصلّون الصلوات الخمسة، فيؤدونها في أوقاتها المحددة، وبصورتها المشروعة، وهؤلاء أجرهم عند الله عظيم وجزيل. والآيات والأحاديث في الثناء عليهم وتبشيرهم بالخير كثيرة جدا، اكتفي منها بما قاله لهم الرسول صل الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ)، قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: (فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا). وفي الحديث الحسن في سنن ابن ماجه، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (افْتَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي).

أيها المؤمنون:

أما القسم الثاني فهم الذين يصلون الصلوات الخمس، لكنهم يؤخّرون الصلاة حتى يخرج وقتها المحدد، لانشغالهم بدنياهم، فيؤخر صلاة الظهر حتى صلاة العصر، أو يؤخر العصر حتى يدخل وقت المغرب أو ينام عن الصلاة وخاصة صلاة الفجر، ويمكنه الاستيقاظ فلا يفعل، فيصليها متأخرا.  فاستمع ماذا يقول الله عز وجل في هذا القسم من المصلين الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها، يقول الحق سبحانه: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)(الماعون،4-5). قال الطبري في تفسيره: "(عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) قال بعضهم: عُنِيَ بذلك أنهم يؤخِّرونها عن وقتها، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها. وعن مصعب بن سعد، قال: قلت لأبي، أرأيت قول الله عزّ وجلّ: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) : أهي تركها؟ قال: لا ولكن تأخيرها عن وقتها. وعن ابن عباس، في قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) قال: الذين يؤخِّرونها عن وقتها. وعن جعفر، عن ابن أبزي (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) قال: الذين يؤخِّرون الصلاة المكتوبة، حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها". وقال السعدي: "(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) أي: الملتزمون لإقامة الصلاة، ولكنهم (عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) أي: مضيعون لها، تاركون لوقتها، مفوتون لأركانها وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات، والسهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم وأما السهو في الصلاة، فهذا يقع من كل أحد، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم". وقال الشوكاني: "وَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ أَيْ: عَذَابٌ لَهُمْ، أَوْ هَلَاكٌ، أَوْ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ لَهُمْ كَمَا سَبَقَ الْخِلَافُ فِي مَعْنَى الْوَيْلِ".

أيها المؤمنون:

أما القسم الثالث : فهم الذين يصلون الصلوات الخمس – لكن أحيانا يترك بعض الصلوات عامدا متعمدا، يترك الفجر مثلا، أو العصر، أي يُقطّع في الصلاة. فما شأن هذا الصنف؟ وما حكمه؟ وماذا يقول فيه الشرع؟

يقول فيه الشرع في الحديث ما رواه مسلم في صحيحه،  عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ)، جاء في شرح الحديث: " (وتر أهله وماله) روى بنصب اللامين ورفعهما، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان، ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله ومعناه انتزع منه أهله وماله، وهذا تفسير مالك بن أنس، وأما على رواية النصب فقال الخطابي وغيره معناه نقص هو أهله وماله وسلبه فبقي بلا أهل ولا مال، فليحذر من تفويتها كما يحذر من ذهاب أهله وماله، وقال أبو عمر بن عبد البر معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر". وجاء أيضا: "(تفوته) لا يؤديها في وقتها. (وتر) سلب وترك بلا أهل ولا مال. وفي بعض النسخ بعد الحديث كلام وهو [قال أبو عبد الله يتركم وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو أخذت له مالا".

أيها المؤمنون:

ونأتي إلى القسم الأخير، القسم الخطير والذي وللأسف، ويا للحسرة الكثير من الناس اليوم واقعون فيه، إنه قسم الذين يتركون الصلاة كلّيا، لا يصلّون الصلوات الخمس تهاونا وتكاسلا، وهذه حال مَنْ يترك الصلاة اليوم من الناس، رجالا وشبابا ونساء، فما حكمه؟ سأترك حكمة ليس لي ولا لكم، إنما لكلام الله، ولكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى.

يقول الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)(مريم،59-60). قال ابن كثير: "لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حزْبَ السُّعَدَاءِ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ، مِنَ الْقَائِمِيْنَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَوَامِرِهِ، الْمُؤَدِّينَ فَرَائِضَ اللَّهِ، التَّارِكِينَ لِزَوَاجِرِهِ -ذَكَرَ أَنَّهُ (خَلَفَ مِنْ بَعْدِهم خَلْفٌ) أَيْ: قُرُونٌ أُخَرُ، (أَضَاعُوا الصَّلاةَ) -وَإِذَا أَضَاعُوهَا فَهُمْ لِمَا سِوَاهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ أَضْيَعُ؛ لِأَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ وَقَوَامُهُ، وَخَيْرُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ-وَأَقْبَلُوا عَلَى شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَمَلَاذِّهَا، وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا، فَهَؤُلَاءِ سَيَلْقَوْنَ غَيًّا، أَيْ: خَسَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

ثم ثال ابن كثير: "وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِضَاعَةِ الصَّلَاةِ هَاهُنَا، فَقَالَ قَائِلُونَ: الْمُرَادُ بِإِضَاعَتِهَا تَرْكُها بِالْكُلِّيَّةِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي، وَابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَالسُّدِّيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَلِهَذَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْأَئِمَّةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَوْلٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ إِلَى تَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، لِلْحَدِيثِ(في صحيح مسلم) (بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ تَركُ الصَّلَاةِ)، وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ(في الترمذي وهو حديث حسن صحيح): (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ). وَلَيْسَ هَذَا مَحَلُّ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيمرة فِي قَوْلِهِ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ)، قَالَ: إِنَّمَا أَضَاعُوا الْمَوَاقِيتَ، وَلَوْ كَانَ تَرْكًا كَانَ كُفْرًا. وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يُكْثِرُ ذِكْرَ الصَّلَاةِ فِي الْقُرْآنِ: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) وَ(عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) وَ(عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) ؟ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَى مَوَاقِيتِهَا. قَالُوا: مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا عَلَى التَّرْكِ؟ قَالَ: ذَاكَ الكفر.

وقال مَسْرُوقٌ: لَا يُحَافِظُ أَحَدٌ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَيُكْتَبُ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَفِي إِفْرَاطِهِنَّ الْهَلَكَةُ، وَإِفْرَاطِهِنَّ: إِضَاعَتُهُنَّ عَنْ وَقْتِهِنَّ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَرَأَ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، ثُمَّ قَالَ: لَمْ تَكُنْ إِضَاعَتُهُمْ تَرْكَهَا، وَلَكِنْ أَضَاعُوا الْوَقْتَ".

وأقول لتارك الصلاة، يكفي أن العلماء قد اختلفوا في دينك ما بين من يثبت لك إسلاما وما بين من ينفيه عنك، ويجعلك كافرا. وإن كنت أنا مع رأي العلماء الذين لا يقولون بكفر تارك الصلاة. ولكن تخيل لو كان يوم القيامة حكمهم هو الحكم الحق عند الله، فأين سيجد تارك الصلاة مصيره. إنه لأمر مخيف حقا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فماذا بعد هذا؟ بماذا نخاطب الذين يتركون الصلاة؟ والذين اسأل الله لهم الهداية والتوبة، بماذا تخاطبهم؟ وماذا أقول لهم؟ ماذا أقول للذين يتركون الصلاة؟.

إنني أذكّره، إنني أذكّر تارك الصلاة بالله، أذكرك بعظمة، وبحق الله عليك في العبودية، وبنعم الله عليك، وبشدة عقاب الله لك.

أذكرك بعذاب القبر غدا، عندما يوضع غدا تارك الصلاة في قبرة، فتأتيته ملائكة العذاب من جهة اليمين فلن تقف الصلاة لتدفع عنك، فلا صلاة عندك تقيك، فيدخلان عليك حينئذ، فالباب مفتوح عليك سياط العذاب الأليم.

أذكرك بشدة عقوبة الله، فكلكم يعلم أن تارك الزكاة أقل جرما من تارك الصلاة، وتارك الزكاة في أرض المحشر تحمى له قطع من جديد فتكوى بها وجنيه وظهره، في مدة حساب الله الناس مدة (50)ألف سنة، فكيف بتارك الصلاة،أذكرك بمحشر، بمحشر لا يرى فيه نورا ولا أهل النور، بل الظلمات والظلام.

أذكرك أن أول ما تحاسب عليه الصلاة، فاذا لا صلاة، فعلى ماذا يحاسبوك؟ ولماذا؟ ولذلك  فكرت في نصيحة لمن يصر على ترك الصلاة حتى ينجو, فلم أجد إلا أن أنصحه بأن لا يموت. فقط أنصحه أن لا يموت؛ لأنه والله من لحظة نزع روحه سيلق سخط الله، وسخط ملك الموت عليه وهو ينزع روحه. ثم سيجد في القبر سخط الله، وفي المحشر سخط الله، وفي الميزان سخط الله، وفي نار جهنم سخط الله، فانصحه ألا يموت أو أن يتوب. أما أن أبيت ذلك وأما أنا أبيت أن تصلى، فأقول لك لا تسجد لله، حافظ على جبينك، لا تمرغه بغبار السجاد، ولا تلصقه بالأرض، ولكن تذكر أنه سيوضع وجهك وجسمك كله، ويمرغ بتراب القبر والموت، ويبقى جينك وجسمك هذه المرة ملتصقا بالأرض التصاق ذل وأهانه إلى يوم تبعثون.

لا تحشر نفسك مع المصلين في المسجد، واحشر نفسك في الدكان وأما التلفاز والمقاهي وأنواع اللهو، ومع الأصحاب غير النافعين، لتحشر غدا وحدك في القبر، ولتحشر غدا مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، لا ترى نورا ولا ترى مسلما، فتارك الصلاة يوم القيامة لا يرى النور ولا يرى أهل النور.

لا تلبي نداء (الله أكبر)،لا تلبي نداء (حي على الصلاة)، ولبي نداء الدنيا أكبر، والوظيفه أكبر والسهرات أكبر والخلويات أكبر والتجارة أكبر، لا تلبي نداء الصلاة، وانتظر حتى يلبي ملك الموت نداء الله بقبض روحك، فينزعها نزعا شديدا، وعندها ستطلب التأخير والرجعة ولو لساعة لعلك تتوضأ أو تصلي أو تخطو إلى المسجد ولو مرة واحدة، ولكن طلبك مرفوض وقبيح، قال الحق سبحانه: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(المؤمنون،99-100).

أيها المؤمنون:

 فقط أريد إجابة من كل تارك للصلاة على هذا الموقف. إذا وقفت غدا في أرض المحشر وقال لك الله : لماذا لم تكن تصلي لي؟ مع أني أعطيت عقلا وجسما وصحه ومالا ودنيا ووقتا ودعاة. وكنت تبذل أوقاتا طويلة لأجل أعمال الدنيا ولا تبذل عشرها لأجل حق الله في الصلاة. فبماذا ستجيب ربك؟

فعندها، ويل لك أن سكت، وويل لك ثم ويل لك أن أجب؟ فلا سكوتك ينفع ولا عذرك يدفع.

أسأل الله أن يتوب علينا جميعا، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة.

 

 

المرفقات

أقسام-تاركي-الصلاة-وأحوالهم-وموعظتهم

أقسام-تاركي-الصلاة-وأحوالهم-وموعظتهم

أقسام-تاركي-الصلاة-وأحوالهم-وموعظتهم-1

أقسام-تاركي-الصلاة-وأحوالهم-وموعظتهم-1

المشاهدات 527 | التعليقات 0