خطبة : ( أقبلت ليالي الغنائم فأين أهل العزائم ؟! )

عبدالله البصري
1437/09/18 - 2016/06/23 12:06PM
أقبلت ليالي الغنائم فأين أهل العزائم ؟! 19 / 7 / 1437


الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمَضَت مِن رَمَضَانَ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ وَلَيالٍ نَيِّرَةٌ ، تَصَرَّمَت كَأَنَّمَا هِيَ سَاعَاتٌ أَو لَحَظَاتٌ ، وَانقَضَت كَأَنْ لم تَكُنْ وَتَوَلَّت بما فِيهَا ، وَهَكَذَا هُوَ العُمرُ - أَيُّهَا المُوَفَّقُونَ - يَمضِي يَومًا يَومًا ، وَيَنقُصُ سَاعَةً بَعدَ سَاعَةٍ ، وَكُلَّمَا كَانَ المَرءُ في رَغَدٍ مِنَ العَيشِ وَأَمنٍ وَعَافِيَةٍ ، لم يَشعُرْ بِمُرُورِ الزَّمَنِ ، بَل هَكَذَا هُوَ الزَّمَانُ كُلَّمَا اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ ، وَقَد وَرَدَ في الحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ؛ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهرِ ، وَيَكُونَ الشَّهرُ كَالجُمُعَةِ ، وَتَكُونَ الجُمُعَةُ كَاليَومِ ، وَيَكُونَ اليَومُ كَالسَّاعَةِ ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحتِرَاقِ السَّعْفَةِ أَوِ الخُوصَةِ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ .
إِنَّ الحَيَاةَ الدُّنيَا قَصِيرَةٌ مَهمَا طَالَت ، سَرِيعَةُ الزَّوَالِ مَهمَا امتَدَّت ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيلاً أَو نَهَارًا فَجَعَلنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لم تَغنَ بِالأَمسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَاضرِبْ لَهُم مَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ فَأَصبَحَ هَشِيمًا تَذرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُقتَدِرًا "
وَقَالَ – تَعَالى - : " اعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ "
هَكَذَا هِيَ الحَيَاةُ الدُّنيَا ، رَبِيعٌ لا يَلبَثُ أَن يَكُونَ حَصِيدًا ، وَنَبَاتٌ يَخضَرُّ ثم يَغدُو هَشِيمًا ، وَخُضرَةٌ تَهِيجُ فَتَصفَرُّ وَتَيبَسُ ثم تَكُونُ حُطَامًا ، وَلَمَّا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ لم يَكُنِ لِلعَاقِلِ إِلاَّ اغتِنَامُ زَهرَةِ زَمَانِهِ بِسُلُوكِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، وَالتَّزَوَّدِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، وَالمُسَابَقَةِ في الخَيرَاتِ قَبلَ أَن يَفجَأَهُ هَادِمُ اللَّذَّاتِ ، وَهَذَا مَا دَعَانَا إِلَيهِ رَبُّنَا – تَبَارَكَ وَتَعَالى – بَعدَ أَن بَيَّنَ لَنَا سُرعَةَ زَوَالِ الدُّنيَا ، حَيثُ قَالَ بَعدَ الآيَةِ الأُولى الَّتي تَلَونَاهَا مِن سُورَةِ يُونُسَ : " وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلامِ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ " وَقَالَ بَعدَ آيَةِ سُورَةِ الكَهفِ : " المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيرٌ أَمَلاً "
وَقَالَ بَعدَ آيَةِ سُورَةِ الحَدِيدِ : " سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَضَى مِن رَمَضَانَ ثُلُثَاهُ ، وَبَقِيَ ثُلُثُهُ الأَخِيرُ ، بَقِيَت عَشرُهُ المُبَارَكَةُ ، الَّتِي هِيَ مِسكُ خِتَامِهِ وَزُبدَةُ أَيَّامِهِ ، وَفِيهَا لَيلَةُ القَدرِ الَّتِي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، عَشرٌ كَانَ نَبِيُّنَا –عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - يَحسِبُ لها حِسَابًا كَبِيرًا ، وَيَجتَهِدُ فِيهَا اجتِهَادًا عَظِيمًا ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا – قالت : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَخَلَ العَشرُ شَدَّ مِئزَرَهُ ، وَأَحيَا لَيلَهُ ، وَأَيقَظَ أَهلَهُ .
وَفي رِوَايَةٍ لِمُسلمٍ عَنهَا قَالَت : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَجتَهِدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهِ .
وَفي الصَّحِيحَينِ عَنهَا - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعتَكِفُ العَشرَ الأَوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ - تعالى - .
وَفي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَعتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا كُانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعتَكَفَ عِشرِينَ .
وَإِنَّمَا كَانَ يَفعَلُ كُلَّ ذَلِكَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - تَحَرِّيًا لِلَيلَةِ القَدرِ وَالتِمَاسًا لإِدرَاكِهَا ، وَمَا لَهُ لا يَفعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَد عَلِمَ أَنَّهَا تَعدِلُ أَكثَرَ مِن ثَلاثَةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا ، وَأَنَّ مَن قَامَهَا إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ؟!
فَهَيَّا يَا عِبَادَ اللهِ ، مَن كَانَ مُحسِنًا وَمَا أَكثَرَ المُحسِنِينَ وَللهِ الحَمدُ ! فَلْيُتبِعِ الحَسَنَةَ الحَسَنَةَ تَكُنْ لَهُ نُورًا عَلَى نُورٍ ، وَمَن كَانَ دُونَ ذَلِكَ وَغَلَبَتهُ نَفسُهُ فِيمَا فَاتَ فَفَرَّطَ في بَعضِ الخَيرِ ، فَلْيُسرِعِ التَّوبَةَ وَلْيُعَجِّلِ الأَوبَةَ ؛ فَإِنَّمَا الأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ ، وَالتَّوبَةُ تَجُبُّ مَا قَبلَهَا ، وَالرَّبُّ غَفُورٌ شَكُورٌ ، وَلَيسِ لِفَضلِ اللهِ حُدُودٌ ، وَلا يَدرِي العَبدُ في أَيِّ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ تَكُونُ نَجَاتُهُ ، وَوَاللهِ لَو لم يَبقَ في رَمَضَانَ غَيرُ لَيلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَاغتَنَمَهَا عَبدٌ مُسلِمٌ يَرجُو رَحمَةَ اللهِ وَهُوَ لا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا ، لَكَانَ حَرِيًّا بِأَن يَنَالَ خَيرًا كَثِيرًا ، فَكَيفَ وَالبَاقِي هُوَ عَشرُ رَمَضَانَ وَخَيرُ لَيَالي السَّنَةِ عَلَى الإِطلاقِ ، وَالَّتي أَمَرَ النَّاصِحُ المُشفِقُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بِتَحَرِّي لَيلَةِ القَدرِ فِيهَا ، فَقَالَ كَمَا في الصَّحِيحَينِ : " تَحَرَّوا لَيلَةَ القَدرِ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَاَن "
وَفي رِوَايَةٍ لِلبُخَارِيِّ : " في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ "
وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ : " اِلتَمِسُوهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ ، فَإِن ضَعُفَ أَحَدُكُم أَو عَجَزَ فلَا يُغلَبَنَّ عَلَى السَّبعِ البَوَاقي "
إِنَّ رَحمَةَ اللهِ وَاسِعَةٌ فَتَعَرَّضُوا لَهَا بِإِحسَانِ العَمَلِ مَا استَطَعتُم ، وَادعُوا رَبَّكُم وَانوُوا الخَيرَ دَهرَكُم ، وَتُوبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَنِيبُوا وَأَسلِمُوا " وَلا تُفسِدُوا في الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِهَا وَادعُوهُ خَوفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ "
" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "
قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلقَ كَتَبَ كتِاَبًا فَهُوَ عِندَهُ فَوقَ عَرشِهِ : إِنَّ رَحمَتي سَبَقَت غَضَبي " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لَن يُنجِيَ أَحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ " قَالُوا : وَلا أَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " وَلا أَنَا إِلاَّ أَن يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنهُ بِرَحمَتِهِ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلجَةِ ، وَالقَصدَ القَصدَ تَبلُغُوا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ : فَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِن هَمَّ بِعَمَلِهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ إِلى سَبعِ مِئَةِ ضَعفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ ... " الحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " إِنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُم وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا "



الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ ، اتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِصَالِحِ الأَعمَالِ لِيَومِ لِقَاهُ " وَتَقَرَّبُوا مِن رَبِّكُم مَا استَطَعتُم ، وَأَبشِرُوا فَإِنَّ ربَكَّمُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، وَهُوَ يُحِبُّ المُتَقَرِّبِينَ إِلَيهِ ، بَل وَيَتَقَرَّبُ إِلَيهِم وَهُوَ الغَنِيُّ عَنهُم ، فَمَا أَعظَمَهُ مِن إِلَهٍ وَمَا أَكرَمَهُ ! قَالَ – سُبحَانَهُ - وَهُوَ أَصدَقُ القَائِلِينَ : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَليُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا – في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها ، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها ، وَإِن سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ – تَعَالى - في حَدِيثٍ آخَرَ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِن ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِن ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبرًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِن أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

أيها المسلمون ، إِنَّ جَنَّةَ اللهِ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، فِيهَا مَا لا عَينٌ رَأَت وَلا أُذُنٌ سَمِعَت وَلا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ ، مَوضِعُ سَوطٍ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا ، فِيهَا مِئَةُ دَرَجَةٍ ، مَا بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ ، أَهلُهَا وَالجِيرَانُ فِيهَا ، هُم صَفوَةُ خَلقِ اللهِ وَخِيرَةُ عِبَادِهِ ، مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ، لا يَفنَى فِيهَا الشَّبَابُ ، وَلا تَبلَى الثِّيَابُ ، أَوَّلُ زُمرَةٍ يَدخُلُونَهَا عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيلَةِ البَدرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم كَأَشَدِّ كَوكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ إِضَاءَةً ، قُلُوبُهُم عَلَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، لا اختِلافَ بَينَهُم وَلا تَبَاغُضَ ، لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم زَوجَتَاَن مِنَ الحُورِ العِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِن وَرَاءِ العَظمِ وَاللَّحمِ مِنَ الحُسنِ ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكرَةً وَعَشِيًّا ، لا يَسقَمُونَ وَلا يَبُولُونُ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَتفُلُونَ وَلا يَتَمَخَّطُونَ ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ ، وَأَمشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمُ المِسكُ ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِم آدَمَ سَتُّونَ ذِرَاعًا في السَّمَاءِ ...
إِنَّ جَنَّةَ الفِردُوسِ الَّذِي هَذَا جُزءٌ يَسِيرٌ مِن نَعِيمِهَا ، إِنَّهَا لَتَحتَاجُ مَعَ رَحمَةِ اللهِ إِلى عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَإِذَا لم نَكتَسِبِ العَمَلَ الصَّالِحَ في هَذِهِ العَشرِ وَنَظفَرَ بِلَيلَةِ القَدرِ ، فَنَربَحَ عَمَلَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً في سَاعَاتٍ مَعدُودَةٍ ، فَمَتى نَربَحُ إِذًا ؟!
قَالَ – تَعَالى - : " وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَت لَهُم جَنَّاتُ الفِردَوسِ نُزُلاً . خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبغُونَ عَنهَا حِوَلاً "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ تَكُنْ لَكُمُ البُشرَى مِن رَبِّكُمُ القَائِلِ – سُبحَانَهُ - : " فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُم أُولُو الأَلبَابِ "
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لما وَفَّقتَ إِلَيهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ، اللَّهُمَّ اهدِنَا وَسَدِّدْنَا ، اللَّهُمَّ اهدِنَا لأَحسَنِ الأَعمَالِ وَأَحسَنِ الأَخلاقِ لا يَهدِي لأَحسَنِهَا إِلاَّ أَنتَ ، وَقِنَا سَيِّئَ الأَعمَالِ وَسَيِّئَ الأَخلاقِ لا يَقِي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنتَ .
المرفقات

1084.doc

أقبلت ليالي الغنائم فأين أهل العزائم.doc

أقبلت ليالي الغنائم فأين أهل العزائم.doc

أقبلت ليالي الغنائم فأين أهل العزائم.pdf

أقبلت ليالي الغنائم فأين أهل العزائم.pdf

المشاهدات 2687 | التعليقات 6

جزاك الله خيرا


سلِمت يمِينُكَ يا شيخ عبدالله .. خُطبُك دائماً تصِلُ إلى شغافِ القُلُوب


جزاك الله شيخ عبدالله وبارك فيك


جزاك الله عنا كل خير يا شيخ عبدالله على هذه الخطبة المباركة

نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتك وينفع بها قائلها وسامعها


بشرك الله بما يَسُرّك
وغفر لك ذنبك
ورفع درجتك
وزادك علماً وفضلاً


بارك الله فيك شيخنا الكريم