خطبة أفراحنا والفِرَقُ المُوسِيقية
الأستاذ الدكتور عدنان خطاطبة
خطبة "أفراحنا" والفِرَقُ المُوسِيقية"
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران،102). أما بعد:
يقول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الروم،21).
يا عباد الله: الزواج في ميزان الله: أية من آياته، ونعمة من نعمه، وإذا كان الزواج أية من آيات الله، فإنه يجب على المؤمن بالله أن يستقبل هذه الآية باحترام وتعظيم وتقدير وعبودية، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج،32). وإذا كان الزواج نعمة من نعمه الله، فإنه يجب على المؤمن بالله أن يقابل هذه النعمة بالشكر لله، قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)(البقرة،152). ولكن بعضا من المسلمين اليوم استقبل هذه الآية، بكل استهتار واستخفاف، ويقابل هذه النعمة، بكل جحود ونكْران.
نعم، حتى ظن هؤلاء، إنهم أحرار في أمر الأعراس، وأمر الأفراح، وإن الله إنما يُعبد في أمر المساجد، ولا يعبد في أمر الزواج والأفراح، ولا يطاع في أمر الزواج والأفراح، فليستقبلوه كما يشاؤون وليقيموا أفراحهم وأعراسهم كما يشتهون، فأقاموا الأفراح المحرمة، والأعراس المختلطة، التي استجلبوا فيها فرقا موسيقية، تصدح فوق رؤوس الحاضرين.
نعم، حتى بات في حس بعض من المسلمين، أن القلم مرفوع عن من يريد الفرح أو الزواج، وأن القلم مرفوع في أيام الفرح والعرس، فلتعمّ الأعراس والأفراح بعيدة كل البعد عن شرع الله، فلتعمّ الأعراس والأفراح مهما اغضبت الله، فلتعمّ الأعراس مخالفة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك في نظر هؤلاء غير مهم، وغير ذي بال، المهم أن نفرح أيام العرس والأفراح، المهم أن نقيم أعراسنا وأفراحنا في ظل فرق موسيقية وراقصة تطبل على رؤوس الحاضرين.
يا عباد الله، إن الذي يُحضر الفرق الموسيقية لإحياء أفراحه وأعراسه، هو مسلم، قد جحد النعمة، فالله الذي يسر لك أسباب هذا الفرح، وأسباب هذا الزواج، يستحق الشكر لهذه النعمة لا جحدها بإحضار فرق موسيقية، تدمر قيمة هذه النعمة. قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾(التكاثر،8).
يا عباد الله، إن الذي يُحضر الفرق الموسيقية لإحياء أفراحه وأعراسه، لم يطع الله عز وجل، ولم يطع الرسول صلى الله عليه وسلم، في أمر الزواج والفرح أيّا كان، بل خالف أمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، مخالفة شرعية صريحة. فإن استئجارك للفرقة الموسيقية حرام شرعا، والعقد الذي عقدته معهم باطل شرعا، والمال الذين يقبضونه محرم عليهم شرعا، والمال الذي تدفعه لهم ستحاسب عليه، واستئجارك للمقاعد أو للصيوان أو للصالة لهم، ولمن يستمع لهم حرام، والمال الذي تدفعه مقابل ذلك ستسأل عنه، وما تقدمه للفرقة من كرم الضيافة لا تؤجر عليه، بل ستحاسب عليه يوم القيامة، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(المائدة،2). وفي الحديث الحسن في سنن الترمذي، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ). وهذا الفعل فيه إشاعة للفاحشة والمنكرات ونشر لها، وتشجيع للغير على فعلها، لأن الآخرين سيحاولون تقليدك، والغيرة منك، وممثالتك في أفراحهم، فيكون المسلم بذلك قدوة سيئة لغيره لا قدوة حسنة.
يا عباد الله، إن هناك مَن يُحضر الفرق الموسيقية لإحياء أفراحه وأعراسه، في الأماكن المكشوفة والأحياء وعلى أسطح البيوت وقارعة الطريق، وبسماعات عالية وأصوات مدوية، فلتعلم، أنك بهذه الطريقة من الإعلان عن الفرح، قد آذيت المسلمين، بإزعاجك لهم بالمكبرات الصوتية إلى منتصف الليل، ففيهم النائم والمريض، والصغير، والكبير، فإذا كان الشرع يحرم عليك أن ترفع صوتك بالقرآن خشية أن تزعج مسلم نائم بالقرب منك، فكيف بك تصمّ آذان المسلمين من حولك، بمثل هذه المنكرات، وكم منّا من تأذّى من ذلك، وهو في بيته.
يا عباد الله، إن الذي يُحضر الفرق الموسيقية لإحياء أفراحه وأعراسه، أرجو منه أن يصغي جيدا لما سأقوله في حق فعله هذا. إن صاحب الفرح أو العرس الذي دعا الناس إلى هذا العرس أو الفرح، فأحياه بالموسيقى والأغاني، وفوقها بالرقص والتصفيق والتصفير، هو شخص قد دعا غيره إلى منكر ومحرم. ومعلوم في الشرع، أن من دعا غيره إلى ضلالة أو منكر أو حرام فقام بفعله بسببه، فإنه يأخذ نسخة من الإثم عن كل من تبعه وفعل ما فعل تأثرا به، ففي صحيح مسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ).
فلا تفرح بكثرة الحضور والمشاركين حول الفرقة الموسيقية والراقصين والمصفقين، فكلهم آثمون فرادى، ومجموع إثمهم في حساب مَن دعاهم إلى الحضور.
يا عباد الله، إن بعضمن يُحضر الفرق الموسيقية لإحياء أفراحه وأعراسه، لا يتورع حتى أن يوقف الفرقة عن الغناء والموسيقى في وقت الأذان، وكم نشهد مثل هذه الحفلات، تكون المآذن تنادي الله أكبر، وتكون الفرقة وأصحابها يصدحون بالطرب ويتمايلون بالرقص، في موقف يؤذي مشاعر كل مؤمن غيور. فهل هذا فعل مسلم، يعظم شعائر الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أيها الأخوة، ولكن سيبقى الخير في هذه الأمة، وسيبقى فيها فها مَن يستجيب لأمر الله، وسيبقى في هذه الأمة عباد الله، الطائعون لله، من يجعل فرحه وحزنه، في إطار عبودية الله تعالى، وبطريقة وسطية متزنة إيجابية، فيحرص على الابتعاد عن إحياء أفراحه وأعراسه بإحضار الفرق الموسيقية، وييعمل على إحياء أفراحه وأعراسه بما يليق، ويحقق المقصود من الفرح المباح، والحفلة المقبولة، التي تملأ أجواءها السعادة والبهجة، والفرح المعتدل الطيب، الهادئ الجميل، وبأقل ما أمكن من الخسائر والأضرار والمنكرات، رجاء أن يكون ممن قال الله فيهم، مادحا، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الأنعام،162). ورجاء أن يكون هذا الفرح، طريقا لإكمال حياة فيها السعادة والطيب.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خاصة.
المرفقات
أفراحنا-والفرق-الموسيقية
أفراحنا-والفرق-الموسيقية
أفراحنا-والفرق-الموسيقية-1
أفراحنا-والفرق-الموسيقية-1