خطبة أشراط الساعة الصغرى (5)
محمد ابراهيم السبر
خطبة أشراط الساعة الصغرى (5)
1 ربيع الأول 1440 جامع موضي السديري بالرياض
الخطبة الأولى
في آخر الزمان يرتفع السفهاء والأراذل، ويؤخذ العلم عن الأصاغر، وتسوء الأخلاق، وتقطع الأرحام، وتأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، وهو الرجل السفيه التافه يتكلم في أمر العامة.
عباد الله: تحدثنا في جمَع ماضية عن أشراط الساعة الصغرى ما وقع منها وانتهى، وما وقع ولا زال مستمراً، ونكمل الحديث إن شاء الله عن العلامات الصغرى التي لم تظهر بعد والتي تليها العلامات الكبرى العظام.
في آخر الزمان يتمنى المرء الموت من شدة البلاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه). رواه البخاري ومسلم.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغَ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدَّين إلا البلاء) رواه مسلم.
وتمني الموت يكون عند كثرة الفتن وتغير الأحوال وتبديل رسوم الشريعة، وهذا وإن لم يكن وقع فهو واقع لا محالة. قال ابن مسعود رضي الله عنه: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه، وكما قيل:
وهذا العيش ما لا خير فيه *** ألا موت يباع فأشتريهِ؟!
ومن علامات الساعة عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً". رواه مسلم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا) رواه مسلم. وهذه آية من آيات الله حيث تخرج الأرض كنوزها المخبوءة في جوفها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو". رواه البخاري. وفي رواية: "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً".
وهذه العلامة لم تقع بعد، ومن فسرها بالنفط فقد أخطأ ويلزم على قوله هذا النهي عن الأخذ من النفط ولم يقل به أحد من العلماء، وقد رجح الحافظ ابن حجر: أن سبب المنع من الأخذ من هذا الذهب لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه. اهـ. الفتح (13 /81).
ومن علامات الساعة خروج القحطاني فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ". متفق عليه. وفي رواية: (لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له: الجهجاه) رواه مسلم. وسوقه الناس بعصاه كناية عن طاعة الناس له ورضوخهم لأمره، وهو رجل شديد القوة والبطش والقحطاني ليس هو المهدي الذي في آخر الزمان، فإن خروج المهدي بعد القحطاني بزمن.
وقي آخر الزمان يكثر الروم ويحشدون لقتال المسلمين فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعدد ستاً بين يدي الساعة، فذكر منها: ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً " رواه البخاري.
وهذا القتال يقع في الشام في آخر الزمان، قبل ظهور الدجال، كما دلت على ذلك الأحاديث ويكون انتصار المسلمين على الروم تهيئة لفتح القسطنطينية، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن نافع بن عتبة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظتُ منه أربعَ كلمات أعدُّهن في يدي، قال: " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله، قال: فقال نافع: يا جابر لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم ". رواه مسلم.
وجاء تحديد أرض المعركة مع الروم وأنها في الشام في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه في سنن أبي داود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة في أرض بالغوطة في مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام".
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق - ودابق قرية قرب حلب - فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فيتنزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكنه يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته".
وورد في وصف شدة هذا القتال، ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرحَ بغنيمة، - ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام - فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة".
إن الصراع بين الإسلام والنصرانية لن ينتهي بل هو ماض إلى قيام الساعة. قال صلى الله عليه وسلم: "فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله، ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر". رواه ابن أبي شيبة في المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وهو حديث حسن.
وهذا الصراع والمواجهة تكون بين مد وجزر لتأتي المعركة الفاصلة والملحمة الكبرى التي يحشد لها النصارى قرابة مليون شخص وتنتهي بالهزيمة النهائية حيث لا يقف الجيش الإسلامي إلا بعد أن يفتح روما العاصمة الدينية للروم وعندها تفتح الروم ويتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبع ذلك مباشرة المعارك مع الدجال الذي ينتهي الأمر بقتله، وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها ويقرب العالم من نهايته، ويتحقق وعد الله بتبديل الأرض غير الأرض، ويعود الخلق جميعهم إلى موجدهم لتبدأ بعد ذلك الحياة السرمدية الأخروية.
وفي الحديث إشارة إلى أن المسلمين سيتمكنون من تكوين دولة إسلامية تمثل قوة جديدة في العالم، يلتجئ إليها النصارى، ويطلبون مصالحتها للحصول على مساعدتها في محاربة عدو ثالث.
ومن علامات الساعة فتح القسطنطينية فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها - قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر- ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون". رواه مسلم.
ومن العلامات قتال اليهود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". متفق عليه.
وهاهم اليهود يتجمعون في فلسطين من أكثر من عشرات السنين كما أخبر تعالى في كتابه المحكم: "وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". فقد جاؤوا كما أخبر الله عز وجل، وهاهم يزرعون شجر الغرقد ذي الشوك الذي هو شجرهم كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي آخر الزمان خراب المدينة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي، يريد عوافي السباع والطير". رواه البخاري.
وذلك والله أعلم بعد أن يتوجه أهلها لنصرة جيش المسلمين في الشام ضد جيش الروم الجرار كما مر معنا.
وفي آخر الزمان استحلال البيت الحرام وهدم الكعبة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرِّب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله". رواه أحمد بإسناد صحيح.
الخطبة الثانية
وفي آخر علامات الساعة يبعث الله الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه في حديث طويل فيه قصة الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج قال صلى الله عليه وسلم: "إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة" رواه مسلم.
وفي نهاية العالم فإن هذه القوة المادية والتقنية لن تستمر.. قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وتوفنا وأنت راض عنا، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وردنا إليك رداً جميلا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.