خطبة أشراط الساعة الصغرى 4

محمد ابراهيم السبر
1440/02/10 - 2018/10/19 13:10PM

خطبة أشراط الساعة الصغرى 4

جامع الأميرة موضي بنت أحمد السديري الرياض

إن الحمد لله ...

عباد الله: عندما يكثر الشح ويفشو الكذب وتكثر شهادة الزور ويصبح التشبه بالكفار أمراً سائغاً بل مطلوباً بحجة مجاراة الحضارة والمدنية ، وعندما يتناكر الناس فيما بينهم فلا يكاد أحد يعرف أحداً ؛ عندما يقع هذا وغيره فقد آذنت شمس هذه الدنيا بالفناء واقترب الوعد الحق وأزفت الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة. (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ).

عباد الله : تطرقنا عبر خطب ماضية عن أكثر علامات الساعة الصغرى ما وقع وما لم يقع وما زال واقعاً ونكمل الحديث اليوم إن شاء الله تعالى بما تبقى منها :

فمن علامات الساعة الصغرى كثرة الشح والشح هو أشد البخل وقيل: هو البخل مع الحرص. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح ". رواه البخاري.

والشح خلق مذموم نهى عنه الإسلام ، وبين أن من وقي شُح نفسه ، فقد فاز وأفلح ، كما قال تعالى : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم ، واستحلوا محارمهم ) .

قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر ، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة .

ومن علامات الساعة الصغرى كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق ". رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر 5/333 وشهادة الزور هي الكذب متعمداً في الشهادة , فكما أن شهادة الزور سببٌ لإبطال الحق , فكذلك كتمان الشهادة سبب لإبطال الحق قال تعالى: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (البقرة: 283). وفي الصحيحين عن أبي بكرة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر( ثلاثاً) الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وكان متكئاً فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ", ولعظم خطرها قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وعقوق الوالدين , فإنها سببٌ للظلم والجور وضياع حقوق الناس في الأموال والأعراض, وظهورها دليل على ضعف الإيمان, وعدم الخوف من الرحمن.

 ومن أشراط الساعة الصغرى زخرفة المساجد والتباهي بها فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني وقال أنس يتباهون بها ، قم لا يعمرونها إلا قليلاً . قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري:" لتُزخرفُنّها كما زخرفت اليهود والنصارى).

وعلة النهي من ذلك أنه علامة على الترف والتبذير والإسراف، وسبب لإشغال الناس عن صلاتهم.

ولمّا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتجديد المسجد النبوي ، نهى عن الزخرفة فقال:" أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمرّ أو تصفرّ ، فتفتن الناس).

لقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل ، وما كان ذلك في يوم من الأيام عائقاً أمام الدور الريادي والحضاري الذي أدَّاه المسجد النبوي فقد كان مكان الصلاة والذكر وتعليم العلم والشورى ومأوى الفقراء والمساكين ومنه انطلقت جيوش الإسلام، وحجافل الإيمان. 

ما هو حال بعض مساجد المسلمين الآن ، وما هو حال مساجد السلف التي كانت عامرة بذكر الله تجللها البساطة والترفع عن زخرف الدنيا الفاني ففتحوا الدنيا ودانت لهم الأمم والشعوب.

ومن العلامات تقارب الزمان فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ". رواه البخاري . وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة ". رواه الإمام أحمد بسند صحيح.

ومن معاني تقارب الزمان : سرعة انقضاء الوقت، والتطور في وسائل النقل والاتصال التي تجعل التنقل أو المحادثة تتم في وقت قصير جداً، وقلة البركة في الوقت ولعل هذا هو المعنى الصحيح. قال ابن حجر : ( فالذي تضمنه الحديث وُجد في زماننا هذا، فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء من الزمان وذلك من علامات الساعة... قال النووي : المراد بقصده: عدم البركة فيه ، وأن اليوم مثلاً يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة ) الفتح (16 /309)

ومن علامات الساعة الصغرى التشبه بالكفار. قال صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع " قيل يا رسول الله: كفارسَ والروم؟! فقال: " ومَنْ الناسُ إلا أولئك ؟ " رواه البخاري .

وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لتتبعنّ سنَنَ مَنْ كان قبلكم  شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جحر ضبٍ اتبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهودُ والنصارى،قال: فَمنْ ؟ ) رواه البخاري ومسلم ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاةٌ لليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب ومضاهاةٌ لفارس والروم وهم الأعاجم.  

وقد تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقع كثير من المسلمين في التشبه باليهود والنصارى ، والتخلق بأخلاقهم ، وهذا كثيراً ما يفعله ضعاف الإيمان والنفوس الذين يظنون أنهم بهذا يسيرون في ركب التقدم والرقي.

قال صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم )، رواه أحمد وأبو داود. فكيف يتناسى المسلمون هذا المآل الفظيع في سبيل المسايرة والمجاراة في أمور لا تزيدهم إلا جهلاً ونقصاً.

ومن علامات الساعة الصغرى ظهور النساء الكاسيات العاريات ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ( من أشراط الساعة، أن تظهر ثيابٌ يلبَسُها نساءٌ كاسيات عاريات).

ومعنى ( كاسيات عاريات ) أي أنهن يلبسن ثياباً غير ساترة لجميع أبدانهن، أو شفافة تصف ما تحتها ، أو ضيقة تبرز تفاصيل جسدها . وهذا كله موجود ويختلف من بلد لآخر.

ومن العلامات كثرة النساء وقلة الرجال فعن أنس t ، قال : لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : ( من أشراط الساعة أن يقل العلم ، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا ، وتكثر النساء ، ويقل الرجال ، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ). رواه البخاري ومسلم.

وقيل إن سبب ذلك كثرة الفتن فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء. وقيل : إن سبب ذلك كثرة الفتوح ، فتكثر السبايا ، فيتخذ الرجل عدة موطوءات.

ومن العلامات صدق رؤيا المؤمن عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود. وفي رواية : " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ".

فكلما اقترب الزمان، زادت غربة الإسلام وقبض أكثر العلم، ودرست معالم الشريعة، وازدادت الفتن، فيقل عندها أنيس المؤمنين وتعظم وحشتهم وغربتهم، ولذلك فإنهم يعوضون بالرؤيا الصادقة، التي هي جزء من ستة وأربعين جزءًا  من النبوة.

قال الحافظ في الفتح)12/406( والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان: أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريباً فيقل أنيسه ومعينه في ذلك الوقت فيُكرم بالرؤيا الصالحة .

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد ، فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا بلا إله إلا الله؛ فإنها العروة الوثقى، واحذروا المعاصي، فإن أجسامكم على النار لا تقوى، وتواضعوا لله؛ فإن من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، ومن زرع التقوى حمد عند الحصاد ما زرعه.

واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار. 

واعلموا رحمكم الله أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار المقر ؛ فتزودوا من ممركم لمقركم، وتأهبوا ليوم حسابكم وعرضكم على ربكم،(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون، وعلى رب العزة ستعرضون (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم وسوف يتخطى غيركم إليكم؛ فخذوا حذركم. فالموت مآل الإنسان ونهايته، وليس له إلا ما قدم من الأعمال الصالحة التي يجد ثوابها موفرا، ويجده مضاعفا عند الله سبحانه وتعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) .

المشاهدات 1289 | التعليقات 0