خطبة أشراط الساعة الصغرى 3

محمد ابراهيم السبر
1440/02/03 - 2018/10/12 13:15PM

خطبة أشراط الساعة الصغرى 3

الحمد لله ..

يقول الله تبارك وتعالى {إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا* وبست الجبال بساً* فكانت هباء منبثاً * وكنتم أزواجاً ثلاثة ..}.

وروى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوباً بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها ".

عباد الله : أتينا في الجمعة الماضية على طرف من أشراط الساعة الصغرى، وسنكمل اليوم بمشيئة الله تعالى ذكر شيء من أشراطها ففي حديث جبريل عليه السلام .. قال : " فأخبرني عن الساعة " ، قال: ما المسؤول بأعلم من السائل ، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال: " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان.." الحديث رواه مسلم .

ففد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علامتين من علامات الساعة الصغرى التي وقعت : (أن تلد الأمة ربها) أي: سيدتها ومالكتها.

وفسر ذلك بأحد معنيين : أن يكثر جلب الرقيق وقد وقع هذا في الإسلام ، وفيه كناية إلى انتشار الإسلام وكثرة الفتوح واستيلاءُ أهله على البلاد وهذا قول أكثر أهل العلم.

وقيل: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب، قال ابن حجر : وهذا أوجه الأوجه عندي.

والعلامة الثانية التطاول في البنيان " أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ". يعني يتبارون ويتباهون في تطويله وزخرفته، وتكثير المجالس والمرافق.

 قال النووي: معناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان. قلت: والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا؛ حين كثرت الأموال، وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة. فالله المستعان. انتهـى.

فصح أن التطاول في البنيان من أشراط الساعة، لكن ذلك لا يقتضي ذما لطول البنيان إن لم يترتب عليه طغيان، أو بطر، أو تفاخر، أو إسراف، أو إضاعة للحقوق ونحو ذلك.

وقد ظهر هذا جلياً فأصبح الناس يتطاولون في بناء الأبراج والمباني الشاهقة وما يسمى ناطحات السحاب.

ومن علامات الساعة الصغرى ظهور المعازف واستحلالها فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال إذا ظهرت المعازف والقينات ". رواه ابن ماجه ، وقال الألباني صحيح .

وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة, وهي الآن أكثر ظهوراً, فقد ظهرت المعازف في هذا الزمن وانتشرت انتشاراً عظيماً, وكثر المغنون والمغنيات وأعظم من ذلك استحلال كثير من الناس للمعازف, روى البخاري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) .

لقد شاع الغناء وانتشر في كثير من المجتمعات ورفعت أصوات المعازف والأغاني في البيوت والطرقات دون حياء من الله تعالى أو خجل من الناس بل أصبح أهل الفن والطرب نجوماً وقدوات يصدرون للشباب والناشئة وباتوا يشار إليهم بالبنان ! .

ومن علامات الساعة  كثرة شرب الخمر واستحلالها فقد ظهر في هذه الأمة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها, والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، وهذا من أمارات الساعة، فقد روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أشراط الساعة) وذكر منها (ويشرب الخمر).

وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه) . فقد أطلق على الخمر أسماء كثيرة, حتى سميت بالمشروبات الروحية ونحو ذلك, وقد فتن بعض الناس بشربها, وأعظم من ذلك بيعها جهاراً وشربها علانية في بعض البلدان، وانتشار المسكرات والمخدرات والحشيش انتشاراً عظيماً لم يسبق له مثيل مما ينذر بخطر عظيم، وفساد كبير، والأمر لله من قبل ومن بعد.

ومن أشراط الساعة انتشار الزنا ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن من أشراط الساعة : - فذكر منها - ويظهر الزنا " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترُشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط". رواه أبو يعلي وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح وصححه الألباني.

قال القرطبي في (المفهم) على حديث أنس السابق: (في هذا الحديث علم من أعلم النبوة إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان)  .

وأعظم من الزنا استحلال الزنا فقد ثبت في الصحيح عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير) ، وفي آخر الزمان بعد ذهاب المؤمنين يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر, كما جاء في حديث النواس رضي الله عنه ( ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر, فعليهم تقوم الساعة) . رواه مسلم.

لقد فشا الزنا وانتشر في العالم بشكل مخيف حتى غدا في بعض المجتمعات شيئاً مألوفاً لأناس أصبحوا أحط من البهائم إلى درجة أن الرجل يغشى المرأة على قارعة الطريق وفي الحدائق العامة ولا يرون في ذلك بأساً، فتلك هي الحرية البهيمية التي تترفع عنها بعض الحيوانات!.

وأهل الشهوات والباطل يدعون إلى الإباحية البهيمية والشهوات من خلال ترويج أفلام وقنوات الزنا والشذوذ بل أصبح لذلك تجارة وبيوت دعارة وتراخيص وقوانين تبيح الفواحش !.

إن من أسباب انتشار الزنا في بلاد المسلمين  كثرة العوائق أمام الراغبين في العفاف كغلاء المهور وكثرة التكاليف والاشتراطات الفاسدة التي تشكل عقبة في طريق الحلال.

ومن أسباب فشو الزنا القنوات والبرامج الخليعة التي تزين الفاحشة في قلوب الشباب كبرامج الواقع ومسلسلات وأفلام التعري وغيرها ناهيكم عن البلية بمواقع الانترنت ووسائل التواصل مع مخالفة الشرع في الخلوة المحرمة والسفر بلا محرم وخلع الحجاب والسياحة إلى البلاد الموبوءة.

الزنا من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، جريمة تبدد الأموال، وتنتهك الأعراض، وتقتل الذرية وتهلك الحرث والنسل، عارها يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويخلط الأنساب ،ويهوي بالرجل العزيز إلى حضيض الذل والازدراء، وينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع.

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا ..

ومن علامات الساعة ظهور الربا وانتشاره بين الناس, وعدم المبالاة بأكل الحرام ، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بين يدي الساعة يظهر الربا)رواه الطبراني في الأوسط وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره. وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: (ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام).

وهذه الأحاديث تنطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن, فتجدهم لا يتحرون الحلال في المكاسب, بل يجمعون المال من الحلال والحرام وأغلب ذلك بدخول الربا في معاملات الناس ، فقد انتشرت المصارف المتعاملة بالربا, ووقع كثير من الناس في هذا البلاء العظيم ولقد كثر الربا وتعددت صوره وأشكاله وقلّ من يسلم من ذلك ، بعد أن صار كثير من الناس همه جمع المال وتضخيم الأرصدة والمساهمات والصفقات ولا يبالي أمن حلال جمع ماله أم من حرام.

الربا بلاء على الأمة في دينها وأخلاقها ودمار لاقتصادها، فهو نظام بشع يمحق سعادة الناس ويفسد الضمير ويفت تضامن المجتمع بما ينشره فيه من روح الطمع والجشع والأثرة لهذا وقف الإسلام من الربا موقفا حازما واعلن حرباً على المرابين لا هوادة فيها:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}. ويحذر الله تعالى من سوء عاقبة الربا فيقول تعالى:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم }.

هذا وصلوا عباد الله على الرحمة المسداة والنعمة المهداة محمد بن عبدالله ..

المشاهدات 1338 | التعليقات 0