خطبة أشراط الساعة الصغرى 2
محمد ابراهيم السبر
خطبة أشراط الساعة الصغرى 2
جامع موضي السديري بالرياض
الخطبة الأولى :
يقول تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } . وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس t في قوله تعالى :{فإذا نقر في الناقور} قال: قال رسول الله r:" كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يُؤمر فينفُخ"، فقال الصحابة يا رسول الله : كيف نقول ؟. قال: قولوا : " حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ".
عباد الله: تحدثنا في الجمعة الماضية عن شيء من أشراط الساعة الصغرى وسنواصل الحديث في هذه الجمعة إن شاء الله عن أشراطٍ أخرى.
فمن علامات الساعة الصغرى ظهور الفتن العظيمة وقد بيَّن النبي r أن ظهور الفتن وكثرتها من أشراط الساعة فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : " لا تقوم الساعة حتى يُقْبَضَ العلمُ، وتكثُر الزلازلُ، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج: القتل القتل؛ حتى يكثر فيكم المال فيفيض" وروى مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا ". فظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل وتُزلزلُ الإيمان فيمسي أو يصبح الرجل كافراً بعد أن كان مؤمناً من علامات الساعة.
وروى الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص tقال: نادى منادي رسول الله r : الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله r فقال:" إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجيءُ الفتن فيرقق بعضها بعضاً، وتجيءُ الفتنة فيقولُ المؤمن: هذه مهلكتي وتجيءُ الأخرى فيقولُ: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر".
ويكون منبع الفتن واشتدادها من المشرق فعن ابن عمر t أنه سمع رسول الله r وهو مستقبل المشرق يقول: " ألا إن الفتنة هاهنا، ألا إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان ". رواه الشيخان وفي رواية مسلم : " رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان ، يعني المشرق".
وقد وقع ما أخبر به رسول الله r ابتداءً بقتل عمر بن الخطاب t عندما قُتِلَ على يد أبي لؤلؤة المجوسي، ثم كُسِرَ باب الفتن فقد حدث كثير من الفتن بعد مقتل عمر t ، فقتل عثمان t ، وبمقتله انقسم المسلمون ووقع القتال بين الصحابة – رضوان الله عليهم- فحدثت وقعة الجمل ومعركة صفين وموقعة الحرة، وقُتل علي t وقتل الحسن والحسين رضي الله عنهما وانتشرت الفتن والأهواء وكثر الخلاف وتشعبت الأراء، فظهرت فتنة القول بخلق القرآن، وظهرت الخوارج والروافض والباطنية والقدرية والجهمية والمعتزلة وغيرهم من الملل والنحل من المشرق ولا زالت الفتن من قبل المشرق تتتابع وتترى، وسيخرج من المشرق يأجوج ومأجوج، وسيخرج منه يهود خراسان أتباع الدجال وعددهم سبعون ألفاً عليهم الطيالسة.
ومن علامات الساعة كثرة القتل روى الشيخان عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال:" لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، قالوا : وما الهرج يا رسول الله قال القتلُ القتلُ" ، وروى مسلم وأحمد عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r: " والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل ، فقيل كيف يكون ذلك ؟ قال الهرج ، القاتل والمقتول في النار" .
وما أخبر به النبي r في هذه الأحاديث قد وقع بعض منه فحدث القتال بين المسلمين في عهد الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ثم توالت الحروب والفتن، وفي القرون المتأخرة حصلت الحروب المدمرة بين الأمم وذهب فيها الملايين من البشر الأبرياء وصنعت الأسلحة الفتاكة التي لها دور كبير في كثرة القتل وصار دم الإنسان لا قيمة له وذلك بسب طيش العقول واختلاف الآراء.
ومن علامات الساعة ظهور مدعي النبوة ففي الصحيحين من حديث ابي هريرة t عن النبي r: " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله".
وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين مسيلمة الكذاب في زمن النبي r والأسود العنسي في اليمن وظهرت سجاح التميمية فادعت النبوة وتزوجها مسيلمة الكذاب ثم لما قتل رجعت إلى الإسلام، وظهر طليحة بن خويلد الأسدي ثم رجع إلى الإسلام، ثم ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، وظهر الحارث الكذاب في خلافة عبد الملك بن مروان، وخرج في خلافة بني العباس جماعة، وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند وادعى النبوة وأنه المسيح المنتظر، ولا يزال يظهر هؤلاء الكذابون حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال، كما قال r : " وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الكذاب" رواه أحمد.
وليس التحديد في الأحاديث مراداً به كل من ادعى النبوة مطلقاً, فإنهم كثير لا يحصون, وإنما المراد من قامت له شوكة, وكثر أتباعه, واشتهر بين الناس (فتح الباري)
ومن علامات الساعة شيوع الأمن وزوال الخوف فعن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي r إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقالr:" يا عدي: هل رأيت الحيرة ؟" قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. فقال r : " فإن طالت بك حياة لترين الضعينة - المرأة - ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دُعَّار طي الذين قد سعروا البلاد ؟! " ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى". قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: " كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه ". قال عدي رضي الله عنه : فرأيتُ الضعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ماقال النبي أبو القاسم r ، يخرج ملء كفه. رواه البخاري.
وقد تحقق الأمن في زمن الصحابة رضي الله عنهم حينما عم الإسلامُ والعدلُ البلادَ التي فتحها المسلمون وسيكون في زمن المهدي وعيسى بن مريم عليه السلام.
وإن مما ينبغي أن يعلم أن هذه العلامة من العلامات المستمرة التي تحققت ولا زالت تتحقق ، وإن كان تحققها يحدث في زمان دون زمان وفي مكان دون آخر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني ...
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا ..
ومن علامات الساعة الصغرى ضياع الأمانة وإسناد الأمر إلى غير أهله فعن أبي هريرة t قال: بينما النبي r في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة ؟ فمضى رسول الله r يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: " أين السائلُ عن الساعة. قال: ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها ؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاري. وفي رواية أخرى: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
أي أسند وجعل في غير أهله، يعني إذا سود وشرف غير المستحق للسيادة والشرف. وقيل: هو من الوسادة ، أي : إذا وضعت وسادة الملك والأمر والنهي لغير مستحقها . ( النهاية لابن الأثير )
قال ابن المنير: ينبغي أن يجعل هذا الحديث أصلاً في أخذ الدروس والقراءة والحكومات والفتاوى عند الازدحام على السبق.
إن من تضييع الأمانة إسناد الأمور إلى غير أهلها، ومعلوم أن أهلَها هم أهلُ الإخلاص والصدق والوفاء والتعفف عن الحرام ، وأداءُ الأمانة كما ينبغي بعد الخوف من الله عز وجل ، فإذا أسندت مصالح الناس إلى غير أهلها ضاعت الحقوق وحصل الاستخفاف بمصالح العباد وإيغار الصدور وإثارة الفتن وإشاعة الفوضى في المجتمع.
وقد بيَّن النبي r كما في الصحيح كيف ترفع الأمانة من القلوب فقال: " إن الأمانة ترتفع في آخر الزمان من القلوب، وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرُها، فيقال: إن في بني فلان رجل أميناً ". فيصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً لمخالطته أهل الخيانة فيقتدي بهم ويفعل فعلهم.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتا من الكذب ، وأعيينا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..