خطبة : أدب المرض
HAMZAH HAMZAH
خطبة : أدب المرض
جامع الفهد بمحايل - ١٤٤١/٦/١٣هـ - د . حمزة ال فتحي
اللهم لك الحمدُ بما خلقتنا ورزقتنا، ولك الحمد بما هديتنا وعلمتنا، كبتَ عدونا، وبسطتَ أمننا، وجمعتَ فرقتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلا الحمدُ على ذلك كثيرًا، كثيرا . لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان ، ولك الحمد بالقرآن ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }.
أيها الناس:
إن من الأمراض نعمةً ورخاء، ومنها نقمة وشقاء ، فهي للمؤمنين كفارة وتطهير، والكفار عذاب وتنكيل، وللعصاة نذارة وترهيب،
ولذلك حينما يُبتلى به أهلُ الإيمان يصبرون ويحتسبون، ولا يخالطهم الجزعُ، أو يسري فيهم اليأس، بل تضوعُ الألسنة بذكر الله، وبحمده وشكرانه .
مريضٌ وراض بالذي هو واقع ُ... وإنّ لساني بالمحامد صادعُ
عرفتُ به المولى الكريمَ وحكمةً... وأدركتُ خلاني ومن هو خادعُ
ورقَّ به القلبُ العصيّ وزادني... مواعظَ منه والحياةُ مصارعُ
قال عبدُ اللَّه بن مسعود ـ رضي اللَّه عنه ـ قال: دخلتُ علي رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو يوعك، فمسستُه بيدي فقلت: يا رسول اللَّه: إنك توعك وعكا شديداً، - أي يتوجع- فقال ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: أجل، إني أوعكُ كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك، ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه ـ تعالى ـ بها سيئاته، كما تحط الشجرةُ ورقها ) رواه البخاري .
فتأمل هنا صبرَه عليه الصلاة والسلام، ورضاه بأمر ربه، واحتسابه الأجر فيه، بل علّم أمته أن كل المصائب كفارات ومثوبة ، حتى الشوكةُ اليسيرة، والسقطة الهينة. وفي حديث آخر في الصحيح .
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما يصيبُ المسلمَ من نصَب -أي تعب- ولا وصب أي مرض-، ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتّى الشّوكة يشاكها، إلّا كفّر الله بها من خطاياه ) .
فاتعظوا عباد الله من ذلك، واعلموا أن الأمراض والبلاءات مدارس للحكمة والعظة والاستبصار ، ولا تكونوا من الجازعين الساخطين { وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير }.
فالرضا والصبر أدب أولي تجاه المرض، قال: { عجباً لأمر المؤمن إن أمرَه كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له }.
والأدب الثاني: استحباب عيادة المريض، وإدراك ما فيها من مسرات للمريض .
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { من عاد مريضاً او زار أخاً له في الله ، ناداه مناد من السماء أن طبتَ وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا }.
وإذا زرته دعوت له: ( طهور إن شاء الله ).
وغيرها مما ثبت واستحب قوله.
ويكره الإطالة عنده إلا إذا علمتَ أنه يحب البقاء، وتخير محاسن الألفاظ، وأطايب الموضوعات، وادفع التشاؤم ، وقل مليحَ الكلام وطيبَه ولطيفه .
وثالثا : يُستحب له التداوي وطلب الدواء النافع ، وعن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال:{ نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داءً، إلا وضع له شفاء، أو قال: دواء، إلا داء واحد" قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم }. أي الكبر والشيخوخة .
ويحرم التداوي بمحرم وخبيث .
رابعًا : ومن التداوي التداوي بالدواء الروحي من الذكر والتلاوة ، قال تعالى { وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين }.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها".
فجميل بذلك المريض الذي يعلن توبته، ويرطب لسانه بالذكر، ويتصدق هنا وهنالك، ويوقن بحديث: { داووا مرضاكم بالصدقة }.
خامسا: يُستحب التعوذُ من الأسقام وسيئها ورديئها، فقد صح دعاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ } .
رواه أحمد وأبوداود .
وهذا نافعٌ في دفع كل الأسقام المتخوف منها هذه الأيام . فاحفظوه وحفظوا أبناءكم وأهليكم .
قَالَ الطِّيبِيُّ : وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَوَّذْ مِنْ الْأَسْقَام مُطْلَقًا فَإِنَّ بَعْضَهَا مِمَّا يَخِفُّ مُؤْنَته وَتَكْثُرُ مَثُوبَتُهُ عِنْدَ الصَّبْر عَلَيْهِ مَعَ عَدَم إِزْمَانه كَالْحُمَّى وَالصُّدَاع وَالرَّمَد , وَإِنَّمَا اِسْتَعَاذَ مِنْ السَّقَم الْمُزْمِن فَيَنْتَهِي بِصَاحِبِهِ إِلَى حَالَة يَفِرُّ مِنْهَا الْحَمِيم وَيَقِلُّ دُونهَا الْمُؤَانِس وَالْمُدَاوِي مَعَ مَا يُورِثُ مِنْ الشَّيْن "
سادسا : استحباب ان يرقي المريض نفسه ،في صحيح مسلم صحابي جليل، يسمو المه لرسول الله، ومرضه الذي أتعبه من اسلم وهو عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: باسم الله، ثلاث مرات ، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ” قال ففعلت ذلك مرارا فأذهب الله ما كان بي ، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم.
ويروى أن بعضَ الناس علّمه بعض جلسائه فانتفع به، فذكر ذلك للمعلم، بعد مدة ، فقال له : يا أخي لو لم نعلم بصدقها ، ما عملنا بها .
اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا انك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم ....
——-
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أيها الإخوةُ الفضلاء:
ومن آداب المرض المهمة: اعتقاد أن كل ذلك قدر ٌمن الله، { واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليُصيبَك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، رُفعت الأقلام وجَفّت الصحف }.
وهذا القدر يواجه بقدر ٍمثله، من الدواء والدعاء ،كما قال الفاروق الحكيم عمر رضي الله عنه :" نفر من قدر الله إلى قدر الله ".
وليعلم المومن أن الله لا يقضي له إلا خيرا، وأن الله تعالى هو الشافي المعافي ( وإذا مرضت فهو يشفين ).
وأن الله يبتلي من يشاء من عباده، ويسلطها على من يشاء من الكافرين ، ولا يظلم ربك أحداً . جاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام: { الطاعون رجزٌ أو عذاب، أرسل على بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدَموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه }.
واستنبط من ذلك ما يعرف بالحجر الصحي ، وعزل الأماكن الموبوءة ، عافانا الله وإياكم .
ورأيتم ما حل هذه الأيام وانتشار مرض( كورونا ) المتطور الخطير، وكيف سُلط على البغاة العتاة، الذين قالوا كقوم عاد ( من أشد منا قوة ) فعُزلت مدنهم، وخلت شوارعهم، وتفرقوا أيدي سبأ...!
يَسَّاقطونَ كسقطة الحشراتِ...أو كالجمالِ بتلكمُ الفلَواتِ
يتهافتونَ وما لهم من ناصرٍ... أو مانعٍ من هذه الغاراتِ
"صينٌ" ولكنْ كالصوانِ مهتكٌ... لم يبق فيهم قائمٌ بالذاتِ
وهذا جزاء كل متكبر جبار، ظن أن الحياةَ تقوم بالظلم والطغيان ، وأن ليس للكون من إله، يدبر الأمور، وبيده مقاليد كل شيء ، قلم تغن عنهم صناعاتهم، ولا علومهم، ولا طبهم...
فاتعظوا يا مسلمون ، وخذوا الحيطة والحذر، وتمسكوا بما أنتم عليه من دين قويم، ومنهج مستقيم .
{ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير }.
وقال سبحانه : { ولله جنود السموات والأرض ،وكان الله عزيزًا حكيمًا }.
وصلوا وسلموا ،،،،،