خطبة أخرجكم من بيوتكم الجوع .. مختصرة ومستوحاة من خطبة الشيخ مبارك العشوان
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: خطبتنا اليوم عن يوم عصيب ومشهد يبكي القلوب ودرس نبوي عظيم .
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهٌ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا؛ فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قَالَتْ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ، مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ أي (السكين)، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ؛ فَذَبَحَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ، وَشَرِبُوا فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ .
وَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ: ابْنَ أُخْتِي، إِنْا كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ نَارٌ، فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ، وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا (
هَذَا هو خَيْرُ خَلْقِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ وَهَؤُلَاءِ صَحْبُهُ الكِرَامُ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، يُخْرِجُهُمُ الجُوعُ مِنْ بُيُوتِهِمْ، يَرْبِطُونَ مِنَ الجُوعِ الْأَحْجَارَ عَلَى بُطُونِهِمْ، يَأْكُلُونَ الجِلْدَ وَوَرَقَ الشَّجَرِ حَتَّى تَتَقَرَّحَ أَشْدَاقُهُمْ. فكيف هي أحوالنا ونحن نتقلب في وافر من النعم .
انظروا إلى أحوالنا اليوم في البيوت والمناسبات والزواجات ؛ فترى صاحب الضيافة يسعى لإظهار مناسبته بالشكل المناسب من توفير أصناف كثيرة من ألوان الطعام وأصناف الشراب ما يكفي لكثير من الناس ومع ذلك لا يأكلون الناس إلا القليل من هذا وذاك ثم يلقى باقي الطعام في سلة النفايات ؛ ونسي صاحب الضيافة أنه محاسب على تبذيره قال تعالى (( ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين )).
عباد الله : ومن معالم التبذير في حياة الناس اليوم الحرص على الحصول على اخر مايستجد من المراكب والملابس والمساكن والأجهزة الجديدة والحديثة وغيرها ؛ فتجد أقواما تحملوا الديون العظيمة وأرهقوا ذممهم وتحملوا فوق طاقتهم ليكونوا من أوائل الناس في الحصول على كل ما استجد وهذا والله من الثكاثر والتفاخر ؛ ومن سفه العقل ؛ وهو الإسراف بعينه قال صلى الله عليه وسلم (( إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال )) رواه البخاري .
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المُتَّقِينَ، وَأَوْرَثَنَا جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَوَقَانَا عَذَابَ الجَحِيمِ.
بارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيات وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ،
أما بَعْدُ: اتقوا الله وْلتُوْقِظْنَا جميعا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا مِنْ رَقْدَتِنَا، وَلِتُنَبِّهْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا؛ لِنَتَدَارَسْ مِثَلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي مَجَالِسِنَا، وَمَعَ أَوْلَادِنَا؛ فَلَعَلَّهَا تَحُدُّ مِنْ تَشَبُّثِنَا بِالدُّنْيَا، وَلَعَلَّهَا تَكُفُّ عَنِ التَّبْذِيرِ وَالإِسْرَافِ فِي الوَلَائِمِ وَالحَفَلَاتِ، لَعَلَّهَا تَكُفُّ عَنِ التَّبَاهِي وَالتَّفَاخُرِ بِأَنْوَاعِ الأَطْعِمَةِ وَأَشْكَالِهَا وَأَسْعَارِهَا، لَعَلَّهَا تَكُفُّ عَنْ تَصْوِيرِ الطَّعَامِ وَنَشْرِهِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ؛ لَعَلَّهَا تَسُوقُنَا إِلَى شُكْرِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَــالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون )
اُشْكُرُوا اللهَ بِقُلُوبِكُمْ؛ فَاعْتَقِدُوا أَنَّهُ المُنْعِمُ، المَتَفَضِّلُ المُعْطِي جَلَّ وَعَلَا.
اُشْكُرُوهُ تَعَالَى بِأَلْسِنَتِكُمْ؛ فَأَحْسِنُوا الثَّنَاءَ عَلَيهِ، وَأَكْثِرُوا مِنْ حَمْدِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ تَعَالَى: ( يَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
اُشْكُرُوا اللهَ بِجَوَارِحِكُمْ؛ فَاسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى طَاعَتِهِ، وَلَا تَعْصُوهُ بِنِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ، أَوْ تَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ. ثُمَّ اجْتَهِدُوا فِي العَمَلِ الصَّالِحِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الشُّكْرِ. فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة نبيكم محمد ...
اللهم إنا نسألك الجنة وماقرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وماقرب إليها من قول وعمل .
اللهم اجعلنا لك شاكرين ؛ لك ذاكرين ؛ لك حامدين ؛ عليك متوكلين .
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والأخرة ونسألك ياربنا أن تديم علينا نعمتك وعافيتك وسترك وأن لاتجعلنا من الغافلين .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولمن له حق علينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين ..
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.