خطبة : أثر ذِكر الله في حياتنا

عايد القزلان التميمي
1436/05/29 - 2015/03/20 04:44AM
خطبة : أثر الذكر في حياتنا
الحمد لله على آلائه حمدا كثيرا ، وأشكره إذ جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، حث عباده على الإكثار مما ينفع فقال : يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه بشيرا ونذيرا . صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين ، وصحبه الأكرمين ، وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد فيا عباد الله:أوصيكم ونفسي بتقوى الله
أيها المؤمنون : إن من أنواع العبادة التي ركَّز الإسلام عليها ونبَّه إلى أهميَّتها، عبادةٌ سهلة يسيرة، ليس فيها دفعُ مالٍ، وليس فيها مخاطرة ، ولا تَسْتَهْلِكُ جُهدًا، عبادةٌ شأنها عظيم، وأثرها كبير في رَفْع الدرجات ومَحو الخطيئات، عبادةٌ تُؤَدَّى في كلِّ وقتٍ ومكان، إنها قد قارَبت في فضْلها فضْلَ الجهادَ في سبيلِ الله، الذي فيه الحربُ والضَّربُ، وتطايُر الرِّقاب، عن هذه العبادة يُحدِّثنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حين قال لصحابته: ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى , قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى))؛ أخرَجه أحمد، وهو حديث صحيح.
عباد الله : إنَّ ذِكْرَ اللهِ عزَّ وجل هو الحِصْنَ الحَصِين من كل شَيطانٍ رَجِيم، وهو خيرَ الأعمالِ وأَزْكَاهَا عِندَ رَبِّنا، وأرفعها في درجاتنا، وهو خَيرٌ من إنفاقِ الذهب والفضة، وفيه الوقاية من مَصَارِع السُّوء وحِفظاً للعظام والمفاصل، وهو الحياة للقلوب وبه تُنال الشفاعة وحُسنَ الخاتمـة. ولما له من أهمية عظيمة فقد أمرنا اللهُ بالذكر عندَ لقاءَ العَدُوّ. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وكذلك أَمَر بذكرهِ سبحانه وتعالى بعد أداء الفرائض، ومنها الحج كما قال سبحانه وتعالى: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ وكذلك أمر سبحانه بذكره حتى في حال الحرب فقال سبحانه ((فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ))
أيها الإخوة: وإن مما يعين على حفظ اللسان من الغيبة والنميمة واللغو تَعْويدُه على ذكر الله في كلِّ الأحيان، فقد جاء عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : " أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع، (164).
وأفضل الذكر قراءة القرآن ثم ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار تقال طرفي النهار وفي الليل .. ولكن أين الناس من قراءة القرآن وخاصة فيما له فضل خاص من السور والآيات .. مثل سورة البقرة وتبارك والإخلاص والمعوذتين ... ومثل آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة؟ أين الأمة من الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصبـاح عشـراً وفي المساء عشراً ؟.
أين المسلمونَ من التَّرْدِيدِ خلف المُؤَذِّن، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قول الدعاء: ((اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ)) حتى ينالوا الشفاعة يوم القيامة.
أين المسلم من ذكر الله تعالى عند خُرُوجِه من بيته فيقول: ((بِسْمِ اللَّهِ ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ، فَيُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ : وُقِيتَ ، وَهُدِيتَ ، وَكُفِيتَ " . قَالَ : " فَيَتَنَحَّى لَهُ الشَّيْطَانُ ، فَيُلاقِيهِ شَيْطَانٌ آخَرُ ، فَيَقُولُ لَهُ : كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ وُقِيَ وَهُدِيَ وَكُفِيَ)). فإذا ركب السيارة قال: ((بسم الله والحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون)).
فإن أراد السفَرَ ذكر دعاء السفر المعروف، وإن أراد السوق ذكر الدعاء المناسب , وإن ذهب إلى المسجد فدخل، قدم رجله اليمنى وقال: ((بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك)). أما عند الخروج فيقدم رجله اليسرى ويقول الدعاء والذي آخره: ((اللهم افتح لي باب فضلك))، أو: ((إني أسألك من فضلك)). مع الالتزام بالأذكـار التي تقال بعد الصلاة.
ثم إذا عاد إلى بيته سلم على أهله، وإذا جلس على الطعام قال: بسم الله وأكل مِمَّا يليه، وإذا انتهي قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ ،)) فيَغفِرَ الله له ما تقدم من ذنبه.
وكذلك إذا لبس ثوباً جديداً قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي ، وَلا قُوَّةٍ)) فيُغْفَرُ له ما تقدم من ذنبه.
فسبحان الله العظيم نأكل ونشرب ونلبَس، فنحمد الله على ذلك فيغفر لنا، أين المسلمون من الجلوس في المساجد لقراءة القرآن ومدارسته، ولتعلم العلم والعمل به فيباهي الله بهم الملائكة، فإذا قاموا قال لهم: ((قوموا مغفور لكم)).
أين النَّاس من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والإستغفار وقول سُبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم حتى ينالوا من الفضائل ما الله به عليم.
فعلينا يا عباد الله أن نكرر هذه الأذكار في بيوتنا وأسواقنا وسياراتنا لنحصل على الخير الكثير, فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ " ، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ ، قَالَ : " يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ)).
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)).
فهل عجز الناس عن قول هذا الذكر خلال ربع ساعة في الصباح لينالوا هذا الخير العظيم. أين المسلمون من الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله عز وجل حتى يكثر الخير وتَعُمَّ البركة وتنزل الأمطار ويكثر الأولاد الصالحون؟. عباد الله : نشتكي القحط وقِلَّةَ البركة في المال والذرية ولا نُفَكِّر في التوبة وكثرة الاستغفار، فإنه من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل همّ فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب، كما جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
أيها المؤمنون : وإن من أنواع الذكر دعاء الاستخارة وهو ذكر مهم يجب علينا تعلمه، جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنـه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمنا الإستخارة في الأمور كلِّها كما يُعلِمنا السورة من القرآن يقول: ((إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ، ثُمَّ لْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخْيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ ، وَأنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ ، وَتُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ ، خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ ثُمَّ بَارِكَ لِي فِيهِ ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ شَرًّا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ)).
عباد الله : هذه الاستخارة الشرعية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه مثل ما يعلمهم السورة من القرآن، والواجب علينا تعلمها وفعلها عندما نحتاج إليها في حياتنا وأن لا نحيد عنها إلى غيرها من الأمور المشبوهة والبعيدة عن شرعنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون: وإن على كل سلامى في أجسامنا صدقة، أي كل مفصل أو كل عظم، وعدد العظام أو المفاصل في جسم الإنسان 360 مفصلاً فعلى كل منا أن يقدم صدقة فدية عن عظامـه حتى تسلم بأمر الله تعالى، وهذه الصدقة إما تسبيح أو تهليل أو تكبير أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو مساعدة المحتاج ويكفي من ذلك صلاة ركعتين في الضحى.
عباد الله : إن في الذكر طمأنينة وراحة نفسية وانشراح للصدور، ألا بذكر الله تطمئن القلــوب. فاللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك عابدين يا رب العالمين
واستغفروا ربكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية : الحمد لله، وسعت رحمته كل شيء وعمَّت، وتوالت نِعَمِه على عباده وتمَّت وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قام بواجب الذكر والشكر، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله :
هذه الأذكار وغيرها من أذكار الصباح وأذكار المساء الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي يجب أن تكون على ألسنتنا وهناك أذكار كثيرة تقال عند زيارة المريض وعند رؤية الهلال وعند نزول المطر وعند النوم وعند الاستيقاظ من النوم وعند الوضوء وبعد الوضوء وعند الجماع كل هذه الأذكار والأدعية في مجموعها مما يحفظ الإنسان من الشيطان ومن الحوادث والبلاء، فلا يرد القضاء إلا الدعاء كما جاء في الحديث الثابت.
فأين الناس من هذه الأدعية والأذكار؟ أين إفشاء السلام؟ الذي ينشر المحبة بين المؤمنين ويجعلهم مُتِوادِين مُتَراحِمين؟
عباد الله : إن المسلم إذا واظب على الأذكار المشروعة في اليوم والليلة مع العناية بالذكر المُطلق كُتب بذلك من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات الذين قال الله فيهم (((وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) اللهم اجعلنا منهم .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ...
المشاهدات 3916 | التعليقات 1

ذكرك الله كما ذكرتنا شيخ عايد ونفع الله بك بهذا الحضور والتواجد