خطبة : ( أتباع نبي أم مقلدو صحفي ؟! )

عبدالله البصري
1431/04/17 - 2010/04/02 07:31AM

أتباع نبي أم مقلدو صحفي ؟! 17 / 4 / 1431


الخطبة الأولى :



أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ وَهُوَ الخَالِقُ لِمَا يَشَاءُ المُختَارُ لِمَا يُرِيدُ ، فَضَّلَ مِن مَخلُوقَاتِهِ مَا شَاءَ " وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبحَانَ اللهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشرِكُونَ "
وَقَد فَضَّلَ ـ سُبحَانَهُ ـ نَبِيَّهُ محمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَعلَى مَكَانَتَهُ وَقَدرَهُ ، وَرَفَعَ مَنزِلَتَهُ وَذِكرَهُ ، وَجَعَلَهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ ، وَأَرسَلَهُ لِلثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ ، وَخَتَمَ بِهِ الأَنبِيَاءَ وَالمُرسَلِينَ وَجَعَلَهُ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ " مَا كَانَ محمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِجَالِكُم وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ " " وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ " قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنهُ القَبرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ اصطَفَى كِنَانَةَ مِن وَلَدِ إِسمَاعِيلَ ، وَاصطَفَى قُرَيشًا مِن كِنَانَةَ ، وَاصطَفَى مِن قُرِيشٍ بَني هَاشِمٍ ، وَاصطَفَاني مِن بَني هَاشِمٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَرَوَى التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَامَ عَلَى المِنبَرِ فَقَالَ : " مَن أَنَا ؟ " فَقَالُوا : أَنتَ رَسُولُ اللهِ . فَقَالَ : " أَنَا محمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلقَ فَجَعَلَني في خَيرِهِم ، ثُمَّ جَعَلَهُم فِرقَتَينِ فَجَعَلَني في خَيرِ فِرقَةٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُم قَبَائِلَ فَجَعَلَني في خَيرِهِم قَبِيلَةً ، ثُمَّ جَعَلَهُم بُيُوتًا فَجَعَلَني في خَيرِهِم بَيتًا ، فَأَنَا خَيرُهُم نَفسًا وَخَيرُهُم بَيتًا " وَرَوَى التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَتى وَجَبَت لَكَ النُّبُوَّةُ ؟ قَالَ : " وَآدَمُ بَينَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ " لَقَد كَانَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ دَعوَةَ أَبِيهِ إِبرَاهِيمَ وَبِشَارَةَ أَخِيهِ عِيسَى ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَن عِيسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ : " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ يَا بَنِي إِسرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيكُم مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّورَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأتي مِن بَعدِي اسمُهُ أَحمَدُ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ عَن إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ : " وَإِذ يَرفَعُ إِبرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجعَلْنَا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابعَثْ فِيهِم رَسُولاً مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكِّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ "
وَقَد استَجَابَ اللهُ ـ تَعَالى ـ دُعَاءَهُمَا وَامتَنَّ عَلَى المُؤمِنِينَ بِبِعثَتِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَلَى الصِّفَةِ الَّتي دَعَيَا بها ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . وَآخَرِينَ مِنهُم لَمَّا يَلحَقُوا بِهِم وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ . ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
وَقَد كَانَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَمَا وَصَفَهُ رَبُّهُ ، طَهُرَت بِهِ القُلُوبُ مِن أَدرَانِ الكُفرِ وَأَدنَاسِ الجَاهِلِيَّةِ ، وَزَكَت بِهِ النُّفُوسُ مِنَ الشِّركِ وَالفُجُورِ وَالضَّلالِ ، فَأَفلَحَ قَومٌ اتَّبَعُوهُ وَأَخَذُوا بما جَاءَ بِهِ كَمَا قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا " وَبَلَّغَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ البَلاغَ المُبِينَ وَعَلَّمَ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ ، فَأُوتِيَ مَن جَمَعَهُمَا مِن أُمَّتِهِ خَيرًا كَثِيرًا كَمَا قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يُؤتي الحِكمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتيَ خَيرًا كَثِيرًا "
وَبَعدَ أَن كَانَ النَّاسُ عَرَبُهُم وَعَجَمُهُم قَبلَ إِرسَالِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ في ضَلالٍ مُبِينٍ ، فَقَد هَدَى اللهُ بِهِ المُؤمِنِينَ إِلى الهُدَى وَالدِّينِ الحَقِّ ، وَظَهَرَت كَلِمَةُ التَّوحِيدِ في مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا ، وَعَمَّ فِيهَا العَدلُ بَعدَ أَن كَانَت مُمتَلِئَةً شِركًا وَظُّلمًا وَجَورًا، فَكَانَ هَذَا مِنَ اللهِ فَضلاً عَظِيمًا عَلَى العَرَبِ وَعَلَى مَن جَاءَ مِن بَعدِهِم إِلى اليَومِ ، يَستَوجِبُ مِنهُم حَمدَ رَبِّهِمُ المُنعِمِ ـ سُبحَانَهُ ـ وَشُكرَهُ ، إِذْ جَعَلَهُم مِن أُمَّةِ خَيرِ النَّبِيِّينَ ، الَّذِي تَمَّ بِهِ بُنيَانُ النُّبُوَّةِ وَظَهَرَ بِهِ حُسنُهُ وَكَمَالُهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنبِيَاءِ مِن قَبلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنيَانًا فَأَحسَنَهُ وَأَجمَلَهُ إِلاَّ مَوضِعَ لَبِنَةٍ مِن زَاوِيَةٍ مِن زَوَايَاهُ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَت هَذِهِ اللَّبِنَةُ " قَالَ : فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ مُمتَدِحًا أُمَّتَهُ : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَنتم مُوفونَ سَبعِينَ أُمَّةً أَنتم خَيرُهَا وَأَكرَمُهَا عَلَى الله " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ .


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد مَضَتِ الأُمَّةُ مُنذُ مَبعَثِ نَبِيِّهَا ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَلَى شُكرِ اللهِ عَلَى نِعمَةِ إِرسَالِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَيهَا ، وَأَقَرَّت بِهَذَا الفَضلِ العَظِيمِ وَاعتَرَفَت بِتِلكَ المِنَّةِ الجَسِيمَةِ ، فَأَوفَتهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَقَّهُ من المَحَبَّةِ وَالتَّوقِيرِ ، وَبَذَلَتِ الوُسعَ في نَصرِهِ وَتَعزِيرِهِ ، وَتَفَانَت في دِرَاسَةِ سِيرَتِهِ وَحِفظِ آثَارِهِ ، وَسَارَت عَلَى هَديِهِ وَاتَّبَعت سُنَّتَهُ وَلم تَخرُجْ عَن طَاعَتِهِ ، فَعَلا بِذَلِكَ شَأنُهَا وَنَالَتِ السَّنَاءَ وَالرِّفعَةَ ، وَحَقَّقَتِ النَّصرَ عَلَى أَعدَائِهَا وَحَصَلَ لها التَّمكِينُ في الأَرضِ ، وَقَاَدتِ العَالَمَ في دُرُوبِ الفَلاحِ وَبَلَغَت بِهِ قِمَمَ النَّجَاحِ ، حَتى خَلَتِ القُرُونُ الأُولى وَذَهَبَتِ الأَجيَالُ المُبَارَكَةُ ، فَخَلَفَت مِن بَعدِهِم خُلُوفٌ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ ، اِستَبدَلُوا الأَدنى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ ، وجَعَلُوا الأَذنَابَ رُؤُوسًا وَاتَّخَذُوهُم قُدُوَاتٍ لهم ، وَوَجَّهُوا أَنظَارَهُم إِلى أَعدَائِهِم ، وَأَسلَمُوا لهم عُقُولَهُم وَقُلُوبَهُم ، وَرَاحُوا مِن عَمَى بَصَائِرِهِم يَعرِضُونَ عَلَى مَنَاهِجِهِمُ الضَّالَّةِ وَفُهُومِهِمُ الفَاسِدَةِ مَا ثَبَتَ عَنِ الحَبِيبِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، وَاتخذوا أَذوَاقَهُم المَرِيضَةَ مِيزَانًا يَحكُمُونَ بِهِ عَلَى الآثَارِ وَيَنقُدُونَ به النُّقُولِ ، فَضَعَّفُوا بَعضَ مَا صَحَّحَهُ نُقَّادُ الحَدِيثِ وَأَئِمَّةُ الأَثَرِ ، وَأَخطَؤُوا في فَهمِ أَحَادِيثَ أُخرَى وَحَمَلُوهَا عَلَى مَا تَملِيهِ عَلَيهِم أَهوَاؤُهُم بِغَيرِ عِلمٍ ، وَجَعَلُوا لا يَألُونَ أَن يُرَدِّدُوا شُبُهَاتِ أَعدَاءِ الدِّينِ مِنَ المُستَشرِقِينَ الحَاقِدِينَ ، فَوَصَفُوا أَقوَالَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِالأَوصَافِ الَّتي لا تَلِيقُ بها ، وَآذَوا أَتبَاعَهُ وَحَمَلَةَ مِيرَاثِهِ مِنَ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالمُحتَسِبِينَ ، وَنَظَّمُوا الحَمَلاتِ الصَّحَفِيَّةَ الظَّالِمَةَ ضِدَّهُم ، ولم يَتَوَرَّعُوا عَنِ الافتِرَاءِ عَلَيهِم وَرَميِهِم بِالزُّورِ وَالبُهتَانِ ، فَضَلُّوا بِذَلِكَ وَأَضَلُّوا ، وَزَاغُوا عَنِ الحَقِّ وَأَزَاغُوا ، وَأَعَادُوا لِلنَّاسِ سِيرَةَ ابنِ أُبَيٍّ وَإِخوَانِهِ مِنَ المُنَافِقِينَ ممَّن آذَوا رَسُولَ اللهِ في نَفسِهِ وعِرضِهِ وَقَذَفُوا زَوجَتَهُ الطََّاهِرَةَ العَفِيفَةَ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاثبُتُوا عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ مِنَ الحَقِّ بِالإِيمَانِ بِنَبِيِّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَعزِيرِهِ وَنَصرِهِ وَتَوقِيرِهِ ، وَتَصدِيقِهِ فِيمَا أَخَبرَ وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ ، وَاجتِنَابِ مَا نَهَى عَنهُ وَزَجَرَ ، وَالسَّيرِ عَلَى مَا شَرَعَهُ لَكُم وَسَنَّهُ في عِبَادَاتِكُم وَمُعَامَلاتِكُم وَأَخلاقِكُم ، وَاستَقِيمُوا عَلَى الحَقِّ تُفلِحُوا وَتَهتَدُوا ، وَلا يَضُرَّنَّكُم مَنِ استَهَانُوا بِهِ وَزَهِدُوا فِيمَا جَاءَ بِهِ ظُلمًا وَعُدوَانًا ، فَإِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ " فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيكُم جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ "







الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَن تَزُولَ قَدَمَا العَبدِ بَينَ يَدَيِ اللهِ ـ تَعَالى ـ حَتى يُسأَلَ عَن مَسأَلَتَينِ : مَاذَا كُنتُم تَعبُدُونَ ؟ وَمَاذَا أَجَبتُمُ المُرسَلِينَ ؟ وَجَوَابُ الأُولى بِتَحقِيقِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مَعرِفَةً وَإِقرَارًا وَعَمَلاً ، وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ بِتَحقِيقِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مَعرِفَةً وَإِقرَارًا وَانقِيَادًا وَطَاعَةً ، وَلَن يَنفَعَ الكَافِرَ وَالمُنَافِقَ حَينَئِذٍ أَن يَقُولَ : سَمِعتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَولاً فَقُلتُهُ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَلَى المُؤمِنِ أَن يَتَعَلَّمَ دِينَهُ وَيَعمَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَإِذَا عَرَفَ الحَقَّ أَن يَلزَمَهُ وَيَعَضَّ عَلَيهِ بِنَوَاجِذِهِ ، وَأَن يَسأَلَ أَهلَ الذِّكرِ عَمَّا لا يَعلَمُهُ ، وَأَمَّا مَا بُلِيَت بِهِ الأُمَّةُ اليَومَ مِن صِحَافَةٍ فَاجِرَةٍ وَجَرَائِدَ مَاكِرَةٍ ، وَكُتَّابٍ مُنَافِقِينَ وَكَذَبَةٍ مَارِقِينَ ، فَلا يَجُوزُ أَن تَكُونَ مَصدَرًا لِلمُسلِمِ الَّذِي يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ فَيَأخُذَ مِنهَا دِينَهُ أَو يَستَقِيَ مِنهَا تَصَوَّرَاتِهِ عَن آخِرَتِهِ ، أَو يَبنيَ عَلَيهَا حُكمَهُ عَلَى شَيءٍ أَو وَلاءَهُ لِشَخصٍ أَو جَمَاعَةٍ ، وَلا يُعذَرُ أَحَدٌ وَقَد تَيَسَّرَتِ السُّبُلُ وَسَهُلَ الاتِّصَالُ بِالعُلَمَاءِ وَتَوَفَّرَت مَصَادِرُ العِلمِ المُوثُوقُ بها ، أَمَّا وَقَد ثَبَتَ بِمَا لا مِريَةَ فِيهِ كَذِبُ الصَّحَافَةِ وَتَقَوُّلُهَا وَفُجُورُ أَعدَادٍ مِن كُتَّابِهَا وَعَدَمُ تَوَرُّعِهِم عَنِ الكَذِبِ وَالخَوضِ فِيمَا لا يَعلَمُونَ ، بَل وَحَربُهُم لِلدِّينِ وَتَعرِيضُهُم بِسَيِّدِ المُرسَلِينَ ، وَاجتِهَادُهُم في نَشرِ مُخَطَّطَاتِ أَعدَاءِ الأُمَّةِ وَإِفسَادِ أَفرَادِهَا ، فَإِنَّهُ لم يَبقَ إِلاَّ بُغضُهُم وَنَبذُهُم وَالتَّبَرُّؤُ مِنهُم وَعَدَمُ مُوَالاتِهِم أَوِ الرِّضَا بِمَا يَصنَعُونَ " لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنهُ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ أُولَئِكَ حِزبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ المُفلِحُونَ "

وَلْيَعلَمِ الَّذِينَ يَشتَرِكُونَ في هَذِهِ الجَرَائِدِ بِشَكلٍ سَنَوِيٍّ أَو يَشتَرُونَهَا بِصُورَةٍ يَومِيَّةٍ ، أَنَّهُم يَدعَمُونَهَا بِذَلِكَ وَيُقَوُّونَهَا وَيُعِينُونَهَا عَلَى بَاطِلِهَا ، وَأَنَّهُم عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ إِذْ يُخَالِفُونَ قَولَ المَولى ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ "

وَإِنَّهُ لَخَلَلٌ في الوَلاءِ وَالبَرَاءِ أَن يَظَلَّ المُسلِمُ مُوَاطِئًا لأَعدَاءِ دِينِهِ وَنَبِيِّهِ بِتَعظِيمِ كَلامِهِم أَو شِرَاءِ كُتُبِهِم أَو جَرَائِدِهِم ، قَالَ أَبُو الوَفَاءِ ابنُ عَقِيلٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : إِذَا أَرَدتَ أَن تَعلَمَ مَحَلَّ الإِسلامِ مِن أَهلِ الزَّمَانِ ، فَلا تَنظُرْ إِلى زِحَامِهِم في أَبوَابِ الجَوَامِعِ وَلا ضَجِيجِهِم في المَوقِفِ بِلَبَّيكَ ، وَإِنَّمَا انظُرْ إِلى مُوَاطَأَتِهِم أَعدَاءَ الشَّرِيعَةِ ، عَاشَ ابنُ الرَّاوَندِيِّ وَالمَعَرِّيُّ ـ عَلَيهِمَا لَعَائِنُ اللهِ ـ يَنظِمُونَ وَيَنثُرُونَ كُفرًا ، وَعَاشُوا سِنِينَ وَعُظِّمَت قُبُورُهُم وَاشتُرِيَت تَصَانِيفُهُم ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُرُودَةِ الدِّينِ في القَلبِ . اِنتَهَى كَلامُهُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَكُونُوا مِن حِزبِهِ المُفلِحِينَ ، وَاحذَرُوا البِدَعَ وَالمُحدَثَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنِّي فَرَطُكُم عَلَى الحَوضِ ، مَن مَرَّ بي شَرِبَ ، وَمَن شَرِبَ لم يَظمَأْ أَبَدًا ، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقوَامٌ أَعرِفُهُم وَيَعرِفُوني ثُمَّ يُحَالُ بَيني وَبَينَهُم فَأَقُولُ : إِنَّهُم مِنِّي فَيُقَالُ : إِنَّكَ لا تَدرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ فَأَقُولُ : سُحقًا سُحقًا لِمَن بَدَّلَ بَعدِي " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
المشاهدات 2535 | التعليقات 1

صلى عليه الله خير صلاته ... ما لاح في فلكيهما القمران

حقيقة إنها مصيبة وأي مصيبة ...
مصيبة أن يترك المسلم قول من أمر بالأخذ بقوله ... ثم يتجه إلى من هو فارغ حتى من الأخلاق والقيم كهؤلاء المتسلقين للشهرة بسلم الصحافة ...

لكن (( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ))(( يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ))