خطبة: أبشعُ فاحشةٍ وأشنعُ عقوبة.

وليد بن محمد العباد
1444/04/15 - 2022/11/09 21:26PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: أبشعُ فاحشةٍ وأشنعُ عقوبة.

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله

هاجرَ لوطٌ عليه السّلامُ مع عمِّه إبراهيمَ الخليلِ عليه السّلامُ إلى الشّام، وهناك بعثَه اللهُ إلى قريةِ سَدُوم، فقد كانَ أهلُها يكفرونَ باللهِ ويقطعونَ الطّريقَ ويفعلونَ المنكراتِ، إلى جانبِ فِعْلِ فاحشةٍ شنيعةٍ لم يفعلْها أحدٌ من البشرِ قبلَهم، وهي أنَّ الرّجُلَ منهم يأتي الرّجل، ويتركونَ ما أَحَلَّ اللهُ لهم من نسائِهم، فدعاهم لوطٌ عليه السّلامُ إلى الإيمانِ باللهِ وحدَه، وتَرْكِ ما هم عليه من هذه الفاحشةِ القبيحة، لكنّهم لم يستجيبوا له وهدّدُوه بالطّردِ والإبعاد (قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) لقد انتكستْ فطرُهم حتى صاروا يرونَ الشّذوذَ حريّةً والعفافَ تهمةً والطّهارةَ جريمة، فما كانَ منهم أمامَ نصحِه لهم (إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) هنالك حقَّ عليهم العذاب، فأرسلَ اللهُ ملائكتَه لإهلاكِهم، فوصلوا القريةَ عندَ غروبِ الشّمس، والْتَقَوْا بلوطٍ عليه السّلامُ فلم يعرفْهم وظنَّهم عابري سبيلٍ فطلبوا منه أنْ يستضيفَهم فنزلَ به قلقٌ شديدٌ فقد كانوا على صورةِ شُبّانٍ حسانِ الوجوهِ وخافَ من قومِه أنْ يعتدوا عليهم، فأدخلَهم خفيةً إلى بيتِه، فلمّا علمتْ زوجتُه الخائنةُ أخبرتْ القومَ بهم فجاؤوا إليهم مسرعين، فنهاهم لوطٌ عليه السّلامُ عن رغبتِهم بفعلِ الفاحشةِ بضيوفِه وقالَ لهم: (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)؟ فلمّا أُسقطَ في يدِه عليه السّلامُ وكادوا أنْ يغلبوه (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ) قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يرحمُ اللهُ لوطًا، لقد كانَ يأوي إلى ركنٍ شديد. فأنّ معه الملائكةَ وهو لا يعلم، عندَها قالت الملائكة: (يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ) فاطمأنّتْ نفسُه عليه السّلام، ثمّ أخبروه أنّهم سيقطعونَ دابرَ قومِه عندَ شروقِ الشّمس، وأمروه بالخروجِ في آخرِ الليلِ من القريةِ وقالوا له (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) فخرجَ ليلًا ومعه ابنتاه من قريتِهم، فلمّا أشرقَ الصّباحُ أرسلَ اللهُ على قومِه الصّيحة، وهي صوتٌ قاصفٌ مرعبٌ قويٌّ مفزع، ثمّ أَدخلَ جبريلُ عليه السّلامُ جناحَه تحتَ قراهم فرفعَها حتى سمعَ أهلُ السّماءِ صياحَ ديكتِهم ونِبَاحَ كلابِهم، ثمّ قلَبَها عليهم فجعلَ عاليَ ديارِهم سافلَها، ثمّ أرسلَ اللهُ عليهم حجارةً صلبةً متتابعة، مكتوبٌ على كلِّ واحدةٍ منها اسمُ صاحبِها، فإذا أصابتْه هلكَ وصُرِع (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) فجَمَعَ اللهُ عليهم أنواعًا من العقوباتِ، ونَكّلَ بهم نَكالًا لم ينكّلْه بأمّةٍ سواهم، لقُبْحِ فِعْلَتِهم وشناعةِ فاحشتِهم، وقد أعدَّ اللهُ أمثالَها من العقوباتِ لكلِّ أمّةٍ ظالمةٍ فاجرة، فإنّ اللهَ يُمهلُ ولا يُهمل (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). فاتَقوا اللهَ رحمَكم اللهُ وخُذوا العبرةَ من حالِ الأممِ السّابقةِ ممّن أفسدوا فأخذَهم العذاب (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ).

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ وسلامٌ على عبادِه الذينَ اصطفى أمّا بعدُ عبادَ الله

إنّ فاحشةَ قومِ لوطٍ من أبشعِ الجرائم، والجاهليةُ المعاصرةُ تُحاولُ أنْ تعيدَها باسمِ المِثْلِيّيْن، وهم الشّواذُ من الجِنْسَيْن، في انحطاطٍ خُلُقِيٍّ لم يَسبقْ له مثيلٌ في التّاريخ، إنّها فاحشةٌ مؤذنةٌ بهلاكِ الأممِ والحضارات، وانتشارِ الأمراضِ والفقرِ والجفافِ وانتزاعِ البركات، ووقوعِ الفتنِ والمحنِ والحروبِ والمَثُلات، فإنّما الأممُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ * فإنْ هُمُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا، وهي دالّةٌ على انتكاسِ الفِطَرِ وطمْسِ البصائرِ وضعفِ العقولِ وفقدانِ الغيرةِ وذهابِ الخُلُقِ والدِّين، إنّها فاحشةٌ قذرةٌ تَأنفُ منها النّفوسُ الكريمة، وتَنفرُ منها الطّباعُ السّليمة، قالَ الوليدُ بنُ عبدِالملكِ رحمَه الله: لولا أنّ اللهَ أخبرَنا عن قومِ لوطٍ ما صدّقْنا أنَّ الرَّجلَ يأتي الرَّجل. ولمّا كانت تلك الجريمةُ بهذه السّفالة، خافَها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ على أمّتِه فقال: إنّ أخوفَ ما أخافُ على أمّتي عَمَلَ قومِ لوط. ولم تُكرّرْ لعنةُ اللهِ ثلاثًا على كبيرةٍ كما في تلك الفاحشةِ تنفيرًا منها وتحذيرًا، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ. وعقوبةُ فاعلِها في الإسلامِ القتل، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ. قالَ ابنُ القيّمِ رحمَه اللهُ موضّحًا شناعةَ تلك الفاحشة: جريمةٌ تكادُ الأرضُ تَميدُ من جوانبِها إذا عُمِلَتْ عليها، وتَهْرُبُ الملائكةُ إلى أقطارِ السّماواتِ والأرضِ إذا شَاهَدُوها، خَشْيَةَ نُزُولِ العذابِ على أَهْلِها فيُصِيبُهُمْ مَعَهُمْ، وتَعِجُّ الأرضُ إلى ربِّها تباركَ وتعالى، وتَكَادُ الجِبالُ تَزُولُ عن أماكِنِها. فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واحْذَرُوا وحَذِّرُوا مَنْ تحتَ أيديكم من كيدِ أعداءِ الإسلامِ الذينَ يحاولونَ تدميرَهم بنشرِ مثلِ تلك الفواحشِ بينَهم، نسألُ اللهَ أن يحفظَ أبناءَ وبناتِ المسلمين، إنّه على كلِّ شيءٍ قدير.

اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين

دعاءُ الاستسقاء: اللهمّ أنت اللهُ لا إلهَ إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء ،،،

عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 17/ 4/ 1444هـ

المشاهدات 867 | التعليقات 0