خطبة : ( أبشروا وأملوا ما يسركم )
عبدالله البصري
1433/12/24 - 2012/11/09 04:12AM
أبشروا وأملوا ما يسركم 24 / 12 / 1433
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الابتِلاءُ سُنَّةٌ كَونِيَّةٌ مَاضِيَةٌ ، تُصِيبُ الإِنسَانَ وَلا بُدَّ ، لا يَسلَمُ مِنهُ أَحَدٌ كَبُرَ أَو صَغُرَ ، بَل لَقَدِ اقتَضَتِ السُّنَّةُ الرَّبَانِيَّةُ ، أَن يَكُونَ لِلمُؤمِنِينَ مِنهُ نَصِيبٌ أَكبَرُ مِمَّن دُونَهُم ، لِحِكَمٍ وَغَايَاتٍ يَعلَمُهَا العَزِيزُ الحَكِيمُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنبِيَاءُ ، ثم الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ ، يُبتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدرِ دِينِهِ ، فَإِن كَانَ دِينُهُ صُلبًا اشتَدَّ بَلاؤُهُ ، وَإِن كَانَ في دِينِهِ رِقَّةٌ ابتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمَعَ أَنَّ عِبَادَ اللهِ الصَّالِحِينَ هُم أَكثَرُ النَّاسِ بَلاءً وَإِصَابَةً في أَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم وَأَعرَاضِهِم ، إِلاَّ أَنَّهم كَانُوا وَمَا زَالُوا مِن أَشَدِّ النَّاسِ صَبرًا وَأَقوَاهُم تَحَمُّلاً ، وَأَعظَمِهِم ثِقَةً بِرَبِّهِم وَأَكثَرِهِم تَجَمُّلاً ، بَل لَقَد كَانُوا يَرَونَ في كُلِّ عُسرٍ يُسرًا وَيَعِيشُونَ حَيَاتَهُم حُسنَ ظَنٍّ وَتَفَاؤُلاً .
وَقَد كَانَ نَبِيُّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَوضِعَ القِمَّةِ مِن ذَلِكَ ، كَانَ مُتَفَائِلاً في كُلِّ أُمُورِهِ ، وَاثِقًا بِرَبِّهِ في جَمِيعِ أَوقَاتِهِ ، مُحسِنًا بِهِ الظَّنَّ في كُلِّ حَالٍ ، وَكَانَت حَيَاتُهُ مُفعَمَةً بِالتَّفَاؤُلِ وَجَمِيلِ الرَّجَاءِ وَحُسنِ الظَّنِّ بِاللهِ ، بَعِيدَةً كُلَّ البُعدِ عَنِ التَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِرَبِّهِ ، بَشَّرَ بِالأَمنِ وَهُوَ طَرِيدٌ ، وَوَعَدَ بِالنَّصرِ وَهُوَ في سَاحَاتِ الحَربِ ، وَأَخبَرَ بِالرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ وَهُوَ في جُوعٍ شَدِيدٍ وَفَقرٍ وَضِيقٍ ، فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامٌ ـ : " لا عَدوَى وَلا طِيَرَةَ ، وَيُعجِبُني الفَألُ الصَّالِحُ : الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ "
وَعَن خَبَّابٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَتَينَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً في ظِلِّ الكَعبَةِ ، فَشَكَونَا إِلَيهِ ، فَقُلنَا : أَلا تَستَنصِرُ لَنَا ؟! أَلا تَدعُو اللهَ لَنَا ؟! فَجَلَسَ مُحَمَّرًا وَجهُهُ فَقَالَ : " قَد كَانَ مَن قَبلَكُم يُؤخَذُ الرَّجُلُ فَيُحفَرُ لَهُ في الأَرضِ ثم يُؤتى بِالمِنشَارِ فَيُجعَلُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجعَلُ فِرقَتَينِ ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ ، وَيُمشَطُ بِأَمشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عَظمِهِ مِن لَحمٍ وَعَصَبٍ ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمرَ حَتى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَينَ صَنعَاءَ وَحَضرَمَوتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُم تَعجَلُونَ " أَخَرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَفي الغَارِ وَقَد أَقبَلَ الكُفَّارُ ، يَقُولُ أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَو أَنَّ أَحَدَهُم نَظَرَ إِلى قَدَمِهِ أَبصَرَنَا ، فَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَا أَبَا بَكرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثنَينِ اللهُ ثَالِثُهُمَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَفي طَرِيقِ الهِجرَةِ وَقُرَيشٌ تُطَارِدُهُ بِخَيلِهِا وَرِجَالِهَا " يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا "
وَفي البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَالُ البَحرَينِ ، فَتَعَرَّضَ الأَنصَارُ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ تَبَسَّمَ حِينَ رَآهُم ثم قَالَ :" أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيدَةَ قَدِمَ بِشَيءٍ مِنَ البَحرَينِ ؟ " قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ، فَوَاللهِ مَا الفَقَرَ أَخشَى عَلَيكُم ... " الحَدِيثَ .
وَفي جَانِبٍ آخَرَ مِن تَفَاؤُلِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَروِي البُخَارِيُّ أَنَّه ـ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ دَخَلَ عَلَى أَعرَابيٍّ يَعُودُهُ ، قَالَ الرَّاوِي : وَكَانَ النَّبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ : " لا بَأسَ ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ " فَقَالَ لَهُ : " لا بَأسَ ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ " الحَدِيثَ ...
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ التَّفَاؤُلَ في الإِسلامِ قِيمَةٌ حَسَنَةٌ ، بَل هُوَ خُلُقُ نَفسٍ مُطمَئِنَّةٍ وَشُعُورُ قَلبٍ حَيٍّ ، وَلِذَا فَقَد جَاءَ الحَثُّ عَلَيهِ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ ، سَوَاءٌ بِالحَثِّ عَلَى الاستِبشَارِ بِالخَيرِ وَبِرَحمَةِ اللهِ وَإِحسَانِ الظَّنِّ بِهِ ، أَو بِالنَّهيِ عَنِ اليَأسِ وَذَمِّ القُنُوطِ ، وَعَدِّ ذَلِكَ مِن أَخلاقِ الكُفَّارِ أَو فِعلِ أَهلِ الضَّلالِ ، فَحِينَمَا خَاطَبَتِ المَلائِكَةُ إِبرَاهِيمَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَالُوا : " فَلا تَكُنْ مِنَ القَانِطِينَ " فَكَانَ رَدُّ الخَلِيلِ عَلَيهِم بِعَزمٍ وَيَقِينٍ : " قَالَ وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ "
وَحِينَمَا أَرسَلَ يَعقُوبُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ أَبنَاءَهُ لِلبَحثِ عَن أَخِيهِم يُوسُفَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَالَ : " يَا بَنِيَّ اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللهِ إِلَّا القَومُ الكَافِرُونَ "
وَكَم في القُرآنِ مِن بَشَائِرَ وَمَفَاتِيحَ لِلتَّفَاؤُلِ لِمَن تَأَمَّلَهَا ! قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ "
وقال : " وَهُوَ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ "
وَوَصَفَ ـ تَعَالى ـ نَفسَهُ بِأَنَّهُ " أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ " وَقَالَ : " وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ " حَتَّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءَهُم نَصرُنَا " وقال : " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ " وَقَالَ : " إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيما " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاملَؤُوا أَنفُسَكُم بِالتَّفَاؤُلِ وَحُسنِ الظَّنِّ بِاللهِ في كُلِّ أَمرٍ مِن أُمُورِكُم ، وَلا تَيأَسُوا مِن تَحَقُّقِ أَمرٍ تَطلُبُونَهُ مَهمَا طَالَ زَمَنٌ أَوِ استَحكَمَ بَلاءٌ ، فَإِنَّكُم لم تَكُونُوا أَحوَجَ إِلى التَّفَاؤُلِ كَمِثلِ هَذَا الزَّمَانِ ، الَّذِي اشتَدَّت فِيهِ عَلَى الأُمَّةِ المِحَنُ وَالرَّزَايَا خَاصَّةً وَعَامَّةً وَقَرِيبًا وَبَعِيدًا ، وَعَادَ الوَاقِعُ لا يَحتَمِلُ أَن يَجمَعَ المُسلِمُونَ عَلَى أَنفُسِهِم بَلاءً وَتَشَاؤُمًا ، فَيَخسَرُوا الدُّنيَا وَلا يَكسَبُوا الأُخرَى .
وَلا يَظُنَّنَّ أَحَدٌ أَنَّ التَّفَاؤُلَ مُجَرَّدُ تَمَنٍّ وَعَيشٍ في أَحلامٍ ، وَلَكِنَّهُ تَصدِيقٌ بما وَعَدَ بِهِ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَنِيَّةٌ صَالِحَةٌ مَقرُونَةٌ بِعَمَلٍ هَادِفٍ ، وَاعتِمَادٌ عَلَى المُقَدِّمَاتِ الصَّحِيحَةِ وَأَخذٌ بِالأَسبَابِ الشَّرعِيَّةِ ، مَعَ ثِقَةٍ بِأَنَّ النَّتَائِجَ وَالثَّمَرَاتِ حَاصِلَةٌ بِإِذنِ اللهِ لِمَن عَمِلَ وَأَحسَنَ وَجَاهَدَ ، وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ ، وَأَنَّ مَا لم يُحَصِّلْهُ العَبدُ في الدُّنيَا مِمَّا يُرِيدُ وَيُحِبُّ ، فَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةٌ في حَظِّهِ مِن أُخرَاهُ ، وَاللهُ لا يَجمَعُ عَلَى عَبدِهِ خَوفَينِ وَأَمنَينِ ، فَمَن خَافَهُ في الدُّنيَا أَمَّنَهُ يَومَ القِيَامَةِ ، وَمَن أَمِنَهُ في الدُّنيَا أَخَافَهُ في الآخِرَةِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ هَمَّ قَومٌ أَن يَبسُطُوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم فَكَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَلا تَكفُرُوهُ ، وَثِقُوا بِهِ وَتَفَاءَلُوا بِالخَيرِ مِن عِندِهِ تَجِدُوهُ ، فَإِنَّ التَّفَاؤُلَ نُورٌ تُمحَى بِهِ حَوَالِكُ الظُّلُمَاتِ ، وَمَخرَجٌ مِن أَسرِ المَصَائِبِ وَالأَزَمَاتِ ، وَمُتَنَفَّسٌ مِن ضِيقِ الشَّدَائِدِ والكُرُبَاتِ ، وَهُوَ حَلُّ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشكِلاتِ وَالمُعضِلاتِ ، مَا اتَّصَفَ بِهِ مُؤمِنٌ قَطُّ إِلاَّ وَجَدَ اللهَ لَهُ عَلَى مَا ظَنَّ وَأَكثَرَ مِمَّا ظَنَّ ، وَلا فَقَدَهُ ضَعِيفٌ إِلاَّ تَوَالَت عَلَيهِ الهُمُومُ وَاعتَصَرَتهُ الغُمُومُ ، وَلا وَاللهِ ـ لا يَجتَمِعُ في قَلبِ عَبدٍ إِيمَانٌ رَاسِخٌ مَعَ سُوءِ ظَنٍّ بِاللهِ وَتَشَاؤُمٍ بِأَقدَارِهِ ، وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، إِنْ ظَنَّ خَيرًا فَلَهُ ، وَإِنَّ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِذَا كَانَ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ كُلَّمَا رَأَوا شِدَّةً قَالُوا : مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ، فَإِنَّ لِلمُؤمِنِينَ مَعَ الشَّدَائِدِ شَأنًا آخَر ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " وَلَمَّا رَأَى المُؤمِنُونَ الأَحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إِلَّا إِيمَانًا وَتَسلِيمًا "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مِنهُ عَلَى ثِقَةٍ ، فَإِنَّهُ مَهمَا طَالَ لَيلٌ أَوِ اشتَدَّ ظَلامٌ ، أَوِ اكفَهَرَّت سَمَاءٌ أَو أَجدَبَت أَرضٌ ، أَو حُبِسَ قَطرٌ أَو ذَبُلَ زَهرٌ ، أو غَابَ حَبِيبٌ أَو مَرِضَ قَرِيبٌ ، أَو تَرَاكَمَت آلامٌ وَتَبَدَّدَت آمَالٌ ، إِلاَّ أَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا ، وبعد الكَربِ فَرَجًا " وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ " وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ : " اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ ، قَد جَفَّ القَلَمُ بما هُوَ كَائِنٌ ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيٍء لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَإِنْ أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَاعلَمْ أَنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الابتِلاءُ سُنَّةٌ كَونِيَّةٌ مَاضِيَةٌ ، تُصِيبُ الإِنسَانَ وَلا بُدَّ ، لا يَسلَمُ مِنهُ أَحَدٌ كَبُرَ أَو صَغُرَ ، بَل لَقَدِ اقتَضَتِ السُّنَّةُ الرَّبَانِيَّةُ ، أَن يَكُونَ لِلمُؤمِنِينَ مِنهُ نَصِيبٌ أَكبَرُ مِمَّن دُونَهُم ، لِحِكَمٍ وَغَايَاتٍ يَعلَمُهَا العَزِيزُ الحَكِيمُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنبِيَاءُ ، ثم الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ ، يُبتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدرِ دِينِهِ ، فَإِن كَانَ دِينُهُ صُلبًا اشتَدَّ بَلاؤُهُ ، وَإِن كَانَ في دِينِهِ رِقَّةٌ ابتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمَعَ أَنَّ عِبَادَ اللهِ الصَّالِحِينَ هُم أَكثَرُ النَّاسِ بَلاءً وَإِصَابَةً في أَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم وَأَعرَاضِهِم ، إِلاَّ أَنَّهم كَانُوا وَمَا زَالُوا مِن أَشَدِّ النَّاسِ صَبرًا وَأَقوَاهُم تَحَمُّلاً ، وَأَعظَمِهِم ثِقَةً بِرَبِّهِم وَأَكثَرِهِم تَجَمُّلاً ، بَل لَقَد كَانُوا يَرَونَ في كُلِّ عُسرٍ يُسرًا وَيَعِيشُونَ حَيَاتَهُم حُسنَ ظَنٍّ وَتَفَاؤُلاً .
وَقَد كَانَ نَبِيُّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مَوضِعَ القِمَّةِ مِن ذَلِكَ ، كَانَ مُتَفَائِلاً في كُلِّ أُمُورِهِ ، وَاثِقًا بِرَبِّهِ في جَمِيعِ أَوقَاتِهِ ، مُحسِنًا بِهِ الظَّنَّ في كُلِّ حَالٍ ، وَكَانَت حَيَاتُهُ مُفعَمَةً بِالتَّفَاؤُلِ وَجَمِيلِ الرَّجَاءِ وَحُسنِ الظَّنِّ بِاللهِ ، بَعِيدَةً كُلَّ البُعدِ عَنِ التَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِرَبِّهِ ، بَشَّرَ بِالأَمنِ وَهُوَ طَرِيدٌ ، وَوَعَدَ بِالنَّصرِ وَهُوَ في سَاحَاتِ الحَربِ ، وَأَخبَرَ بِالرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ وَهُوَ في جُوعٍ شَدِيدٍ وَفَقرٍ وَضِيقٍ ، فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامٌ ـ : " لا عَدوَى وَلا طِيَرَةَ ، وَيُعجِبُني الفَألُ الصَّالِحُ : الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ "
وَعَن خَبَّابٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَتَينَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً في ظِلِّ الكَعبَةِ ، فَشَكَونَا إِلَيهِ ، فَقُلنَا : أَلا تَستَنصِرُ لَنَا ؟! أَلا تَدعُو اللهَ لَنَا ؟! فَجَلَسَ مُحَمَّرًا وَجهُهُ فَقَالَ : " قَد كَانَ مَن قَبلَكُم يُؤخَذُ الرَّجُلُ فَيُحفَرُ لَهُ في الأَرضِ ثم يُؤتى بِالمِنشَارِ فَيُجعَلُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجعَلُ فِرقَتَينِ ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ ، وَيُمشَطُ بِأَمشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عَظمِهِ مِن لَحمٍ وَعَصَبٍ ، مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمرَ حَتى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَينَ صَنعَاءَ وَحَضرَمَوتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُم تَعجَلُونَ " أَخَرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَفي الغَارِ وَقَد أَقبَلَ الكُفَّارُ ، يَقُولُ أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَو أَنَّ أَحَدَهُم نَظَرَ إِلى قَدَمِهِ أَبصَرَنَا ، فَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَا أَبَا بَكرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثنَينِ اللهُ ثَالِثُهُمَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَفي طَرِيقِ الهِجرَةِ وَقُرَيشٌ تُطَارِدُهُ بِخَيلِهِا وَرِجَالِهَا " يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا "
وَفي البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَالُ البَحرَينِ ، فَتَعَرَّضَ الأَنصَارُ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ تَبَسَّمَ حِينَ رَآهُم ثم قَالَ :" أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيدَةَ قَدِمَ بِشَيءٍ مِنَ البَحرَينِ ؟ " قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم ، فَوَاللهِ مَا الفَقَرَ أَخشَى عَلَيكُم ... " الحَدِيثَ .
وَفي جَانِبٍ آخَرَ مِن تَفَاؤُلِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَروِي البُخَارِيُّ أَنَّه ـ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ دَخَلَ عَلَى أَعرَابيٍّ يَعُودُهُ ، قَالَ الرَّاوِي : وَكَانَ النَّبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ : " لا بَأسَ ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ " فَقَالَ لَهُ : " لا بَأسَ ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ " الحَدِيثَ ...
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ التَّفَاؤُلَ في الإِسلامِ قِيمَةٌ حَسَنَةٌ ، بَل هُوَ خُلُقُ نَفسٍ مُطمَئِنَّةٍ وَشُعُورُ قَلبٍ حَيٍّ ، وَلِذَا فَقَد جَاءَ الحَثُّ عَلَيهِ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ ، سَوَاءٌ بِالحَثِّ عَلَى الاستِبشَارِ بِالخَيرِ وَبِرَحمَةِ اللهِ وَإِحسَانِ الظَّنِّ بِهِ ، أَو بِالنَّهيِ عَنِ اليَأسِ وَذَمِّ القُنُوطِ ، وَعَدِّ ذَلِكَ مِن أَخلاقِ الكُفَّارِ أَو فِعلِ أَهلِ الضَّلالِ ، فَحِينَمَا خَاطَبَتِ المَلائِكَةُ إِبرَاهِيمَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَالُوا : " فَلا تَكُنْ مِنَ القَانِطِينَ " فَكَانَ رَدُّ الخَلِيلِ عَلَيهِم بِعَزمٍ وَيَقِينٍ : " قَالَ وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ "
وَحِينَمَا أَرسَلَ يَعقُوبُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ أَبنَاءَهُ لِلبَحثِ عَن أَخِيهِم يُوسُفَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَالَ : " يَا بَنِيَّ اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللهِ إِلَّا القَومُ الكَافِرُونَ "
وَكَم في القُرآنِ مِن بَشَائِرَ وَمَفَاتِيحَ لِلتَّفَاؤُلِ لِمَن تَأَمَّلَهَا ! قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ "
وقال : " وَهُوَ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ "
وَوَصَفَ ـ تَعَالى ـ نَفسَهُ بِأَنَّهُ " أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ " وَقَالَ : " وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ " حَتَّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءَهُم نَصرُنَا " وقال : " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ " وَقَالَ : " إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيما " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاملَؤُوا أَنفُسَكُم بِالتَّفَاؤُلِ وَحُسنِ الظَّنِّ بِاللهِ في كُلِّ أَمرٍ مِن أُمُورِكُم ، وَلا تَيأَسُوا مِن تَحَقُّقِ أَمرٍ تَطلُبُونَهُ مَهمَا طَالَ زَمَنٌ أَوِ استَحكَمَ بَلاءٌ ، فَإِنَّكُم لم تَكُونُوا أَحوَجَ إِلى التَّفَاؤُلِ كَمِثلِ هَذَا الزَّمَانِ ، الَّذِي اشتَدَّت فِيهِ عَلَى الأُمَّةِ المِحَنُ وَالرَّزَايَا خَاصَّةً وَعَامَّةً وَقَرِيبًا وَبَعِيدًا ، وَعَادَ الوَاقِعُ لا يَحتَمِلُ أَن يَجمَعَ المُسلِمُونَ عَلَى أَنفُسِهِم بَلاءً وَتَشَاؤُمًا ، فَيَخسَرُوا الدُّنيَا وَلا يَكسَبُوا الأُخرَى .
وَلا يَظُنَّنَّ أَحَدٌ أَنَّ التَّفَاؤُلَ مُجَرَّدُ تَمَنٍّ وَعَيشٍ في أَحلامٍ ، وَلَكِنَّهُ تَصدِيقٌ بما وَعَدَ بِهِ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَنِيَّةٌ صَالِحَةٌ مَقرُونَةٌ بِعَمَلٍ هَادِفٍ ، وَاعتِمَادٌ عَلَى المُقَدِّمَاتِ الصَّحِيحَةِ وَأَخذٌ بِالأَسبَابِ الشَّرعِيَّةِ ، مَعَ ثِقَةٍ بِأَنَّ النَّتَائِجَ وَالثَّمَرَاتِ حَاصِلَةٌ بِإِذنِ اللهِ لِمَن عَمِلَ وَأَحسَنَ وَجَاهَدَ ، وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ ، وَأَنَّ مَا لم يُحَصِّلْهُ العَبدُ في الدُّنيَا مِمَّا يُرِيدُ وَيُحِبُّ ، فَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةٌ في حَظِّهِ مِن أُخرَاهُ ، وَاللهُ لا يَجمَعُ عَلَى عَبدِهِ خَوفَينِ وَأَمنَينِ ، فَمَن خَافَهُ في الدُّنيَا أَمَّنَهُ يَومَ القِيَامَةِ ، وَمَن أَمِنَهُ في الدُّنيَا أَخَافَهُ في الآخِرَةِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ هَمَّ قَومٌ أَن يَبسُطُوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم فَكَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَلا تَكفُرُوهُ ، وَثِقُوا بِهِ وَتَفَاءَلُوا بِالخَيرِ مِن عِندِهِ تَجِدُوهُ ، فَإِنَّ التَّفَاؤُلَ نُورٌ تُمحَى بِهِ حَوَالِكُ الظُّلُمَاتِ ، وَمَخرَجٌ مِن أَسرِ المَصَائِبِ وَالأَزَمَاتِ ، وَمُتَنَفَّسٌ مِن ضِيقِ الشَّدَائِدِ والكُرُبَاتِ ، وَهُوَ حَلُّ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشكِلاتِ وَالمُعضِلاتِ ، مَا اتَّصَفَ بِهِ مُؤمِنٌ قَطُّ إِلاَّ وَجَدَ اللهَ لَهُ عَلَى مَا ظَنَّ وَأَكثَرَ مِمَّا ظَنَّ ، وَلا فَقَدَهُ ضَعِيفٌ إِلاَّ تَوَالَت عَلَيهِ الهُمُومُ وَاعتَصَرَتهُ الغُمُومُ ، وَلا وَاللهِ ـ لا يَجتَمِعُ في قَلبِ عَبدٍ إِيمَانٌ رَاسِخٌ مَعَ سُوءِ ظَنٍّ بِاللهِ وَتَشَاؤُمٍ بِأَقدَارِهِ ، وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، إِنْ ظَنَّ خَيرًا فَلَهُ ، وَإِنَّ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِذَا كَانَ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ كُلَّمَا رَأَوا شِدَّةً قَالُوا : مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ، فَإِنَّ لِلمُؤمِنِينَ مَعَ الشَّدَائِدِ شَأنًا آخَر ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ " وَلَمَّا رَأَى المُؤمِنُونَ الأَحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إِلَّا إِيمَانًا وَتَسلِيمًا "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مِنهُ عَلَى ثِقَةٍ ، فَإِنَّهُ مَهمَا طَالَ لَيلٌ أَوِ اشتَدَّ ظَلامٌ ، أَوِ اكفَهَرَّت سَمَاءٌ أَو أَجدَبَت أَرضٌ ، أَو حُبِسَ قَطرٌ أَو ذَبُلَ زَهرٌ ، أو غَابَ حَبِيبٌ أَو مَرِضَ قَرِيبٌ ، أَو تَرَاكَمَت آلامٌ وَتَبَدَّدَت آمَالٌ ، إِلاَّ أَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا ، وبعد الكَربِ فَرَجًا " وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ " وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ : " اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ ، قَد جَفَّ القَلَمُ بما هُوَ كَائِنٌ ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيٍء لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَإِنْ أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَاعلَمْ أَنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
المشاهدات 4462 | التعليقات 5
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك وزادك من فضله
بارك الله فيك شيخنا عبدالله ووفقت وسددت
حقيقة كنت افكر في الموضوع نفسه فبعد اجازة الحج وعند دخولي للمدرسة سمعت طالباً
في الإذاعة يقول: تبسم ، فتبسمت وسررت وقلت في نفسي والله هذا هو الفئل الحسن
فالكلمة الحسنة تفعل الأفاعيل خاصة في هذا الزمان والله المستعان
كما اشاربذلك شيخنا
حقيقة كنت افكر في الموضوع نفسه فبعد اجازة الحج وعند دخولي للمدرسة سمعت طالباً
في الإذاعة يقول: تبسم ، فتبسمت وسررت وقلت في نفسي والله هذا هو الفئل الحسن
فالكلمة الحسنة تفعل الأفاعيل خاصة في هذا الزمان والله المستعان
كما اشاربذلك شيخنا
بارك الله فيك ياشيخ عبدالله ونفع بكم..
جزاكم الله خيرًا ـ إخوتي الكرام ـ على مروركم ودعائكم ، تقبل الله منا جميعًا صالح العمل ، وعفا عما وقعنا فيه من تقصير وزلل ، إنه جواد كريم .
عبدالله البصري
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/أبشروا%20وأملوا%20ما%20يسركم.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/أبشروا%20وأملوا%20ما%20يسركم.doc
تعديل التعليق