خطبة آداب السفر

د. ماجد بلال
1438/04/22 - 2017/01/20 06:57AM
خطبة آداب السفر / ماجد بلال / جامع ابن باز بتبوك
22/4/1438هــ
الخطبة الأولى
وفي هذه الأيام يكثر سفر الناس لمقاصد كثيرة وعديدة
أمر الله بالسير في الأرض والضرب فيها وأخذ العظة والعبرة والتأمل فيها
يقو الله جل وعلا: { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) } [العنكبوت: 20، 21] ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]
السفر وسيلة لتحصيل مرضاة الله عز وجل
وقد يكون واجبا للسفر للواجبات كالحج الفريضة الفرضة وزيارة الوالدين وصلة الرحم الواجبة، والسفر لتحصيل العلم الواجب وأداء حقوق المسلمين، أو السفر في أداء الوظيفة أو الجهاد وحماية الوطن والحدود
وقد يكون السفر مستحبا لفعل الطاعات من حج وعمرة نافلة وصلة رحم بعيدة والسفر للبر والإغاثة وحضور المناسبات السعيدة والتعاون على البر والتقوى
وقد رتب الله الأجر العظيم على السفر للطاعة كالعمرة
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ‏تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي‏ ‏الْكِيرُ ‏خَبَثَ الْحَدِيدِ ‏وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،
- عن ‏أبي هريرة رضي الله عنه ‏قال : قال رسـول الله ‏صلى الله عليه وسلـم : "‏ ‏العُمُرَةُ إلى العُمُرَةِ كَفَّارةٌ لما بينهما" ، ( متفق عليه ) .
وكذلك السفر لزيارة الاخوان في الله ولله فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد ؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز و جل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) رواه مسلم

وقد يكون السفر محرما، كالسفر إلى بلاد لمعاقرة المعاصي من شرب للخمور وممارسة للرذيلة أو سفر فيه تبذير وتبديد للأموال بشكل طائل
وقد يكون السفر مباحا كالسفر للعلاج او السفر للنزهة والترويح عن النفس والأولاد في حدود المباح
ومن هنا جاءت أهمية الحديث عن آداب السفر
فمن جملة آداب السفر:
1- الاستخارة في السفر، لا تشرع الاستخارة في السفر الواجب أو سفر الطاعة لأن الخير فيه واضح، لكن قد يستخير الانسان في وقت السفر والرفقة والراحلة، واما السفر المباح فتشرع فيه الاستخارة وهي كما جاءت عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : ( اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ . وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) وَفِي رواية ( ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ( رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1166.
وليس معناها أن الانساء يرتاح الى الشيء فيفعله او لا يرتاح فلا يفعله، بل يعمل بالاسباب فما يحصل بعد ذلك فهو بتقدير الله وهو اختيار الله لعبده المؤمن.
2- ومن الآداب أن يعلم أحبابه بسفره ليظفر بدعائهم؛ فإنه من الخير للمسافر، ويودعهم ويصافحهم؛ فقد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم توديع المسافرين، وتوديع المسافرين له، والدعاء والوصية بالخير لمن سافر، ولمن أقام، فعن موسى بن وردان قال: أتيت أبا هريرة أودعه لسفر أردته، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ألا أعلمك -يا ابن أخي- شيئًا علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوله عند الوداع ؟ قلت: بلى، قال: قل: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)[6]، هذا يقوله المسافر للمقيم، وأما المقيم فيقول للمسافر ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ودع رجلاً أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع يدَ النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: ( استودع الله دينك وأمانتك، وآخر عملك) [7]، وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أريد سفراً فزودني، قال: (زودك الله التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني - بأبي أنت وأمي- قال: ويسر لك الخير حيثما كنت) [8].
3- ومن الاداب أن يتعجل الانسان في الرجوع إلى أهله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته-أي: حاجته- من وجهه فليعجل إلى أهله) متفق عليه.
4- ومن أدب المسافر عند ركوب وسيلة النقل للسفر: الدعاء بدعاء السفر، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا، ثم قال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴾ [الزخرف: 13، 14] اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عنا بعده، أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل "، و إذا رجع قالهن و زاد فيهن: آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون[11].
5- ومن الآداب والأحكام -معشر المسلمين- أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم؛ لأن سفرها بدون ذلك يعرضها للخطر، ويعرض غيرها للفتنة بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها)، وفي رواية: (مسيرة يوم) وفي رواية أخرى ( مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها) [9].
6- ومن الآداب في السفر: الإكثار من الدعاء؛ فإن دعوة المسافر مستجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده)
7- ويشرع للمسافر أن يكثر من ذكر الله والتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) رواه البخاري .
8- ومن آداب السفر الاكثار من صلاة النافلة في السيارة أو الطيارة عن ابْنِ عُمَر  قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلاَم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ ، يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ ، إِلا الْفَرَائِضَ ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ) (البخاري)
والصلاة على الراحلة جمعت عبادات كثيرة ومن أهمها قراءة القرآن في السفر وهي فرصة لمن ركب الطائرة أو كان في السيارة أن يحمل المصحف الورقي معه ويستمتع بأجمل لحظات حياته وخير أصحابه كتاب الله عز وجل تلاوة وحفظا وتأملاً ومطالعة.
ومن آداب السفر إشغال النفس بما يفيد من قراءة الكتب النافعة واستثمار الوقت في ذلك، فابن القيم رحمه الله تعالى ألف كتاب زاد المعاد من ست مجلدات في رحلته إلى الحج، فما أجمل أن يأخذ الانسان كتاباً يقرأه في سفره.
9- ومن آداب السفر إذا كان المسافرون ثلاثةً فأكثر, ينبغي أن يُؤَمِّرُوا أَحَدَهم, لِأَمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بقوله: ( إذا خرجَ ثلاثةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحدَهم ), ولأن في ذلك, جمعاً لِكَلِمَةِ الرِّفقة وانضِباطِ أُمُورِهِم, وعدمِ ظهورِ الفوضى في رحلتهم. وينبغي أن يكون أميرهم في السفر أكثرَهم صلاحاً وعلماً وفقهاً, وكان عليه الصلاة والسلام إذا بعث سرية في سفر أمَّر عليهم أكثرَهم أَخْذاً لِلقرآن.
10- ومن آداب السفر إذا كانوا اثنين فأكثر وحضرت الصلاة, فلا بد من تعيين مؤذن يؤذن بالصلاة, وإمام يصلي بهم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا خرجتما فليؤذن أحدُكُما وَلْيَؤُمُّكُما أكبَرُكُما ).
11- ومن الآداب: ألا يفاجأ أهله إذا رجع، بل يتل عليهم ويخبرهم بوقت رجوعه؛ حتى يستعدوا لاستقباله، وتهيئة الأحوال التي ترضيه، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( إذا قدم أحدكم ليلاً فلا يأتين أهله طروقًا؛ حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة )

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران: 190، 191]
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
المرفقات

خطبة آداب السفر - ماجد بلال 22-4-1438.docx

خطبة آداب السفر - ماجد بلال 22-4-1438.docx

خطبة آداب السفر - ماجد بلال 22-4-1438.pdf

خطبة آداب السفر - ماجد بلال 22-4-1438.pdf

المشاهدات 1218 | التعليقات 0