خطبة ( آخر رجل يخرج من النار )

خالد الشايع
1441/11/03 - 2020/06/24 05:19AM

الخطبة الأولى ( آخر رجل يخرج من النار ) 5/11/1441

أما بعد فيا أيها الناس : يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة ؟

يوم عظيم مهول ، عظم الله أمره في كتابه ، ونبيه في سنته ، لأنه يوم الجزاء والحساب ، يوم تنكشف فيه السرائر ، وتتجلى فيه الحقائق ، سمى بيوم التغابن ، لأن الجميع مغبون ، أما غبن أهل النار فظاهر ، وأما غبن أهل الجنة فلأنهم لم يتزودوا من العمل الصالح ، عندما يرون التفاوت في الدرجات ، وكيف يتفاضلون فيها بتفاضلهم في العمل الصالح ، وإن الناظر في الكتاب والسنة يرى كيف ذُكر ذلك اليوم ، يجد ذكره ، جاء بصورة واضحة كأنها رأي العين ، وسأورد على مسامعكم بعض ما جاء في الصحيح من ذلك ، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ ناسًا قالُوا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَل نَرى رَبَّنا يَومَ القِيامَةِ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَل تُضارُّونَ فِي رُؤيَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ؟» قالُوا: لا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «هَل تُضارُّونَ فِي الشَّمسِ لَيسَ دُونَها سَحابٌ؟» قالُوا: لا يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «فَإنَّكُم تَرَونَهُ كَذَلكَ، يَجمَعُ اللهُ النّاسَ يَومَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: مَن كانَ يَعبُدُ شَيئًا فَليَتَّبِعهُ، فَيَتَّبِعُ مَن كانَ يَعبُدُ الشَّمسَ الشَّمسَ، ويَتَّبِعُ مَن كانَ يَعبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، ويَتَّبِعُ مَن كانَ يَعبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّواغِيتَ، وتَبقى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيها مُنافِقُوها، فَيَأتِيهِم اللهُ تَبارَكَ وتَعالى فِي صُورَةٍ غَيرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعرِفُون، فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُم. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ باللهِ مِنكَ، هَذا مَكانُنا حَتّى يَأتِيَنا رَبُّنا، فَإذا جاءَ رَبُّنا عَرَفناهُ. فَيَأتِيهِم اللهُ تَعالى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعرِفُونَ فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُم. فَيَقُولُونَ: أنتَ رَبُّنا. فَيَتَّبِعُونَهُ، ويُضرَبُ الصِّراطُ بَينَ ظَهرَي جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أنا وأُمَّتِي أوَّلَ مَن يُجِيزُ، ولا يَتَكَلَّمُ يَومَئِذٍ إلا الرُّسُلُ، ودَعوى الرُّسُلِ يَومَئِذٍ: اللَّهُمّ سَلِّم سَلِّم، وفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ؛ هَل رَأَيتُم السَّعدانَ؟» قالُوا: نَعَم يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: «فَإنَّها مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ، غَيرَ أنَّهُ لا يَعلَمُ ما قَدرُ عِظَمِها إلا اللهُ، تَخطَفُ النّاسَ بِأَعمالِهِم، فَمِنهُم المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، ومِنهُم المُجازى حَتّى يُنَجّى، حَتّى إذا فَرَغَ اللهُ مِن القَضاءِ بَينَ العِبادِ، وأَرادَ أن يُخرِجَ بِرَحمَتِهِ مَن أرادَ مِن أهلِ النّارِ، أمَرَ المَلائِكَةَ أن يُخرِجُوا مِن النّارِ مَن كانَ لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا مِمَّن أرادَ اللهُ تَعالى أن يَرحَمَهُ مِمَّن يَقُولُ لا إلَهَ إلا اللهُ، فَيَعرِفُونَهُم فِي النّار، يَعرِفُونَهُم بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأكُلُ النّارُ مِن ابْنِ آدَمَ إلا أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلى النّارِ أن تَأكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيُخرَجُونَ مِن النّارِ وقَد امتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيهِم ماءُ الحَياةِ، فَيَنبُتُونَ مِنهُ كَما تَنبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ، ثُمَّ يَفرُغُ اللهُ تَعالى مِن القَضاءِ بَينَ العِبادِ، ويَبقى رَجُلٌ مُقبِلٌ بِوَجهِهِ عَلى النّارِ، وهُوَ آخِرُ أهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ اصرِف وجهِي عَنِ النّارِ، فَإنَّهُ قَد قَشَبَنِي رِيحُها، وأَحرَقَنِي ذَكاؤُها. فَيَدعُو اللهَ ما شاءَ اللهُ أن يَدعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى: هَل عَسَيتَ إن فَعَلتُ ذَلكَ بِكَ أن تَسأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا أسأَلُكَ غَيرَهُ. ويُعطِي رَبَّهُ مِن عُهُودٍ ومَواثِيقَ ما شاءَ اللهُ، فَيَصرِفُ اللهُ وجهَهُ عَنِ النّارِ، فَإذا أقبَلَ عَلى الجَنَّةِ ورَآها سَكَتَ ما شاءَ اللهُ أن يَسكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أي رَبِّ؛ قَدِّمنِي إلى بابِ الجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: ألَيسَ قَد أعطَيتَ عُهُودَكَ ومَواثِيقَكَ لا تَسأَلُنِي غَيرَ الَّذِي أعطَيتُكَ؛ ويلَكَ يا ابنَ آدَمَ ما أغدَرَكَ! فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ ويَدعُو اللهَ حَتّى يَقُولَ لَهُ: فَهَل عَسَيتَ إن أعطَيتُكَ ذَلكَ أن تَسأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا وعِزَّتِكَ. فَيُعطِي رَبَّهُ ما شاءَ اللهُ مِن عُهُودٍ ومَواثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إلى بابِ الجَنَّةِ، فَإذا قامَ عَلى بابِ الجَنَّةِ، انفَهَقَت لَهُ الجَنَّة فَرَأى ما فِيها مِن الخَيرِ والسُّرُورِ، فَيَسكُتُ ما شاءَ اللهُ أن يَسكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أي رَبِّ؛ أدخِلنِي الجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: ألَيسَ قَد أعطَيتَ عُهُودَكَ ومَواثِيقَك أن لا تَسأَلَ غَيرَ ما أُعطِيتَ؛ ويلَكَ يا ابنَ آدَمَ ما أغدَرَكَ! فَيَقُولُ: أي رَبِّ؛ لا أكُونُ أشقى خَلقِكَ. فَلا يَزالُ يَدعُو اللهَ حَتّى يَضحَكَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى مِنهُ، فَإذا ضَحِكَ اللهُ مِنهُ قالَ: ادخُل الجَنَّةَ. فَإذا دَخَلَها قالَ اللهُ لَهُ: تَمَنَّه. فَيَسأَلُ رَبَّهُ ويَتَمَنّى، حَتّى إنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ مِن كَذا وكَذا، حَتّى إذا انقَطَعَت بِهِ الأمانِيُّ قالَ اللهُ تَعالى: ذَلكَ لَكَ ومِثلُهُ مَعَهُ». قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: وذَلكَ الرَّجُلُ آخِرُ أهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ.

وفي الصحيحين من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنِّي لأعلَمُ آخِرَ أهلِ النّارِ خُرُوجًا مِنها وآخِرَ أهلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ؛ رَجُلٌ يَخرُجُ مِن النّارِ حَبوًا، فَيَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: اذهَب فادخُل الجَنَّةَ. فَيَأتِيها فَيُخَيَّلُ إلَيهِ أنَّها مَلأى، فَيَرجِعُ فَيَقُولُ: يا رَبِّ؛ وجَدتُها مَلأى. فَيَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: اذهَب فادخُل الجَنَّةَ. قالَ: فَيَأتِيها فَيُخَيَّلُ إلَيهِ أنَّها مَلأى، فَيَرجِعُ فَيَقُولُ: يا رَبِّ؛ وجَدتُها مَلأى، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: اذهَب فادخُل الجَنَّةَ، فَإنَّ لَكَ مِثلَ الدُّنيا وعَشَرَةَ أمثالِها أو إنَّ لَكَ عَشَرَةَ أمثالِ الدُّنيا. قالَ: فَيَقُولُ: أتَسخَرُ بِي أو أتَضحَكُ بِي وأَنتَ المَلِكُ؟!» قالَ: لَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ضَحِكَ حَتّى بَدَت نَواجِذُهُ، قالَ: فَكانَ يُقالُ: ذاكَ أدنى أهلِ الجَنَّةِ مَنزِلَةً.

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبِي سَعِيدٍ نَحوَ حَدِيثِ أنَسٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ، وفِي آخِرِهِ قالَ: «ثُمَّ يَدخُلُ بَيتَهُ فَتَدخُلُ عَلَيهِ زَوْجَتاهُ مِن الحَوْرِ العَينِ فَتَقُولانِ لَه: الحَمدُ للهِ الَّذِي أحياكَ لَنا وأَحيانا لَكَ، قالَ: فَيَقُولُ: ما أُعطِيَ أحَدٌ مِثلَما أُعطِيتُ

اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ....

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : سمعنا في الخطبة الأولى الحديث الذي فيه آخر من يدخل الجنة من المؤمنين ، وفي الحديث فوائد ، منها :

رؤية الله سبحانه ، وأنها أعظم نعيم الجنة ، كما قال سبحانه ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) الحسنى الجنة والزيادة رؤية الله .

كما أنهم يرونه في العرصات في أرض المحشر ، كما سمعنا في الحديث .

ومنها أن عصاة المؤمنين ممن لم يغفر الله لهم يدخلون النار فيطهرون من ذنوبهم ، فإن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن مغفور له أو مطهر من ذنوبه .

ومنها أن النار لا يبقى فيها إلا الكفار ، أما المؤمنون فمصيرهم الجنة بعد التطهير .
ومنها أن الكفار والمشركين لا يحاسبون في يوم القيامة محاسبة من توزن حسناتهم وسيئاتهم فإنهم لا حسنات لهم ، فيصاح بهم على رؤوس الأشهاد ، فيتبعون من كانوا يعبدون في الدنيا فيقودهم إلى النار والعياذ بالله .

ومنها فضل الصلاة ، وأن النار لا تأكل آثار الصلاة من المصلين ، فيعرفون بها ويخرجون من النار ، كما يعرفهم النبي صلى الله عليه وسلم بآثار الصلاة فيدعوهم للشرب من الحوض.

ومنها ، سعة كرم الله وعظيم عطائه في الجنة ، فإن أدنى منزلة من أهل الجنة من له مثل عشرة أضعاف مُلك مَلك من ملوك الدنيا .

وفي الحديث أن الله يقول له تمنى ، فإذا انقطعت أمنياته ، ذكره سبحانه من نعيم الجنة .

عباد الله : إن الجنة لا ينالها إلا من عمل بطاعة الله واجتنب نواهيه ، فلنتجافى عن المعاصي كلها ، ونعمل ما استطعنا من الصالحات ، فما نسمعه ، سنعاينه بعد خروج الروح ، فما أقربه من موعد.

اللهم وفقنا لهداك ...........

المشاهدات 2701 | التعليقات 0