خُطبَةُ..هِدَايَةُ القرآنِ... جامع العَزيّزية
عزام عزام
1434/10/14 - 2013/08/21 02:05AM
خُطبَةُ..هِدَايَةُ القرآنِ... جامع العَزيّزية 26/4/1434هـ
نايف بن حمد الحربي
الخطبة الأولى :
الحمدُ للهِ هادي مَن استهدَاه, وكافي مَن التجأَ إليهِ ولاذَ بحِمَاه, ومُؤنِسُ مَن أمَّلَ فيهِ وبَثَّ إليه شكواه, مَن اهتدى فبسنا نورٍ عَمَّ الخَلِيقَةَ ضِياه, ومَن ضل, فلعلمِ ربك أنَّهُ ليس أهلاً لهداه, فطوبى لعبدٍ إلى ربهِ أدلج, والوحيَّ رَتَلَهُ وتفَكَرَ بمعناه, وأشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده و رسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد :فعليكم بتقوى الله عباد الله,فصاحبُهَا في ميزانِ اللهِ فائز, ولقَصَبِ السبقِ حائز, إذْ بها قد جعلَ للنفسِ عن الهفواتِ حاجز.
معاشر المسلمين :كثيرةٌ هي تلكَ طوارقُ الليلِ والنهار, التي تُحدِثُ في النَفْسِ شَرخا, أو تَنكأُ مِن الآلامِ جُرحا, وفي نفوسِ أولي العزائم, تَتَعَاظَمُ الهموم, بِتَعَاظُمِ تَوارُدِ تلكَ الطوارق, كيف لها عن الأمةِ أن تُدفَع؟ أو مِن الواقعِ أن تُرفَع؟
وفي حَمئةِ الأحداث, وتحتَ ضغط الواقع, يَبذُلُ المرءُ جُهدَهُ, رجاءَ كشفِ المخططات, وإبطالِ الحِيَلِ والتُرَهات, بِنَزعِ الحُجُبِ وبَيَانِ حقيقةِ المآلات, إذْ أنَّ النَفْسَ وإنْ زَلت, لا تَثِقُ بالأدعِيَاء كالمُومِسَات.
ومع هذا كُلِهِ, فقد لا يُوفَقُ المرءُ لإيصَالِ ما يَصبُو إليه, إذْ أنَّ العِبَارةَ قد تُوهِم, والبَيَانُ على الأفهامِ قد يَستَغلِق..
والمُتَلَقِي, قد يَكونُ مُتَلَهِفاً مُتَشَوقاً, يَعِيِّ ما يَسمَع, ويُطَبِّقُ ما بهِ آمن, وقد يَكونُ كالاً ضَجِرا, يَستَبطِأُ النهايةَ, ويَتَرَقَبُ الخروج, وبينهما مِن مَراحلِ الأفهامِ مَنازِلُ شَتى..
ثُمَّ إنَّ مَن وعى, وبوعيهِ ما سعى, قد يُنسِيِّهِ وعيَهُ مِن حَوادثِ الجديدينِ ما طرأ, وكَثرَةُ التفصيلِ للأسماعِ مَمَلة, وتِكرَارُ الناقصِ في البَيان عِيٌّ, والحقيقةُ للجميعِ مَطلَب, لكنما سبيلَهَا عن الطُلابِ تُحجَب..
لهذهِ وغيرِهَا مِن الأسباب, حَرِيٌّ بِنَا, أنْ نَربِطَ أنفُسَنَا بمَعِيِّنٍ لا يَنضَب, حَقَائِقُهُ لا يَتَطرَقُ إليها الوهم, وبَيَانُهُ بالاستِغلاقِ المُطلَقِ جَلَّ عن الوَصم, تِكرَارُهُ لا تَستَثقِلُهُ النفوس, وإنِّما يَجلُو عنها الهم, وأظنُّ أنَّ أصغَرَ مَن حَضَرَ لمغزايَّ فَهِم, فضلاً عَمَّن وقَارُ الشَيِبِ جَلَّلَه, لِمُحَيَاهُ علا, ولِكَيَانِهِ عَم..
فقد روى مُسلِمٌ في صحيحهِ مِن حديثِ زيدٍ بنِ أرقمٍ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "كتابُ الله, هو حَبلُ الله, مَن اتَبَعَهُ كانَ على الهُدَى, ومَن تَركه كانَ على ضلالة" فكيفَ هي حَالُنَا مع القرآن, وقد جَعَلَهُ اللهُ للبصَائرِ جَلاءَ, ولأدواءِ النفوسِ شِفَاءَ؟}وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ {}يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ{فكُلُ تَقصِيرٍ يَقَعُ فيه المرءُ, سواءٌ كان علمياً بالتأويلِ والتحريفِ للشرع, أو سُلوكياً بالرضوخِ لدواعي الشهوات, فإنِّما هو فَرعٌ عن قسوةِ القلب, وهيَ إنَّما تنشأُ بسببِ البعدِ عن الوحي }أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ{ إنَّهُ طُولِ الأمَدِ في هَجرِ الكتَاب, ولو جَدَدُوا العَهدَ معَهُ لحَيَت منهم القلوب, فإذا ما قسا القلبُ, تجرأ على تحريفِ الوحي, ولم يُحَاذِر مِن دواعي الشهوة, واقرأوا لهذه }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ ولتلك }وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ{..
فما سبيلُ النَجَاءِ إذاً؟ سبيلُ النَجَاءِ هي مُعَاودَةُ إحياءِ الصِلَةِ بالقرآن }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{وما ذاكَ, إلا لأنَّ لكلامِ اللهِ سَطوةٌ خَفيَةٌ في صِناعةِ الإخبَات, فيُحيي القلوب, ويُحَرِكُ النفوس }وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ{فإذا ما أخبَتَت النفوس, انحَلَّت عنها القيود, وانقَادتْ للواحدِ المعبود, وقامتْ بأمرِ اللهِ وبذلت فيه المجهود, واقرأوا إن شئتم }اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ{..
فإذا ما وثَّقتَ صِلَتَكَ بالقُرآن, استَغنَيتَ عن كثيرٍ مِن البَيَان, وأبصرتَ الحقائقَ على الوجهِ الذي يُريدُهُ الله, لا كما يَزعمُ أولياءُ الشيطان..
• فاتلُ الكتاب, وسَتُبصِرُ في ثنيَاه, أنَّ اللهَ فَرَّقَ بينَ مَن أعقَبَ ذنبَهُ بالاعترافِ بالخطأ, وبينَ مَن تَطَلَّبَ لتَبريرِ خطأهِ مَعَاسِرَ التأويلِ, ومَلاجئَ الحِيَّل, فجعلَ الأولَ قريباً مِن الرحمة }وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ{ وأمَّا الآخر, فكانَ مَسلَكُهُ سَبَباً لتغليظِ العقوبة }وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ{ ومَعلُومٌ, أنَّ مُجَردَ المعصية, لم تَكُن سَبَباً للمسخ, وإنِّما مُسِخُوا لَمَّا قَرنُوهَا بالتَحَايُلِ على الشرع..
• واقرأ, وسَتُبصِرُ في ثنايا الكتابِ أيضا, أنَّ الوحيَّ ليسَ نَصاً مفتُوحاً, يَذهبُ الناسُ في تفسيره كُلَ مذهبٍ تَبَعاً لأهوائهم, وإنِّما هُناك تفسيرٌ سابق, يُحَاكَمُ إليهِ ما أتى مِن التأويلاتِ لاحِق, واقرأوا إن شئتم }فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ{ واقرأوا أخرى }وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ{ وثالثة }أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ{ فلا مَجَالَ لليِّ أعنَاقِ النصوصِ مُدَاهَنةً أو تَزَلُفا..
• وأَدِم نَظَرَكَ في كتابِ الله, وسَتلحَظُ الفرقَ بينَ المنزلةِ التي احتلَهَا الكافِرُ في نفوسِنَا, وبينَ المنزِلَةِ التي أنزلَهُ اللهُ إيَّاها, فهو في حُكمِ الله }إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا{}مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا {}فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث{}يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس{}إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ{ هذا في ميزانِ الله, فكيفَ هُم في مَوازيننا؟!!
• واتلُ آيِّ الكتاب, وسَتلحَظ, أنَّ الإسلامَ انقيَّادٌ للهِ في الباطن, يُورِثُ عَمَلاً في الظاهر }الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ{}وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{}تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّدا{فأينَ هذا مِمَا نحنُ فيهِ مِن مظاهرٍ للارتخاءِ العِبَادي؟!!
• فإذا ما تَلونَا آيِّ الكتاب, سنَجِدُ فيهِ غوصاً على خَبايا النفوس, وكشفاً لمَكَامِن الخلل, فقارن معي, الذين يُقيمونَ بينَ ظهرَانيِّنا, لا يَتورعُونَ عن الوقوعِ في الأعراض, يُفَسِّقُونَ هذا, ويُبَدِّعُونَ ذاك, وقد يُكَفِّرُونَ ثالث, ولم يسلم منهم حتى المجاهدونَ في سبيلِ الله, وقد يَكونُ بينهم مَن يَصِمُّ آذانَكَ بتَحَرُقِهِ على الشهادة, لهؤلاءِ جميعا, مهما اختلفت منابعُهُم, أو تَباينت دوافِعُهُم, أهذا هو وحيُّ اللهِ الذي تَتلُونَه؟ أم أنَّه قد أتاكم مالم يأتِ الأولين؟ أم أنكم قد أدركتم مالم يفهم الصَحبُ المَيَامِين؟ لهؤلاءِ جميعا, أينَ أنتم مِن قولِ الحقِ تَباركَ وتعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ{أينَ أنتم مِن قولِ الله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً{..
• ثم مَن يَتَحَرَّقُ على الشهادة, وهو لم يَسلَمْ مِنهُ قائمٌ ولا قاعد, لماذا, لا تخرجْ لطَلَبِ الشَهَادةِ مَظَانَّهَا؟ أليسَ السفرُ قاصِدا؟ والسُبُلُ مُيَسرَة؟ أفلا تتفكر في حالك؟ أمَا تخشى أنَّ الرحمنَ قد كَرِهَ انبِعَاثَكَ فثَبَّطَك؟!؟ والشيطانَ زَيَّنَ لكَ سُوءَ فِعلَكَ وعن العملِ المُنتِجِ أشغَلَك؟!؟ ولا تَظنَّ بهذا أنِّي أدعوكَ للخروجِ للجهادِ في سبيلِ الله, كلا, فهذهِ سبيلٌ يصطفي اللهُ لها أهلَ الصدقِ مِن عباده, لكن, أمَا مَرَّ بكَ وأنتَ تقرأُ في كتابِ الله }وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ{أمَا يَشفَعُ للمجَاهدينَ كيِّمَا تَكُفَ لِسَانكَ عنهم, أنَّ اللهَ أحَبَّ انبِعَاثَهُم فهيَّأ لهم أسبابَ الخروج؟!؟ أمَا يَثنِيِّكَ عن التطاولِ عليهم, أنَّ اللهَ كَرِهَ انبِعَاثَكَ فثَبَّطك؟!؟ أعد قراءةَ الآية, وراجع مواقِفَك}وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ{..
• كُلُ هذهِ الحقائقِ وغيرُهَا, مِن حِرَاسةٍ للفضيلة, ووأدٍ للرذيلة, وبيانٍ لحقارةِ الدنيا, وتأكيدٍ لأزليةِ الصراعِ بينَ الحقِ والباطل, والكثيرَ الكثير, تَتَجلَّى لتالي القرآن, وتتكَشَفُ مع إدَامةِ القراءة, تُغنيهِ عن كثرَةِ الآراء, وتكفيهِ طويلِ العَنَاء, فلماذا هَجَرنَا القرآن؟!!
أقولُ قولي هذا وأستغفرً اللهَ لي ولكم من ذنبٍ وخطيئة, فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفورُ الرحيم..
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ بَعَثَ بشرعَةٍ لطُلابِ الحقِ كافية, ومِن أهلِ الزيغِ شافية, لَمَّا كانت لأهلِ الكُفرِ مُجَافِية, مَن استمسكَ بها فقد استرشد, ومَن نبذَهَا ولأهلِ الكُفرِ والى فموالتُهُ لوصفِ الإيمانِ عنهُ نافية, وصلى اللهُ وسلمَ على عبدهِ ورسولهِ محمد, وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين, ما مضت أمةٌ وتَبِعَتهَا قافية..
أمــا بعـــد :أهلَ الإسلام , كَيِّمَا يَنتَفِعُ المرءُ بالقرآن, فلا بُدَّ أن يَستَحضِرَ وهو يَتلُوه, أنَّ جُمهُورَ قَرَاراتِ القرآنِ وأحكامهِ, إنِّمَا هي أمثّالٌ يُلحَقُ بها ما كانَ مِن جنسِهَا, وهذا المَلْحَظ, قد أشارت إليهِ كُلُ آياتِ الأمرِ بالتدبر, فمن ذلك }وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{ومنه}وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{..
حتى إذا ما رأيتَ مَن يَستَمِعُ لآياتِ الكتابِ ولا يخضَعُ لمضامِينِهَا, بل رُبما اعتاضَ عنها بمزاميرِ الشيطان, واستغنى بأخبارِ الصُحُفِ ومُحَادَثَاتِ الخِلان, فتذكر}فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ{ واعلم, بأنَّ اللهَ قد حكمَ على مَن أعرضَ عن تدَبُرِ كلامهِ أنَّهُ لا خيرَ فيهِ أصلا}وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ{ فاحمَدِ اللهَ على ما وفَّقَكَ إليه, ووَثِّق صِلَتَكَ بالقرآن, وحَذارِ مِن أن ترَ لنَفسِكَ حَظاً, أو تُدلِي على ربِكَ بعمل, أو تزدَري أحداً مِن الخلق, ولكن استشعر أنَّ ما أنتَ فيه, إنِّمَا هو مَحضُ فضلِ اللهِ عليكَ وسَابغُ مِنَتِه, وفضلُ اللهِ لا تُدرِكُهُ بحَولِكَ وقوَتِك, فارعِ النِعمَة, بإدامةِ مُلاحَظَةِ مِنَّةِ المُنعِم}وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا{}وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ{وأَدِمْ الاستعانةَ باللهِ على طاعته}إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{..
والإخباتَ الإخبات, فإنِّهُ وليدُ الإيمان, يُورِثُ في الطاعةِ زِيَادة, وللخلقِ تَواضُعَا..
فاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتينِ كِلاَهُمَا& للحَقِّ في ذَا الخَلْقِ نَاظِرَتَانِ
فانظُرْ بِعينِ الحُكمِ وَارحَمهُم بِهَا& إذْ لا تُرَدُّ مَشِيئةُ الدَّيَّانِ
وانظُرْ بِعَيْنِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى& أحْكَامِهِ فَهُمَا إذاً نَظَرانِ
وَاجْعَلْ لِوجْهكَ مُقْلَتَينِ كِلاَهُما&مِنْ خَشْيِةِ الرَّحمنِ بَاكيَتَانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّك كُنْتَ أيضاً مِثْلَهُمْ& فَالقَلْبُ بَيْنَ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ
أصلحَ اللهُ الحال, ونَفَعَ بالمقال, وأجارنَا مِن غلباتِ الهوى, وميلهِ إذا مال..
نايف بن حمد الحربي
الخطبة الأولى :
الحمدُ للهِ هادي مَن استهدَاه, وكافي مَن التجأَ إليهِ ولاذَ بحِمَاه, ومُؤنِسُ مَن أمَّلَ فيهِ وبَثَّ إليه شكواه, مَن اهتدى فبسنا نورٍ عَمَّ الخَلِيقَةَ ضِياه, ومَن ضل, فلعلمِ ربك أنَّهُ ليس أهلاً لهداه, فطوبى لعبدٍ إلى ربهِ أدلج, والوحيَّ رَتَلَهُ وتفَكَرَ بمعناه, وأشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده و رسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد :فعليكم بتقوى الله عباد الله,فصاحبُهَا في ميزانِ اللهِ فائز, ولقَصَبِ السبقِ حائز, إذْ بها قد جعلَ للنفسِ عن الهفواتِ حاجز.
معاشر المسلمين :كثيرةٌ هي تلكَ طوارقُ الليلِ والنهار, التي تُحدِثُ في النَفْسِ شَرخا, أو تَنكأُ مِن الآلامِ جُرحا, وفي نفوسِ أولي العزائم, تَتَعَاظَمُ الهموم, بِتَعَاظُمِ تَوارُدِ تلكَ الطوارق, كيف لها عن الأمةِ أن تُدفَع؟ أو مِن الواقعِ أن تُرفَع؟
وفي حَمئةِ الأحداث, وتحتَ ضغط الواقع, يَبذُلُ المرءُ جُهدَهُ, رجاءَ كشفِ المخططات, وإبطالِ الحِيَلِ والتُرَهات, بِنَزعِ الحُجُبِ وبَيَانِ حقيقةِ المآلات, إذْ أنَّ النَفْسَ وإنْ زَلت, لا تَثِقُ بالأدعِيَاء كالمُومِسَات.
ومع هذا كُلِهِ, فقد لا يُوفَقُ المرءُ لإيصَالِ ما يَصبُو إليه, إذْ أنَّ العِبَارةَ قد تُوهِم, والبَيَانُ على الأفهامِ قد يَستَغلِق..
والمُتَلَقِي, قد يَكونُ مُتَلَهِفاً مُتَشَوقاً, يَعِيِّ ما يَسمَع, ويُطَبِّقُ ما بهِ آمن, وقد يَكونُ كالاً ضَجِرا, يَستَبطِأُ النهايةَ, ويَتَرَقَبُ الخروج, وبينهما مِن مَراحلِ الأفهامِ مَنازِلُ شَتى..
ثُمَّ إنَّ مَن وعى, وبوعيهِ ما سعى, قد يُنسِيِّهِ وعيَهُ مِن حَوادثِ الجديدينِ ما طرأ, وكَثرَةُ التفصيلِ للأسماعِ مَمَلة, وتِكرَارُ الناقصِ في البَيان عِيٌّ, والحقيقةُ للجميعِ مَطلَب, لكنما سبيلَهَا عن الطُلابِ تُحجَب..
لهذهِ وغيرِهَا مِن الأسباب, حَرِيٌّ بِنَا, أنْ نَربِطَ أنفُسَنَا بمَعِيِّنٍ لا يَنضَب, حَقَائِقُهُ لا يَتَطرَقُ إليها الوهم, وبَيَانُهُ بالاستِغلاقِ المُطلَقِ جَلَّ عن الوَصم, تِكرَارُهُ لا تَستَثقِلُهُ النفوس, وإنِّما يَجلُو عنها الهم, وأظنُّ أنَّ أصغَرَ مَن حَضَرَ لمغزايَّ فَهِم, فضلاً عَمَّن وقَارُ الشَيِبِ جَلَّلَه, لِمُحَيَاهُ علا, ولِكَيَانِهِ عَم..
فقد روى مُسلِمٌ في صحيحهِ مِن حديثِ زيدٍ بنِ أرقمٍ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "كتابُ الله, هو حَبلُ الله, مَن اتَبَعَهُ كانَ على الهُدَى, ومَن تَركه كانَ على ضلالة" فكيفَ هي حَالُنَا مع القرآن, وقد جَعَلَهُ اللهُ للبصَائرِ جَلاءَ, ولأدواءِ النفوسِ شِفَاءَ؟}وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ {}يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ{فكُلُ تَقصِيرٍ يَقَعُ فيه المرءُ, سواءٌ كان علمياً بالتأويلِ والتحريفِ للشرع, أو سُلوكياً بالرضوخِ لدواعي الشهوات, فإنِّما هو فَرعٌ عن قسوةِ القلب, وهيَ إنَّما تنشأُ بسببِ البعدِ عن الوحي }أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ{ إنَّهُ طُولِ الأمَدِ في هَجرِ الكتَاب, ولو جَدَدُوا العَهدَ معَهُ لحَيَت منهم القلوب, فإذا ما قسا القلبُ, تجرأ على تحريفِ الوحي, ولم يُحَاذِر مِن دواعي الشهوة, واقرأوا لهذه }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ ولتلك }وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ{..
فما سبيلُ النَجَاءِ إذاً؟ سبيلُ النَجَاءِ هي مُعَاودَةُ إحياءِ الصِلَةِ بالقرآن }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{وما ذاكَ, إلا لأنَّ لكلامِ اللهِ سَطوةٌ خَفيَةٌ في صِناعةِ الإخبَات, فيُحيي القلوب, ويُحَرِكُ النفوس }وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ{فإذا ما أخبَتَت النفوس, انحَلَّت عنها القيود, وانقَادتْ للواحدِ المعبود, وقامتْ بأمرِ اللهِ وبذلت فيه المجهود, واقرأوا إن شئتم }اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ{..
فإذا ما وثَّقتَ صِلَتَكَ بالقُرآن, استَغنَيتَ عن كثيرٍ مِن البَيَان, وأبصرتَ الحقائقَ على الوجهِ الذي يُريدُهُ الله, لا كما يَزعمُ أولياءُ الشيطان..
• فاتلُ الكتاب, وسَتُبصِرُ في ثنيَاه, أنَّ اللهَ فَرَّقَ بينَ مَن أعقَبَ ذنبَهُ بالاعترافِ بالخطأ, وبينَ مَن تَطَلَّبَ لتَبريرِ خطأهِ مَعَاسِرَ التأويلِ, ومَلاجئَ الحِيَّل, فجعلَ الأولَ قريباً مِن الرحمة }وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ{ وأمَّا الآخر, فكانَ مَسلَكُهُ سَبَباً لتغليظِ العقوبة }وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ{ ومَعلُومٌ, أنَّ مُجَردَ المعصية, لم تَكُن سَبَباً للمسخ, وإنِّما مُسِخُوا لَمَّا قَرنُوهَا بالتَحَايُلِ على الشرع..
• واقرأ, وسَتُبصِرُ في ثنايا الكتابِ أيضا, أنَّ الوحيَّ ليسَ نَصاً مفتُوحاً, يَذهبُ الناسُ في تفسيره كُلَ مذهبٍ تَبَعاً لأهوائهم, وإنِّما هُناك تفسيرٌ سابق, يُحَاكَمُ إليهِ ما أتى مِن التأويلاتِ لاحِق, واقرأوا إن شئتم }فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ{ واقرأوا أخرى }وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ{ وثالثة }أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ{ فلا مَجَالَ لليِّ أعنَاقِ النصوصِ مُدَاهَنةً أو تَزَلُفا..
• وأَدِم نَظَرَكَ في كتابِ الله, وسَتلحَظُ الفرقَ بينَ المنزلةِ التي احتلَهَا الكافِرُ في نفوسِنَا, وبينَ المنزِلَةِ التي أنزلَهُ اللهُ إيَّاها, فهو في حُكمِ الله }إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا{}مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا {}فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث{}يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس{}إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ{ هذا في ميزانِ الله, فكيفَ هُم في مَوازيننا؟!!
• واتلُ آيِّ الكتاب, وسَتلحَظ, أنَّ الإسلامَ انقيَّادٌ للهِ في الباطن, يُورِثُ عَمَلاً في الظاهر }الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ{}وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{}تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّدا{فأينَ هذا مِمَا نحنُ فيهِ مِن مظاهرٍ للارتخاءِ العِبَادي؟!!
• فإذا ما تَلونَا آيِّ الكتاب, سنَجِدُ فيهِ غوصاً على خَبايا النفوس, وكشفاً لمَكَامِن الخلل, فقارن معي, الذين يُقيمونَ بينَ ظهرَانيِّنا, لا يَتورعُونَ عن الوقوعِ في الأعراض, يُفَسِّقُونَ هذا, ويُبَدِّعُونَ ذاك, وقد يُكَفِّرُونَ ثالث, ولم يسلم منهم حتى المجاهدونَ في سبيلِ الله, وقد يَكونُ بينهم مَن يَصِمُّ آذانَكَ بتَحَرُقِهِ على الشهادة, لهؤلاءِ جميعا, مهما اختلفت منابعُهُم, أو تَباينت دوافِعُهُم, أهذا هو وحيُّ اللهِ الذي تَتلُونَه؟ أم أنَّه قد أتاكم مالم يأتِ الأولين؟ أم أنكم قد أدركتم مالم يفهم الصَحبُ المَيَامِين؟ لهؤلاءِ جميعا, أينَ أنتم مِن قولِ الحقِ تَباركَ وتعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ{أينَ أنتم مِن قولِ الله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً{..
• ثم مَن يَتَحَرَّقُ على الشهادة, وهو لم يَسلَمْ مِنهُ قائمٌ ولا قاعد, لماذا, لا تخرجْ لطَلَبِ الشَهَادةِ مَظَانَّهَا؟ أليسَ السفرُ قاصِدا؟ والسُبُلُ مُيَسرَة؟ أفلا تتفكر في حالك؟ أمَا تخشى أنَّ الرحمنَ قد كَرِهَ انبِعَاثَكَ فثَبَّطَك؟!؟ والشيطانَ زَيَّنَ لكَ سُوءَ فِعلَكَ وعن العملِ المُنتِجِ أشغَلَك؟!؟ ولا تَظنَّ بهذا أنِّي أدعوكَ للخروجِ للجهادِ في سبيلِ الله, كلا, فهذهِ سبيلٌ يصطفي اللهُ لها أهلَ الصدقِ مِن عباده, لكن, أمَا مَرَّ بكَ وأنتَ تقرأُ في كتابِ الله }وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ{أمَا يَشفَعُ للمجَاهدينَ كيِّمَا تَكُفَ لِسَانكَ عنهم, أنَّ اللهَ أحَبَّ انبِعَاثَهُم فهيَّأ لهم أسبابَ الخروج؟!؟ أمَا يَثنِيِّكَ عن التطاولِ عليهم, أنَّ اللهَ كَرِهَ انبِعَاثَكَ فثَبَّطك؟!؟ أعد قراءةَ الآية, وراجع مواقِفَك}وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ{..
• كُلُ هذهِ الحقائقِ وغيرُهَا, مِن حِرَاسةٍ للفضيلة, ووأدٍ للرذيلة, وبيانٍ لحقارةِ الدنيا, وتأكيدٍ لأزليةِ الصراعِ بينَ الحقِ والباطل, والكثيرَ الكثير, تَتَجلَّى لتالي القرآن, وتتكَشَفُ مع إدَامةِ القراءة, تُغنيهِ عن كثرَةِ الآراء, وتكفيهِ طويلِ العَنَاء, فلماذا هَجَرنَا القرآن؟!!
أقولُ قولي هذا وأستغفرً اللهَ لي ولكم من ذنبٍ وخطيئة, فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفورُ الرحيم..
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ بَعَثَ بشرعَةٍ لطُلابِ الحقِ كافية, ومِن أهلِ الزيغِ شافية, لَمَّا كانت لأهلِ الكُفرِ مُجَافِية, مَن استمسكَ بها فقد استرشد, ومَن نبذَهَا ولأهلِ الكُفرِ والى فموالتُهُ لوصفِ الإيمانِ عنهُ نافية, وصلى اللهُ وسلمَ على عبدهِ ورسولهِ محمد, وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين, ما مضت أمةٌ وتَبِعَتهَا قافية..
أمــا بعـــد :أهلَ الإسلام , كَيِّمَا يَنتَفِعُ المرءُ بالقرآن, فلا بُدَّ أن يَستَحضِرَ وهو يَتلُوه, أنَّ جُمهُورَ قَرَاراتِ القرآنِ وأحكامهِ, إنِّمَا هي أمثّالٌ يُلحَقُ بها ما كانَ مِن جنسِهَا, وهذا المَلْحَظ, قد أشارت إليهِ كُلُ آياتِ الأمرِ بالتدبر, فمن ذلك }وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{ومنه}وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{..
حتى إذا ما رأيتَ مَن يَستَمِعُ لآياتِ الكتابِ ولا يخضَعُ لمضامِينِهَا, بل رُبما اعتاضَ عنها بمزاميرِ الشيطان, واستغنى بأخبارِ الصُحُفِ ومُحَادَثَاتِ الخِلان, فتذكر}فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ{ واعلم, بأنَّ اللهَ قد حكمَ على مَن أعرضَ عن تدَبُرِ كلامهِ أنَّهُ لا خيرَ فيهِ أصلا}وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ{ فاحمَدِ اللهَ على ما وفَّقَكَ إليه, ووَثِّق صِلَتَكَ بالقرآن, وحَذارِ مِن أن ترَ لنَفسِكَ حَظاً, أو تُدلِي على ربِكَ بعمل, أو تزدَري أحداً مِن الخلق, ولكن استشعر أنَّ ما أنتَ فيه, إنِّمَا هو مَحضُ فضلِ اللهِ عليكَ وسَابغُ مِنَتِه, وفضلُ اللهِ لا تُدرِكُهُ بحَولِكَ وقوَتِك, فارعِ النِعمَة, بإدامةِ مُلاحَظَةِ مِنَّةِ المُنعِم}وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا{}وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ{وأَدِمْ الاستعانةَ باللهِ على طاعته}إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{..
والإخباتَ الإخبات, فإنِّهُ وليدُ الإيمان, يُورِثُ في الطاعةِ زِيَادة, وللخلقِ تَواضُعَا..
فاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتينِ كِلاَهُمَا& للحَقِّ في ذَا الخَلْقِ نَاظِرَتَانِ
فانظُرْ بِعينِ الحُكمِ وَارحَمهُم بِهَا& إذْ لا تُرَدُّ مَشِيئةُ الدَّيَّانِ
وانظُرْ بِعَيْنِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى& أحْكَامِهِ فَهُمَا إذاً نَظَرانِ
وَاجْعَلْ لِوجْهكَ مُقْلَتَينِ كِلاَهُما&مِنْ خَشْيِةِ الرَّحمنِ بَاكيَتَانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّك كُنْتَ أيضاً مِثْلَهُمْ& فَالقَلْبُ بَيْنَ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ
أصلحَ اللهُ الحال, ونَفَعَ بالمقال, وأجارنَا مِن غلباتِ الهوى, وميلهِ إذا مال..
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
خطبة قيمة بقيمة موضوعها وعظيمة بعظمة مضمونها جزيت خير شيخ عزام وبارك ربي في علم وجهد ونفع الشيخ نايف
والشكر للإخوة المشاركين والمعلقين
تعديل التعليق