خصمان بغى بعضنا على بعض ( أحداث جنوب اليمن )
د مراد باخريصة
1434/04/18 - 2013/02/28 05:54AM
خصمان بغى بعضنا على بعض
لقد قص الله سبحانه وتعالى علينا في القرآن الكريم قصة عجيبة تحتوي على شراكة ووحدة غريبة شراكة فيها ظلم واضح واستحواذ رهيب أريد لهذه الوحدة أن تتم وكادت أن تقع إلا أنه تم استدراك القضية وفشل إبرام الاتفاق على هذه الوحدة.
لقد جاء خصمان إلى نبي الله داود عليه السلام يعرضان عليه قضية شراكة بينهما يقول الله سبحانه وتعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾.
إن هذين الخصمين لم يتأدبا مع نبي الله داود عليه السلام ولم يقوما بالدخول عليه بطريقة شرعية صحيحة ولم يأتوا البيوت من أبوابها وإنما تسورا المحراب الذي كان يتعبد فيه داود عليه السلام ففزع منهم لما جاءوا إليه بهذه الطريقة المخيفة ولكنهم قاموا بتطمينه وقالوا له " لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ".
ماهي قضيتهم وما هي مشكلتهم إن قضيتهم هي شراكة ووحدة أراد أحدهما أن يفرضها فرضاً على أخيه الآخر فقال " إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" يقول إن شريكه له تسع وتسعون نعجة وهو عنده نعجة واحدة فقال له شريكه أكفلنيها أي آتي بنعجتك وضمها إلى نعاجي لتصبح نعاجي مائة نعجة وكاد أن يغلبه ويضحك عليه ويوقعه في فخ هذه الشراكة والوحدة بخطابه البليغ وكلامه المعسول قال " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ".
أنظروا إلى الطمع والجشع والظلم الواضح والاستحواذ المباشر والشراكة الظالمة التي لا تقوم على العدل والمساواة يريد من خصمه أن يعقد معه وحدة تقوم على الظلم والتعدي عندما قال له ضم نعجتك الواحدة إلى نعاجي الكثيرة ولتبقى صفراً بلا شيء وأملك أنا كل شيء وأستحوذ على كل شيء فأبى الخصم هذه الشراكة ورفض هذه الوحدة وشكى به إلى داود وقال له " إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ " وهنا تأملوا ياعباد الله في قوله " إِنَّ هَٰذَا أَخِي " فسماه أخوه مع أنه أراد أن يبغي عليه ويستحوذ على ثروته ويأكل ماله إلا أنه لم ينسى له حق الأخوة الدينية والرابطة العقدية ولم يقم بالتعدي عليه ونهب ممتلكاته وحرق ثرواته فضلاً عن قتله وإرهابه واعترف له بحق الأخوة واعتبره أخوه مع كل ما حصل منه.
فاحكم بيننا يا داود بالحق ولا تشطط عن الحق ولا تجامل فيه ولا تحابي منا أحداً قل الحق سواء كان لي أو علي " فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ" فماذا قال داود عليه السلام قال " قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ " لقد ظلمك عندما طلب أن يضم نعجتك إلى نعاجه ولم ينصفك في هذه الشراكة ولم يحب لغيره ما يحبه لنفسه عندما أراد أن يأخذ نعجتك إلى نعاجه ولكن هذه طبيعة الشركاء والشراكات والوحدة غالباً ما يقع فيها الظلم والتعدي إلا إذا وقعت بين المؤمنين الصادقين وأهل الحق المستقيمين الذين يمشون على هدي الدين ويحتكمون إلى شريعة رب العالمين فهؤلاء لا يقع الظلم بينهم إذا توحدوا وتشاركوا لأن إيمانهم وخوفهم من الله يمنعهم من التعدي على بعضهم البعض " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ".
هنا عرف داود عليه السلام أنه تسرع في الحكم وأنه كان الأولى به أن يستمع إلى الطرف الثاني فإنه لم يسمع منه وإنما حكم بمجرد السماع من الطرف الأول فلعل القضية ليست هكذا ولعل الوحدة لم يردها الخصم على هذا النحو الذي ذكره الطرف الثاني ولعل الأمور من أصلها ليست على حسب ما صوره له هذا الخصم فاستغفر داود ربه وخر راكعاً وأناب وتاب فعاتبه الله على ذلك وقال له " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ " عاتبه الله لأنه سمع القضية من طرف واحد وحكم على ضوء كلامه ولم يسمع من الطرف الآخر.
عباد الله: لقد تأزمت الأزمة على الوحدة في اليمن بين الشمال والجنوب وخاصة في السنوات الأخيرة وفي هذه الأيام بالأخص ووصلت الأمور إلى مدى بعيد وبدأت الأوضاع تخرج عن نطاق السيطرة السياسية والحلول السلمية وحصل ما حصل بين الطرفين المتنازعين الذين لم يسلم كل واحد منهما من ارتكاب أخطاء شنيعة وفعل أفعال كبيرة بدءاً من أساس انعقاد الوحدة نفسها فالوحدة لم تعقد على أساس منهج الله ولم تقم على أصول الشريعة وأحكام الدين وإنما قاما الطرفان بالمزج بين منهجيين كل واحد منهما بعيد كل البعد عن منهج الإسلام فهذا منهج علماني والآخر منهج شيوعي اشتراكي التقيا معاً ليخرجا بوحدة تقوم على أساس ديمقراطي ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) فحصل الشر والانفصام والخلاف والبغي كما قال تعالى " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " ثم لو نظرنا إلى الموقعين على هذه الوحدة لوجدنا أنهم بعيدون كل البعد عمن قال الله فيهم " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " فكان وقوع الخصام وحصول البغي والظلم أمر متوقع أصلاً " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ".
لقد بيّن الله لنا في قصة داود أسساً يجب على كل من أراد أن يعقد وحدة أو شراكة أن يراعيها ويقيم وحدته على أساسها ومن أهم هذه الأسس والقواعد أن تقوم الوحدة على منهج الله وعلى هدي كتاب الله وسنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا استثنى الله الوحدة أو الشراكة التي تقع بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن الوحدة بينهم لا تفشل في الغالب ولا يقع بينهم مايقع بين غيرهم من أهل الشراكات التي لا تقوم على أسس الدين من الخلافات والنزاعات والصراعات التي تنتهي غالباً بالعداوة وفض الوحدة وقطع العلاقة لأن الشريكين عندما لا يقيمان للدين وزناً فإن البغي سيحصل بينهم وكل واحد منهم سيسعى إلى أن يحقق من الوحدة غرضاً دنيئاً ومصلحة خاصة ومطمعاً قبيحاً عن طريق الهيمنة على شريكه الآخر خاصة إذا كانت نيتهم سيئة منذ البداية أو قائمة على التمويه والغدر والتدليس " ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ ".
المهم وقعت الوحدة على هذه الأسس الباطلة وحصل ما حصل وكان الواجب عليهم جميعاً أن يستيقظوا من غفلتهم ويثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا إلى دينهم ليصححوا وضعهم ويعيدوا الأمور إلى مواضعها الصحيحة ولكنهم للأسف عادوا مرة أخرى لارتكاب الخطأ مرة ثانية لم يعودوا إلى شرع الله ولم يتحاكموا إلى منهج الله وإنما تخاصم كل طرف إلى الشرق أو الغرب واستقوى كل فريق على خصمه بمن يظن فيه القوة والقدرة على إنصافه من شريكه وبمن يطمع فيه بأن يحقق له ما يريده منه.
أما الخصمان فإنهما عندما اختلفا على الوحدة تحاكما إلى دين الله ومنهج الله تحاكما إلى نبي من أنبياء الله ليحكم بينهم بحكم الله ويقضي بينهم بشرع الله لأنهم يعلمون أنه لن يحل مشكلتهم ولن ينهي الخلاف الذي وقع بين وحدتهم وشراكتهم إلا شرع الله سبحانه وتعالى يقول الله جلا وعلا {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59] " إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ " فكان الأولى بنا أن نقتدي بهم ونعتبر بعبرتهم فنحكّم الشرع الرباني في هذه الوحدة، الشرع المطهر الذي لا يجامل أحداً ولا يحابي طرفاً أو فريقاً على حساب الفريق الآخر.
أما إذا ظللنا نلهث وراء الحلول المستوردة والمبادرات الخارجية وأنصاف الحلول فإننا سنظل نعيش في التيه وندور في الفراغ الذي ندور فيه منذ أكثر من عشرين عاماً ولا مخرج لنا إلا بالاحتماء بالشريعة والتحاكم إلى علمائها الربانيين ومهمنا عملنا من حل أو مخرج فسنعود كما كنا مالم نسلم أمرنا وقضيتنا لدين الله وشرعه وإلا فستبقى الأمور هكذا فلا الوحدة تحققت بشكلها الصحيح ولا الانفصال حدث وتم يقول الله تبارك وتعالى: تأملوا هذه الآية {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
الخطبة الثانية
عباد الله: إن الفتنة وقعت والصدامات حدثت والمناوشات تسعرت واتسعت والقضية عظمت ووصلت إلى حد إراقة الدماء والقتل وإن لم يتدارك العقلاء ذلك فيوشك أن تقضي الفتنة على الأخضر واليابس.
يجب علينا أن نصنع حلاً لأنفسنا من أنفسنا وأن نقوم بوضع الحلول لمشكلاتنا من داخلنا ولنعلم أن الحلول الخارجية بل وحتى الرسمية لم تعد تنفع اليوم فالناس وصلوا إلى حد اليأس من الحلول الرسمية فلم تعد الدولة مقبولة ولم تعد الأحزاب مقبولة ولم يعد رأي الوجهاء والكبراء المتأطرين تحت الأطر السياسية مقبولاً وفي الأمة غرباء مخلصين وأناس صادقين أخفياء أنقياء أتقياء هم الذين يجب علينا أن نستمع لرأيهم وننصت لحلولهم.
الناس بعد قيام الثورة اليمنية أملوا فيها آمالاً كبيرة وعقدوا عليها أحلاماً عريضة إلا أن الفترة التي مرت على قيام حكومة الوفاق وحتى اليوم لم يرى الناس في واقعهم تغييراً حقيقياً يلامس حياتهم ويحل مشاكلهم وهمومهم فبقيت همومهم كما هي ومشاكلهم لازالت عالقة كما كانت فالفقر يضرب بأطنابه بينهم والبطالة لا زالت في انتشار وازدياد بين شبابهم والفساد لازالوا يرونه بأعينهم والقضاء يشعرون أنه لم ينصفهم والظلم لازال يدور بين جنبات الدولة وأروقتها والانفلات الأمني ظاهر ومحسوس فكيف لا يثور الناس وقد أصابهم اليأس التام والإحباط المطبق وهم يرون النظام الحالي شبيه جداً بالنظام السابق.
ماذا سيستفيد عامة الناس وعوام الشعب والمواطنين العاديين الذين هم أكثر الشعب من القرارات الرئاسية التي تخص هيكلة الجيش أو الحوار الوطني أو تغيير المسئولين والقادة والتبديل بينهم، الناس يريدون شيئاً حقيقياً يلامسونه بأنفسهم ويشاهدونه في واقعهم يدفع عنهم حالة البؤس والفقر والغلاء والظلم الذي يعايشونه، الناس اليوم أيقنوا أن النظام الحالي ماهو إلا امتداد للنظام الذي سبقه بل أرذل منه لأنه خاضع للوصاية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص ولم يشعروا بفرق حقيقي يجعلهم ينتهون عن إثارة الفوضى والقيام بالمظاهرات والاعتصامات والتحركات وأصيبوا باليأس من الأحزاب وخاصة أحزاب المعارضة التي اندفعت بقوة نحو تأييد الحكومة ودخلت فيها باندفاع شديد ودعت الناس إلى انتخابها والرقص لها بعد أن كانت معارضة لها ثم لم يروا في الواقع شيئاً تحقق للشعب سوى مصالح ومناصب وجدتها هذه الأحزاب وقياداتها.
الناس يريدون النهب أن يتوقف والفساد المستشري أن ينقطع والظلم الواقع في الوظائف والأراضي أن يزول والهيمنة على الثروات النفطية والمعدنية والسمكية التي يملكها أصحاب القوة والنفوذ أن تنتهي والتدهور الاقتصادي والفقر والتهميش المتعمد سواء كان للناس أو للمرافق الحيوية مثل المواني والمطارات في الجنوب أن يتغير والثورة أن ترتبط بالناس لا بالأحزاب، والمظاهر العسكرية والقوات المدججة بالأسلحة الثقيلة أن تنسحب من الشوارع والأسرى والمعتقلين ظلماً أن يفك قيدهم ويطلق سراحهم.
مامعنى أن تصر الدولة على إقامة مناسبة 21 فبراير في عدن؟ ولماذا تجاهلت نصائح الناصحين والمصلحين لهم بتحويلها من عدن إلى مكان آخر وأن لايقيموها داخل عدن ولكن النظام الحالي يبدو أنه كسابقه لا يحب الناصحين فتجاهل النصيحة وأصر على إقامة الفعالية في عدن فماذا كانت النتيجة قتلى وجرحى بالعشرات إن لم يكن بالمئات واعتقالات وتعسفات والسبب كله لأنهم لم يأخذوا بنصيحة العلماء والعقلاء والفضلاء.
أما الناس هنا في المحافظات الجنوبية فيجب عليهم أن يغلبوا مصلحة البلاد والعباد على مصالح قادتهم وفصائلهم وأن يجتمعوا على كلمة سواء تحت ظل الشريعة وحكمها لأن ذلك هو الضمان الحقيقي للعدل وأن ينهوا الصراع والتفرق الداخلي بينهم فإن الله يقول " وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" ولا يلزموا الناس بإغلاق المحلات التجارية والمرافق المدنية التي لا تمت للحكومة بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد ولا يفرضوا عليهم عصياناً مدنياً بالقوة فإن هذا لن يزيد الناس إلا وهناً وضعفاً وفقراً وربما في المستقبل عداء للقضية خاصة إذا طال أمد هذه الاعتصامات وزاد عن حده المعقول.
عليهم أن يحذروا حذراً عظيماً من ربط قضيتهم بأي جهات خارجية سواء كانت جهات غربية أو جهات شرقية رافضية فإن خطر إيران والشرق كخطر أمريكا والغرب تماماً كلهم أعداء لنا ولا يهمهم منا إلا مصالحهم لا مصالحنا، عليهم أن يقاطعوا القات والمخدرات والهزل إذا كانوا يريدون نصراً لقضيتهم ورفعة لبلدهم فلن تنتصر قضية يتعاطى أهلها القات والمخدرات علينا جميعاً أن نتناصح فيما بيننا وأن يبصر بعضنا بعضاً بعيوبنا فنحن نظن أن الإخوة في الشمال لم يفهموا الواقع في الجنوب بعد والإخوة في الجنوب لم يفهموا الناس هناك كما يفهمون هم أنفسهم ومع كل ذلك فحق الأخوة الإسلامية يجب أن يبقى بيننا وأن نسعى إلى تشكيل لجان مصالحة لوقف نزيف الدم وتقريب وجهات والنظر ووضع حد للمصادمات والمواجهات والاستماع لمطالب الناس في الشارع ووضع حل عادل للأزمة بعيداً عن التعنت والتغافل عما يجري حتى لا نصل إلى الاحتراب والاقتتال الحقيقي الذي حذرنا منه ربنا ونهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم يقول الله سبحانه وتعالى " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ الله يحب المقسطين " ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " أيها الناس لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " صلوا وسلموا
لقد قص الله سبحانه وتعالى علينا في القرآن الكريم قصة عجيبة تحتوي على شراكة ووحدة غريبة شراكة فيها ظلم واضح واستحواذ رهيب أريد لهذه الوحدة أن تتم وكادت أن تقع إلا أنه تم استدراك القضية وفشل إبرام الاتفاق على هذه الوحدة.
لقد جاء خصمان إلى نبي الله داود عليه السلام يعرضان عليه قضية شراكة بينهما يقول الله سبحانه وتعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾.
إن هذين الخصمين لم يتأدبا مع نبي الله داود عليه السلام ولم يقوما بالدخول عليه بطريقة شرعية صحيحة ولم يأتوا البيوت من أبوابها وإنما تسورا المحراب الذي كان يتعبد فيه داود عليه السلام ففزع منهم لما جاءوا إليه بهذه الطريقة المخيفة ولكنهم قاموا بتطمينه وقالوا له " لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ".
ماهي قضيتهم وما هي مشكلتهم إن قضيتهم هي شراكة ووحدة أراد أحدهما أن يفرضها فرضاً على أخيه الآخر فقال " إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" يقول إن شريكه له تسع وتسعون نعجة وهو عنده نعجة واحدة فقال له شريكه أكفلنيها أي آتي بنعجتك وضمها إلى نعاجي لتصبح نعاجي مائة نعجة وكاد أن يغلبه ويضحك عليه ويوقعه في فخ هذه الشراكة والوحدة بخطابه البليغ وكلامه المعسول قال " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ".
أنظروا إلى الطمع والجشع والظلم الواضح والاستحواذ المباشر والشراكة الظالمة التي لا تقوم على العدل والمساواة يريد من خصمه أن يعقد معه وحدة تقوم على الظلم والتعدي عندما قال له ضم نعجتك الواحدة إلى نعاجي الكثيرة ولتبقى صفراً بلا شيء وأملك أنا كل شيء وأستحوذ على كل شيء فأبى الخصم هذه الشراكة ورفض هذه الوحدة وشكى به إلى داود وقال له " إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ " وهنا تأملوا ياعباد الله في قوله " إِنَّ هَٰذَا أَخِي " فسماه أخوه مع أنه أراد أن يبغي عليه ويستحوذ على ثروته ويأكل ماله إلا أنه لم ينسى له حق الأخوة الدينية والرابطة العقدية ولم يقم بالتعدي عليه ونهب ممتلكاته وحرق ثرواته فضلاً عن قتله وإرهابه واعترف له بحق الأخوة واعتبره أخوه مع كل ما حصل منه.
فاحكم بيننا يا داود بالحق ولا تشطط عن الحق ولا تجامل فيه ولا تحابي منا أحداً قل الحق سواء كان لي أو علي " فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ" فماذا قال داود عليه السلام قال " قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ " لقد ظلمك عندما طلب أن يضم نعجتك إلى نعاجه ولم ينصفك في هذه الشراكة ولم يحب لغيره ما يحبه لنفسه عندما أراد أن يأخذ نعجتك إلى نعاجه ولكن هذه طبيعة الشركاء والشراكات والوحدة غالباً ما يقع فيها الظلم والتعدي إلا إذا وقعت بين المؤمنين الصادقين وأهل الحق المستقيمين الذين يمشون على هدي الدين ويحتكمون إلى شريعة رب العالمين فهؤلاء لا يقع الظلم بينهم إذا توحدوا وتشاركوا لأن إيمانهم وخوفهم من الله يمنعهم من التعدي على بعضهم البعض " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ".
هنا عرف داود عليه السلام أنه تسرع في الحكم وأنه كان الأولى به أن يستمع إلى الطرف الثاني فإنه لم يسمع منه وإنما حكم بمجرد السماع من الطرف الأول فلعل القضية ليست هكذا ولعل الوحدة لم يردها الخصم على هذا النحو الذي ذكره الطرف الثاني ولعل الأمور من أصلها ليست على حسب ما صوره له هذا الخصم فاستغفر داود ربه وخر راكعاً وأناب وتاب فعاتبه الله على ذلك وقال له " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ " عاتبه الله لأنه سمع القضية من طرف واحد وحكم على ضوء كلامه ولم يسمع من الطرف الآخر.
عباد الله: لقد تأزمت الأزمة على الوحدة في اليمن بين الشمال والجنوب وخاصة في السنوات الأخيرة وفي هذه الأيام بالأخص ووصلت الأمور إلى مدى بعيد وبدأت الأوضاع تخرج عن نطاق السيطرة السياسية والحلول السلمية وحصل ما حصل بين الطرفين المتنازعين الذين لم يسلم كل واحد منهما من ارتكاب أخطاء شنيعة وفعل أفعال كبيرة بدءاً من أساس انعقاد الوحدة نفسها فالوحدة لم تعقد على أساس منهج الله ولم تقم على أصول الشريعة وأحكام الدين وإنما قاما الطرفان بالمزج بين منهجيين كل واحد منهما بعيد كل البعد عن منهج الإسلام فهذا منهج علماني والآخر منهج شيوعي اشتراكي التقيا معاً ليخرجا بوحدة تقوم على أساس ديمقراطي ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) فحصل الشر والانفصام والخلاف والبغي كما قال تعالى " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " ثم لو نظرنا إلى الموقعين على هذه الوحدة لوجدنا أنهم بعيدون كل البعد عمن قال الله فيهم " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " فكان وقوع الخصام وحصول البغي والظلم أمر متوقع أصلاً " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ".
لقد بيّن الله لنا في قصة داود أسساً يجب على كل من أراد أن يعقد وحدة أو شراكة أن يراعيها ويقيم وحدته على أساسها ومن أهم هذه الأسس والقواعد أن تقوم الوحدة على منهج الله وعلى هدي كتاب الله وسنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا استثنى الله الوحدة أو الشراكة التي تقع بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن الوحدة بينهم لا تفشل في الغالب ولا يقع بينهم مايقع بين غيرهم من أهل الشراكات التي لا تقوم على أسس الدين من الخلافات والنزاعات والصراعات التي تنتهي غالباً بالعداوة وفض الوحدة وقطع العلاقة لأن الشريكين عندما لا يقيمان للدين وزناً فإن البغي سيحصل بينهم وكل واحد منهم سيسعى إلى أن يحقق من الوحدة غرضاً دنيئاً ومصلحة خاصة ومطمعاً قبيحاً عن طريق الهيمنة على شريكه الآخر خاصة إذا كانت نيتهم سيئة منذ البداية أو قائمة على التمويه والغدر والتدليس " ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ ".
المهم وقعت الوحدة على هذه الأسس الباطلة وحصل ما حصل وكان الواجب عليهم جميعاً أن يستيقظوا من غفلتهم ويثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا إلى دينهم ليصححوا وضعهم ويعيدوا الأمور إلى مواضعها الصحيحة ولكنهم للأسف عادوا مرة أخرى لارتكاب الخطأ مرة ثانية لم يعودوا إلى شرع الله ولم يتحاكموا إلى منهج الله وإنما تخاصم كل طرف إلى الشرق أو الغرب واستقوى كل فريق على خصمه بمن يظن فيه القوة والقدرة على إنصافه من شريكه وبمن يطمع فيه بأن يحقق له ما يريده منه.
أما الخصمان فإنهما عندما اختلفا على الوحدة تحاكما إلى دين الله ومنهج الله تحاكما إلى نبي من أنبياء الله ليحكم بينهم بحكم الله ويقضي بينهم بشرع الله لأنهم يعلمون أنه لن يحل مشكلتهم ولن ينهي الخلاف الذي وقع بين وحدتهم وشراكتهم إلا شرع الله سبحانه وتعالى يقول الله جلا وعلا {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59] " إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ " فكان الأولى بنا أن نقتدي بهم ونعتبر بعبرتهم فنحكّم الشرع الرباني في هذه الوحدة، الشرع المطهر الذي لا يجامل أحداً ولا يحابي طرفاً أو فريقاً على حساب الفريق الآخر.
أما إذا ظللنا نلهث وراء الحلول المستوردة والمبادرات الخارجية وأنصاف الحلول فإننا سنظل نعيش في التيه وندور في الفراغ الذي ندور فيه منذ أكثر من عشرين عاماً ولا مخرج لنا إلا بالاحتماء بالشريعة والتحاكم إلى علمائها الربانيين ومهمنا عملنا من حل أو مخرج فسنعود كما كنا مالم نسلم أمرنا وقضيتنا لدين الله وشرعه وإلا فستبقى الأمور هكذا فلا الوحدة تحققت بشكلها الصحيح ولا الانفصال حدث وتم يقول الله تبارك وتعالى: تأملوا هذه الآية {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
الخطبة الثانية
عباد الله: إن الفتنة وقعت والصدامات حدثت والمناوشات تسعرت واتسعت والقضية عظمت ووصلت إلى حد إراقة الدماء والقتل وإن لم يتدارك العقلاء ذلك فيوشك أن تقضي الفتنة على الأخضر واليابس.
يجب علينا أن نصنع حلاً لأنفسنا من أنفسنا وأن نقوم بوضع الحلول لمشكلاتنا من داخلنا ولنعلم أن الحلول الخارجية بل وحتى الرسمية لم تعد تنفع اليوم فالناس وصلوا إلى حد اليأس من الحلول الرسمية فلم تعد الدولة مقبولة ولم تعد الأحزاب مقبولة ولم يعد رأي الوجهاء والكبراء المتأطرين تحت الأطر السياسية مقبولاً وفي الأمة غرباء مخلصين وأناس صادقين أخفياء أنقياء أتقياء هم الذين يجب علينا أن نستمع لرأيهم وننصت لحلولهم.
الناس بعد قيام الثورة اليمنية أملوا فيها آمالاً كبيرة وعقدوا عليها أحلاماً عريضة إلا أن الفترة التي مرت على قيام حكومة الوفاق وحتى اليوم لم يرى الناس في واقعهم تغييراً حقيقياً يلامس حياتهم ويحل مشاكلهم وهمومهم فبقيت همومهم كما هي ومشاكلهم لازالت عالقة كما كانت فالفقر يضرب بأطنابه بينهم والبطالة لا زالت في انتشار وازدياد بين شبابهم والفساد لازالوا يرونه بأعينهم والقضاء يشعرون أنه لم ينصفهم والظلم لازال يدور بين جنبات الدولة وأروقتها والانفلات الأمني ظاهر ومحسوس فكيف لا يثور الناس وقد أصابهم اليأس التام والإحباط المطبق وهم يرون النظام الحالي شبيه جداً بالنظام السابق.
ماذا سيستفيد عامة الناس وعوام الشعب والمواطنين العاديين الذين هم أكثر الشعب من القرارات الرئاسية التي تخص هيكلة الجيش أو الحوار الوطني أو تغيير المسئولين والقادة والتبديل بينهم، الناس يريدون شيئاً حقيقياً يلامسونه بأنفسهم ويشاهدونه في واقعهم يدفع عنهم حالة البؤس والفقر والغلاء والظلم الذي يعايشونه، الناس اليوم أيقنوا أن النظام الحالي ماهو إلا امتداد للنظام الذي سبقه بل أرذل منه لأنه خاضع للوصاية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص ولم يشعروا بفرق حقيقي يجعلهم ينتهون عن إثارة الفوضى والقيام بالمظاهرات والاعتصامات والتحركات وأصيبوا باليأس من الأحزاب وخاصة أحزاب المعارضة التي اندفعت بقوة نحو تأييد الحكومة ودخلت فيها باندفاع شديد ودعت الناس إلى انتخابها والرقص لها بعد أن كانت معارضة لها ثم لم يروا في الواقع شيئاً تحقق للشعب سوى مصالح ومناصب وجدتها هذه الأحزاب وقياداتها.
الناس يريدون النهب أن يتوقف والفساد المستشري أن ينقطع والظلم الواقع في الوظائف والأراضي أن يزول والهيمنة على الثروات النفطية والمعدنية والسمكية التي يملكها أصحاب القوة والنفوذ أن تنتهي والتدهور الاقتصادي والفقر والتهميش المتعمد سواء كان للناس أو للمرافق الحيوية مثل المواني والمطارات في الجنوب أن يتغير والثورة أن ترتبط بالناس لا بالأحزاب، والمظاهر العسكرية والقوات المدججة بالأسلحة الثقيلة أن تنسحب من الشوارع والأسرى والمعتقلين ظلماً أن يفك قيدهم ويطلق سراحهم.
مامعنى أن تصر الدولة على إقامة مناسبة 21 فبراير في عدن؟ ولماذا تجاهلت نصائح الناصحين والمصلحين لهم بتحويلها من عدن إلى مكان آخر وأن لايقيموها داخل عدن ولكن النظام الحالي يبدو أنه كسابقه لا يحب الناصحين فتجاهل النصيحة وأصر على إقامة الفعالية في عدن فماذا كانت النتيجة قتلى وجرحى بالعشرات إن لم يكن بالمئات واعتقالات وتعسفات والسبب كله لأنهم لم يأخذوا بنصيحة العلماء والعقلاء والفضلاء.
أما الناس هنا في المحافظات الجنوبية فيجب عليهم أن يغلبوا مصلحة البلاد والعباد على مصالح قادتهم وفصائلهم وأن يجتمعوا على كلمة سواء تحت ظل الشريعة وحكمها لأن ذلك هو الضمان الحقيقي للعدل وأن ينهوا الصراع والتفرق الداخلي بينهم فإن الله يقول " وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" ولا يلزموا الناس بإغلاق المحلات التجارية والمرافق المدنية التي لا تمت للحكومة بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد ولا يفرضوا عليهم عصياناً مدنياً بالقوة فإن هذا لن يزيد الناس إلا وهناً وضعفاً وفقراً وربما في المستقبل عداء للقضية خاصة إذا طال أمد هذه الاعتصامات وزاد عن حده المعقول.
عليهم أن يحذروا حذراً عظيماً من ربط قضيتهم بأي جهات خارجية سواء كانت جهات غربية أو جهات شرقية رافضية فإن خطر إيران والشرق كخطر أمريكا والغرب تماماً كلهم أعداء لنا ولا يهمهم منا إلا مصالحهم لا مصالحنا، عليهم أن يقاطعوا القات والمخدرات والهزل إذا كانوا يريدون نصراً لقضيتهم ورفعة لبلدهم فلن تنتصر قضية يتعاطى أهلها القات والمخدرات علينا جميعاً أن نتناصح فيما بيننا وأن يبصر بعضنا بعضاً بعيوبنا فنحن نظن أن الإخوة في الشمال لم يفهموا الواقع في الجنوب بعد والإخوة في الجنوب لم يفهموا الناس هناك كما يفهمون هم أنفسهم ومع كل ذلك فحق الأخوة الإسلامية يجب أن يبقى بيننا وأن نسعى إلى تشكيل لجان مصالحة لوقف نزيف الدم وتقريب وجهات والنظر ووضع حد للمصادمات والمواجهات والاستماع لمطالب الناس في الشارع ووضع حل عادل للأزمة بعيداً عن التعنت والتغافل عما يجري حتى لا نصل إلى الاحتراب والاقتتال الحقيقي الذي حذرنا منه ربنا ونهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم يقول الله سبحانه وتعالى " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ الله يحب المقسطين " ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " أيها الناس لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " صلوا وسلموا
المرفقات
خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق.doc
خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق.doc
المشاهدات 3658 | التعليقات 2
صحيح جداً ياشيخ فالهدف هو بيان أن الوحدة كلها من أساسها قامت على أسس باطلة وغير شرعية فلا حاجة من الجدال فيها والخصام حولها فما بني على باطل فهو باطل
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
يذكرنا مضمون خطبتك يا شيخ بقوله تعالى: " أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار "
اللهم اجمع قلوبنا على طاعتك وأبداننا على مرضاتك
تعديل التعليق