خصائص الرجولة وسماتها

خصائص الرجولة وسماتها
الحمد لله مُستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهاب المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب، مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة؛ صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، صلاة تشرق إشراق البدور.
عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، وتمسّكوا بما شرع الله لكم من الدين القويم.
واعلموا أن طاعة الله فيها السلامة والنجاة، وفيها الرفعة والعزة؛ وإياكم والمعاصي! فإنها توجب أليم العقاب، ووبيل العذاب.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
أيها الرجال..!
في زمنٍ ظهر فيه أشباه الرجال، ميوعة، وتشبه بالنساء، وفقد للمسؤولية، وتضييع للأمانات..
فكم من أبٍ ضيع أبناءه وكم من شاب ضيع والديه
نتكلم عن الرجال والرجولة، والأمة اليوم بحاجة إلى رجال يحملون الدين، وهمّ الدين، ويسعون جادّين لخدمة دينهم وأوطانهم، شعارهم قوله -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].
اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
الرجولة الحقة رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، وعلو همة، ومروءة وتعاون وشهامة.
ولمكانة الرجال جعل الله لهم القوامة تشريفا وتفضيلا، قَالَ سُبحَانَهُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم} [النساء: 34]، فلأنهم رجال بمعنى الرجولة جعل لهم القِيَامُ عَلَى مَن وَلاَّهُمُ اللهُ أَمرَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ، وَحُسنُ تَوجِيهِهِم وَالاجتِهَادُ في تَربِيَتِهِم.
فكم من ضيع وفرط في الأمانة، فلم يكن رجلا بمعنى الرجولة، ولا يتأهل مثله للقوامة في البيت.
ليست الرجولة هي الذكورة، وليست الرجولة فيمن مَن طَالَ شَارِبُهُ، أَو تَقَدَّمَت سِنُّهُ، أَو بُسِطَ لَهُ في جِسمِهِ وَطالَت قَامَتُهُ، أَو فُتِلَت عَضَلاتُهُ وَقَوِيَت بُنيَتُهُ، ولكنها في الدين المتين، والخلق الرَّصِينِ، والعمل الجاد والتَفكِيرِ الرَّزِينِ.
لقد قال الله عن طائفة من المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4]. ومع هذا فقد ذمهم بالبلادة والجبن: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون: 4]. وجاء في الحديث الصحيح: (يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة)، واقرءوا إن شئتم قول المولى تبارك وتعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف: 105] [رواه البخاري: (4729), ومسلم: (2785). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه .] .
كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلا في أعلى مقامات الرجولة، مع صغر حجمه، فقد انكشفت ساقاه ذات يوم بين الصحابة، فإذا هما دقيقتان هزيلتان فضحك بعض الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد) حسنه الألباني.
عباد الله: لا بد أن نعلم أن هناك فرقاً بين الرجل والذكر، فكل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجلاً، ما أكثر الذكور! لكن الرجال منهم قليل.
ولقد جاءت كلمة "ذكر" في القرآن الكريم غالباً في المواطن الدنيوية التي يجتمع فيها الجميع، مثل الخَلق وتوزيع الإرث وما أشبه ذلك، أما كلمة رجل فتأتي في المواطن الخاصة التي يحبها الله -تعالى-، ولذلك كان رسل الله إلى الناس كلهم رجالاً، قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا) [يوسف:109].
عباد الله: الرجولة هي تحمُّلُ المسؤولية في الذب عن التوحيد، والنصح في الله، والدفاع عن أولياء الله، قال الله -تعالى-: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص:20].
ما الذي جعله يأتي من أقاصي المدينة؟ وما جاء يمشي؛ بل جاء يسعى! لماذا؟ دفاعاً عن الحق، إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.
الرجولة قوةٌ في القول، وصدعٌ بالحق، وحكمة وميزان، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) [غافر:28].
الرجولة صمودٌ أمام الشهوات ، وثبات أمام الشبهات ؛ وحذراً من يوم عصيب يشيب فيه الولدان، وتتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، قال الله -تعالى-: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) [النور:37].
الرجولة: ليست هي تطويل الشوارب ورفع الصوت والصياح، وليست عرضاً للقوة والعضلات والتفاخر والعصبية القبلية المقيتة.
عباد الله: إن الرجال لن يتربوا إلا في ظلال العقائد الراسخة، والفضائل الثابتة، والأخلاق الحسنة؛ الرجال لن يتربوا إلا في ظلال بيوت الله، وبركات القرآن والسنة.
الرجال هم الذين يَصدُقون في عهودهم، ويوفون بوعودهم، ويثبتون على الطريق، قال الله -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].
الرجال هم الذين يعلمون علم اليقين أن حال الجميع لا يمكن تغييره للأفضل إلا بصلاح الأفراد وإيجاد الرجال، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11].
عباد الله: عند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين، عند الفتن نحتاج إلى رجال يثبتون على الحق ويدافعون عن الحق ولا يخافون في الله لومة لائم؛ رجال يدافعون عن دينهم ووطنهم وأمتهم يقول الله -تعالى-: (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة:23]
عباد الله: إن خير ما يقوم عليه المعلمون ، وأفضل ما يعمله الآباء والأمهات صناعة الرجال بحق وصدق!
أيها الإخوة .. كان الشاب قديما وإلى وقت قريب إذا وصل البلوغ صار رجلا يعتمد عليه يتحمل المسؤوليات، ويقوم بالمهمات، أما شباب اليوم فيصل كثير منهم الجامعة ولا يزال يعيش حياة المراهقة، لم يتأهل لمعالي الأمور، فهمومه بين آخر الأجهزة والجوالات، ومتابعة الدوري والمباريات، والجديد في موديلات السيارات، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، فماتت الهمم، وضعفت الرجولة.
أصبحت ترى الشاب تجاوز العشرين لكنه فارغ خائر، لا يتحمل ولا يحسن حتى شراء أغراض المنزل من السوق، فضلا عن مهمات الأمور وكبارها.
لا يتحمل مسؤوليات أهله، ولا يقف سندا مع والديها عالة على أهله ومجتمعه ولا حول ولا قوة الا بالله!
أيها الشباب .. نريدكم رجالا بمعنى الرجولة في الاعتزاز بالدين، والثبات عليه، والجد والجلد في الأمور، وترك الدعة والكسل.
يا معشر الشباب: الرجولة أفعال لا أشكال، مخابرُ لا مناظر، فكم من شيخ في السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويتعلق بالقشور.
وكم من غلام صغير العمر، ولكنك ترى مخايل النجابة والرجولة في قوله وعمله، وفكره وخلقه.
عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، فاستغفروه؛ انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، نحمده -تعالى- ونشكره، ونثني عليه الخير كله.
وأصلي وأسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: ميزان الرجال في شريعة الإسلام ليس المال وليس الجاه وليس المنصب، إنما الأعمال الفاضلة، والأخلاق الحسنة، والإيمان القوي.
مرّ رجلٌ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما تقولون في هذا؟"، قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن يُنْكح، وإن شَفَع أن يُشَفّع، وإن قال أن يُسْتمع له. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: "ما تقولون في هذا؟"، قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن لا يُنْكح، وإن شَفَع أن لا يُشَفّع، وإن قال أن لا يُسْتمع له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا" رواه البخاري.
أيها المسلمون! كيف نربي أطفالنا على سمات الرجولة ؟؟
كيف نصنع الرجال الأفذاء الذين يخدمون دينهم، ويبرون والديهم، وينفعون أهليهم، ويعمرون أوطانهم، ويرفعون أمتهم.
أولا : بكثرة الدعاء لهم وأن نستودعهم الله دائما وأن نحصنهم صباحا ومساء بالله عز وجل ونعلم يقينا أن هدايتهم وصلاحهم بالله وحده جل علاه.
ثانيا: أن نعودهم ونربيهم على الثقة بالنفس ، ونصحبهم إلى مجالس الرجال، ولا نبالغ في العطاء لهم بل نعوّدهم على الاعتماد على أنفسهم، ونقدمهم ، ونشجعهم على إحسان العمل وإتقانه ، ولا نحتقرهم ، ولا نستصغرهم أو نقلل من شأنهم ، بل نظهر لهم احترامنا لآرائهم ونسمع لهم ونناقشهم ،، ولنا في هذه القصة دروس وعبر قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: "لما ولي عمر بن عبد العزيز، قَدِمَ عليه وُفُودُ أهلِ كلِّ بلد ؛ فتقدَّم إليه وَفْدُ أهلِ الحجاز ، فتقدمهم شاب في مقتبل شبابه ، فقال عمر: يا غلام ، ليتكلمْ مَنْ هو أَسَن منك ! فقال الغلام : يا أمير المؤمنين ، إنَّما المرءُ بأَصغريه : قلبهِ ولسانِهِ ، فإذا مَنَح اللَّهُ العبدَ لسانًا لافظًا ، وقلبًا حافظًا؛ فقد استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه..ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا.. فأُعجِب به الأمير فأذن له بالحديث حتى انتهى ثم سأله عن سنه، فإذا هو ابن إحدى عشرة سنة، ثم سأل عن نسبه فإذا هو من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأثنى عليه خيرا ودعا له.
يقول الشافعي رحمه الله '
تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْجَحَافِلُ
وَإِنَّ صَغِيرَ الْقَوْمِ إِنْ كَانَ عَالِمًا كَبِيرٌ إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ الْمَحَافِلُ
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد من تجلت فيه الرجولة، ومن علَّم الرجال، وربّى الرجال.
وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة، والصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وارض عنا معهم بفضلك وجودك يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا رجالا صادقين لا تلهينا تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة.. اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا واغفر ذنوبنا، واجمعنا ووالدينا في جناتك جنات النعيم. اللهم وأصلح أحوال المسلمين، وانج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم اعز الاسلام والمسلمين، ووفق خادم الحرمين وولي عهده لكل خير، وأدم على بلادنا نعمة الأمن والإيمان وعُم بها جميع أوطان المسلمين.
وأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.
 
 
المشاهدات 586 | التعليقات 0