خذَ بِيَدِي نَحْوَ غَدٍ أفضل

محمد البدر
1436/02/19 - 2014/12/11 12:23PM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أما بعد عباد الله :قال تعالى :{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }.
عباد الله:وَصَفَ اللهُ أفرادَ المجتمعِ المسلمِ بقولِه :{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }ووصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم كالجسدِ الواحدِ فقال : « تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » رواه البخاري .
وَحَكَمَ صلى الله عليه وسلم بالخَيْبةِ والخُسْرانِ عَلَى مَن فَقَدُوا الرحمةَ بِبَنِي الإنسانِ فقال: « خَابَ عَبْدٌ وَخَسِرَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ رَحْمَةً لِلْبَشَرِ »حسنه الألباني .
إن علينا – ياعباد الله - أن نستحضر أن لنا إخوة في الله ،قد زلت بهم القدم وأغواهم الشيطان فوقعوا فيما وقعوا فيه من الجرائم ،وهاهم الآن يواجهون عاقبة سوء صنيعهم ،والواجب علينا أن نحفظ لهم حق الأخوة الإيمانية والتراحم بيننا يجب أن يكون قائماً .
واعلموا - يا عباد الله -أنَّ الرحمة والرفق ورِعايةَ نُزلاءِ السجون والإصلاحيات واجبٌ دينيٌّ واجتماعيٌّ ،والرحمةُ تَقْتَضِينَا أنْ نأخذَ بِيَدِ هؤلاء نَحْوَ غَدٍ أفضل، وذلكَ بِتذليلِ الصِّعابِ، وتوفيرِ احتياجاتِهم ، ومَدِّ جُسُورِ التَّفَاهُمِ والتَّوَاصُلِ، وتعزيزِ أَوَاصِرِ الأُخُوَّةِ والتَّرَاحُمِ، ومُوَاساتِهم بالكلمةِ الطَّيِّبَة، والنَّظْرَةِ الحانِية، وتشجِيعهم على الخروجِ مِن مِحْنَتِهم حتَّى لا تَزِلَّ قَدَمٌ بعدَ ثُبوتِها .
يقول صلى الله عليه وسلم : « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »متفقٌ عليه.
عباد الله :هؤلاء الذين دخلوا السجون تتفاوت أعمالهم فليس كل من دخل السجن مجرم خطير ، فالبعض عليه دين لا يستطيع الوفاء به ومنهم من أخطأ وعوقب بقدر الخطأ وكذلك أصحاب الجرائم والسرقات قد يحكم علي بعضهم بالقتل للقاتل أو قطع يد السارق أو السجن للتأديب والردع ثم يخرج بعد قضاء المدة ، لذلك لابد من تغيير نظرة المجتمع للسجين بعد خروجه للمجتمع فبعض السجناء بعد تلك المدة التي قضاها يراجع نفسه ويشعر بالذنب وقد يتوب توبة نصوح ، والتوبةُ تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والندمُ توبة، ومن يعمل سوءً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ،فيخرج وهو يريد من يشجعه لأن يكون شخصاً إيجابياً ويشارك في بناء مجتمعه ولكن للأسف الشديد هناك من ينظر للسجين بعد خروجه بأنه مجرم وتظل الصورة السلبية رهين تفكيره فيصبح السجين مقيدا بنظرة من حوله مما يساعد على إنتكاس السجين لسابق عهده والعِيَاذُ بالله .
واحذروا - عِبَادَ اللهِ - مِنْ نَبْذِ أو إِهمالِ أُسَرِ النُّزَلاءِ مِنْ أَجْلِ ما ارتكبَه النُّزَلاءِ فأبنائهم وأسرهم ليس لهم ذنب فلماذا نحملهم ما لا يطيقون ، لأنَّ المسؤوليةَ في الإسلامِ فردية ، والعُقوبةَ شخصية ، ولا يَتحمَّلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ ، فقد قال تعالى { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
سئل سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ :
أبناء السجناء يعانون من فقدان عائلهم وراعيهم خلال قضاء فترة طويلة في السجن ألا يرى سماحتكم أن هؤلاء الأبناء في منزلة الأيتام فهم بذلك في أمس الحاجة للعون والمساعدة؟
هؤلاء الأولاد قد يكونون في حالتهم هذه اشد من الأيتام ،لأن اليتيم معلوم عند الناس أن أباه قد مات فيعطفون عليه ويصلونه وأما هؤلاء فقد تكون النظرة إليهم نظرة احتقار وازدراء ونظرة عتاب، وقد لا يُنتبه لحالهم ويهملون ، وهذا خطر عظيم ،فإن الأولاد لا يتحملون أخطاء آبائهم ولا يجوز تحميلهم إياها ولا احتقارهم وإنما الواجب النظر إليهم بعين الرحمة ومواساتهم وتصبيرهم على مصائبهم وتشجيعهم للخروج من محنتهم وتحذيرهم من العزلة ومحاولة خلطهم بالمجتمع الصالح الذي يستفيدون منه في دينهم ودنياهم ، وتفقد احتياجاتهم وتأمينها لهم، وإن كانوا فقراء فيعطون من الزكاة ،وكذلك تفقدهم في المدارس ومتابعتهم حتى لا تزل بهم القدم والعياذ بالله فيما لا تحمد عقباه.
فلْنتعاونْ مع المؤسساتِ العقابيةِ والإصلاحيةِ في سبيلِ تأهيلِ وإصلاحِ النُّـزَلاءِ والأَخْذِ بأيدِيهم نَحْوَ غَدٍ أَفضل ، ولْنَكُنْ مَفاتيحَ للخيرِ مَغاليقَ للشر ، ولْنَرْحَمْ أَهْلَ البَلاءِ، ولْنَحْمَدِ اللهَ علَى العافيةِ.
هذَا وصلُّوا وسلِّمُوا ...
[/align]
المشاهدات 2127 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا