خذوا زينتكم خطبة موافقة لتوجيهات معالي الوزير حفظه الله
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
1445/10/22 - 2024/05/01 20:40PM
خذوا زينتكم خُطْبَةَ اَلْجُمْعَةِ موافقة لتوجيه معالي الوزير-وفقه الله-. اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى: الحمد لله، تفرّد عزّاً وكمالاً، واختصّ بهاءً وجمالاً وجلالاً، نحمده سبحانه ونشكره، تقدّس وتنزّه وتبارك وتعالى، ونسأله جلّ في علاه صلاحَ الشّأن كلّه حالاً ومآلاً. ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، أمرنا بعبادته وطاعته غدوّاً وآصالاً، وحذّرنا مغبّةَ التفريط لهواً وإغفالاً، ونشهد أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمّداً عبد الله ورسوله أزكى الورَى خِصالاً، وأسنَى البريّة خِلالاً، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين بلغوا من السّؤدَد ذُراه، وتفيئوا من المجد ظلالاً، والتّابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليماً كثيراً. أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). معاشر المسلمين: لقد فطرَ الله تعالى النفوسَ على الإحساس بالجمال وحبِّه والميل إليه، وحبِّ الزينة والتجمُّل والأُنس بها، والتعلُّق بكل ما لطَفَ وأبهجَ من الألوان المتناسبة، والمناظر المتناسقة، زينةٌ وتجمُّلٌ في النفوس، وزينةٌ وتجمُّلٌ من أجل الآخرين. عباد الله: الإسلام دين الفطرة، موافق للطبائع الإنسانية، والغرائز البشرية السوية، وإن من الفطرة حب الجمال والتزين، والحرص على النظافة والتطهر، فالإنسان جسمٌ وروحٌ؛ جسمٌ حيٌّ يأكل ويشرب، ويعمل ويكدَح، وينام ويتعب، وروحٌ تتذوَّق المعاني والجمال، والزينةَ والبهجة… الجمال والزينة تستهوِي النفوس، وتقَرُّ بها الأعيُن، وتلذُّ بها الأذواق، وقد جعل الله تعالى في الجمال والزينة الرضا والسعادة والبهجة، والجميل هو الذي يفيضُ حيويَّةً، ويتلألأ بهجةً حيثما حلَّ، ومن مُنِح الاستمتاعَ بالجمال مُنِح السماحة والابتسامة، والهدوء والنظام، والإبداع والتفكير، حتى قالوا:(كلما رُزِق العبدُ نُبلاً ورفعةً ازدادَ جمالُه، وازدادَ إحساسُه بالجمال، وتمتُّعُه بالزينة). أيها المؤمنون: حبُّ الجمال والزينة مغروسٌ في الفِطَر، وقد اجتمع على ذلك الطبعُ والشرعُ، والجمالُ والزينة مقصدٌ من مقاصِد الشرع يمتنُّ بها اللهُ جل جلالُه على عباده. أيها المسلمون! تأملوا هذا الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) فقال رجل :إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة ؟ قال: ( إن الله جميل يحب الجمال). يقول بعض العلماء: إن الله جميلٌ أي: له الجمال المُطلق، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال. وامتنَّ بكل جميلٍ، وحثَّ على النظر في كل جميل؛ فالعينُ تُدرِك المنظر الجميل، والأُذُن تسمعُ الصوتَ الجميل، والأنف يُدرِك الرائحةَ الطيبة واليدُ تتحسَّسُ الملمسَ الناعم، واللسان يذوقُ الطعمَ اللذيذ، ناهِيكم بما يستثيرُ الإنسان من وِجدان ومشاعِر ومباهِج. ويدخلُ في هذا الحديث بطريق العُموم الجمالُ في كل شيء. أحبتي في الله :لقد اهتم نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم بالجمال والزينة قولاً وفعلاً وتوجيهاً، فهذا ما امتلأت به سيرتُه، ودلَّ عليه كتابُ الله وسُنَّةُ المُصطفى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقد أمرَه ربُّه في أوائل ما تنزَّل عليه: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) فامتثلَ لأمر ربِّه، فكان على أكمل الصفات خَلقاً وخُلُقاً؛ اجتمع فيه جمال المظهر والجوهر صلى الله عليه وسلم. أيها الإخوة: يقول الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف:31]؛ قال السعدي: "أي: استروا عوراتكم عند الصلاة ِكلِها، فرضِها ونفلِها، فإن سترها زينةٌ للبدنِ، كما أن كشفَها يدعُ البدنَ قبيحاً مشوهاً.. ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباسِ النظيف الحسن، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة، وباستعمال التجميل فيها ونظافةِ السُترةِ من الأدناسِ والأنجاسِ". وقال ابن كثير: "وَلِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ السُّنَّةِ، يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلَاةِ.. وَالطِّيبُ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَالسِّوَاكُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ" عباد الله! إن من المظاهر المؤسفة عند بعضنا تساهله في لبسه عند حضوره للمسجد؛ فهوا يعتني بمظهره ورائحته عندما يذهب إلى مدرسته أو جامعته أو عمله أو مناسباته. ولكن عندما يذهب ليقابل ربه عز وجل في بيته يتساهل ولا يهتم بل لربما صلّى بقميص النوم أو بالسروال القصير الذي لا يستر حتى عورته! فتبطل صلاته بذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله! عباد الله! يقول عز وجل ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب( وإن الصلاة لهي من أعظم شعائر الله؛ بل لا يكون المرء مسلما إلا بها! وإن من تعظيمها الاستعداد النفسي والبدني لها؛ ومن ذلك أن يكون المرء نظيفا في بدنه؛ جميلا في لبسه؛ زكيا في رائحته. لاسيما مع ما نعيشه من توافر للنعم ولله الحمد. فالماء وأدوات النظافة ميسرة والملابس الطيبة كثيرة وموفرة والعطور والبخور في متناول الجميع. فاحمدوا الله على هذه النعم! واشكروها باستعمالها والاستفادة منها! فإن الله يجب أن يرى أثر نعمته على عبده. ثم إن الصلاة لمجرد دقائق قليلة فمن الذي يمنعنا أن نأتيها بأفضل حلة وأحسن مظهر أوليس لقاء الله والتواجد في بيت الله ومجالسة الملائكة الكرام فيه يستحق منا ذلك!؟ بلى والله! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله الجميل الذي يحب الجمال، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أكمل الناس خلقاً وخلقاً وأجملهم قولاً وعملاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. أما بعد: فيا أيها الأخوة والأخوات في الله: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ كما أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي) أي كما جعلت يا اللَّه خلقي مستقيماً معتدلاً في غاية الإحسان والإتقان، أسألك أن تُحسّن أخلاقي فتكون في غاية الحسن والكمال كهيئة خَلْقي.. وكان عليه الصلاة والسلام يرسل بذلك رسالةً إلى أمَّته أنَّ العناية بالباطن – ومن ذلك القلب والأخلاق – أمرٌ هو من صلب دينِنا وشرْعِنا، ومقصد هامٌّ من مقاصد الشَّريعة الغرَّاء، وأنَّ من يعتني بمظْهره الخارجي فقط، ويدَع الأمراض المعنويَّة والنفسيَّة تفعل فعلَها في داخله، هُو إنسان غافل لا يدرك أين الخير، ولا يعرف حيثُ مصلحته فيبادر إلى تحصيلها. عباد الله! وكما أنه يستحب أن يكون المسلم في هيئة جميلة في لبسه ورائحته عند حضوره للمسجد؛ فكذلك يُكره له أن يحضر بهيئة لا تليق بمقام بيت من بيوت الله! كمن يحضر ورائحته نَتِنَهٌ كأن يكون أكل ثومًا أو بصلًا أو كان يدخن قبل أن يحضر نسأل الله العافية ورائحة التدخين أشد إيذاءً؛ قَالَ النَّبيُّ ﷺ : "مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّوم وَالْكُرَّاث فَلا يَقْرَبَنَّ مسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدمَ." رواه مسلم. ومما ينبغي التنبيه عليه أن أخذ الزينة عند الحضور للمسجد مرتبط بعرف الناس؛ فزينة أهل الخليج مثلا تختلف عن زينة أهل مصر وهكذا فكل يأخذ أفضل الزينة في بلده وعرفه ويحضر بها إلى المسجد. عباد الله! وبمناسبة ذكر اللباس فإني أحذر نفسي وإياكم مما وقع التساهل فيه عند كثير من الناس للأسف وهو ما يتعلق بإسبال الثياب. فقد روى البخاري في صحيحه عن النبي ﷺ أنه قال:" ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار". فيا عبد الله اتقي الله في ثوبك ثم والله تقصيره ووضعه حده قبل الكعب أو منتصف الكعب لن يغير من شكلك شيئا بل يزيدك رفعة وأجرا بأن كنت قد امتثلت لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد عد العلماء إسبال الثياب من كبائر الذنوب لاسيما إذا صحب ذلك كبر وغرور؛ نسأل الله العظيم العافية والسلامة. عباد الله! وإن من الأخطاء الملحوظة في اللبس، المبالغة المذمومة؛ حتى صار البعض أكبر همه ماذا يلبس وكيف يلبس ومتى بلبس ولا شك أن المرء قد خلق لما هو أعظم من ذلك بكثير! وإن من الأخطاء كذلك تشبه بعض الرجال بالنساء في لبسهم وذلك نتيجة الإسراف في التزين والتجمل وقد لعن صلى الله عليه وسلم المتشبهين بالنساء من الرجال. وإن من الأخطاء كذلك ترك الزينة والتجمل ظنا بأن ذلك من الزهد المطلوب من المسلم في هذه الدنيا! وهذا ظن خاطئ بل المرء مطلوب منه أن يتزين ويتجمل دون إسراف ولا مبالغة؛ ولا يأثر ذلك في زهده في الدنيا فإن الزهد ترك التعلق بالدنيا التي سنرحل ونتركها وذلك أمر قلبي؛ وأثره الايجابي يظهر بترك المبالغات المذمومة والمقارنات المهلكة. عباد الله! إن من أكبر الأخطاء التي قد تكون عند أحدنا أن يتسلل إلى قلبه الغرور والعجب والكبر بسبب لبسه أحسن الثياب وأطيب الملابس وأجمل الأحذية وذلك والله من جهله فإن العبد الصادق الموفق إذا أنعم الله عليه زاد تواضعا وشكر نعمة الله عليه ولم يتكبر ويغتر بها! والحذر ثم الحذر من ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ؟ قالوا: بَلَى، قالَ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ)) رواه مسلم ؛ وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، قال المفسرون: أي: لا تُمِل خدَّك مُعرِضًا ومتكبِّرًا، والمرح: الخُيلاء والفخر. اللهم وفقنا لأجمل الأخلاق ويسر لنا أن نحضر إلى المساجد متزينين بأجمل اللباس وأطيب الروائح واجعل ذلك نرجو به رضاك لا رياءً ولا سمعةً برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا ، وولي عهده، لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم أعنهم وقوهم وسددهم وأجري خيرا كثيرا على أيديهم. اللهم اغفر لوالدينا واجزهم عنا كل خير اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم احقن دمائهم، وألف بين قلوبهم، وولي عليهم خيارهم. اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين وأخرج اليهود منه أذلة صاغرين. اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.. الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).