ختامُ عامٍ-29-12-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد محمد
ختامُ عامٍ-29-12-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
قَدْ يَسألُ سَائلٌ: هَلْ في آخرِ العَامِ أَحكَامٌ خَاصةٌ وعِباداتٌ؟ فَنَقولُ: لَيسَ لِنِهايةِ السَّنَّةِ عِباداتٌ، ولَكِنْ فِيهَا ذِكرى وعِظاتٌ، فِيمَا نَراهُ مِن عَجيبِ أقدارِ ربِّ العالمينَ، في أَحداثِ الأيامِ والشُّهورِ والسِّنينَ، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، يَغفرُ ذَنبًا، ويُفرِّجُ كَرْبًا، ويَكشفُ غَمًّا، ويَنصرُ مَظلومًا، ويَأَخذُ ظَالـمًا، ويَفُكُّ عَانيًا، ويُغني فَقيرًا، ويَجبُر كَسيرًا، ويَشفي مَريضًا، ويُقيلُ عَثرةً، ويَسترُ عَورةً، ويُعزُّ ذَليلًا، ويُذلُّ عَزيزًا، ويُعطي سَائلًا، ويَذهبُ بِدَولةٍ، ويَأتي بِأُخرى، ويُداولُ الأيّامَ بينَ الناسِ، يَرفعُ أَقوامًا، ويَضعُ آخرينَ.
كَم وَدَّعنا مِن مَفقودٍ، وكَم استَقبلنا مِن مَولودٍ، زَلازِلُ لا يَستَطيعونَ لها مَنعًا، وفَياضاناتٌ لا يَقدِرونَ لَها رَدعًا، أوبئةٌ حارَ فيها العُلماءُ، وحُروبٌ لا يَعلمُ خَطَرها إلا العُقلاءُ، وهكذا يَسوقُ ربُّنا المقاديرَ، فَلا يَتقدَّمُ شَيءٌ منها عَن وَقتِهِ ولا يَتأخَّرُ، كُلٌّ مِنها قَد أَحصاهَا كِتابُه، وجَرى بِهَا قَلمُه، ونَفذَ فيهَا حُكمُه، وسَبقَ بِهَا عِلمُه، عِندَها يُدْرِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ-سُبْحَانَهُ-، وَإِحَاطَتِهِ بِخَلْقِهِ، فَهو المُتصرِّفُ في المَمَالكِ كلِّها وَحدَه لا شَريكَ لَهُ، تَصرُّفَ مَلِكٍ عَادلٍ قَادرٍ، رَحيمٍ حليمٍ قَاهرٍ، لا يُنازعُهُ في مُلكِه مُنازعٌ، ولا يُعَارضُه فيه مُعارضٌ، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
نَتَذكَّرُ في آخرِ العامِ ونَحنُ نَرى شِدةَ الحِسابِ في الشَّرِكاتِ، وصَرامةَ تَدقيقِ التَّقاريرِ المَاليةِ والكُشوفاتِ، نَتَذّكَّرُ الحِسابَ الدَّقيقَ بين يديِ اللهِ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، ونَتذَكَّرُ ذَلكَ الكِتابَ الذي أحصى كُلَّ شيءٍ، ولَم يُغادرْ أيَّ شَيءٍ، (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).
فَحَاسِبْ نَفسَكَ اليومَ في زَمَنِ التَّرفِ والمُلهياتِ، وانتَبِه مِن التَّوسُعِ في المَلَذاتِ والشَّهواتِ، وقُلْ لِنَفسِكَ مَا قَالَه اللهُ-تعالى-لنبيِّهِ محمدٍ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زُهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ-رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "إِنِّي خَلَّفْتُ زِيَادَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ-رَحِمَهُ اللهُ تعالى-وَهُوَ يُخَاصِمُ نَفْسَهُ فِي الْمَسْجِدِ، يَقُولُ: اجْلِسي، أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟ أَتَخْرُجِينَ إِلَى أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ؟ انْظُرِي إِلَى مَا فِيهِ، تُرِيدِينَ أَنْ تُبْصِرِي دَارَ فُلَانٍ، وَدَارَ فُلَانٍ، مَا لَكِ مِنَ الطَّعَامِ يَا نَفْسُ إِلَّا هَذَا الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَمَا لَكِ مِنَ الثِّيَابِ إِلَّا هَذَانِ الثَّوْبَانُ، وَمَا لَكِ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا هَذِهِ الْعَجُوزُ، أَفَتُحِبِّينَ أَنْ تَمُوتِي؟ ويُجِيبُ عَنْ نَفْسِهِ فَيَقولُ: أَنَا أَصْبِرُ عَلَى هَذَا الْعَيْشِ".
ألَيْسَ مِنَ الخُسْرَانِ أن لَيَالِيَا*
تَمُرُّ بِلَا نَفْعٍ وتُحْسَبُ مِنْ عُمُرِي
ونَتَذكَّرُ في آخرِ العامِ ونَحنُ نرى تَقييمَ الموظفينَ السَّنويَّ، فَمنهُم الفَائزُ والخَاسرُ، ومِنهُم الرَّاضي والسَّاخطُ، كَيفَ يتَفاوتُ النَّاسُ يومَ القِيامةِ، (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ*فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ*خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَاّ مَا شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ*وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَاّ مَا شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)، وأنَّ الفَوزَ الحقيقيَّ عِندما تَنجو يومَ القيامةِ، فَتكونُ مِنْ أصحَابِ الجنةِ، (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَاّ مَتاعُ الْغُرُورِ)، إنَّهُ واللهِ الفَوزُ الذي لا خَسارةَ بَعدَه.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فنَتَذكَّرُ في آخرِ العامِ ونَحنُ نرى تَصفيَّةَ التُّجارِ للبَضائعِ القَديمةِ، تَصفيةَ القُلوبِ مِن الشَّحناءِ والخِلافاتِ الأثيمةِ، فلا صَلاةَ تُرفعُ، ولا عِبادةَ تَنفعُ، ولا دُعاءَ يُسمعُ، يَقولُ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَاّ رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا-أَخِّروا-هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، فَكُنْ خَيرَهما الذي يَبدأُ بالسَّلامِ، وكُنْ سَليمَ القَلبِ عَلى أهلِ الإسلامِ، لَتَنجوَ يَومَ تُبلى السَّرائرُ، وَمَا لَكَ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ*إِلَاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
نَتَذكَّرُ ونَحنُ في نِهايةِ كُلِّ عَامٍ من الأعوامِ، نِهايةَ الدُّنيا وكأنَّها حُلُمٌ مِن الأحلامِ، يَومَ نَستيقِظُ مِن رَقدَتِنا ونَحنُ غَافِلونَ، فَنَقولُ: هَذا ما وَعَدَ الرَّحمنُ وصَدَقَ المُرسلونَ، قَالَ مَيْمُونُ بنُ مِهرانَ للحَسَنِ البَصريِّ-رَحِمَهُمَا اللهُ تعالى-: "يَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ آنَسْتُ مِنْ قَلْبِي غِلْظَةً فَاسْتَلِنْ لِي مِنْهُ، فَقَرَأَ الْحَسَنُ: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ*ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ*مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)، فَسَقَطَ مَيمونٌ يَفْحَصُ بِرِجْلِهِ كَمَا تَفْحَصُ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ، فَأَقَامَ طَوِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَخَذَهُ وَلَدَهُ بِيَدِهِ فَخَرَجَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَتَاهُ، هَذَا الْحَسَنُ؟ قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا، فَوَكَزَهُ فِي صَدْرِهِ وَكْزَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ قَرَأَ عَلَيْنَا آيَةً لَوْ فَهِمْتَهَا بِقَلْبِكَ لَأَبْقَى لَهَا فِيكَ كُلُومٌ، أَيْ: جُروحٌ".
فَأجملْ بنا أنْ نُبادِرَ إلى اللهِ-تَعالى-ولِسانُ حَالِنا: (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)، عسى أن يُقالَ لِنا: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.
اللَّهُمَّ اغفرْ لنا وللمسلمينَ، وارحمْنا وارزقْنا وإياهُم.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1720068523_ختامُ عامٍ-29-12-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1720068523_ختامُ عامٍ-29-12-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf