ختام رمضان-26-9-1445هـ-مستفادة من خطبتي الشيخين محمد الشرافي ومنصور الصقعوب
محمد محمد
ختام رمضان-26-9-1445هـ-مستفادة من خطبتي الشيخين محمد الشرافي ومنصور الصقعوب
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
تـَمُرُّ الأيامُ، وتـَمْضي الشهورُ، وتُطوى الأوقاتُ بسرعةٍ مُذْهِلَةٍ؛ نستقبلُ وجهَ الصباحِ فإذا بنا في المساءِ، ونُحَيِّي مطلعَ الشهرِ فإذا بنا في آخرِه.
اليومَ آخرُ جمعةٍ من رمضانَ، نودعُ شهرًا سيعودُ، لكنّ منا منْ سيموتُ قبلَ أن يدركَه.
فهنيئًا لمن أحسنَ فيه، وأما منَ قَصَّرَ فيه ففيه بقيةٌ، والأعمالُ بالخواتيمِ، وأشرفُ كُلِّ زمانٍ فاضلٍ آخرُه.
أيها المباركُ: حينَ ترى اللهَ وَفَقَك للخيرِ، وبَلَّغَك آخرَ الشهرِ فاحمدِ اللهَ-سبحانه-أن وَفَقَك، ودلَّكَ على الخيرِ، فما عَمِلْتَ إلا بتوفيقِهِ، فالمنةُ والفضلُ للهِ لا لَكَ، فلولا اللهُ ما اهتديتَ، ولا صُمْتَ ولا صَليتَ، (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا)، (بلِ اللهُ يـَمُنُّ عليكم أنْ هداكم للإيمانِ).
والأعمالُ ليستْ بِكثرتـِها ولا بِصُوَرِها، بل بقبولِ اللهِ لـَها، فلا تَـمَلَّ أنْ تسألَ اللهَ-جلَّ وعلا-أن يقبلَ عملَك الصالحَ، ولا يَكِلَك إلى نفسِكَ، والـمُوفقُ من يعبدُ اللهَ وهو خائفٌ مشفقٌ أن تُرَدَّ أعمالُه، ولا يُلتَفتُ لِقُرُباتِهِ، (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبـُهُمْ وَجِلَةٌ أَنـَّهُمْ إِلَى رَبـِّهِمْ رَاجِعُونَ*أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).
قالَ عليُ بنُ أبي طالبٍ-رضيَ اللهُ عنه-: "كونوا لقبولِ العملِ أشدَّ اهتمامًا منكم بالعملِ، ألـَمْ تَسْمَعُوا إلى قولِ اللهِ-عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)".
وأهلُ الجنةِ كانوا خائفينَ مشفقينَ من ردِ أعمالِـهم وعَدَمِ قبولِـها، (قالوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ*فمَنَّ اللهُ علينا ووقانا عذابَ السمومِ).
ومع هذا-يا مباركُ-فالمؤمنُ يـُحْسِنُ الظنَ بربِهِ، واللهُ عندَ ظنِّ عبدِهِ بهِ، فيا من رَفَعْتَ الأَكُفَّ بالدعواتِ، أحسنِ الظنَّ باللهِ أنه سيجيبُها، أو يَصْرِفُ عنك من السُوءِ مثلَها، أو يدَّخِرُها لك في الآخرةِ.
يا منْ صُمْتَ نـَهارَك، وقُمْتَ ليلَك، واتَّقَيْتَ ربَّك، أحسنِ الظنَّ باللهِ أنه يقبلُ طاعاتِك، واسألْهُ أنْ يتقبلَ منك، فـ (إنَّـما يتقبلُ اللهُ من الـمُتقينَ).
وليُعلمْ أنه يُشْرَعُ لَنَا فِي خِتَامِ شَهْرِنَا ثَلاثَةُ أُمُورٍ: هِيَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَالتَّكْبِيرُ، وَصَلَاةُ الْعِيدِ.
فَأَمَّا الأولُ وهو زكَاةُ الْفِطْرِ: فَهِيَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ.
وَتَجِبُ بِغُرُوبِ شَـمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيبدأُ وقتُ إِخْرَاجِها، وَالأَفْضَلُ أَنْ تُخْرَجَ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعِيدِ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَلا يَجُوزُ تَقْدِيـمُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلا تَأْخِيرُهَا إِلَى مَا بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ.
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ: فَهِيَ التَّعَبُّدُ للهِ، وَالاتِّبَاعُ لِلنَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-، وَطُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ-المعاصي والسيئاتِ-، وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَدٌّ لِجُوْعِهم.
وَأَمَّا مِقْدَارُهَا، وَمِنْ أَيِّ الأَشْيَاءِ تُخْرَجْ؟ فَيُبَيِّنُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-حَيْثُ قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ".
وَعَلَى هَذَا فَتُخْرَجُ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ الذِي يَأْكُلُونَهُ عَادَةً، وَالْغَالِبُ-عِنْدَنَا-أَنَّ النَّاسَ يَأْكُلُونَ الرُزَّ، فَيُخْرَجُ صَاعٌ مِنَ الرُزِّ الوسطِ الجيدِ عَنْ كُلِّ شَخْصٍ، يُخرجَ الـمُزَكِّي عن كلِّ فردٍ من أفرادِ أسرتِه صاعًا-أربعةَ أمدادٍ: أربعَ حفناتٍ بيديه-وهو أسهلُ وأيسرُ.
وعلى رأيِ من يرى جوازَ إخراجِها نقدًا فلو زادَ مبلغًا ماليًا عنْ كلِّ فردٍ من أفرادِ أسرتِه، من عشرينَ إلى ثلاثينَ ريالًا لكانَ حَسَنًا؛ فيجمعُ بينَ الرَأْيَيْنِ: إخراجِها طعامًا، وإخراجِها مالًا، ويعينُ الفقيرَ مرتينِ.
ثَانِيًا: مِـمَّا يُشْرَعَ لَنَا فِي آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ: التَّكْبِيرُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد، قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وَالْمَقْصُودُ مِنَه تعظيمُ اللهِ وتـمجيدُه عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَيَسَّرَه مِنْ إِكْمَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهَذَا التَّكْبِيرُ مُطْلَقٌ في كلِّ وقتٍ، وَلَيْسَ مُقَيَّدًا بِالصَّلَوَاتِ، ووَقْتُهُ مِنْ غُرُوبِ شَـمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى صَلاةِ الْعِيدِ، وَلا يُشْرَعُ بَعْدَهَا.
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ ثَالِثَ مَا يُشْرَعُ لَنَا فِي نِهَايَةِ الشَّهْرِ: صَلاةُ العِيدِ، وَهِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ، يَخْرُجُ الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ، مُكَبِّرِينَ مُهَلِّلِينَ تَعَبُّدًا للهِ، وَاتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-.
وصَلاةِ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ عَلَى كلِّ رجلٍ قادرٍ من الرِّجَالِ، وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، قالت أُمِّ عَطِيَّةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيِّضَ فِي الْعِيدَيْنِ، يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيِّضُ اَلْمُصَلَّى"، وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ وَلَا مُتَزَيِّنَةٍ.
وَمِنْ سُنَنِ عِيدِ الفطرِ: أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ خُرُوجِهِ تـَمْرَاتٍ أَفْرَادًا: ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، فقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-لاَ يَخرجُ لصلاةِ عيدِ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تـَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرَادًا.
وَمِنْ سُنَنِه: أَنْ يَلْبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابَهُ، وَأَنْ يَتَنَظَّفَ ولو اغتسلَ فهو أحسنُ، وَيَتَطَيَّبَ، وَأَنْ يُخَالِفَ الطَّرِيقَ فَيَذْهَبَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ آخَرَ.
وأولًا وأخيرًا، ودائمًا وأبدًا يجبُ أَنْ يُحَافِظَ الْمُسْلِمُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ على التَّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ، فَإِنـَّها مِـمَّا يُـحِبُّهُ اللهُ وَأَمَرَ بِه، قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وقَالَ اللهُ-تَعَالَى-الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُـخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ".
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بالاستغفارِ بعد الانتهاءِ من العبادةِ، فقالَ: (ثم أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وكانَ النبيُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِذَا انْتَهَى مِنْ صَلَاةِ الفَرِيْضَةِ اسْتَغْفَرَ اللهَ ثلاثَ مراتٍ، ويفرحُ اللهُ بتوبةِ عبدِه، واللهُ الغنيُ عنْ كلِّ شيءٍ.
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1712228333_ختام رمضان-26-9-1445هـ-مستفادة من خطبتي الشيخين محمد الشرافي ومنصور الصقعوب.docx
1712228334_ختام رمضان-26-9-1445هـ-مستفادة من خطبتي الشيخين محمد الشرافي ومنصور الصقعوب.pdf