ختام العشر بالدعاء والاعتكاف وزكاة الفطر-23-9-1436هـ-عدة شيوخ-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1436/09/22 - 2015/07/09 23:15PM
[align=justify]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-أما بعد:
فيا أيها الإخوة، هذه أيامُ شهرِ رمضانَ ولياليه تتناقصُ، شاهدةً بما عُملَ فيها، وحافظةً لما أُودعَ، هي للأعمالِ خزائنُ محصنةٌ، ومستودعاتٌ محفوظةٌ، يُدعى بها كلُّ فردٍ يومَ القيامةِ: [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ]، ينادي ربُنا: "يا عبادي: إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوَفيكم إياها، فمنْ وجدَ خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يَلومنَّ إلا نفسَه".
هذا هو شهرُ رمضانَ، وهذه هي نهاياتُه، كم من مستقبِلٍ له لم يستكملْه!! وكم من مؤمِّل بعودٍ إليه لم يدركْه!!
أيها الإخوة: إنْ كانَ في النفوسِ زاجرٌ، و في القلوبِ واعظٌ، فقد بقيت من أيامه بقيةٌ، إنها عَشْرُهُ الأخيرةُ، بقيةٌ كان يحتفي بها نبيُنا محمدٌ-صلى الله عليه وآله وسلم-أيَّما احتفاءٍ، في العشرينِ قبلَها كان يَخلِطُها بصلاةٍ ونومٍ، فإذا دخلتِ العشرُ شمَّر وجدَ وشدَّ المئزرَ، هجرَ فراشَه، أيقظَ أهلَه، يطرقُ البابَ على فاطمةَ وعليٍ-رضي الله عنهما-قائلا: "ألا تقومانِ فتصليانِ"، يطرقُ البابَ وهو يتلو: [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى]، ويتجِهُ إلى حجراتِ نسائِه آمرًا: "أيقظوا صواحبَ الحُجَرِ؛ فربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ يومَ القيامةِ".
وكان-صلى الله عليه وآله وسلم-إذا بقيَ من رمضانَ عشرةُ أيامٍ لا يدعُ أحدًا من أهلِه يُطيقُ القيامَ إلا أقامَه!
أيها الكرامُ: اعرفوا شرفَ زمانِكم، واقدروا أفضلَ أوقاتِكم، وقدموا لأنفسِكم، لا تضيعوا فرصةً في غيرِ قربةٍ.
إحسانُ الظنِ ليس بالتمني، ولكن إحسانَ الظنِ بحسنِ العملِ، والرجاءُ في رحمةٍ مع العصيانِ قد يكونُ نوعًا من الخذلان، والخوفُ ليس بالبكاءِ، ولكنْ بتركِ ما يُخافُ منه العقوبةُ.
أيها الأحبة: قدموا لأنفسكم وجِدُّوا وتضرعوا، تقول أمُنا عائشةُ-رضي الله عنها-: يا رسولَ اللهِ: أرأيتَ إنْ علمتُ ليلةَ القدرِ ماذا أقولُ فيها؟! قال: "قولي: اللهم إنك عفوٌ تُحبُ العفوَ فاعفُ عني".
ما أجملَ المسلمَ حينُ يُكثرُ الدعاءَ خاصةً في هذه العشرِ، قال تعالى:[وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ].
أتعلمونَ من همْ هؤلاءُ العِبادُ؟! الخلائقُ كلُّهم عبادُ اللهِ، ولكن هؤلاءِ عبادٌ مخصوصون بالدعاءِ، والإجابةِ، إنهم السائلونَ المتضرعونَ.
إن للدعاءِ شأنًا عجيبًا، وأثرًا عظيمًا في حسنِ العاقبةِ، وصلاحِ الحالِ والمآلِ، والتوفيقِ في الأعمالِ، والبركةِ في الأرزاق.
ما أحسنَ هذا الموفَّق الذي أدركَ حظَّه من الدعاءِ، ونالَ نصيبَه من التضرعِ والالتجاءِ، يلجأُ إلى اللهِ في كلِّ حالاتِه، ويفزعُ إليه في جميعِ حاجاتِه، يدعو ويُدعَى له، نالَ حظَّه من الدعاءِ بنفسِه وبغيرِه، والداهُ الشغوفانِ، وأبناؤُه البررةُ، والناسُ مِنْ حولِه يُحيطونَه بدعواتِهم، أحبَّه مولاه فوضعَ له القبولَ، فحسنُ منه الخلقُ، وزانَ منه العملُ، فامتدتْ له الأيدي، وارتفعتْ له الألسنُ، تدعو له وتحوطه، ملحوظٌ من اللهِ بالعنايةِ والتسديدِ، وبإصلاحِ الشأنِ و التوفيقِ.
أيها الإخوة: إنَّ نَزْعَ حلاوةِ المناجاةِ من القلبِ أشدُّ ألوانِ العقوباتِ والحرمانِ، فقد استعاذ-صلى الله عليه وآله وسلم-منْ قلبٍ لا يخشعُ، وعينٍ لا تدمعُ، ودعاءٍ لا يُسمعُ؟!
إنَّ أهلَ الدعاءِ الموفَّقينَ حين يُلِحُّون على ربِهم بالدعاءِ، يعلمون أنَّ جميعَ الأبوابِ قدْ توصدُ في وجوهِهم إلا بابًا واحدًا هو بابُ السماءِ، بابٌ مفتوحٌ لا يُغلقُ أبدًا، فَتَحَهُ مَنْ لا يَرُدُ داعيًا، ولا يُخَيِّبُ راجيًا، فهو غياثُ المستغيثينَ، وناصرُ المستنصرينَ، ومجيبُ الداعينَ.
أيها المباركون: يجتمعُ في هذه الأيامِ أوقاتٌ فاضلةٌ وأحوالٌ شريفةٌ: العشرُ الأخيرةُ، جوفُ الليلِ، الأسحارُ، دبرُ الأذانِ والمكتوباتِ، أحوالُ السجودِ، تلاوةُ القرآنِ، مجامعُ المسلمين في الخيرِ والذكرِ، كلُّها تجتمعُ في أيامِكم هذه، فأينَ المتنافسون؟!
أخي المبارك: لا تستبطئِ الإجابةَ، فربُك يُحبُ تذلُلَك له، ويحبُ صبرَك ورضاك بأقدارِه، يختبرُك بالتأخيرِ لتدفعَ وَسواسَ الشيطانِ، وتَطردَ هاجسَ النفسِ الأمارةِ بالسوءِ، قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "يُستجابُ لأحدِكم ما لمْ يَعْجَلْ، يقول: دعوتُ فلم يُستجبْ لي".
أيها الإخوة: ويَجْمُلُ الدعاءُ، وتتوافرُ أسبابُ الخيرِ، ويَعْظُمُ الرجاءُ، حين يصحبُه الاعتكافُ، فقد اعتكفَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-هذه الأيامَ حتى توفاهُ اللهُ.
عجيبٌ هذا الاعتكافُ في أسرارِه ودروسِه، فالمعتكفُ ذِكْرُ اللهِ أنيسُه، والقرآنُ جليسُه، والصلاةُ راحتُه، ومناجاة اللهِ متعتُه، والدعاءُ والتضرعُ لذتُه.
إذا أوى الناسُ إلى بيوتِهم وأهليهم، ورجعوا إلى أموالِهم وأولادِهم، لازمَ هذا المعتكفُ بيتَ ربِه، وحبسَ من أجلِه نفسَه، يقفُ عند أعتابِه، يرجو رحمتَه ويخشى عذابَه، لا يطلقُ لسانَه في لغوٍ، ولا يفتحُ عينَه لفحشٍ، ولا تستمعُ أذنُه لبذاءٍ، سلمَ من الغيبةِ والنميمةِ، تركَ التنابزَ بالألقابِ، والقدحَ في الأعراضِ، والأخلاقَ الرديئةَ، استغنى عن الناسِ، وانقطعَ عن الأطماعِ، علمَ واستيقنَ أنَّ رضا الناسِ غايةٌ لا تُدركُ.
في درسِ الاعتكافِ انصرفَ المتعبدُ إلى التفكيرِ في زادِ الرحيلِ وأسبابِ السلامةِ، السلامةِ من الزيادةِ في الكلام، والنظرِ، والمخالطةِ.
في مدرسةِ الاعتكافِ يتبينُ للعابدِ أنَّ الوقتَ أغلى من الذهبِ، فلا يبذلُه في غيرِ حقٍ، ولا يشتري به ما ليس يُحمدُ، يحفظه عن اجتماعاتٍ سيئةٍ، بضاعتُها أقوالٌ لا خيرَ في سماعِها، ويتباعدُ به عن لقاءِ وجوهٍ لا يَسرَ لقاؤُها.
أيها الأحبابُ: أوقاتُكم فاضلةٌ تُشغلُ بالدعاءِ والاعتكافِ، وتُستغلُ فيها فرصُ الخيرِ، وإنَّ من أعظمِ ما يُرجى فيها ويُتحرى ليلةُ القدرِ: [وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ]، من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدمَّ من ذنبه.
ليلةٌ خيرٌ من ألفٍ شهرٍ، خَفِيَ تَعْيينُها اختبارًا وابتلاءً، ليتبينَ العاملونَ، وينكشفَ المقصرونَ، فمنْ حَرَصَ على شيءٍ جدَّ في طلبِه، وهانَ عليه ما يلقى من عظيمِ تعبِه.
إنها ليلةٌ تجري فيها أقلامُ القضاءِ، بإسعادِ السعداءِ وشقاءِ الأشقياءِ: [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ]،
فاعملوا وجددوا وأبشروا وأملوا، [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ]
[/align][align=justify]
شرعَ لنا ربُنا في ختامِ رمضانَ زكاةَ الفطرِ؛ طُهرةً للصائمِ من اللغوِ والرفثِ، وطعمةً للمساكينِ، وشكرًا للهِ على توفيقِه، وهي زكاةٌ عن البدنِ، يجبُ إخراجُها على كلِّ مسلمٍ، إذا غربتْ عليه الشمسُ ليلةَ العيدِ، وهو يملكُ ما يزيدُ عن قوتِ يومِه وليلتِه، ويجبُ عليه أنْ يُخرجَها عن نفسِه، وعمّن تلزمُه نفقتُه من زوجتِه ووالديه وأولادِه.
ويُخرِجُ زكاةَ الفطرِ في البلدِ الذي وافاه تمامُ الشهرِ وهو فيه، وتُدفعُ زكاةُ الفطرِ إلى من يجوزُ دفعُ زكاةِ المالِ إليه، كالفقراءِ والمساكينِ، ويتحرى في ذلك.
ووقتُ الإخراجِ يبدأُ بغروبِ الشمسِ ليلةَ العيدِ، والأفضلُ ما بينَ صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العيدِ، وإنْ أخرجَها قبلَ العيدَ بيومٍ أو يومين جازَ، وإنْ أخرها عن صلاةِ العيدِ أَثِمَ وأجزأتْ، وإن فاتَ يومُ العيدِ ولم يُخرجْها، فإنه يقضيها ولا تسقطُ عنه، ويجوزُ للفقيرِ إذا قبضَ زكاةَ الفطرِ أنْ يخرجَها عن نفسِه.
أخي الحبيب: اِحرصْ على صلاةِ العيدِ فإنها من تمامِ ذكرِ اللهِ، قال الله-تعالى-: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى]، وقد ذهبُ عددٌ من العلماءِ إلى وجوبِها.
[/align]
فيا أيها الإخوة، هذه أيامُ شهرِ رمضانَ ولياليه تتناقصُ، شاهدةً بما عُملَ فيها، وحافظةً لما أُودعَ، هي للأعمالِ خزائنُ محصنةٌ، ومستودعاتٌ محفوظةٌ، يُدعى بها كلُّ فردٍ يومَ القيامةِ: [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ]، ينادي ربُنا: "يا عبادي: إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوَفيكم إياها، فمنْ وجدَ خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يَلومنَّ إلا نفسَه".
هذا هو شهرُ رمضانَ، وهذه هي نهاياتُه، كم من مستقبِلٍ له لم يستكملْه!! وكم من مؤمِّل بعودٍ إليه لم يدركْه!!
أيها الإخوة: إنْ كانَ في النفوسِ زاجرٌ، و في القلوبِ واعظٌ، فقد بقيت من أيامه بقيةٌ، إنها عَشْرُهُ الأخيرةُ، بقيةٌ كان يحتفي بها نبيُنا محمدٌ-صلى الله عليه وآله وسلم-أيَّما احتفاءٍ، في العشرينِ قبلَها كان يَخلِطُها بصلاةٍ ونومٍ، فإذا دخلتِ العشرُ شمَّر وجدَ وشدَّ المئزرَ، هجرَ فراشَه، أيقظَ أهلَه، يطرقُ البابَ على فاطمةَ وعليٍ-رضي الله عنهما-قائلا: "ألا تقومانِ فتصليانِ"، يطرقُ البابَ وهو يتلو: [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى]، ويتجِهُ إلى حجراتِ نسائِه آمرًا: "أيقظوا صواحبَ الحُجَرِ؛ فربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ يومَ القيامةِ".
وكان-صلى الله عليه وآله وسلم-إذا بقيَ من رمضانَ عشرةُ أيامٍ لا يدعُ أحدًا من أهلِه يُطيقُ القيامَ إلا أقامَه!
أيها الكرامُ: اعرفوا شرفَ زمانِكم، واقدروا أفضلَ أوقاتِكم، وقدموا لأنفسِكم، لا تضيعوا فرصةً في غيرِ قربةٍ.
إحسانُ الظنِ ليس بالتمني، ولكن إحسانَ الظنِ بحسنِ العملِ، والرجاءُ في رحمةٍ مع العصيانِ قد يكونُ نوعًا من الخذلان، والخوفُ ليس بالبكاءِ، ولكنْ بتركِ ما يُخافُ منه العقوبةُ.
أيها الأحبة: قدموا لأنفسكم وجِدُّوا وتضرعوا، تقول أمُنا عائشةُ-رضي الله عنها-: يا رسولَ اللهِ: أرأيتَ إنْ علمتُ ليلةَ القدرِ ماذا أقولُ فيها؟! قال: "قولي: اللهم إنك عفوٌ تُحبُ العفوَ فاعفُ عني".
ما أجملَ المسلمَ حينُ يُكثرُ الدعاءَ خاصةً في هذه العشرِ، قال تعالى:[وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ].
أتعلمونَ من همْ هؤلاءُ العِبادُ؟! الخلائقُ كلُّهم عبادُ اللهِ، ولكن هؤلاءِ عبادٌ مخصوصون بالدعاءِ، والإجابةِ، إنهم السائلونَ المتضرعونَ.
إن للدعاءِ شأنًا عجيبًا، وأثرًا عظيمًا في حسنِ العاقبةِ، وصلاحِ الحالِ والمآلِ، والتوفيقِ في الأعمالِ، والبركةِ في الأرزاق.
ما أحسنَ هذا الموفَّق الذي أدركَ حظَّه من الدعاءِ، ونالَ نصيبَه من التضرعِ والالتجاءِ، يلجأُ إلى اللهِ في كلِّ حالاتِه، ويفزعُ إليه في جميعِ حاجاتِه، يدعو ويُدعَى له، نالَ حظَّه من الدعاءِ بنفسِه وبغيرِه، والداهُ الشغوفانِ، وأبناؤُه البررةُ، والناسُ مِنْ حولِه يُحيطونَه بدعواتِهم، أحبَّه مولاه فوضعَ له القبولَ، فحسنُ منه الخلقُ، وزانَ منه العملُ، فامتدتْ له الأيدي، وارتفعتْ له الألسنُ، تدعو له وتحوطه، ملحوظٌ من اللهِ بالعنايةِ والتسديدِ، وبإصلاحِ الشأنِ و التوفيقِ.
أيها الإخوة: إنَّ نَزْعَ حلاوةِ المناجاةِ من القلبِ أشدُّ ألوانِ العقوباتِ والحرمانِ، فقد استعاذ-صلى الله عليه وآله وسلم-منْ قلبٍ لا يخشعُ، وعينٍ لا تدمعُ، ودعاءٍ لا يُسمعُ؟!
إنَّ أهلَ الدعاءِ الموفَّقينَ حين يُلِحُّون على ربِهم بالدعاءِ، يعلمون أنَّ جميعَ الأبوابِ قدْ توصدُ في وجوهِهم إلا بابًا واحدًا هو بابُ السماءِ، بابٌ مفتوحٌ لا يُغلقُ أبدًا، فَتَحَهُ مَنْ لا يَرُدُ داعيًا، ولا يُخَيِّبُ راجيًا، فهو غياثُ المستغيثينَ، وناصرُ المستنصرينَ، ومجيبُ الداعينَ.
أيها المباركون: يجتمعُ في هذه الأيامِ أوقاتٌ فاضلةٌ وأحوالٌ شريفةٌ: العشرُ الأخيرةُ، جوفُ الليلِ، الأسحارُ، دبرُ الأذانِ والمكتوباتِ، أحوالُ السجودِ، تلاوةُ القرآنِ، مجامعُ المسلمين في الخيرِ والذكرِ، كلُّها تجتمعُ في أيامِكم هذه، فأينَ المتنافسون؟!
أخي المبارك: لا تستبطئِ الإجابةَ، فربُك يُحبُ تذلُلَك له، ويحبُ صبرَك ورضاك بأقدارِه، يختبرُك بالتأخيرِ لتدفعَ وَسواسَ الشيطانِ، وتَطردَ هاجسَ النفسِ الأمارةِ بالسوءِ، قال-صلى الله عليه وآله وسلم-: "يُستجابُ لأحدِكم ما لمْ يَعْجَلْ، يقول: دعوتُ فلم يُستجبْ لي".
أيها الإخوة: ويَجْمُلُ الدعاءُ، وتتوافرُ أسبابُ الخيرِ، ويَعْظُمُ الرجاءُ، حين يصحبُه الاعتكافُ، فقد اعتكفَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-هذه الأيامَ حتى توفاهُ اللهُ.
عجيبٌ هذا الاعتكافُ في أسرارِه ودروسِه، فالمعتكفُ ذِكْرُ اللهِ أنيسُه، والقرآنُ جليسُه، والصلاةُ راحتُه، ومناجاة اللهِ متعتُه، والدعاءُ والتضرعُ لذتُه.
إذا أوى الناسُ إلى بيوتِهم وأهليهم، ورجعوا إلى أموالِهم وأولادِهم، لازمَ هذا المعتكفُ بيتَ ربِه، وحبسَ من أجلِه نفسَه، يقفُ عند أعتابِه، يرجو رحمتَه ويخشى عذابَه، لا يطلقُ لسانَه في لغوٍ، ولا يفتحُ عينَه لفحشٍ، ولا تستمعُ أذنُه لبذاءٍ، سلمَ من الغيبةِ والنميمةِ، تركَ التنابزَ بالألقابِ، والقدحَ في الأعراضِ، والأخلاقَ الرديئةَ، استغنى عن الناسِ، وانقطعَ عن الأطماعِ، علمَ واستيقنَ أنَّ رضا الناسِ غايةٌ لا تُدركُ.
في درسِ الاعتكافِ انصرفَ المتعبدُ إلى التفكيرِ في زادِ الرحيلِ وأسبابِ السلامةِ، السلامةِ من الزيادةِ في الكلام، والنظرِ، والمخالطةِ.
في مدرسةِ الاعتكافِ يتبينُ للعابدِ أنَّ الوقتَ أغلى من الذهبِ، فلا يبذلُه في غيرِ حقٍ، ولا يشتري به ما ليس يُحمدُ، يحفظه عن اجتماعاتٍ سيئةٍ، بضاعتُها أقوالٌ لا خيرَ في سماعِها، ويتباعدُ به عن لقاءِ وجوهٍ لا يَسرَ لقاؤُها.
أيها الأحبابُ: أوقاتُكم فاضلةٌ تُشغلُ بالدعاءِ والاعتكافِ، وتُستغلُ فيها فرصُ الخيرِ، وإنَّ من أعظمِ ما يُرجى فيها ويُتحرى ليلةُ القدرِ: [وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ]، من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدمَّ من ذنبه.
ليلةٌ خيرٌ من ألفٍ شهرٍ، خَفِيَ تَعْيينُها اختبارًا وابتلاءً، ليتبينَ العاملونَ، وينكشفَ المقصرونَ، فمنْ حَرَصَ على شيءٍ جدَّ في طلبِه، وهانَ عليه ما يلقى من عظيمِ تعبِه.
إنها ليلةٌ تجري فيها أقلامُ القضاءِ، بإسعادِ السعداءِ وشقاءِ الأشقياءِ: [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ]،
فاعملوا وجددوا وأبشروا وأملوا، [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ]
[/align][align=justify]
الخطبة الثانية
ويُخرِجُ زكاةَ الفطرِ في البلدِ الذي وافاه تمامُ الشهرِ وهو فيه، وتُدفعُ زكاةُ الفطرِ إلى من يجوزُ دفعُ زكاةِ المالِ إليه، كالفقراءِ والمساكينِ، ويتحرى في ذلك.
ووقتُ الإخراجِ يبدأُ بغروبِ الشمسِ ليلةَ العيدِ، والأفضلُ ما بينَ صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العيدِ، وإنْ أخرجَها قبلَ العيدَ بيومٍ أو يومين جازَ، وإنْ أخرها عن صلاةِ العيدِ أَثِمَ وأجزأتْ، وإن فاتَ يومُ العيدِ ولم يُخرجْها، فإنه يقضيها ولا تسقطُ عنه، ويجوزُ للفقيرِ إذا قبضَ زكاةَ الفطرِ أنْ يخرجَها عن نفسِه.
أخي الحبيب: اِحرصْ على صلاةِ العيدِ فإنها من تمامِ ذكرِ اللهِ، قال الله-تعالى-: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى]، وقد ذهبُ عددٌ من العلماءِ إلى وجوبِها.
[/align]
المرفقات
ختام العشر بالدعاء والاعتكاف وزكاة الفطر-23-9-1436هـ-عدة شيوخ-الملتقى-بتصرف.doc
ختام العشر بالدعاء والاعتكاف وزكاة الفطر-23-9-1436هـ-عدة شيوخ-الملتقى-بتصرف.doc
ختام العشر بالدعاء والاعتكاف وزكاة الفطر-23-9-1436هـ-عدة شيوخ-الملتقى-بتصرف.docx
ختام العشر بالدعاء والاعتكاف وزكاة الفطر-23-9-1436هـ-عدة شيوخ-الملتقى-بتصرف.docx