خِتَامُهُ مِسْكٌ 1443/9/21ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أَيُّها المؤْمنون : اِحْمدوا اَللَّهَ واشْكروه على نِعَمِهِ العظيمةِ وآلائِهِ الجسيمةِ فها أَنتُم وَللَّه الحَمدُ وَالمِنّةُ تُدْركون هَذِه العشرُ المباركاتُ فاعْقدوا العزْمَ على إِحْيائهَا بِالْقيامِ والذَّكرِ والدُّعاءِ وتلاوةِ اَلقُرآنِ وتنافسوا فِيهَا فِي كَثرَةِ الأعْمالِ الصَّالحةِ فُواَللَّهِ أنهَا التِّجارةُ الرَّابحةُ ولْيكن لَكم اِقتِداءٌ بِنبيِّكم مُحمَّدٍ صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم اَلذِي كان يَخُصُّ هَذِه اَلعَشرَ ويجْتَهدُ فِيهَا أَكثَرَ مِن غيْرِها فَقْد ثبتَ عن عَائِشةَ رَضِي اَللَّهُ عَنهَا وعن أَبِيهَا أنَّ اَلنبِي صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم : ( كان يَجتَهِدُ فِي العشْرِ الأواخرِ مَا لَا يَجتَهِدُ فِي غيْرهَا ) ( وَكَان صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم يُوقظ أَهلَه وَيُحِي لَيلُه وَيشُدُ المئْزرَ ) .
أيُها الصائمون: فدونَكم رعاكم اَللَّهُ غَنِيمَةٌ بَارِدةٌ مَنحَكم اَللَّهُ إِيَّاهَا فاغْتنموهَا لِئَلا تفوتُكم اَلفُرصةُ فالْأعْمارُ قَصِيرَةٌ وَلذَا عَوَّضَكم اَللَّهُ جلَّ وَعلَا بِليْلةٍ مُبَاركَةٍ فِي هَذِه العشْرِ الفاضلةِ هَذِه اللَّيْلةَ خَيْرَ مِن أَلْفِ شَهْرٍ وصدقَ اَللَّهُ اَلعظِيمُ : [ لَيلَةُ الْقدْر خَيْرٌ مِن أَلْفِ شَهْر ] فَهِي تُعادَلُ عُمرَ مِن يَبلُغُ الثَّمانينَ فَإذَا عَبدنَا اَللَّهَ فِيهَا كأنَّنَا عبدْنَاه ثلاثًاً وثمانين سنةً ، فهنيئًا لَمِن وُفْق لِقيامهَا وَقَبِلَ اَللَّهُ مِنْه فقد أَخبَرَ رسولُنَا صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم بِمغْفِرةِ ذُنوبه وصدقَ الرَّسولُ اَلكرِيمُ القائلُ : ( من قامَ لَيلَةَ القدرِ إِيمانًا واحْتسابًا غُفر لَه مَا تَقدَّم مِن ذَنبِه ) .
عِبَاد اَللَّه : عَلينَا أن نَحرِصَ على الدُّعَاء فِي هَذِه اللَّيالي المباركةِ ولَا سِيَّما لَيلَةَ القدرِ فالدُّعاءُ فِيهَا لَه مَزيَّةٌ خَاصَّةٌ سَألَتْ عَائِشةُ رَضِي اَللَّه عَنهَا رَسُولَ اَللَّهُ صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم عن الدُّعَاء فِي لَيلَةِ القدرِ فَقَال لَهَا : ( قُولي اللَّهمَّ إِنَّك عَفْوٌ تُحِبُ العفْوَ فاعْفُ عَنِّي ) وأيُّ شَيْءٍ أَعظَمُ مِن عَفْوِ اَللَّهِ ففيه اَلمخْرجُ والْفَرَجُ مِن أُسَرِ الأوْزارِ وَمِن رِقِّ الذُّنوبِ إِلى حُريَّةِ المغْفرةِ والرَّحْمةِ وَمِن الضِّيقِ والنَّكَدِ إِلى اَلأُنسِ والسَّعادةِ .
عِبَادَ اَللَّه : أَنتُم فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِن العشْرِ الأخيرةِ مِن رَمَضانَ عشرِ التِّجارةِ مع اَللَّهِ عشرِ التِّجارةِ لِلْآخِرةِ وَأعنِي بِهَا التِّجارةَ الرَّابحةَ دُون خَسارَةٍ ، الحسَنةُ فِيهَا تُضاعَفُ إِلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ وليْستْ هَذِه التِّجارةُ كتجارةِ الدُّنْيَا لِأنَّ التَّاجرَ قد يَربَحُ وقد يَخسَرُ أَمَّا العاملُ اَلمُخْلِصُ فِي هَذِه اللَّيالي اَلعَشرِ فَهُو رَابِحٌ لَا مَحالَةَ لِأنَّ التَّعاملَ مع مِن بِيَده الدُّنْيَا والْآخرةِ ، أَنَّهَا العَشْرُ اَلتِي هِي خِتَامُ الشَّهْرِ والْأعْمالُ بِالْخواتيمِ وَمِن كان آخرُ عمله حسنًا فخاتمتُه حَسنَةٌ وقد قال رسولُنَا صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : ( مِن كان آخرُ كلامه لَا إِله إِلَّا اَللَّهُ دخلَ الجنَّةَ ) . وَقَال فِي اَلذِي وَقَصتُه راحلَتُه وَهُو حاجٌّ فِي عَرفَةَ فَمَات ( كَفنُوه فِي ثَوبِه ولَا تخمَّروا رَأسَه فَإنَّه يَبعَثُ يَوْمَ القيامةِ مُلَبياً ) فَهُو يَبعَثُ على مَا مات عليْه فاخْتموا شهْرَكم بِالطَّاعةِ والْعبادةِ وأحْيَوْا هَذِه اللَّيالي الفاضلةَ لَعلَّكم تَسْعدون بِإدْرَاكِ لَيلَةِ القدرِ وتشْهدون نُزُولَ الملائكةِ وصدقَ اَللَّهُ اَلعظِيمُ : [ إِنَّا أنْزلْناه فِي لَيلَةِ الْقدْرِ * ومَا أَدرَاك مَا لَيلَةُ الْقدْرِ * لَيلَةُ الْقدْرِ خَيْرٌ مِن أَلْفِ شَهْرٍ * تَنزَّلُ الْملائكةُ والرُّوحُ فِيهَا بِإذْن رَبهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِي حَتَّى مَطلَعِ الْفجْرِ ] .
الخطبة الثانية
عِبَاد اَللَّه : واعْلموا أنَّ رسولَكم صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم كان يَخُّصُ العَشْرَ الأواخرَ بِأعْمَالٍ صَالِحةٍ مِنهَا :
أوَّلاً : إِحيَاءُ لَيْلِهَا بِالْقيامِ والذَّكرِ والتَّسْبيحِ والدُّعاءِ وَكَان صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم يُدَارِسُ جِبْريلَ اَلقُرآنَ وَيَعرِضُه عليْه كُلِّ لَيلَةٍ وَلذَا كان السَّلفُ يُضاعفون قِراءتَهم لِلْقرْآن فِي العشْرِ الأواخرِ أَكثَرَ مِن غيْرِهَا .
ثانيًا : وَكَان رسولُنَا صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم يَخُّصُ هَذِه اَلعَشرَ بِإيقَاظِ أَهلِه إِصْلاحًا لَهُم وتعْليمًا وَتربِيةً وعملاً بِقَولِ اَللَّهِ تَعالَى : [ وَأمَرْ أَهلَك بِالصَّلاةِ واصْطَبر عليْهَا ] . وقوْلِ اَللَّهِ تَعالَى : [ وتعاونوا على الْبرِّ والتَّقْوى ] .
ثالثًا : وَكَانَ صَلَّى اَللَهُ عليْه وَسلَّم يَخُّصُ العَشْرَ بِالْجِدِّ والاجْتهادِ وَكثرَةِ العملِ الصَّالحِ حَتَّى أَنَّه يَعتَزِلُ نِساءَه ويشْتَغلُ بِالصَّلاةِ والذَّكرِ .
رابعًا : وَيخُّصُ رسولُنَا صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم هَذِه العشْرَ بِالاعْتكافِ فِي اَلمسْجِدِ وقد اِستمَرَ عليْه حَتَّى تَوَفاه اَللَّهُ ثُمَّ اِعتكَف أزْواجُه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم مِن بُعْدِه ، حَيْث يَتَفرَّغُ لِلطَّاعةِ ويبْتَعدُ عَمَّا يشْغلُه عَنهَا والاعْتكافُ سنةٌ ولَا يَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْر .
عِبَاد اَللَّه : اِجْتهدوا فِيمَا بَقِي مِن شهْرِكم وتسابقوا فِي طَاعَةِ رَبكُم وأدَّوْا مَا أَوجَبَ اَللَّهُ عليْكم مِن رِعايةٍ لِلْأهْلِ والْأوْلادِ وزيَّنوا نهارَكم بِالصِّيام ولْيلَكم بِالْقيام وتخْلَّقوا بِأخْلَاقِ نبيِّكم وأمامِكم فِي هَذِه العشْرِ وَغيرِها لَعلَّ اَللَّهَ جلَّ وَعلَا أنْ يَجْمعَنَا وإيَّاكم بِه وصحْبِه فِي مَقعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مليكٍ مُقْتَدِرٍ ، وأكْثروا مِن الصَّلَاةِ والسَّلامِ عليْه اللَّهمَّ صِل وَسلَّم على عَبدِك وَرسُولِك مُحمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّه وَعلَى آله وَصحبِه أَجمعِين .
.
المرفقات
1650281730_العشر.pdf
المشاهدات 1729 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
يوسف العوض
مستفادة
تعديل التعليق