حينما ينتصر الإيمان ! الجمعة (1442/6/30هـ)
يوسف العوض
أيُّها المسلمون : إنَّ النَّاظِرَ بِعَيْن بَصَرِه وبصيرتِه فِي عَالَمِ الْيَوْم ، يَرَى حَقِيقَةَ مَا وَصَلَ إلَيْهِ أَبْنَاءُ هَذَا الْعَصْرِ مِمَّا يَسَّرَهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ اكتشافــــاتٍ واختراعاتٍ فِي وسائلَ مُتَعَدِّدَةٍ وتقنياتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ أنواعِ الْهَوَاتِفِ وشبكاتِ الْمَعْلُومَاتِ وقنواتِ الْبَث وَغَيْرِهَا مِنْ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ وَالْإعْلَامِ مِنْ مَسْمُوعٍ وَمَقْرُوءٍ ومُشاهدٍ ، مِمَّا حَدا بالقائمين عَلَيْهَا إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي بتسخيرها وتوظيفها واستغلالها فِي إثَارةِ الشَّهْوَةِ وإخمارِ الْعَقْلِ وَإِفْسَادِ الرُّوحِ مِنْ نَشْرٍ للأغاني السَّاقِطَةِ والأفلامِ الآثمةِ وَالْقَصَصِ الدَّاعِرَةِ وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَنَشْرِ بواعثِها ومثيراتِها وتعريةِ الْمَرْأَةِ وَتَحْرِيرِهَا واستعبادِها وَإِخْراجِها مِنْ بَيْتِهَا ، حَتَّى هَلَكَ الْكَثِيرُ مِنْ بَنِي الْإِنْسَانِ فِي مُسْتَنْقَعِ الرَّذِيلَةِ ومغرياتِ الشَّهْوَةِ ، وانسلخت مِنْ النُّفُوسِ الْمُرُوءَةُ وَالْعِفَّةُ وَالْغَيْرَةُ وَالطُّهْرُ وَالْعَفَافُ ، نَعَم ؛ أَنَّهَا الشَّهْوَة الْبَاعِثَةُ عَلَى مُقَارَفَة الْمُنْكَرَاتِ وَإِتْيَانِ الْمَعَاصِي واقترافِ الْمُحَرَّمَاتِ ، إنَّهَا الشَّهْوَةُ الفطريةٌ الْغَرِيزِيَّةُ الْبَشَرِيَّةُ واللذةُ الجثمانيةُ الْجَسَدِيَّةُ ، نَعَم ؛ تِلْكَ الشَّهْوَةُ ، إنْ لَمْ تُضبط بضوابطِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَزْدَادُ سُعارُها وتتأججُ نَارُهَا وَتَهْوِي بِصَاحِبِهَا فِي مَهَاوِي الرَّدَى وَتُلَبِسُه لِبَاسَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْبَهَائِم الَّتِي تَحَرُّكِهَا غرائزُها وتدفعُها شَهَوَاتُهَا ،إنَّهَا الشَّهْوَةُ إذَا انْفَلَتَ سُعارُها وَانْخَرَط خِطَامُهَا فَإِنَّهَا مَا تَزَالُ تَعْظُم وَتَعَظُم حَتَّى تَقَعَ الْفَوَاحِشُ وَتَنْتَشِرُ الْأَمْرَاضُ وَتَكْثُر الْمِحَنُ وَصَدَقَ اللَّهُ (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ).
أيُّها المسلمون : جاءَ من حديثِ عبدِالله بنِ عمرو بنِ العاص رضي اللهُ عنهما قال :( كان رَجُلٌ يُقَالُ له مَرْثَدُ بنُ أبي مَرْثَدٍ وكان رجلًا يَحْمِلُ الْأَسْرَى من مكةَ حتى يأتيَ بهِمُ المدينةَ قال وكانتِ امرأةٌ بَغِيٌّ بمكةَ يُقالُ لها عَنَاقٌ وكانت صديقةً له وإنه كان وَعَدَ رجلًا من أُسَارَى مكةَ يَحْمِلُهُ قال فجِئْتُ حتى انْتَهَيْتُ إلى ظِلِّ حائِطٍ من حَوَائِطِ مكةَ في ليلةٍ مُقْمِرَةٍ قال فجاءت عَنَاقٌ فأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بجَنْبِ الحائطِ فلما انْتَهَتْ إلَيَّ عَرَفَتْ فقالت : مَرْثَدٌ فقلتُ : مَرْثَدٌ قالت : مَرْحَبًا وأَهْلًا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنا الليلةَ قلتُ : يا عَنَاقُ ! حَرَّمَ اللهُ الزِّنَا ! قالت : يا أَهْلَ الخِيَامِ ! هذا الرجلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ قال : فتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ وسَلَكْتُ الخَنْدَمَةَ فانْتَهَيْتُ إلى كَهْفٍ أو غارٍ فَدَخَلْتُ فجاءوا حتى قاموا على رَأْسِي فبَالُوا فظَلَّ بَوْلُهُم على رَأْسِي وأَعْماهُمُ اللهُ عَنِّي قال : ثم رَجَعُوا ورَجَعْتُ إلى صاحِبِي فحَمَلْتُهُ وكان رجلًا ثقيلًا حتى انْتَهَيْتُ إلى الإذْخِرِ ففَكَكْتُ عنه كَبْلَهُ فجَعَلْتُ أَحْمِلُهُ ويُعْيِينِي حتى قَدِمْتُ المدينةَ فأَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! أَنْكِحُ عَنَاقًا ؟ مَرَّتَيْنِ فأَمْسَكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلم يَرُدَّ عَلَيَّ شيئًا حتى نَزَلَتْ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا مَرْثَدُ ! الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فلا تَنْكِحْها ) رواه الترمذي وحسنَّه الألباني.
أيُّها المسلمون : تَعَرَّض مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ لِامْتِحَانٍ شَدِيدٍ وَفِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ ، وَلَكِنَّه صَمَد لَهَا ، وَتَمَسَّك بِمَا يمليه عَلَيْهِ إيمَانُ الْمُسْلِم وَتَقْوَاه لِلَّهِ تَعَالَى ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهَا ، ولَقَد نَجَح فِي مُهِمَّتَه ، فَفَكّ أَسِيرَه وَجَاءَ بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ سَالِمًا ، وَنَجَّاه اللَّهُ مِنْ الْفِتْنَةِ وَشَرِّ الْبَغْي ، حِينَمَا سَار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خَطَّى سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عِنْدَمَا قَال رداً عَلَى قَوْلِ امْرَأَةٍ العَزيزِ : هِيت لَك ، قَال : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ رَبِّي أَحْسَن مَثْوَاي ، وَهَكَذَا رَدّ مَرْثَد عَلَى قَوْلِ عَنَاقٌ : هَلُمّ فَبِتّ عِنْدَنَا ، قَال : يَا عَنَاقٍ أَنْ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا وَهَكَذَا هُوَ شَأْنُ الْمُؤْمِنِ الْمُسْلِم الْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودٍ اللَّهِ ، وَالتَّعَفُّفُ وَالْبُعْدُ عَنْ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكِرَاتِ فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَرَّمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى الْمُؤْمِنِ الْعَفِيفِ الطَّاهِرِ إنْ يَتَزَوَّجَ الزَّانِيَةَ ، كَمَا حَرَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْعَفِيفَةِ الطَّاهِرَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ الزَّانِي ، حفاظاً عَلَى شَرَفِهِ وَشَرَفِهَا ، وَحِمَايَةً وإكراماً لِعِرْضِه وَعَرْضِهَا ، وَلِكَيْ لَا يَتَعَرَّضُ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلَمَةٌ لنخزٍ أَو لَمْزٍ بِسَبَب اقْتِرَانِه بِمَن اُشْتُهِرَ وَعُرِفَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِالزِّنَا وَالْفُجُور والبغاء ، وَلِذَا خُتِمَتِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : "وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ".
ُوهذه الآيةُ تَرسِمُ مَنْهَجَ الْمُؤْمِنِ فِي السِّيَرِ إلَى اللَّهِ وَأَنَّ يَتَجَنَّبَ كلَّ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ فَلَا يَزَلْ وَلَا يَذِلُّ وَلَا يَحيدُ وَلَا يَمِيدُ أمَام طُغْيَانِ الشَّهَوَاتِ وطُوفانِ الإغراءاتِ وَيَعْتَصِمُ وَيَلْجَأُ بِالْوَاحِدِ الأَحَدِ مُنْقذِ الْغَرْقَى ومُنجي الهَلكى سُبْحَانَه .
.
المرفقات
1625200716_لَذَّةُ قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ.doc
1625200716_لَذَّةُ قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق