حول عاشوراء بتاريخ (7-1-1427هـ)

أ.د عبدالله الطيار
1440/01/05 - 2018/09/15 16:34PM

  الخطبة الأولى :

الحمد لله القائل في كتابه:[ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك مدبر الأكوان والأزمان القائل:[لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)]، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله القائل لليهود حول صيام عاشوراء:(فنحن أحق وأولى بموسى منكم،فصام عاشوراء وأمر بصيامه) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وتفكروا في حال من قبلكم ممن قص الله عليكم من الأمم السالفة، وإن من أعظم هذه القصص وأكثرها وروداً في القرآن العظيم قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون الطاغية المتجبر، هذه القصة التي تبين انتصار الحق وخذلان الباطل، وتبعث في قلوب المؤمنين الثبات أمام أعدائهم مهما كانت قوتهم الظاهرة، فالباطل مهما عظم وتكاثر لا يمكن أن يقاوم الحق ولو كان الحق قليلاً، وهذا يتضح جلياً في هذه القصة العظيمة.

لقد تخوف فرعون من ظهور الحق على يد خصومه من بني إسرائيل فعمل كل ما في وسعه من الاحتياطات، فجعل يستضعف خصومه، ويقتل أبنائهم، ويستحي نسائهم، ولكن كيف له أن يخطط أمام تخطيط الله وتدبيره، فشاء الله المتفرد بالكون وحده أن يولد موسى، وأن يتربى داخل قصر فرعون، يأكل من طعامه، ويشرب من ماءه، ويستظل ببيته، ويفترش فراشه، تحرسه عناية ربه حتى كبر وبلغ أشده، وحصل منه ما حصل حين دخل المدينة، فقتل رجلاً من آل فرعون، وهنا يفر موسى هارباً بدمه خوفاً من فرعون وقومه لما انكشف أمره في قضية القتل، وتوجه موسى كما قص الله علينا إلى مدين ولبث فيها سنيناً، وحصل منه ما حصل مع المرأتين وأبيهما، حتى تزوج إحداهما، ثم بعد أن أكمل عشر سنين رجع إلى بلده مصر، وفي الطريق أوحى الله إليه وبعثه برسالته إلى

 

 

فرعون، وبين له من الآيات العظيمة والبراهين الدالة على صدق رسالته، ولكن فرعون تكبر وعاند، واتهم موسى بأنه ساحر، وجمع السحرة من سائر أنحاء مملكته ووعدهم الأماني، فاجتمع الناس في يوم العيد وأرادوا إظهار حقيقة بطلان أمر موسى، فنصره الله عليهم وأعلى شأنه بين الناس، وآمن السحرة كلهم بعد ما رأوا المعجزة الكبرى من موسى، فلجأ فرعون إلى قوته وبطشه وجبروته، وقتل السحرة بعد أن آمنوا برب موسى، وأراد أن يقتل موسى فخرج هو ومن آمن معه نحو ساحل البحر الأحمر فتبعهم فرعون بجنوده، فوصل موسى ومن معه إلى شاطئ البحر، ووجدوا أن فرعون وجنوده لحقوا بهم، فنظروا أمامهم فلم يجدوا إلا البحر، وفرعون وجنوده من خلفهم، فدب الرعب في قلوبهم، قال الله تعالى[فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ]، فأمر الله نبيه موسى أن يضرب بعصاه البحر الهائج المتلاطم الأمواج فضربه بعصاه فإذا هو اثني عشر طريقاً عدد أسباط بني إسرائيل، فسلكوا طريقهم حتى تكامل خروجهم من البحر، وتكامل دخول فرعون وجنوده فأمر الله البحر أن يطبق عليهم فأغرقهم عن آخرهم، وهكذا انتصر الحق مع قلة أتباعه، وعظم الباطل وكثرة أتباعه، وهذه آية عظيمة من آيات الله تدل دلالة واضحة على أن المؤمنين يبتلون بالكفار والمنافقين، فلابد من الصبر والجهاد، وهنا ستكون العاقبة لهم بإذن الله كما كانت لموسى وأتباعه.

عباد الله: ولكم أن تتفكروا في ثبات موسى وثقته بنصر الله له في أحلك الظروف وأقساها، وتتذكروا معه موقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الهجرة هو وصاحبه أبو بكر حينما كانا في الغار، وقال له أبو بكر رضي الله عنه يارسول الله: لو نظر أحدهم لموضع قدمه لأبصرنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بلهجة الواثق الموقن بوعد ربه المتكل عليه: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) الله أكبر.. إنه نصر يأتي مع الصبر، وفرج يأتي بعد الكرب، ويسر يأتي بعد العسر.

 

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:(واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِين فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ  قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ  وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ  وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ  ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ]. فينبغي لنا الاستفادة من هذه القصص الرائعة وذلك بشكر الله تعالى عند حصول النعم، ودفع النقم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله مسبغ النعم ومعطي الهبات، والصلاة والسلام على خير البريات ، أما بعد: فيا عباد الله: ها هو موسى عليه الصلاة والسلام يصوم هذا اليوم الذي نجاه الله فيه هو وقومه شكراً لربه الذي أعزه الله فيه، ولقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.

فعندما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم صلى الله عليه وسلم:(ماهذا اليوم الذي تصومونه؟) قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه)(رواه البخاري).

وصيام هذا اليوم فضله عظيم لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أحتسب على الله أن يكفر صيام هذا اليوم السنة التي قبله)(رواه مسلم).

ويتأكد صيام هذا اليوم لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه)(رواه مسلم).

ويستحب حث الصبيان على صيامه، كما في حديث الربيِّع بينت معوذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار (من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم) قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّمه صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار)(رواه البخاري ومسلم).

وقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته أن لا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)(رواه مسلم).

وبناء على أن الهلال قد رؤي ليلة السبت فمن أراد الصيام فليصم كالآتي:

 

 

* من أراد أن يصوم ثلاثة أيام وهي أكملها؛ فليصم الأحد والإثنين والثلاثاء.

*ومن أراد صيام يومين فليصم التاسع والعاشر مخالفة لأهل الكتاب وهما الأحد والإثنين.

* أو ليصم العاشر والحادي عشر؛ وهما الإثنين والثلاثاء.

* ومن أراد صيام يوم واحد وهو العاشر؛ فليصم الإثنين.

وأيها عمل به المسلم فهو على خير إن شاء الله.

وعلى المسلم أن لا يتكل على صيام هذا اليوم مع مقارفته للكبائر إذ الواجب التوبة من جميع الذنوب، قال ابن القيم رحمه الله:(وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر).

واعلموا أن اغتنام الطاعات في هذا الشهر المبارك ثوابها جليل مضاعف، وأن خير غراس وخير كنز ادخره المرء لنفسه هو العمل الصالح، قال تعالى: [المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا] (الكهف:46). فتزودا من الدنيا فإنكم راحلون، وبادروا بالعمل الصالح فإن الموت لاشك ملاقيكم... أسأل الله الكريم بمنه وفضله وجوده وإحسانه أن يوفقنا وإياكم للتزود من الصالحات، وأن يجمعنا وإياكم في دار كرامته ووالدينا وجميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

هذا وصلوا وسلموا ...............................

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين.......................

                                                        الموافق: 7/1/1427هـ

المشاهدات 877 | التعليقات 0