حمْدًا لكَ ياربُّ على عامٍ جَدِيدٍ 3/1/1445هـ

خالد محمد القرعاوي
1445/01/02 - 2023/07/20 08:11AM
حمْدًا لكَ ياربُّ على عامٍ جَدِيدٍ 3/1/1445هـ
الحمدُ للهِ وَسِعَتْ رَحمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ، وَعَمَّ إحسَانُهُ كُلَّ حَيٍّ، أَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا أنتَ وَحدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلكُ وَلَكَ الحَمدُ وأنتَ على كلِّ شيءٍ قَديرٌ, وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, أرْسَلَهُ ربُّهُ بالهدى ودينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ على الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ الْمُشركونَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وَبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ الكِرَامِ, وأَصحَابِهِ الأَعلامِ, أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَليٍّ, وَمَنْ تَبِعهم بِإحسانٍ وإيمانٍ على الدَّوامِ. أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، تَكُونوا خَيرَ العِبَادِ عليهِ وأَكرمَهُم وأَقرَبَهم إليهِ، واذكُروا وُقُوفـَكُم يَومَ العَرْضِ عليهِ. فَقَدْ قَالَ الْمولى سُبْحَانَهُ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ). أيُّهَا الْمؤمنُ: إذا حَلَّ عامٌ هِجْريٌّ جديدٌ فإنَّنَا نَشعُرُ بعزِّ هذا الدِّينِ الْحنيفِ, وبِتَّأْريخِنَا الْمَجِيدِ, والْمَنهَجِ النَّبويِّ الرَّشيدِ, الذي يربطُ ماضِ أَنبِيائِنَا بحاضِرِهم ومُستقبلِ دِينِهم ودَعوتِهم! فَفي مَطلَعِ عامٍ هجريٍّ جَدِيدٍ نَزدَادُ تَعظيماً لِما عَظَّمه اللهُ سبحانَهُ وحرَّمهُ! فقد أَضَافَ الرَّبُّ جلَّ وعلا الشَّهرَ الْمُحرَّم إلى نفسِهِ تَشريفًا وتكريمًا، فهو أوَّلُ الأشهرِ الحُرُم التي قالَ اللهُ عنها:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قالَ:( السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).
عِبَادَ اللهِ: ولَمَّا ذكَّرَ اللهُ بعِظَم هذهِ الشُّهور عقَّبَها بتَحرِيمِ الظُّلمِ فيها، فَمَا السِّرُّ في ذلِكَ يَا تُرَى؟ ذلِكَ يَا رَعَاكُمُ اللهَ لأنَّ الظُّلمَ سببُ كُلِّ شَرٍّ, ومَصدَرُ كُلِّ بَلاءٍ، فَمَتى فَشَا الظُّلْمُ في أُمَّةٍ آذنَ اللهُ بِهَلاكِهَا! فَفي الحديثِ القُدسي أنَّ اللهَ تَعَالى قَالَ:(يا عِبَادِي, إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسِي, وَجَعَلْتُـهُ بَينَكُم مُحرَّمًا, فَلا تَظَالَمُوا). وفي الصحيحين أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». والظُّلمُ عِبادَ اللهِ: أَنوَاعٌ ثَلاثَةٌ: ظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ اللهُ لِمَنْ مَاتَ عليهِ أَبَدًا، وهو الإِشرَاكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، كَدُعَاءِ غَيرِهِ, أو السُّجودِ لِغَيرِهِ, أو نَبْذِ شَرْعِهِ والتَّحَاكُمِ إلى مَا سِوَاهُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا). وَظُلمٌ لا يَترُكُهُ اللهُ تَعَالَى أبَدا, وَهُوَ ظُلمُ العَبدِ غَيرَهُ, فَلا بُدَّ مِنْ أَخْذِ حَقِّ الْمَظلُومِ مِنِ الظَّالِمِ وَلو بَعدَ حينٍ, وَفِي حَدِيثٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».
يَا مُؤمِنُونَ: أَلَا يُوجَدُ مِن بَينِنا مَنْ يَظلِمُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِليهِ؟ يُخَاصِمُهُما وَيَهْجُرهُما! ألا يُوجَدُ ظُلْمٌ لِلزَّوجَاتِ والأَولادِ؟ أَلا يُوجَدُ فِينَا مَنْ يَظلِمُ خَدَمَهُ وعُمَّالَهُ؟ بَلْ أَلَا يُوجَدُ مِنَ العَمَالَةِ مَنْ يَظلِمُ كَافِلَهُ سَرِقَة ًوَهُرُوبَا, وَنَصْبَاً واحتِيَالاً! فَيا عِبادَ اللهِ: تَدَارَكُوا الأَمْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ, فَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ). رَواهُ البُخارِيُّ.
عِبَادَ اللهِ: أَمَّا ثَالِثُ أَنْوَاع ِالظُّلمِ: فَهُوَ ظُلمُ العَبْدِ نَفْسَهُ بِالْمَعَاصِي والآثَامِ, فَكُلُّ ذَنْبٍّ مِنْكَ ظُلم ٌمِنْكَ على نَفْسِكَ وَبَغْيٌ عَلَيها! ألَمْ يَقُلِ اللهُ في الأشهُرِ الحُرُمِ: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). وَقَدْ قَالَ التَّابِعِيُّ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا، مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ. فَعَظِّموا مَا عَظَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا تُعَظم الْأُمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَأَهْلِ الْعَقْلِ.
يَا مُؤمِنُونَ: إنَّ مِنْ ظُلمِنَا لِأَنْفُسِنَا أنْ نُقَابِلَ نِعَمَ اللهِ بِالجُحُودِ والنُّكرَانِ! فَالبَصَرُ نِعمَةٌ سَخَّرَهَا بَعضُنا فِيما حَرَّمَ اللهُ، والسَّمعُ نِعمَةٌ سَخَّرَها البَعضُ في سَمَاعِ مَا حَرَّمَ اللهُ، والنُّطْقُ نِعمَةٌ استَخْدَمَها بَعضُنا فِي قَالَةِ السُّوءِ والكَذِبِ والبُهتَانِ! واللهُ تَعَالى يَقُولُ: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا). فالَّلهُمَّ اجعَلْ مُستَقبَلَنَا خَيرا مِنْ مَاضِينا. واغْفِر لَنا وَلِوَالِدينَا والْمُسلِمِينَ أجمَعِينَ. أقول ما سَمِعْتُمْ وأَستَغفِرُ اللهَ ليِ وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمينَ مِن كلِّ ذَنْبٍّ وَخَطيئةٍ فَاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ الهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيلِ، أَشهَدُ أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وَحدَه لا شَريك لَه العَظِيمُ الجَلِيلُ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ صَاحِبُ حَوضِ السَّلسَبِيلِ، الَّلهمَّ صلِّ وسَلِّم وبارِكْ عليهِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يَومٍ يَفِرُّ فِيه الخِلُّ من الخَلِيلِ. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ تَفُوزوا بِمَرضَاتِهِ وَتَحوزوا على خَيرَاتِهِ. وَتَأَمَّلُوا نِعَمَ اللهِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، واشْكُرُوهُ بِالْقَولِ والْعَمَلِ بِمَا يُقرِّبُكُمْ إلى الْمَولى. هَنِيئاً لِلأُمَّةِ الإسلامِيِّةِ شَهرَ اللهِ الْمُحرَّمِ هَنِيئَاً لَنَا بِفَضَائِلِهِ وَخَيْرَاتِهِ! فَصِيَامُ أيَّامِهِ أفضَلُ الأيَّامِ بَعْدَ رَمَضَانَ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ). فَاجْتَهِد أخي فِي اللهِ على الصِّيَامِ فِيه وَلَو أنْ تُحافِظَ على أَيَّامِ الاثْنَينِ والخَمِيسِ وَأَيَّامِ البِيضِ فيهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ). وَرَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله بَاعَدَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». فِيهِ يَومٌ كَانَ رَسُولُنا يَتَحَرَّى صِيَامَهُ! فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ). بَلْ كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِهِ! فلَمَّا «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ رَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهَا البُخَارِيُّ. وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن فَضْلِهِ قَالَ:(صَومُ يَومِ عَاشُورَاءَ إنِّي أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الْمَاضِيَةَ). وَقَالَ أيضَاً: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». وَمِن قَبِيلِ مُخَالَفةِ اليهَودِ أَخَذَ رَسُولُنا على نَفْسِهِ العَهدَ أنْ يُخَالِفَهُم فَقَالَ: (لَئِنْ عِشْتُ إلى قَاِبٍلٍ إنْ شَاءَ اللهُ لأُصُومَنَّ التَّاسِعَ). قالَ العُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ: وَعَلى هَذَا فَصِيامُ عَاشُورَاءَ عَلى مَرَاتِبَ: أَدْنَاهَا أنْ يُصَامَ وَحْدَهُ، وَفَوقَهُ أنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ، وَأَفْضَلُهُ أنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ والحَادِيَ عَشَرَ، فإنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ الصِّيامُ فِي الْمُحَرَّمِ كَانَ أَفْضَلَ وَأَكثَرَ أجْرَا. وَبحمْدِ اللهِ أعْلنتْ الْمَحْكَمَةُ العُليا أَنَّ يَومَ الْجُمُعَةِ القَادِمَ هُو اليومُ العَاشِرْ, فَسَيَجْتِمِعُ في ذَلِكَ اليومِ عِدَّةُ فَضَائِلَ فَلا تُفَوِّتُوا صِيَامَهُ وَحُثُّوا أبْنَاءَكُمْ وَأهْلَ بَيتِكُمْ عَلى صِيَامِهِ. وَمِمَّا قَالَهُ الشَّيخَانِ ابنُ بَازٍ وابنُ العُثَيمِينَ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالى: " أَنَّهُ لَو وَافَقَ يَومَ الجُمُعَةِ يَومَ عَاشُورَاءَ فَإنَّهُ لا حَرَجَ عَليهِ أَنْ يُفْرِدَهُ بِالصِّيَامِ".
عِبَادَ اللهِ: شَهرُ اللهِ الْمُحَرَّم يذكِّرنا بسُّنَّةِ الْمُلْهَمِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأرضَاهُ حِينَ قَالَ:(الهِجرَةُ فَرَّقت بَينَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فَأَرِّخوا بِها). وَاخْتَارَ الْمُحرَّمَ لِأَنَّه الشَّهرُ الذي بَايعَ فِيهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الأْنْصَارَ على الهِجْرَةِ، فَكَانَ رَأيَاً سَدِيدًا، تَضبِطُ فيهِ الأمَّةُ أَحْدَاثَهَا، وتُسجِّلُ فِيهِ مَجدَها وعِزَّها، ويكونُ شِعارًا لها في عِبَادَاتِها ومُعَامَلاتِها وأَحوالِها, فالتَّأريخُ الهِجريُّ مُرتَبِطٌ بدِينِنَا، كَحُلُولِ الزَّكاةِ وآجالِ الدُّيونِ وعِدَدِ الطَّلاقِ ومُدَدِ الإِحدَادِ وَغَيرها؛ قَالَ اللهُ تَعالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ). أمَّا الْمِيلاديُّ فهو مُرتبطٌ بِدينٍ بَاطِلٍ، فَقد رُبِطَ بميلادِ الْمَسِيحِ عليهِ السَّلامُ كذِبَاً وَزُوراً! مِنْ هُنا نَعرِفُ أنَّ تَقْوِيمَهُم وَضْعِيٌّ، غيرَ مَبنيٍّ على أَسَاسٍ كَوْنِيٍّ! بِخَلافِ التَّقويمِ الإسلامِيِّ الْمُرْتَبِطِ بِظَاهِرَةٍ كَونِيَّةٍ واضِحَةٍ، فَالاعتِمَادُ عَلى الأَشْهُرِ الغَربِيَّةِ فَقَط طَمسٌ لِلهَوِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ! فيا عبادَ اللهِ: اقْدُرُوا لِلأَمْرِ قَدْرَهُ، ولا تَتَساهَلُوا فيه، فإنَّ العِزَّةَ بإتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤمِنينَ, وبِمُخَالَفةِ الكَافِرينَ. اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على الكافرين رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللهمَّ اجعل مُستَقبلنا خيراً من ماضينا, وأحسن عاقِبَتِنا في الأمورِ كُلِّها وأجرنا من خِزْي الدُّنيا وعذابِ الآخِرَةِ, اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداءَ الدِّين، واجعل بَلدَنا آمنًا مطمئنًّا وسائرَ بلادِ المسلمين اللهمّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاةَ أمرنا، ووفقهم لِما فيه صَلاحُ الإسلام والمسلمينَ, اللهم انصر جنودنا واحفظ حدودنا والمسلمينَ أجمعِينَ. عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيمَ الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ الله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
 
 
المشاهدات 1758 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا