حماية للمرأة أم تدمير للأسرة؟!
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ القَدِيرِ؛ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ؛ فَإِلَيْهِ يَتوَجَّهُونَ، وَبِشَرِيعَتِهِ يَعْمَلُونَ، وَلِرِضَاهُ يَطْلُبُونَ، فَعَمَلُهُمْ مَبْرُورٌ، وَسَعْيُهُمْ مَشْكُورٌ، وَضَلَّ عَنْ هِدَايَتِهِ أَهْلُ الاسْتِكْبَارِ وَالعِنَادِ، فَتَرَكُوا الهُدَى وَالرَّشَادَ، وَرَكِبُوا سُبُلَ الانْحِرَافِ وَالفَسَادِ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ كَتَبَ الصِّرَاعَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ سُنَّةً فِي خَلْقِهِ، وَجَعَلَ الأَيَّامَ دُوَلاً بَيْنَ عِبَادِهِ؛ لِيَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَالمُوقِنَ مِنَ المُشَكِّكِ، وَالثَّابِتَ مِنَ النَّاكِصِ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ جَادَلَتْهُ قُرَيْشٌ فِي رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَسَاوَمَتْهُ عَلَى دِينِهِ، فمَا حَادَ وَلاَ مَادَ، وَبَذَلَ رَقَبَتَهُ الشَّرِيفَةَ فِدَاءً لِرَبِّهِ وَدِينِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوبَكُمْ، اسْتَسْلِمُوا لِشَرْعِهِ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ، وَعَظِّمُوا شَرِيعَتَهُ؛ فَبِهَا عِزُّكُمْ وَنَصْرُكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَنَجاتُكُمْ وَفَوْزُكُمْ فِي الآخِرَةِ؛ [وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا] {النساء:69}.
أَيُّهَا النَّاسُ: جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الأُسْرَةَ قِوَامَ الحَيَاةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، فَلاَ بَقَاءَ لِلْبَشَرِ إِلاَّ بِالنَّسْلِ، وَلاَ نَسْلَ سَوِيًّا إِلاَّ بأُسْرَةٍ، وَآدَمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ وَزَوْجُهُ مَعَهُ، وَكُلُّ مَا فِي الوُجُودِ مُفْتَقِرٌ إِلَى زَوْجِهِ، وَإِلاَّ انْعَدَمَ نَوْعُهُ؛ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّدَ بِالأَحَدِيَّةِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ للهِ تَعَالَى، فَهُوَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَلاَ شَرِيكَ لَهُ فِي الخَلْقِ وَالأَمْرِ، وَلاَ يَفْتَقِرُ لِشَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ؛ [وَرَبُّكَ الغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ] {الأنعام:133}.
وَعَلَى هَذِهِ السُّنَنِ الرَّبَّانِيَّةِ سَارَتِ البَشَرِيَّةُ مُنْذُ هُبُوطِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ؛ فَكَانَتْ فِيهِمْ سُنَّةُ التَّنَاكُحِ وَالتَّنَاسُلِ، وَكَانَ لِلرِّجَالِ أَعْمَالُهُمْ، وَلِلنِّسَاءِ أَعْمَالُهُنَّ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي هَذَا القَانُونِ البَشَرِيِّ الفِطْرِيِّ تَحْرِيفُ الدِّيَانَاتِ وَإِفْسَادُهَا؛ إِذْ ظَلَّ الرِّجَالُ رِجَالاً لَهُمْ وَظَائِفُهُمْ، وَظَلَّ النِّسَاءُ نِسَاءً لَهُنَّ وَظَائِفُهُنَّ عِنْدَ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ وَعِنْدَ أَعْدَائِهِمْ، وَعِنْدَ المُؤْمِنِينَ وَعِنْدَ الكِتَابِيِّينَ وَعِنْدَ الوَثَنِيِّينَ، وَعِنْدَ الجَهَلَةِ البِدَائِيِّينَ، وَعِنْدَ المُتَعَلِّمِينَ، إِلَى أَنْ جَاءَتِ الحَضَارَةُ اللِّيبْرَالِيَّةُ المُعَاصِرَةُ بِإِلْحَادِهَا، وَأُسِّسَتْ فِكْرَتُهَا عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ هُوَ مَرْكَزُ الكَوْنِ، وَعَلَى أَنَّ الجَسَدَ مِلْكٌ لِلإِنْسَانِ، فَبِالأَوْلَى اسْتُبَعِدَ عَالَمُ الغَيْبِ، وَأُقْصِيَتِ الشَّرَائِعُ، وَبِالثَّانِيَةِ فُتِحَ العَبَثُ الجِنْسِيُّ، وَأُلْغِيَتِ الضَّوَابِطُ فِيهِ، فَدُمِّرَتِ الأُسْرَةُ السَّوِيَّةُ، وَحَلَّتْ مَحَلَّهَا الفَرْدِيَّةُ أَوِ الأُسْرَةُ البَدِيلَةُ، كَمَا هُوَ حَالُ المُجْتَمَعِ الغَرْبِيِّ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ.
إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ المَرْأَةَ سَكَنًا لِلرَّجُلِ، وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسًا لِلآخَرِ، وَغَرَسَ بَيْنَهُمَا المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ، فَتَنْمُو بِخُلْطَتِهِمَا، وَتَكْبُرُ فِي عِشْرَتِهِمَا، حَتَّى يَأْلَفَهَا وَتَأْلَفَهُ، وَيَنْتُجَ عَنْهُمَا ذُرِّيَّةٌ طَيِّبَةٌ، وَأُسْرَةٌ سَوِيَّةٌ، وَجِيلٌ صَالِحٌ؛ [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] {البقرة:187}، [وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا] {الأعراف:189}، [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] {الرُّوم:21}.
هَذِهِ هِيَ الفِطْرَةُ السَّوِيَّةُ، وَهِيَ مَا يُنَاسِبُ النَّفْسَ البَشَرِيَّةَ، بِدَلِيلِ اتِّفَاقِ البَشَرِ كُلِّهِمْ عَلَيْهَا عَلَى اخْتِلاَفِ أَدْيَانِهِمْ وَثَقَافَاتِهِمْ وَأَعْرَافِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ؛ جَاءَتِ اللِّيبْرَالِيَّةُ الإِلْحَادِيَّةُ الاسْتِئْصَالِيَّةُ لِتَطْمِسَ هَذِهِ الفِطْرَةَ السَّوِيَّةَ، وَتُلْغِي مَفْهُومَ الذُّكُورَةِ وَالأُنُوثَةِ، وَتَجْعَلَ الرَّجُلَ يَسْكُنُ إِلَى رَجُلٍ، وَالمَرْأَةَ تَسْكُنُ إِلَى امَرْأَةٍ، بَلْ وَيُغَيِّرُ المَرْءُ نَوْعَهُ مَتَى شَاءَ؛ فَالذَّكَرُ يتَحَوَّلُ إِلَى أُنْثَى، وَالعَكْسُ!
وَقَدْ كَانَ الغَرْبُ مِنْ قَبْلُ يَقْتَصِرُ عَلَى بَثِّ هَذِهِ الثَّقَافَةِ اللِّيبْرَالِيَّةِ الَّتِي تَشْمَئِزُّ مِنْهَا النُّفُوسُ المُسْتَقِيمَةُ، وَتَرْفُضُهَا العُقُولُ الصَّرِيحَةُ، وَتَأْبَاهَا الشَّرَائِعُ الرَّبَّانِيَّةُ، وَلَكِنَّهُ تَوَجَّهُ فِي السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةِ إِلَى فَرْضِهَا بِقُوَّةِ القَرَارَاتِ الدَّوْلِيَّةِ الطَّاغُوتِيَّةِ، وَهُوَ مَا نُشَاهِدُ آثَارَهُ بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ فِي نَشْرِ التَّغْرِيبِ، وَفَرْضِهِ بِقُوَّةِ القَرَارِ السِّيَاسِيِّ، وَتَطْبِيقِ اللِّيبْرَالِيَّةَ الاسْتِئْصَالِيَّةَ بِالْتِزَامٍ دُونَ اعْتِبَارٍ لِخِيَارَاتِ النَّاسِ أَوْ أَدْيَانِهِمْ أَوْ ثَقَافَتِهِمْ، وَنَائِحَاتُ الإِعْلاَمِ المُسْتَأْجَرَةُ تَنُوحُ لِفَرْضِهِ، وَتَنُوحُ عَلَى رَفْضِهِ.
وَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ، وَفِي الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ تُطْرَحُ وَثِيقَةٌ بِعُنْوَانِ: "إِلْغَاءُ وَمَنْعُ كَافَّةِ أَشْكَالِ العُنْفِ ضِدَّ النِّسَاءِ وَالفَتَيَاتِ"، وَمَنْ طَالَعَ بُنُودَهَا عَلِمَ أَنَّهَا تَتَبَنَّى فَرْضَ الثَّقَافَةِ اللِّيبْرَالِيَّةِ الإِلْحَادِيَّةِ الاسْتِئْصَالِيَّةِ فِي قَضَايَا المَرْأَة، وَأَنَّهَا تُرِيدُ الإِجْهَازَ الكَامِلَ عَلَى أَحْكَامِ اللهِ تَعَالَى فِي الأُسْرَةِ.
فَهِيَ وَثِيقَةٌ ذَكَرَتْ أُمُورًا تَعُدُّهَا مِنَ العُنْفِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَمِنْ تِلْكُمُ الأُمُورِ:
اخْتِصَاصُ المَرْأَةِ بِمَهَامِّ الأُمُومَةِ، وَقِوَامَةُ الرَّجُلِ عَلَى المَرْأَةِ، بِحَيْثُ يَحُلُّ مَفْهُومُ الشَّرَاكَةِ مَحَلَّ القِوَامَةِ، وَيُشَارِكُ الرَّجُلُ فِي مَهَامِّ الأُمُومَةِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مِنَ الفُجُورِ اسْتِئْجَارُ الأَرْحَامِ لِلشَّوَاذِّ وَالشَّاذَّاتِ مِنْ أَجْلِ الإِنْجَابِ.
وَالفَوَارِقُ الَّتِي وَضَعَتْهَا الشَّرِيعَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ، فِي تَشْرِيعَاتِ الزَّوَاجِ، وَالطَّلاَقِ، وَالتَّعَدُّدِ، وَالعِدَّةِ، وَالمَهْرِ، وَالمِيرَاثِ، وَنَحْوِهَا، يُرِيدُونَ إِلْغَاءَهَا كُلَّهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا عُنْفٌ ضِدَّ المَرْأَةِ، وَتَمْيِيزٌ لَهَا عَنِ الرَّجُلِ، فَلاَ وِلاَيَةَ لِلْأَبِ عَلَى البِنْتِ فِي النِّكَاحِ، وَلاَ عِصْمَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ، وَلاَ عِدَّةَ لِلْمَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ، وَلاَ مَهْرَ لِلْمَرْأَةِ، مَعَ مَنْعِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ، وَفَرْضِ مُسَاوَاةِ المَرْأَةِ لِلرَّجُلِ فِي المِيرَاثِ.
وَتَنُصُّ وَثِيقَتُهُمُ الإِلْحَادِيَّةُ عَلَى إِلْغَاءِ القُيُودِ المَفْرُوضَةِ عَلَى الحُرِّيَّاتِ الجِنْسِيَّةِ لِلْمَرْأَةِ وَالفَتَاةِ، أَيْ: إِلْغَاءِ تَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسُّحَاقِ وَإِبَاحَتِهِمَا، وَإِلْغَاءِ العُقُوبَةِ المُرَتَّبَةِ عَلَيْهِمَا مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، وَإِتَاحَةِ الفُرْصَةِ لِلْفَتَاةِ أَنْ تُغَيِّرَ جِنْسَهَا فَتَتَحَوَّلَ إِلَى ذَكَرٍ بِالاسْتِرْجَالِ!
وَمِنَ العُنْفِ الَّذِي تَرَاهُ وَثِيقَتُهُمْ ضِدَّ المَرْأَةِ: عَدَمُ تَوْفِيرِ وَسَائِلَ مَنْعِ الحَمْلِ لِلْفَتَيَاتِ الزَّانِيَاتِ، وَعَدَمُ السَّمَاحِ بِالإِجْهَاضِ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ الحَمْلِ غَيْرِ المَرْغُوبِ فِيهِ.
وَتَرَى وَثِيقَتُهُمُ الإِلْحَادِيَّةُ: مُسَاوَاةَ الزَّانِيَةِ بِالزَّوْجَةِ، وَمُسَاوَاةَ أَبْنَاءِ الزِّنَا بِالأَبْنَاءِ الشَّرْعِيِّينَ مُسَاوَاةً كَامِلَةً فِي كُلِّ الحُقُوقُ.
وَالأَخْطَرُ مِمَّا سَبَقَ، الإِلْحَاحُ الدَّائِمُ مِنْ قِبَلِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ عَلَى الحُكُومَاتِ بِرَفْعِ التَّحَفُّظَاتِ الَّتِي وَضَعَتْهَا عِنْدَ التَّوْقِيعِ عَلَى الاتِّفَاقِيَّاتِ السَّابِقَةِ، وَهَذَا انْتِهَاكٌ لِسِيَادَةِ الدُّوَلِ، وَاحْتِقَارٌ لِإِرَادَةِ الشُّعُوبِ، وَمُصَادَرَةٌ لِمَا ارْتَضَوْهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الرَّبَّانِيَّةِ لِصَالِحِ فِكْرٍ مُنْحَرِفٍ انْبَثَقَ مِنْ دُعَاةِ النِّسَوِيَّةِ، يَتَبَنَّاهُ حُثَالَةٌ مِنَ مَلاَحِدَةِ اللِّيبْرَالِيَّةِ الاِسْتِئْصَالِيَّةِ.
وَيُلِحُّونَ عَلَى مُمَثِّلِي الدُّوَلِ الإِسْلاَمِيَّةِ التَّوْقِيعَ عَلَى قَرَارَاتٍ تُعْطِي لِلْأُمَمِ المُتَّحِدَةِ حَقَّ التَّدَخُّلِ المُبَاشِرِ فِي الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ لِلدُّوَلِ، وِإِحَالَةَ أَيِّ حُكُومَةٍ إِلَى مَحْكَمَةِ الجَرَائِمِ الدَّوْلِيَّةِ فِي حَالَ وُجُودِ شَكْوَى بِسَبَبِ وُجُودِ قَانُونٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ، مِثْلَ: المِيرَاثِ وَالتَّعَدُّدِ وَالوِلاَيَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الاتِّفَاقِيَّاتِ الدَّوْلِيَّةَ الَّتِي تَصْدُرُ بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ، وَتُصَعِّدُ مِنْ مَطَالِبِهَا وَقَرَارَاتِهَا، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالطِّفْلِ وَالمَرْأَةِ وَالأُسْرَةِ أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّاتٌ تُنَاصِبُ الشَّرَائِعَ الرَّبَّانِيَّةَ العَدَاءَ، وَتُرِيدُ القَضَاءَ عَلَى أَحْكَامِ الأُسْرَةِ فِي الإِسْلامِ، يَصُوغُهَا مُتَطَرِّفُو النِّسَوِيَّةِ، وَتَتَبَنَّاهَا المُنَظَّمَاتُ الدَّوْلِيَّةُ، وَيُسَوِّقُهَا دُعَاةُ اللِّيبْرَالِيَّةِ، حَتَّى تَأْخُذَ زَخَمَهَا فِي الإِعْلاَمِ، ثُمَّ تُفْرَضُ عَلَى الشُّعُوبِ بِالقَرَارَاتِ السِّيَاسِيَّةِ التَّغْرِيبِيَّةِ، فَيَا لَهَا مِنْ خَيْبَةٍ لَحِقَتْ بِالبَشَرِ حِينَ يَفْرِضُ المَنْبُوذُونَ مِنْ دُعَاةِ الشُّذُوذِ رُؤَاهُمُ الشَّاذَّةَ عَلَى البَشَرِ أَجْمَعِينَ، وَيَا لِخَيْبَةِ المُسْلِمِينَ دُوَلاً وَشُعُوبًا إِنْ رَضُوا بِهَذَا الخَبَالِ وَالضَّيَاعِ الَّذِي فَتَكَ بِالأُمَمِ المُنْحَلَّةِ فِي الدُّوَلِ الغَرْبِيَّةِ، فَدَمَّرَ المَرْأَةَ والأُسْرَةَ، وَقَضَى عَلَى الطُّفُولَةِ السَّوِيَّةِ، وَنَشَرَ الأَمْرَاضَ وَالأَوْبِئَةَ، وَأَضْعَفَ الانْتِمَاءَ إِلَى الجَمَاعَةِ، وَكَرَّسَ الفَرْدِيَّةَ؛ [سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاة الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {البقرة:211-212}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ...
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَانْصُرُوهُ سُبْحَانَهُ بِنُصْرَةِ دِينِهِ، وَالذَّبِّ عَنْ شَرِيعَتِهِ، وَبَيَانِ الحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ، وَرَدِّ عُدْوَانِ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ عَنْ أَحْكَامِهِ الَّتِي ارْتَضَاهَا، وَعَنْ شَرِيعَتِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا؛ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ] {محمد:7-8}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: بَدَأَ تَشْرِيعُ إِبَاحَةِ الفَوَاحِشِ وَالشُّذُوذِ فِي البِلاَدِ الغَرْبِيَّةِ بِثَوَرَاتِ الحُرِّيَّةِ الَّتِي كَانَ مِنْ أَسَاسَاتِهَا الحُرِّيَّةُ الشَّخْصِيَّةُ، وَمِنْهَا حُرِّيَّةُ الإِنْسَانِ فِي جَسَدِهِ، وَكَانَ أَهْلُ الفَوَاحِشِ وَالشُّذُوذِ مَحَلَّ اسْتِهْجَانٍ فِي المُجْتَمَع الغَرْبِيِّ، وَيُخْفُونَ عَنِ النَّاسِ نَوَازِعَهُمُ الشَّاذَّةَ، وَلَكِنْ مَعَ تَشْرِيعِ ذَلِكَ وَحِمَايَتِهِ، وَسَنِّ القَوَانِينِ تِلْوَ القَوَانِينِ لِتَطْبِيعِ المُجْتَمَعِ بِهِ صَارَتِ الفَوَاحِشُ وَالشُّذُوذُ جُزْءًا مِنَ المُجْتَمَعِ الغَرْبِيِّ، وَأَيْدُلُوجِيَّةً يَدْعُونَ إِلَيْهَا، وَيُثْبِتُونَ بِهَا مَدَى اتِّسَاعِ الحُرِّيَّةِ عِنْدَهُمْ، وَوَقَفَتِ الكَنِيسَةُ مَوْقِفَ المُمَانِعِ ثُمَّ مَوْقِفَ السَّاكِتِ، ثُمَّ مَوْقِفَ المُؤَيِّدِ؛ حَتَّى إِنَّ بَابَا الفَاتِيكَانِ وَهُوَ أَكْبَرُ مَرْجِعِيَّةٍ دِينِيَّةٍ عِنْدَ النَّصَارَى لاَ يَجْرُؤُ فِي خُطَبِهِ وَمَوَاعِظِهِ عَلَى أَنْ يَفُوهَ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا أَوْ السُّحَاقِ أَوْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ، أَوِ التَّعَرِّي، أَوِ اسْتِرْجَالِ النِّسَاءِ، أَوِ اسْتِئْنَاثِ الرِّجَالِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِي دِينِهِمْ تَحْرِيمًا قَطْعِيًّا، وَبَقِيَ تَحْرِيمُهُ حَتَّى بَعْدَ تَحْرِيفِ الأَنَاجِيلِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ سَطْوَةُ اللِّيبْرَالِيَّةِ الاسْتِئْصَالِيَّةِ وَصَرَعُهَا لِلْكَنِيسَةِ وَرِجَالِهَا، وَأَقَرَّتْ كَثِيرٌ مِنَ الكَنَائِسِ الشُّذُوذَ، وَتَعْقِدُ لِرِجَالٍ عَلَى رِجَالٍ، وَنِسَاءٍ عَلَى نِسَاءٍ، وَيُفَاخِرُ الشَّوَاذُّ بِذَلِكَ، وَيَظْهَرُونَ عَلَى الشَّاشَاتِ، وَيَتَقَلَّدُونَ أَعْلَى المَنَاصِبِ، وَهَذَا يَدُلُّنَا عَلَى مَا بَلَغَتْهُ الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ مِنَ الفَسَادِ الأَخْلاَقِيِّ، وَالتَّرَدِّي الاجْتِمَاعِيِّ، وَيُرِيدُونَ فَرْضَ هَذَا الفِكْرِ الإِلْحَادِيِّ عَلَى البَشَرِ أَجْمَعِينَ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْبَرَ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ؛ فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ تَفْنَى هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَقُومَ الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَة فَيَفْتَرِشَهَا فِي الطَّرِيقِ، فَيَكُونَ خِيَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ: لَوْ وَارَيْتَهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ»؛ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ»؛ أَيْ يُجَامِعُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ عَلاَنِيَةً بِحَضْرَةِ النَّاسِ، كَمَا يَفْعَلُ الحَمِيرُ وَلاَ يَكْتَرِثُونَ لِذَلِكَ.
وَفِي المُسْلِمِينَ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، بَلْ فِيهِمْ دَاعُونَ بِدَعْوَتِهِمْ، عَامِلُونَ بِعَمَلِهِمْ، يَكْثُرُ فِي كِتَابَاتِهِمْ وَمَقُولاَتِهِمُ التَّأْكِيدُ عَلَى مِلْكِيَّةِ الإِنْسَانِ لِجَسَدِهِ، وَحُرِّيَّتِهِ الشَّخْصِيَّةِ، وَالدَّعْوةِ إِلَى الفَوَاحِشِ عَنْ طَرِيقِ الأَغَانِي المُصَوَّرَةِ، وَالمُسَلْسَلاَتِ المُدَبْلَجَةِ، وَالأَفْلاَمِ المُتَرْجَمَةِ، وَالرِّوَايَاتِ الإِلْحَادِيَّةِ السَّاقِطَةِ، وَالمَقَالاَتِ الفِكْرِيَّةِ المُحَرِّضَةِ عَلَى التَّمَرُّدِ، الدَّاعِيَةِ لِرَفْضِ سُلْطَةِ الدِّينِ عَلَى النَّاسِ، وَالعَمَلِ عَلَى نَشْرِ الفَوَاحِشِ بِطُرُقٍ عَمَلِيَّةٍ تَقُودُ النَّاسَ إِلَيْهِ، كَتَطْبِيعِ الاخْتِلاَطِ وَفَرْضِهِ، وَإِخْرَاجِ المَرْأَةِ مِنَ المَنْزِلِ بِقُوَّةِ الحَاجَةِ وَالدَّافِعِ الاقْتِصَادِيِّ.
وَإِذَا لَمْ يَحْتَسِبِ النَّاسُ عَلَى المُفْسِدِينَ، وَيُقَاوِمُوا ثَقَافَةَ الإِلْحَادِ التَّغْرِيبِيَّةَ فَسَيَأْتِي الْيَوْمُ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الآباءُ وَلاَ الأُمَّهَاتُ أَيَّ سُلْطَةٍ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، وَلاَ يَمْلِكُ الأَزْوَاجُ قِوَامَةً عَلَى زَوْجَاتِهِمْ، وَنَعُوذُ بِاللهِ تَعَالَى أَنْ نُدْرِكَ ذَلِكَ فِي بِلاَدِ المُسْلِمِينَ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَعْصِمَنَا مَا بَقِيَنَا، وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا دِينَنَا وَأَمْنَنَا، وَأَنْ يَكْبِتَ المُفْسِدِينَ، وَيَجْعَلَهُمْ فِي الأَذَلِّينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
حماية للمرأة أم تدمير للأسرة.doc
حماية للمرأة أم تدمير للأسرة.doc
حِمَايَةٌ للمَرْأَةِ أَمْ تَدْمِيرٌ للأُسْرَةِ.doc
حِمَايَةٌ للمَرْأَةِ أَمْ تَدْمِيرٌ للأُسْرَةِ.doc
المشاهدات 4960 | التعليقات 8
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
بارك الله فيك
تأصيل جميل وتسلسل منطقي رائع
ليست بغريبة على شيخنا
الإخوة الكرام ظافر وشبيب وأبا مها واللهيبي.. حياكم الله تعالى وأشكر لكم مروركم وتعليقكم على الخطبة وأسأل الله تعالى أن ينفع ببكم ويستجيب دعواتكم ويجزيكم خيرا..
صدقت وبرَرت شيخنا الجليل ، و في الحقيقة وفي العُمق : مالنا و هذه الوثيقة ؟! ، والله مفترقُ الطريق بين المسلمين وغيرهم واضحٌ لو عقلَ الناس ! : [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ] ، هو سبحانه المعبودُ بحق لا إله غيره ولا ربّ سواه ، هو من خلق و يعرف من خَلَق ، و صبغةُ الله ليس كمثلها صِبغة ، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون . نسأل الله السلامة والعافية و الهداية والثبات .
الأخوان الكريمان أبا سلمان ورشيد.. أشكر لكما مروركما وتعليقكما على الخطبة وأسأل الله تعالى أن ينفع بكما..
ظافر ظافر
جزاك الله خيرا - شيخنا المبارك - وبارك في علمك وعملك .
تعديل التعليق