حِلمُ حَالمٍ وتَعْبِيرُ عَابِرٍ الجمعة 1442/4/12هـ

يوسف العوض
1442/04/09 - 2020/11/24 08:14AM

الخطبة الأولى

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : تَفسِيرُ الأَحلامِ ظَاهرةٌ عَامةٌ فِي كلِّ الشُّعوبِ والأُمَمِ ، ضَاربةٌ فِي ثَقافةِ الشُّعوبِ قِدَمَ التَّاريخِ وحَاضرةٌ فِي كلٍّ عصَرٍ وَ أَوَانٍ ، تَعَاطَاهَا الأَسيادُ والأَشرافُ والحُكَّامُ والوُلاةُ والوُزرَاءُ ، ومَن لَهُ مِنْ العِلمِ والثَّقافةِ نَصيبٌ ، كَمَا تَعَاطَاهَا العامَّةُ والسُّوقةُ والأمِّيُّون ، وظلَّ مَوضوعُ تَفسِيرِ الأَحلامِ ، مَوضُوعاً يُؤَرِقُ النَّاسَ ويَشغَلُهم فَمَا هِي قِصَّةُ الْأَحْلَامِ والرُّؤى ؟   
 
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : خَلَقَ اللَّهُ النَّوْمَ رَحِمَةً بِالْإِنْسَان يَخْلُدُ إلَيْه فَيُزِيلُ عَنْه النَّصَبَ وَيَرْفَعُ مَا بِهِ مِنْ وَصَبٍ فَيُنصِّفُ الْمَرْءُ جَسَدَه وَفِكْرَه وَعَقْلَه فتَقرُّ عَيْنُه وتَهنَأُ رُوحُه وتَصفُو نَفْسُه فَيُبْعَثُ نَشيطاً مُبدعاً ، ولكنَّ النَّوْمَ فِي بَعضِ الأحِيان لا يُحَقِّقُ الْمُرَادَ منه بَلْ يخَرَجُ عَنْ السِّيَاقِ فيكونُ أَثقَالاً مَع أَثقالٍ وَيمَلأَ الْقَلْبَ هَماً وَالنَّفْسَ غَماً وَالْجَسَدَ حِمْلاً  والسَّببُ هوَ المَنامَاتُ التِي يرَاهَا الإنسانُ في نَومِه ، وربما يَزدادُ الأمرُ سُوءاً إذا سَألَ مُعَبراً  فيقَعُ هَذَا الْمِسْكِينُ فَرِيسَةً سَهْلَةً لِمؤولٍ جَاهِلٍ لَا يُمِيِّزُ بَيْن بُشْرَى الرَّحمَنِ وتَحْزِينِ الشَّيْطَانِ وَلَا بَيْنَ حديثِ النَّفْسِ وَبَيْنَ تَلاعبِ الشَّيطانِ ولا بَينَ الأضغاثِ والأحلامِ ،  لَقَد أوَّلَ رُؤْيَاه بِمَوْتِه وَهَتْكِ عِرْضِه وَفَصِّلِه مِنْ عَمَلِهِ وَإِنْ كُلَّ مَنْ حَوْلَهُ قَدْ عَانوه وبأبصَارِهِم قَد أَصَابُوه ، حينها تُحَدِّدُ آمالَنا الأحلامُ ويَرسُمُ مُستقبلَنا المَنامُ وتَنطلقُ طموحاتُنا مِن الأوهامِ وتنبثقُ تطلعاتُنا مِن تَلاعبِ الشَّيْطَانِ وَتُبْنَى علاقاتُنا عَلَى وَسَاوِسِ الشَّيْطَان ، فسُبحانَ اللهِ أَلَيْسَت انْتِبَاهَةُ الْعَيْنِ أَوْلَى مِنْ غَمضَتِها ؟ !
 
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إنَّ أمرَ الرُّؤى وتعبيرَها ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَمْ تَكُنْ الرُّؤى إلَّا بِشارةً أونَذارةً أَو عِتاباً وَمَا سِوَاهُ فَحَدِيثُ نَفْسٍ أَوْ مِنْ الْأَضْغَاثِ وَالْأَحْلَامِ والشَّيطانِ ، والرُّؤى وَالْأَحْلَامُ لَا يُستلُ مِنْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فتعبيرُها ظَنِّي لَا يُقْطَعُ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى أَحَدٍ وَلَا تَبَرَّرُ مواقفَنا وقراراتِنا وسلوكياتِنا تُجَاه أَحَدٍ بِنَاءً عَلَى حِلمِ حالمٍ أَو تَعْبِيرِ عَابِرٍ ، وماكان مِنْ آثَارِهَا مِنْ قَطِيعَةٍ وَسُوءِ ظَنٍّ وَجَوْرٍ وَظُلمٍ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ القَلَقَ مِنْ خِلَالِ التَّعْبِيرِ أَوْ إحْدَاثِ الْقَطِيعَةِ أَو إيقَاعِ الظُّلمِ أَوْ إسَاءَةِ الظَّنِّ أَوْ التَّرَبُّصِ بِالْآخَرِين وَهَتْكِ سِتْرِهِمْ أَو فَضَحِهِم أَو تَعْرِيَةِ بُيُوتِهِم وَكَشفِ أَسْرَارِهِم وعَوارِهم أَوْ كَانَ التَّعْبِيرُ حاضاً عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ وَالرُّكُونِ إلَى الْكَسَلِ وَالدَّعَةِ وَالنَّوْمِ ، فالْبَاعِثُ عَلَى التَّأْوِيلِ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم التَّعْلِيمُ وَالتَّدْرِيبُ وَالتَّوْجِيهُ وَالنُّصْحُ وَالْبِشَارَةُ وَبَثُّ الْأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ فِي النُّفُوسِ وَنَبْذُ التَّخَوُّفِ مِنْ الرُّؤى ومايَنتجُ عَنْهَا ، وَأَمَّا رُؤْيَاه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِي وَحْيٌ صَادِقٌ فَكَان التعبير في عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلماً أَرَادَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يتعلموه ويتدربوا عَلَيْهِ مِنْ خِلَالِ مَدْرَسَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى الْمُؤَوَّلِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وينهلَ مِنْ الْمَدْرَسَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ إنْ أَرَادَ التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيُمْسِك عَلَيْهِ لِسَانَهُ .
 
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : لَقَد غَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى زوجهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عِنْدَمَا أَوَّلْت لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلْتها لمَّا لَم تَجِدْ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأْوَلت عَائِشَةُ رُؤْيَاهَا بالنيابةِ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فأْوَلت بِمَوْتِ زَوْجِهَا وَفُجُورِ وَلَدِهَا ، وحذَّر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ الِاسْتِسْلَامِ للأوهامِ وتَلاعبِ الشَّيْطَانِ فَذَاك رَجُلٌ يَذْكُرُ مارآه مَنْ قَطعِ رَأْسِهِ وتَتبعِه لَه فَيَغْضَبُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وَيَزْجُرُه وَيَقُول ؛ (لا تُخْبِر بتلَّعُبِ الشَّيْطَانِ بِك فِي المنامِ ) .
 
الخطبة الثانية
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَقَدْ خَافَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ الْأَحْلَام إلَى أَنْ تَحَوَّلَ الْخَوْفُ مَرضاً عند قَلِيلٍ مِنْهُمْ كَأَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فتُمرِضُنِي حَتّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ : وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمرِضُنِي حَتّى سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (الرؤيا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثُ بِهِ إلَّا مِنْ يُحِبُّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وليَتفُل ثَلَاثًا وَلَا يُحْدِّثُ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَن تضرَّه)  إنّ مَنْهَجَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى أَحَدُنَا الرُّؤْيَا الْحَسَنَةَ أَنْ يُحْمَدَ اللَّهَ وَيَسْتَبْشِر بِهَا وَيُحَدِّث بِهَا مِنْ يُحِبُّ وَأن يُفَسِّرَهَا التَّفْسِيرَ الْحَسَنَ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الرُّؤْيَا سَيِّئَةً فَأَمَرَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّفلِ عَنْ يَسَارِهِ ثلاثاً وَتَغْيِيرِ جَنْبِه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ وألّا يُحَدِّثُ بِهَا أحداً وألّا يُفَسِّرَهَا ، وَاَللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  .
المشاهدات 1349 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا