حلاوة الإيمان

سلطان الحصين
1442/11/09 - 2021/06/19 13:19PM
حَلَاوَةُ الإيمَان

الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّين وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهِ حَمَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [سورة البقرة:197]

مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: يَجِدُ الُمتَبَصِّرُ فِي أُمُورِ الحَيَاةِ وَشُؤُونِ الأَحْيَاء فِئَاتٍ مِنَ النَّاسِ تَعِيشُ أَلْوَاناً مِنَ التَّعَبِ وَالشَّقَاءِ، وَتَنْفُثُ صُدُورُهَا أَنْوَاعاً مِنَ الضَّجَرِ وَالشَّكْوَى، ضَجَرٌ وَشَقَاءٌ يَعْصِفُ بِالْأَمَانِ وَالاطْمِئْنَان، وَنُفُوسٌ مُنْغَمِسَةٌ فِي أَضْغَانِهَا وَأَنَانِيَّتِهَا

.وَيَعُودُ المُتَبَصِّرُ كَرَّةً أُخْرَى لِيَرَى فِئَاتٍ مِنَ النَّاسِ أُخْرَى قَدْ نَعِمَتْ بِهَنِيءِ العَيْشِ وَفُيُوضِ الخَيْرِ، طَيِّبَةَ القَلْبِ سَلِيمَةَ الصَّدْرِ طَلِيقَةَ الْمَحْيَا

مَا الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ هَذَيْنِ الفَرِيقَيْنِ؟ وَمَا الَّذِي بَاعَدَ بَيْنَ هَذَيْنِ المُتَبَاعِدَيْنِ؟ إِنَّهُ الإِيمَانُ وَحَلَاوَةُ الإِيمَانِ، جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيْمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً» أخرجه مسلم، كَمَا أَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ ثَلَاثاً مَنْ ُكنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: «أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الَمرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار» متفق عليه

إِخْوَةَ الإِيمَان: لِلْإِيمَانِ طَعْمٌ يَفُوقُ كُلَّ طَعْمٍ، وَلَهُ مَذَاقٌ يَعْلُو عَلَى كُلّ مَذَاقٍ، وَنَشْوَةٌ دُونَهَا كُلُّ نَشْوَةٍ، حَلَاوَةُ الإِيمَانِ حَلَاوَةٌ دَاخِلِيَّةٌ فِي نَفْسٍ رَضِيَّةٍ وَسَكِينَةٍ قَلْبِيَّة، تَجْرِي جَرَيَانَ الدِّمَاءِ فِي العُرُوقِ، لَا أَرَقَ وَلَا قَلَقَ، وَلَا ضِيقَ وَلَا تَضْيِيقَ، بَلْ سَعَةً وَرَحْمَةً وَرِضاً وَنِعْمَة

وَأَوَّلُ مَنَافِذِ الوُصُولِ إِلَى حَلَاوَةِ الإِيمَانِ وَطَعْمِ السَّعَادَةِ: الرِّضَا بِاللهِ عَزَّ وَتَبَارَكَ رَبّاً وَإِلَهاً مُدَبِّراً، إِيمَانٌ بِالله َتسْتَسْلِمُ مَعَهُ النَّفْسُ لِرَبِّهَا، وَتَنْزِعُ إِلَى مَرْضَاتِهِ، تَتَجَرَّدُ عَنْ أَهْوَائِهَا وَرَغَبَاتِهَا، تَعْبُدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَرْجُوهُ وَتَخَافُهُ وَتَتَبَتَّلُ إِلَيْهِ، بِيَدِهِ الأَمْرُ ُكلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ ُكلُّهُ

.وَمَذَاقُ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ الثَّانِي: الرِّضَا بِالإِسْلَامِ دِيناً، دِينٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَرَضِيَهُ لِعِبَادِهِ، وَلَا يَقْبَلُ دِيناً سِوَاهُ، فَالإِسْلَامُ مَنْبَعُ الرِّضَا وَالضِّيَاءِ، وَمَصْدَرُ السَّعَادَةِ وَالاهْتِدَاءِ

وَمَذَاقُ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ الثَّالِث: الرِّضَا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً وَنَبِيّاً؛ مُحَمَّدٌ النّاَصِحُ الأَمِينُ وَالرَّحَمْةُ المُهْدَاة وَالأُسْوَةُ الحَسَنَةُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ، فَلَا يُنَازِعُهُ بَشَرٌ فِي طَاعَةٍ، وَلَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فِي حُكْمٍ، قَالَ : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة النساء:65]، الرِّضَا بِمُحَمَّدٍ اهْتِدَاءً وَاقْتِدَاءً، وَبِسُنَّتِهِ اسْتَضَاءَةً وَعَمَلًا

.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة الأحزاب:21]

.نَفَعَنِي الله وَإِيَّاكُم بِالقُرْآنِ العَظِيمِ وَبِهَدْيِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية

.الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً

إِخْوَةَ الإِسْلَام: مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ طَابَ عَيْشُهُ وَسَارَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَيُقْبِلُ المُؤْمِنُ عَلَى دُنْيَاهُ مُطْمَئِنّاً هَانِئاً سَعِيداً رَضِيّاً، مَهْمَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الظُّرُوفُ وَتَقَلَّبَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، لَا يَيْأَسُ عَلَى مَا فَاتَ، وَلَا يَفْرَحُ بَطَراً بِمَا حَصَّلَ، إِيمَانٌ وَرِضاً مَقْرُونٌ بِتَوَكُّلٍ وَثَبَاتٍ، لَا يَتَسَخَّطُ عَلَى قَضَاءِ الله، وَلَا يَتَقَاعَسُ عَنِ العَمَلِ، يَسْتَفْرِغُ جُهْدَهُ مِنْ غَيْرِ قَلَقٍ، شِعَارُهُ وَدِثَارُهُ: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[سورة هود:88]، مُوقِنٌ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، لَا يُهْلِكُ نَفْسَهُ تَحَسُّراً، وَلَا يَسْتَسْلِمُ لِلْخَيْبَةِ وَالخُذْلَان، كُلُّ مَسَارَاتِ الحَيَاةِ وَمَسَالِكِهَا عِنْدَهُ عَمَلٌ وَبَلَاءٌ وَخَيْرٌ وَصَبْرٌ، ظُرُوفُ الحَيَاةِ وَابْتِلَاءَاتُهَا لَا تُكَدِّرُ لَهُ صَفَاءً، وَلَا تُزَعْزِعُ لَهُ صَبْراً، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «عَجَباً لِأَمْرِ المُؤْمِنِ، وَأَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءَ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءَ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ» أخرجه مسلم

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلاَم ِعَلَيْهِ، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56]، اللَّهُمّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين

 

المرفقات

1624108773_حلاوة الإيمان.docx

المشاهدات 639 | التعليقات 0