حلاوة الإيمان

سليمان بن خالد الحربي
1440/05/11 - 2019/01/17 13:47PM

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه وَنستَعِينُه ونسْتغْفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرُورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومَن سَار على نهجِه، واقْتَفَى أثرَه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ:

فاتقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )[الأحزاب: ٧٠] ، (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: ٨٣].

مَعاشِرَ المُصلِّين: أيُّ سرٍّ عجيبٍ يجعل الكافرَ يُقبِل على الإسلامِ، ويترُك دينَه ودينَ أهلِه؟! بل وهو يَرى المسلمِينَ وللأسَفِ مُنْكَسِرينَ بقوَّتِهم واقتصادِهم؟! بل إنَّ القوةَ الماديَّةَ لدياناتهم، ولكنَّ عجبَك يتلاشَى حِينَما نتذكَّر أن للإيمانِ حلاوةً وطعمًا لا يدانيها حلاوةٌ، وله مَذاقٌ لا يساويه مَذاقٌ.

يُذكِّرُنا هذا السرُّ بقصةِ السَّحرَةِ مع فِرْعونَ، كانوا قبلَ لحظاتٍ رُؤساءَ وأسيادًا، وقد تبوَّؤُا مِن المكانةِ أعلاها، فهم المقدَّمُون المهَابُونَ؛ فلَما عرَفُوا الإِيمانَ ورَأُوا من الآياتِ ما رأوا، (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الشعراء: ٤٦ – ٤٨]، استغرَب فِرْعونُ ذَلك منْهُم لأَدبِهم معه، وذُلِّهم وانقيادِهم له في كلِّ أمرٍ مِنْ أُمورِهِم، وجَعل هذا مِن ذاك: (قال) فرعون للسحرة: (آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ )[الشعراء: ٤٩]، كيْف أقدَمْتُم على الإيمانِ مِن دُون مُراجَعَةٍ مِني ولا إِذْنٍ؟ ثم توعَّدهم فقال: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ )[الشعراء: ٤٩] ، توعَّد بأنْ يقطع اليدَ اليمنى ورجلَه اليسرى، (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى )[طه: ٧١] ، لكنَّ السَّحرةَ لما عرَفوا الحقَّ ورزقهم الله مِن الْعَقْل ما يُدرِكون به الحقائقَ أجابوه بقولهم:( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ )[طه: ٧٢] ، أي: لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالَّات، على أنَّ الله هو الربُّ المعبود وحده، المعظَّم المبَجَّل وحدَه، وأن ما سواه باطل، ونُؤْثِرُكَ على الَّذي فَطَرَنا وخَلَقَنا هذا لا يكون، (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ) [طه: ٧٢] ، مما أوْعَدْتَنا به من القطع والصلب والعذاب.

(إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [طه: ٧٢] ، أي: إنما تُوعِدُنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا ينقضي ويزول ولا يضرُّنا؛ بخلاف عذاب الله لمن استمرَّ على كُفرِه؛ فإنه دائم عظيم، (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا) [طه: ٧٣] ، أي: كُفْرَنا ومعاصِيَنا؛ فإن الإيمان مُكَفِّرٌ للسيئات.

وفي صحيح البخاريِّ عن ابْن عباس رضي الله عنهما   في حديث هِرقل أنه قال لأبي سُفيانَ ومن معه: وسألتُك أيرْتَدُّ أحدٌ -أي: من المسلمين- سخطَةً لدينه، بعد أن يدْخُل فيه؟ فذكرْتَ أن لا، وكذلك الإيمانُ حين يخالِطُ بشاشَتُه القلوب([1]).

إنَّ السرَّ العجيبَ في هذا -معشرَ الإِخوةِ- هو هذه الحلاوةُ الإيمانيَّةُ التي يجِد طعمَها مَن رَضِي بالله ربًّا وبالإسلامِ دِينًا وبمحمَّدٍ نبيًّا، كما رواه مسلِمٌ في صحيحِه، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»([2]).

وهذا الطَّعْم ليس كأيِّ طعمٍ، بل له حلاوةٌ عجيبةٌ كما أخبر الصادق المصدوق، كما في الصَّحيحَيْن عَنْ أَنَسِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ -زاد النسائي ([3]): وطعمه-: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»([4])، قال المباركفوري: «قال العلماءُ: معنى حلاوةِ الإيمان استلذاذه الطاعات، وتحمُّله المشاق في رضى الله ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا»([5]).

فإذا اتَّصف العبدُ بهذه الصِّفات، وتقرَّب إلى اللهِ تعالى بالطَّاعاتِ فلا شكَّ أنه سيجِدُ حلاوةَ الإيمان، كما أخبَر الصادقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلم.

ولذَّةُ الإيمان لا تُشبه لذةَ الحرام، لأن لذَّةَ الإيمانِ لذةٌ قلبيَّةٌ رُوحِيَّةٌ، أمَّا لذَّةُ الحرامِ فهي لذَّةٌ شهوانيَّةٌ جسديَّةٌ، ويَعْقُبُها مِن الآلام والحسَراتِ أضعافُ ما نال صاحبَها من المتعة، وللهِ درُّ من قال ([6]):

تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا

 

مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْإِثْمُ وَالْعَارُ

تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا

 

لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ

للإيمانِ طعمٌ يفوق كلَّ الطُّعومِ، وله مذاقٌ يعلو علَى كلِّ مذاقٍ، ونشوةٌ دونها كلُّ نشوةٍ، حلاوةُ الإيمان حلاوةٌ داخليَّةٌ في نفسٍ رَضِيَّةٍ، وسكينةٍ قلبيةٍ، تسري سَرَيان الماءِ في الْعُود، وتجري جريانَ الدِّماءِ في الْعُروق، لا أرقٌ، ولا قلقٌ، ولا ضيقٌ ولا تضييقٌ، بل سِعَةٌ ورحمةٌ، ورضىً ونعمةٌ: (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء: ٧٠]. و( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )[الحديد: ٢١].

الإيمان بالله هو سكينة النفس، وهداية القلب، وهو منارُ السالكين، وأمل اليائسين، إنه أمانُ الخائِفين ونُصرة المجاهِدِين، وهو بُشْرَى المتَّقينَ ومِنْحَةُ المحرومين.

الإيمانُ هو أبو الأملِ، وأخو الشجاعةِ، وقرينُ الرجاء، إنه ثقة النفس، ومَجْدُ الأمة، ورُوح الشُّعوب.

وأولُ منافِذِ الوصول إلى حلاوةِ الإيمان وطعمِ السعادة الرضى باللهِ عز وتبارك ربًّا مدبِّرًا؛ فهُوَ القائِمُ على كل نفسٍ بما كسبت، رحمنُ الدنيا والآخرة ورحيمُهما، قيُّومُ السماوات والأرضين، خالِقُ الموت والحياة والأكوان، مُسْبِغ النِّعَم، مُجِيب المضطَّرِ إذا دعاه، وكاشِفُ السُّوء، (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )[طه: ٥٠] ، سوَّى الإنسانَ ونفَخ فيه من رُوحِه، أطعمَه من جُوعٍ، وكساه من عُرْيٍ، وآمَنَه مِن خَوْفٍ، وهداه مِن الضَّلالَةِ، وعلَّمَه من بعد جَهالَةٍ.

إيمانٌ بالله تستسلِمُ معه النَّفْسُ لربها، وتنْزِع إِلى مرضاتِه، تتجرَّدُ عن أهوائها ورغباتِها، تعبُدُه سبحانَه وترْجُوه، تخافُه وتتبَتَّلُ إِليه، بيدِه الأمرُ كلُّه، وإليه يرجع الأمر كلُّه، رضىً بالله، ويقينٌ يدْفَع العبدَ إلى أن يمُدَّ يدَيْه متضرِّعًا مُخْلِصًا: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»([7]).

أَعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام: ١٢٥].

بَاركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونَفَعني وإياكُم بما فيه من الآياتِ والذِّكر الحكيم، أقولُ ما سَمِعْتُم، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكْرُ على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لَا إله إلا اللهُ؛ تعظيمًا لشانِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الدَّاعِي إلى جنَّتِه ورضوانِه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانِه.

أمَّا بَعْدُ:

إَخوَتي في الله: وما أعجبَ قِصَّةَ ذلك الأمريكيِّ، وكان من طبقةِ الأثرياء، جاءَ إلى أحدِ المراكِز الإسلاميَّةِ بعدَ أن قرأ عن الإِسلامِ، وتعرَّف عليه، وأراد أن يدخُلَ في هذا الدِّين، فلما جاء إلى إمامِ المرْكَزِ وطلب منه أن يُلقِّنَه الشهادتين، فلما قال: «أشهدُ أنَّ لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله»، كرَّرها أكثرَ من مرَّةٍ، فقال له الإمامُ: لم كرَّرْتها، وبماذا شعرت؟ فقال هذا الأمريكيُّ: بل أنا أسألك ما السر الذي وضعتموه في هذه الكلمة؟ فمنذ أن وُلِدْت بالنعيم لم أشعر بقشعريرةٍ، ولم أحس بمثل ما شعرتُ به مع هذه الكلمة.

ولا غرو ولا عجب، فمذاقُ الرضى بالإسلام دينًا، طيِّبٌ حُلْوٌ،  دِينٌ من عندِ الله أنزَلَه على رسولِه، ورَضِيَه لعبادِه ولا يقبل دينًا سواه.

اسمعوا إلى هذا التجسيدِ العجيبِ لِلرِّضَى بدِينِ اللهِ؛ غضِب عُمَرُ بْن الخطاب  على زوجتِه عاتكةَ، فقال لها: والله لأسُوأَنَّك. فقالت له: أتستطيعُ أن تصرِفَني عن الإسلامِ، بعد إذ هداني اللهُ إليه؟ فقال: لَا. فقالت: أيُّ شيءٍ يَسُوءُني إذن؟!([8]) اللهُ أكبر... إنها واثِقةٌ مطْمَئِنَّةٌ راضيةٌ مستكينةٌ، ما دام دِينُها محفوظًا عليها حتى ولو صُبَّ البلاء عليها صبًّا.

بل إنَّ إزهاقَ الرُّوحِ مُستطابٌ في سبيل الله، على أي جنبٍ كانَ في الله المصرعُ، ومذاق الرِّضَى بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولًا ونبيًّا.

محمدٌ الناصِحُ الأمين، والرحمةُ المهداة، والأسْوَةُ الحسَنَةُ، فلا يُنازِعُه بشَرٌ في طاعةٍ، ولا يُزاحِمُه أحدٌ في حُكمٍ: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )  [النساء: ٦٥] ، الرِّضَى بمحمد صلى الله عليه وسلم اهتداءً واقتداءً، وبسنته استضاءةً وعملًا.

أيُّها الإِخْوَةُ، إذا صحَّ الإيمانُ ووقَر في القلْبِ فاض على الحياةِ، فإذا مَشَى المؤمِنُ على الأرضِ مَشى سويًّا، وإذا سارَ سارَ تقيًّا، رَيْحَانَةٌ طيِّبةُ الشَّذَى، وشامَةٌ ساطِعَةُ الضِّيَاءِ. حركاتُه وسَكنَاتُه إيمانيَّةٌ مستَكِينَةٌ: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي عَلَيْهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»([9]).

مَن ذاق حلاوةَ الإيمانِ طابَ عيْشُه، وعرَف طريقَه، ومَنْ عرَف طرِيقَه سارَ على بصيرةٍ، ومَنْ سارَ على بصيرةٍ نَال الرِّضى وبلغَ المقْصَد، نعم... يمضي في سبيلِه لا يُبالي بِما يَلْقَى، فبَصَرُه وفكْرُه متعلِّقٌ بما هو أسْمَى وأبْقَى، (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) [الفجر: ٢٧ – ٢٨]. (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر: ٢٢].

قالَ ابْنُ رجبٍ: «الإيمان له حلاوة وطعمٌ يُذاق بالقلوب، كما يُذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإنَّ الإيمانَ هُوَ غِذاء القلوبِ وقوَّتُها كما أن الطعامَ والشرابَ غِذاء الأبْدانِ وقوَّتُها، وكما أن الجسَدَ لا يجِدُ حلاوةَ الطعامِ والشَّرابِ إِلَّا عند صحَّتِه، فإذا سَقِم لم يَجِدْ حلاوةَ ما ينْفَعُه من ذلك، بل قد يستحْلِي ما يضرّه، وما ليسَ فيه حلاوةٌ لغَلَبَةِ السَّقَم عليه، فكذلك القلبُ إنما يجد حلاوةَ الإيمانِ إذا سَلِمَ من مرض الأهواء المضِلَّةِ، والشَّهواتِ المحرَّمةِ، وجَدَ حلاوةَ الإيمان حينئذٍ، ومتى مرِضَ وسَقِم لم يجد حلاوةَ الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكُه من الأهواء والمعاصي، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُو مُؤْمِنٌ»([10])، لأنَّه لو كَمُل إيمانُه لَوَجَد حلاوةَ الإيمانِ، فاستَغْنَى بها عن استحلاء المعاصي»([11])

([1]) أخرجه البخاري (1/28، رقم 51).

([2]) أخرجه مسلم (1/62، رقم 34).

([3]) أخرجه النسائي (8/96، رقم 4987).

([4]) أخرجه البخاري (1/14، رقم 16)، ومسلم (1/66، رقم 43).

([5]) تحفة الأحوذي (7/ 312).

([6]) البيتان في الآداب الشرعية (2/ 227)، شعر الدعوة الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين ص516، وقد نسبها بعضهم لعثمان بن عفان I.

([7]) أخرجه مسلم (1/352، رقم 486).

([8]) ذكره ابن القيم في مدارج السالكين (2/ 221).

([9]) أخرجه البخاري (5/2384، رقم 6137).

([10])     أخرجه البخاري (6/2497 رقم 6424)، ومسلم (1/77، رقم 57).

([11])     فتح الباري لابن رجب (1/ 45).

المشاهدات 1885 | التعليقات 0