حكم الأغانـي والمعازف.

علي الفضلي
1431/07/16 - 2010/06/28 14:14PM
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أما بعد:
قد أخرج الدارمي والحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- وله حكم الرفع – قال:
(كيف أنتم إذا لبستكم فتنة ، يهرم فيها الكبير ، ويربو فيها الصغير ، ويتخذها الناس سنّة ، فإذا غيرت قالوا : غيرت السنة! قيل : متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟!
قال:
"إذا كثرت قراؤكم ، وقلت فقهاؤكم ، وكثرت أمراؤكم،وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة،وتفقّه لغير الدين".وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب".
وصدق-رضي الله عنه- ، فها هي الرذيلة أصبحت تسمى حرية ! وها هي الشريعة أصبحت تسمى رجعية ! ، وها هي الخمرة أصبحت تسمى مشروبات روحية!
يقول عليه الصلاة والسلام :
(ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه-وفي رواية:يسمونها بغير اسمها-).
أخرجه أحمد وابن ماجه ،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم(90).
ومن هذا البلاء بلاء عظيم ابتلي به جماهير المسلمين-إلا من رحم ربي- يسمونه بغير اسمه ، من مكايد إبليس-عدو الله تعالى- ومصايده التي كاد بها من قلّ نصيبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين ، قرآن الشيطان ، وحجاب كثيف عن الرحمن ، وهو رقية اللواط والزنا ، حسنه الشيطان الملعون مكرا وغرورا للنفوس المبطلة ، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه ،فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورا ،فلو رأيتهم عند ذيّاك الشيء ،وقد خشعت منهم الأصوات ،وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه ، وانصبّت انصبابة واحدة إليه ، فتمايلوا له كتمايل النّشوان ،أتدرون ما هذا الشيء؟!!
إنه ذاك الذي يسمونه بغير اسمه زورا وبهتانا وجهلا ، يسمونه تارة بالفنّ ،وتارة بالطرب ،إنه الغناء وآلات المعازف والطرب.
اعلموا أيها الإخوة أن المعازف حرام بالإجماع ،وقد نقل هذا الإجماع جماعة من أهل العلم:
1 – أبو بكر الآجري (ت360هـ) : نقل إجماع العلماء على تحريم سماع آلات الملاهي .
2 – حكى أبو الطيب الطبري الشافعي (ت450هـ) : الإجماع على تحريم آلات اللهو وقال إن استباحتها فسق .

3 – ابن قدامة المقدسي ( ت: 540هـ) : وأما آلة اللهو كالطنبور والمزمار والشبابة فلا قطع فيه ... ولنا أنه آلة للمعصية بالإجماع.

4 – الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح (ت : 643هـ) :
قال ابن الصلاح في "فتاويه":
" وأما إباحة هذا السماع وتحليله فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين.
ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع" .

5 – أبو العباس القرطبي ( ت : 656هـ) :
"وأما ما أبدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة فمن قبيل مالا يختلف في تحريمه" .

6 – شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ ) :
"ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا" .
وقد تواتر عن الشافعي-رحمه الله تعالى- أنه قال:
"خلّفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة ،يسمونه التغبير ،يصدون به الناس عن القرآن".
قال ابن القيم-رحمه الله تعالى- في كتابه الماتع –إغاثة اللهفان-:
( فإذا كان هذا قوله في التغبير! وتعليله : أنه يصد عن القرآن ، وهو –أي:التغبير-شعر يزهّد في الدنيا يغنّي به مغَنّ ، فيضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو مخدة على توقيع غنائه-وأشبه شيء به في زماننا هذا الذي يسمونه افتراء وإلصاقا بالإسلام يسمونه بالأناشيد الإسلامية- ...يقول –رحمه الله تعالى- :
فليت شعري ما يقول في سماعٍ التغبير عنده كتفْلةٍ في بحر!؛قد اشتمل على كل مفسدة ،وجمع كلّ محرم..إلى آخر كلامه –رحمه الله تعالى-.
وقال ابن القيم-رحمه الله تعالى- في المصدر السابق-:
(لا تجد أحدا عُني بالغناء وسماع آلاته ،إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى ،علما وعملا ،وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء ! بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك ،وثَقُل عليه سماع القرآن ،وربما حمله الحال على أن يسكت القارئ ،ويستطيل قراءته،ويستزيد المغني ويستقصر نوْبَته! ،وأقل ما في هذا:
أن يناله نصيب وافر من الذم،إن لم يحظَ بجميعه)اهـ كلامه ،يريد –رحمه الله تعالى- قولَه تعالى:
{ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين}.
وقد جاءت النصوص تترى من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة المتبوعين بتحريم الغناء ومعازفه :
قال تعالى :
{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين}.
قال ترجمان القرآن ابن عباس-رضي الله عنهما- :
(نزلت في الغناء وأشباهه) أخرجه البخاري في الأدب المفرد وغيره وصححه الألباني.
وعن ابن مسعود-رضوان الله عليه- أنه سئل عن هذه الآية فقال :
(هو الغناء والذي لا إله إلا هو ،يرددها ثلاث مرات).أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وغيرهما ،وصححه الألباني.
ومن القواعد المقررة عند طائفة من أهل العلم أن قول الصحابي أو تفسير الصحابي للآية إذا ذكر السببَ الذي أنزلت الآية لأجله فإن قوله وتفسيره له حكم الرفع.
وفي صحيح البخاري عن أبي مالك الأشعري-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :
(لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ).والمعازف هي آلات الملاهي والطرب.
وهذا الحديث دلّ على حرمة المعازف من وجهين:
الأول: قوله :"يستحلون" ،فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة ،فيستحلها أولئك القوم.
الثاني: قرْنُ المعازف مع المقطوع حرمته أعني الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها.
وأخرج الترمذي في جامعه في كتاب الفتن منه بسند صحيح عن عمران بن حصين-رضي الله عنه- أنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال :
(في هذه الأمة خسف، ومسخ ،وقذف).
فقال رجل من المسلمين:
يا رسول الله ! ومتى ذاك؟
قال: (إذا ظهرت القينات،والمعازف ،وشربت الخمور).
والقيان جمع قَيْنَة وهي المُغنّية من الإماء وتجمع أيضا على قيْنات.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:
((( واتخذت القيان ) أي: الاماء المغنيات جمع القينة.
( المعازف ) بفتح الميم وكسر الزاي وهي: الدفوف وغيرها مما يضرب، كذا في النهاية.
وقال في القاموس: "المعازف الملاهي كالعود والطنبور، الواحد: عزف أو معزف، كمنبر ومكنسة انتهى))اهـ.
...ولعل للكلام بقية.
والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 2047 | التعليقات 0