حُكْمُ أخْذُ اللِقَاحِ مِما خُشِيَ مِنَ الـمَرَضِ

عبد الله بن علي الطريف
1442/05/17 - 2021/01/01 04:54AM

حُكْمُ التَدَاوي مِمِا وَقَعَ مِنَ الـمَرَضِ وَأَخْذُ اللِقَاحِ مِما خُشِيَ 17/5/1442هـ 

الخُطْبَةُ الأُولَى:

أَمَّا بَعْدُ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: نِعَمُ الله تعالى علينا لا تُعَدُ ولا تُحصى، وَيُصرفها كيف يشاء بين عبادِه، فيعطي هذا، ويمنع ذاك، ويبسط الرزق لمن يشاء، ويقدِره على من يشاء. ومِن أعظم النِّعَم نعمة الصّحّة والعافية في الجسَد والسلامة من الأسقامِ والأدواء فالصحَّةَ التامّة والسلامةَ من العِلَل والأسقام في البدن ظاهرًا وباطنًا سبب للحياة الهنيّة المستقِرّة والكمال الدنيويّ المنشود.. بل جعلها الرَسُولُ مع الأمن والشبع تعدل الدنيا.! فَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه الترمذي وحسنه الألباني

 ولا سعادة في الحياة بلا صِحّة، ولا لذّةُ في طعامٍ وشرابٍ لمريض، ولا قيمةَ للجاهِ والمالِ مع المرض وغلبةِ الأدواء.. وكيف تحلو العبادةُ وتكتمِلُ مع السقم.. فيا اللَّه ما أهنأَ الصحيحَ وأسعَده إن شكر، وما أشقى السقيمَ وأتعسه إن ضَجِر. ولكل داءٍ دواءٌ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ إِلَّا السَّامَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: «الْمَوْتُ» رواه الحاكم في المستدرك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني

أيها الإخوة: والأمراض والأسقام من جملة ما يبتلي الله تعالى به عباده، امتحاناً لصبرهم، وتمحيصاً لإيمانهم.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ» رواه الترمذي وحسنه الألباني عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا» رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» [أي تَرْتَعِدِينَ] قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» رواه مسلم.. وَقَالَ الْحَسَنُ: "كَانُوا يَرْجُونَ فِي حُمَّى لَيْلَةٍ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنَ الذُّنُوبِ". رواه ابن أبي الدنيا.

أيها الأحبة: المرضُ ابتلاءٌ كتبَهُ اللهُ على البشرِ، ومع ما وَعَدَ اللهُ تعالى به المرضى من الأجر إذا صبروا، شرع لهم بلطفه ورحمته التداوي وهو على قسمين: الأول: التداوي مما نزل من المرض. الثاني: التداوي مما يخاف نزوله من المرض المسمى التطعيم أو أخذ اللقاح.. وقد أبان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ذلك خير بيان فعن القسم الأول وهو التداوي عما نزل من المرض قال: الذي عليه جمهور أهل العلم، وهو الصواب أن التداوي مستحب بالأدوية الشرعية المباحة التي ليس فيها حرام كالتداوي بقراءة القرآن والرقية، التداوي بالكي عند عدم وجود دواء آخر فالكي لا بأس به عند الحاجة، والتداوي بأمور مباحة، لا بأس به كذلك، وقد رقى النَبِيُّ بعضَ أصحابِهِ، ورقاه جبرائيل عليه الصلاة والسلام، فالتداوي لا بأس به، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوُوا وَلَا تداوَوْا بحرامٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقال الأرنؤوط صحيح لغيره. فالتداوي أمرٌ مشروع لا بأس به ولا ينافي التوكلَ، فالتوكل يشمل الأمرين: الاعتماد على الله والتفويض إليه، مع تعاطي الأسباب، ولا يجوز للإنسان أن يقول: أنا أتوكل ولا آكل ولا أشرب ولا أتسبب ولا أبيع ولا أشتري ولا أتعاطى زراعة ولا صناعة ولا غيره.. لا هذا غلط، فتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل، بل هو من التوكل وهكذا التداوي من التوكل، ولهذا أرشد النَبِيُّ إلى التداوي، وَسُئِلَ عن الرُقَى والأدويَةِ فَقَالَ: هي من قدر الله، وقال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما أتى الشام وبلغه حصولَ الوباءِ في الشام الطاعون انصرف بالناس ورجع بهم وقال": نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ" رواه البخاري مسلم. ثم أبلغه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَبِيَّ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» رواه البخاري مسلم. فَسُرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بذلك حيث وافق السنة ثُمَّ انْصَرَفَ.

فالمقصود أن التداوي [مما حل بالإنسان من مرض] أمر مشروع على الصحيح، وهو قول أكثر أهل العلم، ومن تركه فلا حرج عليه، وإذا ظن نفعه واشتدت الحاجة إليه تأكد؛ لأن تركه يَضُرُ فيُتعبُ نفسه ويُتعبُ أهلَهُ ويُتعِبُ خدمه، فالتداوي فيه مصالح لنفسه ولأهله، والتداوي كذلك يعينه على أسباب الشفاء ويعينه على طاعة الله حتى يصلي في المسجد، وحتى يقومَ بأمورٍ تنفعُ الناس وتنفعه.. إ هـ رحمه الله. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى واسمعوا وأطيعوا تفلحوا..

أما القسم الثاني من التداوي فهو التداوي قبل وقوع الداء كالتطعيم أو أخذ اللقاح، والغالب أن يكون هذا في الأمراض المعدية أو الشديدة المهلكة.. وقد سُئِلَ عنه سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عنه فقال: "لا بأس بالتداوي إذا خشي وقوع الداء لوجود وباء أو أسباب أخرى يخشى من وقوع الداء بسببها، فلا بأس بتعاطي الدواء لدفع البلاء الذي يُخشى منه؛ لِقَولِ النَبِيِّ في الحديثِ الصحيح: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ» رواه مسلم عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهذا من باب دفع البلاء قبل وقوعه، فهكذا إذا خشي من مرض وطعم ضد الوباء الواقع في البلد أو في أي مكان لا بأس بذلك من باب الدفاع، كما يُعَالَجُ المرضُ النازلُ يُعَالَجُ بالدواءِ المرضُ الذي يُخْشَى منه، لكن لا يجوز تعليق التمائم والحُجُبِ ضد المرض أو الجن أو العين لنهي النَبِيِّ عن ذلك. وقد أوضح أن ذلك من الشرك الأصغر فالواجب الحذر من ذلك." إ هـ الشيخ رحمه الله.

أيها الإخوة: منذ وقوع جائحة كورونا والدولة وفقها الله تتخذ كلَ التدابير العلاجية والوقائية للمواطنين والمقيمين لا تفرق بين أحد منهم فالكل يحظى بالعناية، وعند الحاجة بالرعاية، ولم تبخل لمكافحة هذا البلاء بمال.. ولست بصدد سرد ذلك في مثل هذا الموقف، لكن المأمول منا مواطنين ومقيمين ما يلي: الاهتمام بتطبيق الاحترازات الوقائية وعدم تركها إلا بعد الإعلان عن ارتفاع الجائحة، وهذا واجب شرعي قد بُينَ للجميع كثيراً..

وعلمتم اليوم بتفاصيل حكم التداوي بعد وقوع المرض والتحصن منه قبل وقوعه.. وكما أنه يجب علينا أخذ الفتوى من أهل العلم الشرعي؛ يجب علينا أخذ المعلومات من أهل الاختصاص بالطب والعلاج من أهله المتخصصين، وأهم الجهات المعنية بذلك في بلادنا وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء، وقد صرحوا بسلامة اللقاح ومأمونيته، وأنفقت الدولة على شرائه مئات الملايين..

أما ما نسمعه من هنا وهناك وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ممن يُذكر بأنهم متخصصون ونحن لا نعرفهم أو نعرفهم ولا نعرف دواخلهم فالواجب علينا الحذر، ولا نصدق مجهول الحال وندع من ولاهم الله أمرنا في جانب الصحة.. حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين وعموم العالم من كل وباء، ودفعه عن الجميع.. وشفى كل مريض إنه جواد كريم.. وصلوا وسلموا على نبيكم تفلحوا فمن صلى عليه صلاة واحدة....  

 

 

 

المشاهدات 991 | التعليقات 0