حقُ الوالدينِ والكبارِ

محمد محمد
1446/04/07 - 2024/10/10 17:26PM

حقُ الوالدينِ والكبارِ-8-4-1446هـ-مستفادة من خطبة أحدِ الشيوخِ

إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ-صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ:

فيُولَدُ الإِنسَانُ ضَعِيفًا لا يَملِكُ مِن أَمرِ نَفسِهِ شَيئًا، غَيرَ أَنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ بِهِ، أَن يَقذِفَ في قَلبَي وَالِدَيهِ مَحَبَّتَهُ وَالإِشفَاقَ عَلَيهِ، فَمَا يَزَالانِ يَبذُلانِ قُوَّتَهُمَا وَمَا يَملِكَانِ لِرِعَايَتِهِ، حَتَّى يَشِبَّ وَيَكبَرَ وَيَستَوِيَ عُودُهُ، وَمَا يَزَالُ في نُمُوٍّ وَازدِيَادٍ حَتَّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ، ثم يُصبِحَ كَهلًا ثم يَكُونَ شَيخًا كَبِيرًا، فَيَعُودَ إِلى الضَّعفِ مَرَّةً أُخرَى، وَيَحتَاجَ إِلى مَن يَرعَاهُ وَيَأخُذَ بِيَدِهِ وَيَعتَنيَ بِهِ، وَلأَنَّهُ في تِلكَ المَرحَلَةِ يَكُونُ في ضعفٍ ونَقصٍ مُستَمِرٍّ، فَإِنَّ نُفُوسَ مَن حَولَهُ رُبـَّما لا تَتَحَمَّسُ لِخِدمَتِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَقَد تَتَبَرَّمُ مِنهُ وَتـَمَلُّ وَتَكَلُّ، وَتَنصَرِفُ عَنهُ وَلا تَلتَفِتُ إِلَيهِ، وَمِن ثَمَّ حَرِصَ الإِسلامُ وَهُوَ دِينُ الرَّحمَةِ وَالرَّأفَةِ وَالرِّفقِ، حَرِصَ عَلَى حُقُوقٍ خَصَّ بها كِبَارَ السِّنِّ، وَحَثَّ عَلَيهَا وَأَمَرَ بِهَا، وَجَعَلَ عَلَيهَا الأَجرَ العظيمَ، وَتَوَعَّدَ مَن فَرَّطَ فِيهَا بِالإِثمِ، قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَيسَ مِنَّا مَن لم يَرحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"، وَقَالَ: "إِنَّ مِن إِجلالِ اللهِ إِكرامَ ذِي الشَّيبَةِ المُسلِمِ، وَحَامِلِ القُرآنِ غَيرِ الغَالي فِيهِ وَلا الجَافي عَنهُ، والسُّلطَانِ المُقسِطِ-العادلِ-"، إِنَّ الكَبِيرَ وَإِن ضَعُفَت قُوَّتُهُ وَحَوَاسُّهُ، أَو وَهَى عَظمُهُ وَرَقَّ جِلدُهُ، أَوِ شابتْ لـِحْيَتُهُ ورأسُهُ، فَهُوَ صَاحِبُ خِبرَةٍ وَدِرَايَةٍ وَمَعرِفَةٍ، وَلَدَيهِ مِنَ العِلمِ وَالحِكمَةِ مَا لَدَيهِ، وَهُوَ أَكثَرُ عَمَلًا صَالِحًا، فَكَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مَن هُوَ أَصغَرُ مِنهُ أَن يَخفِضَ الصَّوتَ عندَهُ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى الاستِفَادَةِ مِن خِبرَتِهِ، وَأَلاَّ يَتَشَاغَلَ عَنِه، وَأَلاَّ يَتَكَلَّمَ قَبلَهُ، وَلا يَستَعجِلَ في تَخطِئَتِهِ، وَأَلاَّ يَأنَفَ مِنَ الاستِمَاعِ لِتَوجِيهِهِ، وَالإصغَاءِ لِنُصحِهِ، وَأَلاَّ يَتَعَالَمَ أَمَامَهُ، وَلا يَتَسَرَّعَ في إِبدَاءِ رَأيٍ وَهُوَ مَوجُودٌ، بَل يَكُونُ بَينَ يَدَيهِ مُؤَدَّبًا، مُتَخَلِّقًّا في مُعَامَلَتِهِ بِأَخلاقِ الإِسلامِ وَأَهلِهِ، الَّذِينَ يَعرِفُونَ لِلكَبِيرِ حَقَّهُ، وَيَحفَظُونَ لَهُ سَابِقَتَهُ في الخَيرِ.

وَقَد جَاءَ في النُّصُوصِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ خُلُقُ أَهلِ الإِسلامِ، عَن مَالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-قَالَ: "أَتَيتُ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-أَنَا وَابنُ عَمٍّ لي فَقَال: إِذَا سَافَرتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكبَرُكُمَا"، وَقَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يَؤُمُّ القَومَ أَقرَؤُهُم لِكِتَابِ اللهِ، فَإِن كَانُوا في القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعلَمُهُم بِالسُّنَّةِ، فَإِن كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقدَمُهُم هِجرَةً، فَإِن كَانُوا في الهِجرَةِ سَوَاءً فَأَكبَرُهُم سِنًّا"، وَعَن أُمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنهَا-قَالَت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-يَستَنُّ وَعِندَهُ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا أَكبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَأُوحِيَ إِلَيهِ في فَضلِ السِّوَاكِ أَنْ كَبِّرْ، أَعطِ السِّوَاكَ أَكبَرَهُمَا"، وعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ-رضي اللهُ عنه-قَالَ: "أُتِيَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنهُ، وَعَن يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصغَرُ القَومِ، وَالأَشيَاخُ عَن يَسَارِهِ، فَقَالَ: "يَا غُلامُ ، أَتَأذَنُ أَن أُعطِيَهُ الأَشيَاخَ؟! فَقَالَ: مَا كُنتُ لأُوثِرَ بِنَصيبي مِنكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأعطَاهُ إِيَّاه"، وَقَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ"، ولَمَّا كَانَ يَومُ الفَتحِ أَتَى أَبُوبَكرٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-بِأَبِيهِ يَقُودُه، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "هَلاَّ تَرَكتَ الشَّيخَ في بَيتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ"، وَعَنِ ابنِ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-قَالَ-: "قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " أَخبِرُوني بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ المُسلِمِ، تُؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذنِ رَبِّهَا وَلا تَحُتُّ وَرَقَهَا، فَوَقَعَ في نَفسِي أَنَّهَا النَّخلَةُ، فَكَرِهتُ أَن أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُوبَكرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا لَم يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: هِيَ النَّخلَةُ، فَلَمَّا خَرَجتُ مَعَ أَبي قُلتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَقَعَ في نَفسِي أَنَّهَا النَّخلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ  تَقُولَهَا، لَو كُنتَ قُلتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا مَنَعَني إِلاَّ أَنِّي لَم أَرَكَ وَلا أَبَا بَكرٍ تَكَلَّمتُمَا فَكَرِهتُ"، وعَن حَكِيمِ بنِ قَيسِ بنِ عَاصِمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوصَى عِندَ مَوتِهِ بَنِيهِ، فَقَالَ: "اِتَّقُوا اللهَ وَسَوِّدُوا أَكبَرَكُم-اجعلوه سيدًا أميرًا عليكم-؛ فَإِنَّ القَومَ إِذَا سَوَّدُوا أَكبَرَهُم خَلَفُوا أَبَاهُم، وَإِذَا سَوَّدُوا أَصغَرَهُم أَزرَى بِهِم ذَلِكَ في أَكفَائِهِم".

إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَأَمثَالَهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَد تَقَرَّرَ عندَ المسلمينَ أَنَّ لِلكَبِيرِ حَقًّا يَنبَغِي أَن يُؤَدَّى إِلَيهِ، وَإِلاَّ فَلْيُستَأذَنْ لِيَتَنَازَلَ عَن حَقِّهِ، وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ-رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنهُم-وَمَن بَعدَهُم مِن أَجيَالِ المُسلِمِينَ، عَرَفُوا لِلكَبِيرِ مَكَانَتَهُ، وَحَفِظُوا لَهُ حَقَّهُ، وَأَكرَمُوهُ وَأَجَلُّوهُ، وَعَلَّمُوا أَبنَاءَهُم ذَلِكَ، وَدَرَّبُوهُم عَلَيهِ، وَأَلزَمُوهُم بِهِ، بَل لَقَد كَانَت هَذِهِ هِيَ الفِطرَةَ الَّتي كَانَ عَلَيهَا النَّاسُ مُنذْ كَانُوا، قَالَ-تَعَالى-في إِخوَةِ يُوسُفَ: "قَالُوا يَا أَيُّهَا العَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحسِنِينَ"، وَقَالَ-تَعَالى-عَنهُم : "قَالَ كَبِيرُهُم أَلَم تَعلَمُوا أَنَّ أَبَاكُم قَد أَخَذَ عَلَيكُم مَوثِقًا مِنَ اللهِ وَمِن قَبلُ مَا فَرَّطتُم في يُوسُفَ فَلَن أَبرَحَ الأَرضَ حَتَّى يَأذَنَ لي أَبي أَو يَحكُمَ اللهُ لي وَهُوَ خَيرُ الحَاكِمِينَ"، فَهُم أَوَّلًا: تَوَسَّلُوا إِلى يُوسُفَ بِشَيخُوخَةِ أَبِيهِم وَكِبَرِ سِنِّهِ، وَثَانِيًا: سَمِعُوا كَلامَ كَبِيرِهِم، وَفي هَذَا دِلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَقَّ الكِبِيرِ مَعرُوفٌ عِندَ المُتَقَدِّمِينَ وَالمُتَأَخِّرِينَ، فما أجملَ أنْ نَتَخَلَّقَ بهذا الخُلِقِ العظيمِ، وَلْيَعلَمْ صِغَارُنَا أَنَّ مَا يَبذُلُونَهُ لِكِبَارِهِم هُوَ أَجرٌ لَهُم، وَقَرضٌ سَيَجِدُونَ وَفَاءَهُ إِذَا كَبِرُوا، وَاحتَاجُوا إِلى مَن يَعتَني بِهِم، "اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ ضَعفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفًا وَشَيبَةً يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ "

أستغفرُ اللهَ لي ولكمْ وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فحِينَ يُذْكَرُ الكِبَارُ وَحُقُوقُهُم، فَإِنَّ الوَالِدَينِ أَوَّلُ الناسِ وأَوْلَاهُمْ في ذلكَ، فَهُمَا أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسنِ صُحبَةِ المَرءِ وَبِرِّهِ وَإِحسَانِهِ، وَهُمَا أَولى النَّاسِ بِأَن يَتَخَلَّقَ ابنُهُمَا مَعَهُمَا بِأَحسَنِ الأَخلاقِ، ويَتَأَدَّبَ مَعَهُمَا بِأَرقَى الآدَابِ، وَخَاصَّةً عِندَ كِبَرِهِمَا، وَانقِطَاعِ سِنِّهِمَا، وَضَعفِ أَبدَانِهِمَا، وَاشتِدَادِ حَاجَتِهِمَا لِرَدِّ مَعرُوفِهِمَا وَجَمِيلِهِمَا، وَذَلِكَ وَاجِبٌ مِن أَعظَمِ الوَاجِبَاتِ، وَحَقٌّ مِن آكَدِ الحُقُوقِ بَعدَ حَقِّ اللهِ، قَالَ-تَعَالى-: "وَاعبُدُوا اللهَ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا "، وَقَالَ-سُبحَانَهُ-: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَولاً كَرِيمًا*وَاخفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَاني صَغِيرًا"، وَقَالَ-سُبحَانَهُ-: "وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسنًا"، وَقَالَ-تَعَالى-: "أَنِ اشكُرْ لي وَلِوَالِدَيكَ إِليَّ المَصِيرُ"، وَإِنَّهُ حِينَ يُذَكَّرُ بِحَقِّ الوَالِدَينِ، فَلا مَجَالَ لِلتَّفكِيرِ في أَيِّهِمَا أَحَقُّ، أَو لِلتَّقصِيرِ في حَقِّ أَحَدِهِمَا وَالانحِيَازِ لِلآخَرِ لِوُجُودِ خِلافٍ بَينَهُمَا، إِنَّ الوَالِدَينِ كَالعَينَينِ في الرَّأسِ، لِكُلٍّ مِنهُمَا حَقُّ العِنَايَةِ بِهِ أَشَدَّ العِنَايَةِ، وَهَل يُمكِنُ أَن يُكرِمَ المَرءُ إِحدَى عَينَيهِ وَيُهْمِلَ الأُخرَى؟! إِنَّ المُوَفَّقَ مَنِ استَطَاعَ أَن يُرضِيَ وَالِدَيهِ كِلَيهِمَا، وَإِن كَانَ بَينَهُمَا خِلافٌ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يُصلِحَ وَيَجمَعَ وَيُوَفِّقَ بَينَهُمَا، وَإِلاَّ بَقِيَ بَعِيدًا عَن ذَلِكَ الخِلافِ، وَأَعطَى كُلاًّ مِنهُمَا حَقَّهُ غَيرَ مَنقُوصٍ، بِلا مَنٍّ وَلا أَذًى، وَلْيُعلَمْ أَنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ قَرضٌ وَسَلَفٌ، سَيَجِدُهُ كُلُّ ابنٍ في أَبنَائِهِ، فَرَحِمَ اللهُ ابنًا تَدَارَكَ وَالِدَيهِ بِرَدِّ الجَمِيلِ قَبلَ الرَّحِيلِ، رَحِمَ اللهُ مَن لم يَنسَ سَهَرَهُمَا اللَّياليَ وَبَذلَهُمَا النَّفِيسَ وَالغَاليَ، رَحِمَ اللهُ مَن أَعطَاهُمَا كَمَا أَعطَيَاهُ، وَأَسعَدَهُمَا كَمَا أَسعَدَاهُ، وَكَمَا بَذَلَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا وَأَعطَوا، فَلْنَتَدَارَكْهُم وَهُم أَحيَاءٌ لِنُوَفِّيَهُم حَقَّهُم، وَكَمَا أَكرَمُونَا وَرَحِمُونَا صِغَارًا، فَلْنُحسِنْ إِلَيهِم كِبَارًا، فَإِنَّهُ إِذَا لم يَنَلِ الابنُ الأَجرَ في وَالِدَيهِ عِندَ كِبَرِهِمَا، فَأَيُّ حَظٍّ سَيَكُونُ لَهُ وَأَيُّ نَجَاحٍ وَأَيُّ فَلاحٍ؟! عَن أَبي هُرَيرَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: رَغِمَ أَنفُهُ ثم رَغِمَ أَنفُهُ ثم رَغِمَ أَنفُهُ-أَذَلَّه اللهُ وأَهانَهُ وأَخْزاهُ-قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: مَن أَدرَكَ وَالِدَيهِ عِندَ الكِبَرَ أَحَدَهُمَا أَو كِلَيهِمَا ثمَّ لم يَدخُلِ الجَنَّةَ ".

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1728570362_حقُ الوالدينِ والكبارِ-8-4-1446هـ-مستفادة من خطبة أحدِ الشيوخ.docx

1728570362_حقُ الوالدينِ والكبارِ-8-4-1446هـ-مستفادة من خطبة أحدِ الشيوخ.pdf

المشاهدات 854 | التعليقات 0