حق النفس
عمر الزبيدي
الحمد لله …
أما بعد: فإن أعظم الوصايا، لزوم التقوى، فبذلك وصى الله تعالى عباده كما قال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا الله﴾.
أيها المسلمون: لقد كرم الله بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ وتلك منةٌ من الله عظيمة، حيث خلق الإنسان وسواه وعدله، وصوره فأحسن صورته، ووهبه عقلاً يميز به بين الخير والشر، والنفع والضر، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض فضلاً منه وإنعاماً كما قال عز وجل: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وفي القرآن تعداد لآلاء الله ونعمه على الإنسان، وبيان لجزيل عطائه وعظيم إحسانه إليه، واقرأوا قول ربكم ممتناً عليكم: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ وإن من أجلِّ نعم الله وآلائه منته بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين كما قال تعالى: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ رسلاً يرشدون العباد إلى مايصلح أحوالهم وما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، ليسعدوا في حالهم ومآلهم، فالسعيد من صدق رسلَ الله وأطاعهم، والشقي من كذب وتولى، وأعرض ولم يرد إلا الحياة الدنيا.
معاشر المسلمين: لقد فطر الله العباد على التوحيد، فما من مولود إلا يولد على الفطرة، ثم إن الله تعالى هداهم بعد خلقهم كما قال تعالى ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ فبين له الهدى من الضلال، ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِه وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ ومدار السعادة والشقاء، على مقدار تحصيل العبد للهداية أو تفريطه فيها، وأعظم الهداية وأتمها وأكملها هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدي هديه، فمن لزم سنته واقتفى أثره وسار على طريقته أفلح ورشد، وطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي القصد والاعتدال، وإعطاء النفس حظها لا وكس ولا شطط، فكان أعبدَ الناس وأتقاهم، وكان يخالط أصحابه ويمازحهم، ويبيع ويشتري، ويصلي جزءاً من الليل وينام جزءا، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، ويوصي أصحابه بالقصد ويناههم عن الغلو، وقد أرشد أمته إلى كل خير وحذرها من كل شر، فحظ العبد من الهداية والفلاح بقدر استمساكه بدين الله على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا أراد المسلم تفصيلاً يكشف له ما يأتي من العمل وما يذر لتحصل له الهداية، والنجاة من الغواية، فإن الواجبات الشرعية والفرائض الدينية هي أولى مايجب على المسلم أن يوليه عنايته فقد أخبر سبحانه أنّ أداء فرائضه أحبّ ما تقرّب به إليه المتقرّبون ثم بعدها النوافل والمستحبات ففي الحديث القدسي يقول تعالى: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» فالموفق من حرص على الفرائض وحافظ عليها وجاهد نفسه على تكميلها، ثم اجتهد فيما يقدر عليه من المستحبات والنوافل، كالسنن الرواتب وقيام الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وتلاوة القرآن والعناية بالأذكار، فهذه الطاعات تزكي النفس وتطهرها، ويلحق بذلك مايطلب البعد عنه من المحرمات والآثام، والحذر من مقاربتها أو الولوغ فيها، فإنها تدسي النفس وترديها، وهي الران الذي يقع على القلب حتى يغطيه قال تعالى مخبراً عن الفجار ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
ذلكم -أيها الإخوة - أعظمُ حق على النفس، وأعظمُ حق لها؛ التزام دين دين، والبعد عما يخالفه، فالزموا طاعة الله تفلحوا واستقيموا على دينه تسعدوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة…
الحمد لله…
أما بعد: فإن حفظ النفس من الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع بالأمر بحفظها، لأجل ذلك حرم الإسلام كلَّ مافيه ضرر على النفس، فنهى عما يقتل النفس ويهلكها، أو يضعف القوى ويوهنها، وعن تحميل النفس مالا تطيق، ولو كان ذلك على سبيل العبادة والطاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي هذا في أصحابه ويرشدهم إلى أفضل الأحوال من غير عنت ولا مشقة، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال أُخْبِرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَنِّي أَقُولُ: واللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، ولَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ ما عِشْتُ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَنْتَ الذي تَقُولُ واللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ ولَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ ما عِشْتُ قُلتُ: قدْ قُلتُهُ قالَ: إنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذلكَ، فَصُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، وصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فإنَّ الحَسَنَةَ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وذلكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ» وكان يقول: «اكلَفوا منَ العمَلِ ما تطيقونَ».
وحث الإسلام على السعي في الأرض للكسب وطلب الرزق، وحث على التداوي، وتعاطي الأسباب النافعة المباحة، وراعى طبيعة النفس وما جبلت عليه من اللذائذ والشهوات، فجعل لها فسحة في المباح، فشرع النكاح، وأباح الأكل من صنوف الطيبات، ورغب في أخذ الزينة في اللباس والهيئة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كل، واشرب، والبس، وتصدق، من غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ»، فالموازنة بين حظوظ النفس وواجباتها، ومراعاة حقوقها وطاقتها، مطلب لابد منه لاستقامة حال الإنسان وصلاح دينه ودنياه، وفي الحديث: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ».
أيها الإخوة: وإن مما رُغِّب في التنويه عنه والحث عليه مما يتعلق بحفظ النفس؛ الحرص على اتخاذ الأسباب الواقية بإذن الله من الإصابة بما يسمى: "بالإنفلونزا الموسمية" من خلال أخذ اللقاح المتاح في المراكز الصحية لجميع الفئات، وقى الله الجميع الأسقام والأدواء.
ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير النبي الخاتم فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشراً…
المرفقات
1729190333_حفظ النفس.pdf