حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ 1 ( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ )

مبارك العشوان 1
1443/02/08 - 2021/09/15 18:35PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَه،ُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ). وَالتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ والسِّينِ؛  لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ: شَمِّتْهُ وَسَمِّتْهُ.

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ عُنِيَ الإِسْلَامُ بِمَكَارِمِ الأخْلَاقِ عِنَايةً لَا مَثِيلَ لَهَا، فَجَعَلَ أكْمَلَ المُؤمِنِينَ إِيْمَاناً أحْسَنَهُمْ أخْلَاقَا، وَجَعَلَ أكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ تَقْوَى اللهِ وَحُسْنَ الخُلُقِ، وَضَمِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَيْتاً فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ.

أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِحُسْنِ الخُلُقِ مَعَ النَّاسِ، وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِم، وَشَرَعَ لَهُمْ مِنَ الأعْمَالِ مَا يَغْرِسُ فِيهِمُ المَحَبَّةَ، وَيُشِيعُ بَيْنَهُمُ الأُلْفَةَ والمَوَدَةَ، ويُزِيلُ الحِقْدَ والشَّحْنَاءَ؛ وَمِمَّا شَرَعَ اللهُ تَعَالى فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ مِنْ حُقُوقِ المُسْلِمِ عَلَى أخِيهِ المُسلِمِ؛ وَحَدِيثُ اليَومِ عَنِ أوَّلِ هَذِهِ الحُقُـوقِ: ( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ).

السَّلَامُ - سَلَّمَكُمُ اللهُ - هُوَ تَحِيَّةُ المُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ تَحِيَّتُهُمْ فِي الآخِرَةِ؛ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ } الأحزاب 44 

وَحِينَ يُسَاقُونَ إلَى الجَنَّةِ تُفْتَحُ لَهُمْ أبْوابُهَا، وَيَقُولُ لَهُمْ خَزَنَتُهَا: { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } الزمر73

وَقَالَ تَعَالَى: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا  } الفرقان 75

وَقَالَ تَعَالَى: { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }الرعد 23، 24

وَقَالَ تَعَالَى: { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } يونس 10

يُسَلِّمُ اللهُ تَعَالَى عَلَيهِمْ، وَتُسَلِّمُ عَلَيهِمُ مَلَائِكَتُهُ، وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَسْلَمُونَ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ.

السَّلَامُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ : جَالِبٌ لِلمَحَبِّةِ بَينَ النَّاسِ، وَعَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الإيمَانِ، وَسَبَبٌ لِدُخُولِ الجِنَانِ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: ( لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

السَّلَامُ حَقٌ مِنْ حُقُوقِ الطَّرِيقِ؛ كَمَا قَال عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: ( فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ ... ) الخ رواه مسلم.

ثُمَّ اعلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ -: أنَّ لِلسَّلَامِ أحْكَامًا وَآدَابًا يَنْبَغِي للمُسْلِمِ أنْ يُرَاعِيَهَا؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

أنَّهُ حَقٌ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أخِيهِ المُسْلِمِ؛ سَوَاءً عَرَفَهُ أمْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:  ( أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ) رواه البخاري ومسلم.

وَ: ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَــوْقَ ثَلَاثِ لَيَــالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَـــذَا، وَخَيْــرُهُمَا الَّذِي يَبْـــدَأُ بِالسَّلاَمِ ) رواه البخاري ومسلم.

وَمِنْ أحْكَاِمِ السَّلَامِ: أنْ لَا يُبْدَأ الكَافِرُ بِهِ؛ فَفِي الحَدِيثِ: ( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ...) رواه مسلم.  

فَإِنْ بَدَأَ الكَافِرُ بِالسَّلَامِ؛ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: ( إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا؛ فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: ( قُولُوا وَعَلَيْكُمْ ) رواه مسلم.

وَمِنْ آدَابِ السَّلَامِ: مَا جَاءَ فِي البُخَارِيِّ: ( يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ ).

وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ... ) رواه البخاري ومسلم.

وَمِنْ آدَابِ السَّلَامِ: الْتِزَامُ صِيْغَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ؛ وَأَكْمَلُهَا: السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

وَمِنْ آدَابِ السَّلَامِ: أنْ تَرُدَّ بِأَحْسَنَ مِمَّا حُيِّيتَ بِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }النساء86.

وَيُخْطِئُ مَنْ يُلْقَى عَلَيهِ: ( السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَـاتُهُ )  فَيَرُدُّ بِقَولِهِ: ( أهْلاً، أوْ مَرْحَباً ) وَيَتْرُكُ مَا جَاءَتْ بِفَضْلِهِ الأحَادِيثُ، وَرُتِّبَتْ عَلَيهِ الأُجُورُ.

وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

 

:الخطبة الثانية 

:الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعْدُ

فَإِنَّ مِنَ الآدَابِ: السَّلَامُ عَلَى الأَهْلِ عِنْدَ دُخُولِ البَيْتِ؛ يَقُولُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِذَا دخلتَ عَلَى أَهْلِكَ، فسَلِّمْ عَلَيْهِمْ؛ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً. اهـ

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إذا مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ سَلَّمَ عَلَيْهِم، كَمَا رَوَى ذَلِكَ أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ القُبُورِ وَيَدْعُو لَهُمْ، تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ) رواه مسلم.

فَصَلَواتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الكَرِيمِ، يُسَلِّمُ عَلَى الكِبَارِ والصَّغَارِ وَالأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ.

{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة 128 

فَاتقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاقتَدُوا بِنبِيِّكُمْ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

اسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ، واهتَدُوا بِهَدْيِهِ، امْتَثِلُوا أمْرَهُ، واجْتَنِبُوا نَهْيَهُ.

وَأكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا؛ وَسَائِرِ الأيَّام.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.  

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1631730885_حق المسلم على المسلم ست ( الجزء الأول.pdf

1631730915_حق المسلم على المسلم ست ( الجزء الأول.docx

المشاهدات 1031 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا