حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ 6 ( وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ

مبارك العشوان 1
1443/03/15 - 2021/10/21 01:47AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء 1   

أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ) وَذَكَرَ مِنْهَا: ( وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

اِتِّبَاعُ الجَنَائِزِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا، ثُمَّ اتِّبَاعُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لِدَفْنِهَا؛ عَمَلٌ جَلِيْلٌ؛ يَنْبَغِي لِلمُسْلِمِ أنْ يَحْرِصَ عَلَيهِ، وَألَّا يُفَرِّطَ فِيْهِ؛ فَفِيهِ خَيْرَاتٌ كَثِيْرَةٌ، وَمَصَالِحُ عَظِيمَةٌ.

مِنْ هَذِهِ الخَيْرَاتِ وَالمَصَالِحِ: أَنَّهُ اِمْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ أَمَرَ بِهِ أَمْرًا صَرِيْحًا؛ كَمَا قَالَ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ( أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَذَكَـرَ مِنْهَا: ( اتِّبَاعَ الجِنَازَة ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.    

وَمِنَ الخَيرَاتِ فِي هَذَا العَمَلِ: كَسْبُ الأُجُورِ العَظِيْمَةِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَفِي حَدِيثِ آخَرِ: ( مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ  حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ  ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَفِي هَذَا الحَدِيثِ: (  إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ) تَنْبِيهٌ عَلَى الإِخْلَاصِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فِي هَذَا العَمَلِ الجَلِيلِ.

وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ يَوماً: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ ) ( مَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ ) ( مَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ ) ( مَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ ) وَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ). وَالحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِم.

وَمِنَ الخَيرَاتِ فِي اِتِّبَاعِ الجَنَازَةِ: الإِحْسَانُ إِلَى المَيِّتِ بِأَدَاءِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ؛ كَمَا مَرَّ فِي الحَدِيثِ: ( وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ).

وَالإِحْسَانُ لَهُ كَذَلِكَ؛ بِالصَّلَاِة وَالدُّعَاءِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِئَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

( فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنَ الخَيرَاتِ فِي اِتِّبَاعِ الجَنَازَةِ: الإِحْسَانُ إِلَى أَهْلِ المَيِّتِ بِمَعُونَتِهِمْ عَلَى مَا يَحْتَاجُونَ مِنْ حَمْلِ المَيِّتِ وَتَغْسِيْلِهِ وَتَكْفِيْنِهِ وَحَفْرِ القَبْرِ وَدَفْنِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ ( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) رَوَاهُ مُسْلِم.

وَفِيْهَا كَذَلكَ: إِحْسَانٌ لِأَهْلِ المَيِّتِ؛ بِمُوَاسَاتِهِمْ، وَتَعْزِيَتِهِمْ وَتَخْفِيفِ مُصَابِهِمْ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِفَضْلِ الصَّبْرِ وَعَظِيمِ أَجْرِهِ.

وَمِنْ الخَيْرَاتِ فِي اِتِّبَاعِ الجَنَازَةِ: التَّذَكُّرُ وَالِاتِّعَاظُ.

تَغْسِيلُ المَيِّتِ، وَتَكْفِينُهُ، وَحَمْلَهُ عَلَى الأَكْتَافِ، وَوَضْعُهُ أَمَامَ المُصَلِّينَ للصَّلَاةِ عَلَيهِ، ثُمَّ وَضْعُهُ فِي القَبْرِ، ثُمَّ دَفْنَهُ بِالتُّرَابِ؛ ثُّمَ يَقِفُ عِنْدَهُ مَنْ يَقِفُ؛ وَيَدْعُو لَهُ بِالثَّبَاتِ؛ فَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالِ يُسْأَلُ، ثُمَّ يُوَلِّي عَنْهُ القَرِيْبُ وَالبَعَيْدُ؛ وَيَبْقَى مَعَهُ عَمَلُهُ.

هَذِهِ مَوعِظَةٌ مِنْ أَبْلَغِ المَوَاعِظِ؛ وَهِيَ مِمَّا يُوْقِظُ القُلُوبَ وَيُصْلِحُهَا، وَيُزهِّدُ فِي الدُّنْيَا.

أَسْأَلُ اللهَ جَلَّ وَعَلَا؛ أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا، وَيَغْفِرَ ذُنُوبَنَا، وَيُحْسِنَ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا. 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

 

 

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعْدُ

فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ    

يَقُولُ الشَّيْخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: المَقْصُودُ المَشْيُ وَيَدْخُلُ ضِمْنًا الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَتَغْسِيْلُهَا وَالسُّرْعَةُ فِي تَجْهِيْزِهَا وَظَاهِرُ الحَدِيثِ يَعُمُّ الجَمِيْعَ مِنْ حَيْثُ المَعْنَى. اهـ

أَمَّا عَنِ المَشْيِ مَعَ الجَنَازَةِ؛ فَقَدْ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَقَالَ أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا إِنَّمَا أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ.

عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ؛ مَا جَاءَ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ( نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا ).

فَالمَرْأَةَ لَهَا أَنْ تَصَلِّيَ عَلَى الجَنَازَةِ؛ أَمَّا اِتِّبَاعُهَا وَزِيَارَةُ القُبُورِ؛ فَهِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ.

وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ البِدْعَةِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.  

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

 

 

المرفقات

1634780796_حق المسلم على المسلم ست الجُزْءُ السادس ( وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ).pdf

1634780828_حق المسلم على المسلم ست الجُزْءُ السادس ( وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ).docx

المشاهدات 1920 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا