حق المسلم على المسلم ست ( 3 ) (( وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ))
مبارك العشوان
1438/07/08 - 2017/04/05 21:33PM
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ... أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُون.
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإمامُ مُسْلِمٌ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَــــالَ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ) قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: ( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ،... ) الخ الحديث.
التَّنَاصُحُ بَينَ المُسْلِمِينَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عِبَادَةٌ مِنْ أجَلِّ العِبَادَاتِ، بَلْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمَّاهَا دِيْناً، كَمَا فِي حَدِيثِ: ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) رواه مسلم.
وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْ رُسُلِه عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نُصْحَهُمْ لِقَوْمِهِمْ: قَالَ نُوحٌ عَلَيهِ السَّلَامُ لِقومِه: { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ...}هود34 { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ...}الأعراف62 وَقَالَ هُودٌ عَلَيهِ السَّلَامُ: { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِـحٌ أَمِينٌ } الأعراف 68 وقال صَالحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {... لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } الأعراف 79
وقال شُعَيبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: { لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ } الأعراف 93
التَّنَاصُحُ بَينَ المُسْلِمِينَ حَقٌ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا اسْتَنْصَحَ المُسْلِمُ أخَاهُ: أيْ طَلَبَ مِنْهُ النُّصْحَ؛ كَانَ هَذَا الحَقُّ أعْظَمُ وَآكَدُ، وَالذِيْ يَخْتَارُكَ مِنْ بَينِ النَّاسِ وَيَطْلُبُ نُصْحَكَ ومشورتك أنْتَ؛ قَدْ وَثِقَ بِكَ، وَأتَمَنَكَ؛ فَاللهَ اللهَ فِي إِخْلَاصِ النُّصْحِ لَهُ، أحْبِبْ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، اُصْدُقْهُ، وَلَا تُدَاهِنْهُ، وَلَا تَغُشَّهُ.
يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَنْصَحْ لَهُ ... ). رَوَاهُ البُخَارِيِّ. قَدْ يَسْتَشِيرُكَ فِي نِكَاحٍ أوْ فِي بِنَاءِ بَيْتٍ، أوْ فِي سَفَرٍ أوْ فِي تِجَارَةٍ أوْ فيِ وَظِيْفَةٍ أوْ غَيْرِهَا.
يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ النُّصْحِ أَنْ يَنْصَحَ لِمَنِ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِهِ... الخ .
عَبِادَ اللهِ: وَمِنَ النُّصْحِ النُّصْحُ فِي البَيْعِ والشِّرَاءِ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئاً فَلْيُبَيِّنْ عُيُوبَهُ، وَمَنِ اشْتَرَى شَيئاً فَلَا يَبْخَسْهُ وَيَذُمَّهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ أوْ يُعَظِّمُ عُيُوبَهُ اليَسِيرَةَ لِيُزَهِّدَ فِيهِ صَاحِبَهُ فَيَبِيعَهُ لَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ. يَقُولُ جَرِيرُ بنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ) رواه البخاري ومسلم.
يَقُولُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ جَرِيرٍ مَنْقَبَةٌ وَمَكْرُمَةٌ لِجَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَوَاهَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ اخْتِصَارُهَا: أَنَّ جَرِيرًا أَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا فَاشْتَرَى بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَاءَ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ فَقَالَ جَرِيرٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَتَبِيعُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ ذَلِكَ إِلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقَالَ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَتَبِيعُهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ لَمْ يَزُلْ يَزِيدُهُ مِائَةً فَمِائَةً وَصَاحِبُهُ يَرْضَى وَجَرِيرٌ يَقُولُ فَرَسُكَ خَيْرٌ إِلَى أَنْ بَلَغَ ثَمَانمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا بَاعَ الشَّيْءَ أَوِ اشْتَرَاهُ؛ قَالَ: أَمَا إِنَّ الَّذِي أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَ فَاخْتَرْ.
فَرَضِيَ اللهُ عَنهُمْ مِنْ صَحْبٍ كِرَامٍ وَأرْضَاهُمْ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي جَنَّتِهِ.
أسْألُ اللهَ تَعَالَى أنْ يَجْعَلَنِي وَإيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ، وَأنْ يُبَارِكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَيَنْفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ وَأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ... الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ... أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أعْظَمِ النُّصْحِ وَأوْجَبِهِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: ( لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم.
يَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَالنَّصِيحَةُ لِلهِ وَصْفُهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَالْخُضُوعُ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالرَّغْبَةُ فِي مَحَابِّهِ بِفِعْلِ طَاعَتِهِ، وَالرَّهْبَةُ مِنْ مَسَاخِطِهِ بِتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ وَالْجِهَادُ فِي رَدِّ الْعَاصِينَ إِلَيْهِ.
وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللهِ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ، وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ، وَتَحْرِيُرُهَا فِي الْكِتَابَةِ، وَتَفَهُّمُ مَعَانِيهِ، وَحِفْظُ حُدُودِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ، وَذَبُّ تَحْرِيفِ الْمُبْطِلِينَ عَنْهُ. وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ تَعْظِيمُهُ وَنَصْرُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَإِحْيَاءُ سُنَّتِهِ بِتَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَحَبَّتُهُ وَمَحَبَّةُ أَتْبَاعِهِ.
وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتُهُمْ عَلَى مَا حَمَلُوا الْقِيَامِ بِهِ وَتَنْبِيهُهُمْ عِنْدَ الْغَفْلَةِ وَسَدُّ خُلَّتِهِمْ عِنْدَ الْهَفْوَةِ وَجَمْعُ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِمْ وَرَدُّ الْقُلُوبِ النَّافِرَةِ إِلَيْهِمْ وَمِنْ أَعْظَمِ نَصِيحَتِهِمْ دَفْعُهُمْ عَنِ الظُّلْمِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَمِنْ جُمْلَةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَئِمَّةُ الِاجْتِهَادِ وَتَقَعُ النَّصِيحَةُ لَهُمْ بِبَثِّ عُلُومِهِمْ وَنَشْرِ مَنَاقِبِهِمْ وَتَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِمْ.
وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ: الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَالسَّعْيُ فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيمُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَكَفُّ وُجُوهِ الْأَذَى عَنْهُمْ وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ
وَمِنْ أعْظَمِ النُّصْحِ نُصْحُ الإنسَانِ لِمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ ) رواه البخاري.
ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري. وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم.
ألَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَأدُّوا مَا تَحَمَّلْتُمْ مِنَ الأَمَانَةٍ، وَتَنَاصَحُوا بَيْنَكُمْ، تَآمَرُوا بِالمَعْرَوفِ وَتَنَاهَوا عَنِ المُنْكَرِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِمُوا...
عِبَادَ اللهِ اذكُرُوا اللهِ...
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإمامُ مُسْلِمٌ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَــــالَ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ) قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: ( إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ،... ) الخ الحديث.
التَّنَاصُحُ بَينَ المُسْلِمِينَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عِبَادَةٌ مِنْ أجَلِّ العِبَادَاتِ، بَلْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمَّاهَا دِيْناً، كَمَا فِي حَدِيثِ: ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) رواه مسلم.
وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْ رُسُلِه عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نُصْحَهُمْ لِقَوْمِهِمْ: قَالَ نُوحٌ عَلَيهِ السَّلَامُ لِقومِه: { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ...}هود34 { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ...}الأعراف62 وَقَالَ هُودٌ عَلَيهِ السَّلَامُ: { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِـحٌ أَمِينٌ } الأعراف 68 وقال صَالحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {... لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } الأعراف 79
وقال شُعَيبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: { لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ } الأعراف 93
التَّنَاصُحُ بَينَ المُسْلِمِينَ حَقٌ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا اسْتَنْصَحَ المُسْلِمُ أخَاهُ: أيْ طَلَبَ مِنْهُ النُّصْحَ؛ كَانَ هَذَا الحَقُّ أعْظَمُ وَآكَدُ، وَالذِيْ يَخْتَارُكَ مِنْ بَينِ النَّاسِ وَيَطْلُبُ نُصْحَكَ ومشورتك أنْتَ؛ قَدْ وَثِقَ بِكَ، وَأتَمَنَكَ؛ فَاللهَ اللهَ فِي إِخْلَاصِ النُّصْحِ لَهُ، أحْبِبْ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، اُصْدُقْهُ، وَلَا تُدَاهِنْهُ، وَلَا تَغُشَّهُ.
يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَنْصَحْ لَهُ ... ). رَوَاهُ البُخَارِيِّ. قَدْ يَسْتَشِيرُكَ فِي نِكَاحٍ أوْ فِي بِنَاءِ بَيْتٍ، أوْ فِي سَفَرٍ أوْ فِي تِجَارَةٍ أوْ فيِ وَظِيْفَةٍ أوْ غَيْرِهَا.
يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ النُّصْحِ أَنْ يَنْصَحَ لِمَنِ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِهِ... الخ .
عَبِادَ اللهِ: وَمِنَ النُّصْحِ النُّصْحُ فِي البَيْعِ والشِّرَاءِ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئاً فَلْيُبَيِّنْ عُيُوبَهُ، وَمَنِ اشْتَرَى شَيئاً فَلَا يَبْخَسْهُ وَيَذُمَّهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ أوْ يُعَظِّمُ عُيُوبَهُ اليَسِيرَةَ لِيُزَهِّدَ فِيهِ صَاحِبَهُ فَيَبِيعَهُ لَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ. يَقُولُ جَرِيرُ بنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ) رواه البخاري ومسلم.
يَقُولُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ جَرِيرٍ مَنْقَبَةٌ وَمَكْرُمَةٌ لِجَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَوَاهَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ اخْتِصَارُهَا: أَنَّ جَرِيرًا أَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا فَاشْتَرَى بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَاءَ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ فَقَالَ جَرِيرٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَتَبِيعُهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ ذَلِكَ إِلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقَالَ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَتَبِيعُهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ لَمْ يَزُلْ يَزِيدُهُ مِائَةً فَمِائَةً وَصَاحِبُهُ يَرْضَى وَجَرِيرٌ يَقُولُ فَرَسُكَ خَيْرٌ إِلَى أَنْ بَلَغَ ثَمَانمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا بَاعَ الشَّيْءَ أَوِ اشْتَرَاهُ؛ قَالَ: أَمَا إِنَّ الَّذِي أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَ فَاخْتَرْ.
فَرَضِيَ اللهُ عَنهُمْ مِنْ صَحْبٍ كِرَامٍ وَأرْضَاهُمْ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي جَنَّتِهِ.
أسْألُ اللهَ تَعَالَى أنْ يَجْعَلَنِي وَإيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ، وَأنْ يُبَارِكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَيَنْفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ وَأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ... الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ... أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أعْظَمِ النُّصْحِ وَأوْجَبِهِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: ( لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم.
يَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَالنَّصِيحَةُ لِلهِ وَصْفُهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَالْخُضُوعُ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالرَّغْبَةُ فِي مَحَابِّهِ بِفِعْلِ طَاعَتِهِ، وَالرَّهْبَةُ مِنْ مَسَاخِطِهِ بِتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ وَالْجِهَادُ فِي رَدِّ الْعَاصِينَ إِلَيْهِ.
وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللهِ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ، وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ، وَتَحْرِيُرُهَا فِي الْكِتَابَةِ، وَتَفَهُّمُ مَعَانِيهِ، وَحِفْظُ حُدُودِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ، وَذَبُّ تَحْرِيفِ الْمُبْطِلِينَ عَنْهُ. وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ تَعْظِيمُهُ وَنَصْرُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَإِحْيَاءُ سُنَّتِهِ بِتَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَحَبَّتُهُ وَمَحَبَّةُ أَتْبَاعِهِ.
وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتُهُمْ عَلَى مَا حَمَلُوا الْقِيَامِ بِهِ وَتَنْبِيهُهُمْ عِنْدَ الْغَفْلَةِ وَسَدُّ خُلَّتِهِمْ عِنْدَ الْهَفْوَةِ وَجَمْعُ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِمْ وَرَدُّ الْقُلُوبِ النَّافِرَةِ إِلَيْهِمْ وَمِنْ أَعْظَمِ نَصِيحَتِهِمْ دَفْعُهُمْ عَنِ الظُّلْمِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَمِنْ جُمْلَةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَئِمَّةُ الِاجْتِهَادِ وَتَقَعُ النَّصِيحَةُ لَهُمْ بِبَثِّ عُلُومِهِمْ وَنَشْرِ مَنَاقِبِهِمْ وَتَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِمْ.
وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ: الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَالسَّعْيُ فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيمُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَكَفُّ وُجُوهِ الْأَذَى عَنْهُمْ وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ
وَمِنْ أعْظَمِ النُّصْحِ نُصْحُ الإنسَانِ لِمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ ) رواه البخاري.
ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري. وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم.
ألَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَأدُّوا مَا تَحَمَّلْتُمْ مِنَ الأَمَانَةٍ، وَتَنَاصَحُوا بَيْنَكُمْ، تَآمَرُوا بِالمَعْرَوفِ وَتَنَاهَوا عَنِ المُنْكَرِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِمُوا...
عِبَادَ اللهِ اذكُرُوا اللهِ...