حقيقة الوجود و مراتب الخلائق..
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1436/02/22 - 2014/12/14 20:20PM
[font="]حقيقة الوجود و مراتب الخلائق..[/font]
[font="]الحمد لله ربّ العالمين، القائل : " إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها زينة لها لَنْبُلَوُهْم أيُّهُم أحسنُ عملا "، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادة : " شاكِرًا لأَنْعُمِهِ "، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، القائل عن الحقّ تبارك و تعالى: " يا ابن آدم: خلقت الأشياء من أجلك، و خلقتك من أجلي، فلا تشتغل بما هو لك عمّن أنت له "، اللهمّ فصلّ و سلّم و بارك عليه و على أله الطيّبين، و صحابته الميامين، و على التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.. أمّا بعد : [/font]
[font="]أيّها النّاس: يجب أن يعلم الإنسان لمن هذا الوجود نفعا، حتّى يعرّف نفسه لمن ذلك الموجود إنسانا.. فالإنسان لا شكّ حين يستقرئ الكون كلّه، ما يحيط به حسّه و ما يستنبطه من وراء ذلك عقله، يجد نفسه سيّد هذه الأجناس كلّها، و إذا كانت السّيادة في الكون تعني الخادميّة و المخدوميّة، فالإنسان بما يرى من ملكوت الله مخدوم كلّ ذلك الكون.. فكلّ الأجناس كما قلنا خلقت في خدمته:[/font]
[font="]من تحته مباشرة وهو الحيوان، و من تحت الحيوان مباشرة النّبات، و من تحت النّبات مباشرة وهو الجماد.. و الأجناس هذا مرتّبة ترتيب حكمة، بحيث يخدم الأدنى فيها كلّ الأصناف الأعلى منه.. فالجماد الذي نراه ممثّلا في الشّمس و القمر و الجبال و طبقات الأرض و عناصرها، و الماء بكلّ أنواعه، كلّ ذلك يخدم الأجناس التي تعلوه، فهو في خدمة النّبات يمدّه بكلّ عناصر الغذاء و النموّ، وهو أيضا في خدمة الحيوان يمدّه بكلّ عناصر البقاء و الاستبقاء، وهو أيضا في خدمة الإنسان يمدّه بكلّ ذلك.. فإذا ارتقينا إلى النّبات وجدناه لا يخدم من دونه وهو الجماد و إنّما يخدم من هو أعلى منه وهو الحيوان و الإنسان.. فإذا ارتقينا إلى الجنس الثالث وهو الحيوان وجدناه لا يخدم من دونه و إنّما يخدم من هو أعلى منه وهو الإنسان..[/font]
[font="]ثمّ تقف حلقات الخدمة فلا نجد للإنسان ارتباطا بغيره من الأجناس يكون هو في خدمته.. إذا فقد انتهت خدمة الكون كلّه عند الإنسان، و بقي على الإنسان أن يبحث عن مهمّة نفسه في هذا الوجود، فقد عرفنا أنّ الجماد له مهمّة يؤدّيها مع النّبات و مع الحيوان و مع الإنسان، و الحيوان له مهمّة يؤدّيها مع الإنسان، ثمّ تنتهي دورة الخدمة، فأين هي مهمّة الإنسان ؟..[/font]
[font="]كان يجب عليك أيّها العاقل العالم المتدبّر الذي غرّك أنّك تبتكر كثيرا، و تطّلع بدقّة على أسرار الكون، كان ينبغي عليك أن تفهم مهمّتك أوّلا قبل أن تستنبط من غيرك مهمّة يؤدّيها لك ؟[/font][font="]!![/font][font="] تلك هي مهمّة العقل الأولى، يجب أن يبحث الإنسان عن مهمّته، فإن لم يبحث عنها ليجدها فليعتبر نفسه أدنى من الجماد، و أتفه من النّبات، و أقلّ شأنا من الحيوان ؟.. و كيف يكون السّيد المخدوم أقلّ شأنا من الخادم ؟.. أي أنّه لابدّ أن يكون للإنسان المخدوم مهمّة تناسب سيادته على بقيّة الأكوان، فتلك وقفة عقلية يجب أن يقفها الإنسان الآن، ثمّ عليه أن يقف وقفة أخرى : [/font]
[font="]1 ) [/font][font="]أيّها الإنسان، متى خدمتك هذه الأجناس التي هي في خدمتك، أخدمتك بعد أن وجد لك عقل تفكّر به لتخدمك أم وجدت لك قدرة عليها ؟.. [/font]
[font="]2 ) [/font][font="]أم خدمتك أيّها الإنسان، قبل أن يوجد لك عقل و قبل أن يوجد لك فكرا ؟..[/font]
[font="]3 ) [/font][font="]أيّها الإنسان سيّد الأجناس، أخدمتك هذه الأجناس وهي في متناولك، بحيث تأتمر بأمرك، أن أطلعي أيّتها الشّمس، و أبزغ أيّها القمر، و تحرّك أيّها الهواء، و أمطري أيّتها السّماء ؟..[/font]
[font="]إنّه لم يكن لك قدرة على شيء من ذلك، فكان من الواجب عليك أن لا تستقبل وجودك في هذا الوجود بتلك البلادة التي تقف فيها عند، أن تنتفع بالأشياء دون أن تبحث لنفسك عن مهمّة تحاول أن تجدها لنفسك، حتّى لا تكون أتفه ممّن دونك، كلّ شيء في الوجود يعطيك و أنت تعطي من ؟.. كان يجب عليك أن تبحث هذا البحث، و كان يجب أن تفكّر هذا التفكير، فهب أنّك كنت في بيتك وحدك و لا أحد في الدّار معك، ثمّ استيقظت فوجدت مائدة عليها أصناف الطّعام لفطورك دون أن تعلم أنّ في البيت أحدا يهتمّ بك، أما كان الأجدر بعقلك و فكرك أن تبحث عمّن جاء بتلك المائدة ؟.. و ألاّ تتناول الطعام تناول الغافل، و لا تبحث عمّن أتى لك بها ؟..[/font]
[font="]فكذلك الإنسان الذي وجد أشياء في خدمته بدون قدرة له عليها و بدون دراية له بها، فكان من الواجب على الإنسان أن يبحث عمّن أوجد له كل هذه الزّينة، و عمّن سخّرها لخدمته دون قدرة له عليها، و قبل أن توجد له قدرة، و قبل أن يوجد له فكر.. [/font]
[font="]منهج الأنبياء في الحياة[/font]
[font="]من رحمة الحقّ تبارك و تعالى بالنّاس، أرسل الرّسل و الأنبياء ليخرج النّاس من غفلتهم، و يحلّوا لهم هذه الألغاز.. اللّغز الذي يبحثون عنه في: من الذي سخّر لهم ما لا يقدرون عليه و من الذي أمدّهم بما لا قدرة لهم عليه، و أمدّهم قبل أن يرهفوا السّمع للرسول الذي سيحلّ اللّغز الذي يتطلبه العقل ليعيد لهم قيمتهم في الوجود، حتى لا يكونوا تافهين لا عمل لهم و لا مهمّة بدلا من أن يصمّوا آذانهم و يدبروا عنه.. هذا حمق آخر.. فالحمق الأوّل أنّ الإنسان لم يفكّر في مهمّته.. و الحمق الثاني في أنّ الإنسان أعرض عمّن جاء ليحلّ له اللغز، و لكن الله رحيم، فكرّر التذكير بالعظة، و لأنّه ربّ رحيم يعلم غفلة الإنسان و حتى لا يكون لأحد عنده حجّة فأرسل الرّسل، فهل أرسل الرسل ليقرّروا لهم هذه المسائل، كلاّ، إنّه أرسلهم ليذكّرهم بهذه المسائل، فكأنّ هذه المسائل الأصل فيها أن تكون معلومة، فإن حدث شيء فإنّما حدث نسيان لها، فليست بداية تعليم و لكنّها تذكرة تعليم فقط، و الذين تأخّروا عن الخلق الأوّل من آدم هم الذين وقعوا في هذه الورطة، لأنّ المخلوق الأوّل الذي يمثّل الأبوّة الأولى لنا شهد كلّ ذلك مشهدا، شهد خلق الله له بيديه، شهد النّفخ في الرّوح، شهد إسجاد الملائكة له، تلقّى من الله مباشرة كلّ منهج يفيد الخير في الحياة،أي أنّه قد استقبل كلّ ذلك استقبالا محكما، و لكن الغفلة جاءت لمن جاء بعده، أتدرون لم جاءت الغفلة لمن جاء بعده ؟.. لأنّ آدم عليه السلام حين خلق لم يخلق وليدا من والدين يشكّ في أنّهما السبب الأصيل في وجوده، و إنّما وجد نفسه هكذا ( آدم ) بكلّ مقوّمات الرّجولة فيه، لم يشهد له طفولة و لكنّه فوجئ بأنّه وُجد رجلا، و وجد رجلا له فكر، و وجد رجلا يخاطب من السّماء بمنهج، و وجد رجلا تسجد له الملائكة، إذًا فالمسألة بالنسبة لآدم مسألة موفورة الدّليل قويّة البيان، و لكن كلّ الشكّ جاء لمن جاء بعده.. [/font]
[font="]فحين جاء الرسل ليبيّنوا للنّاس لغز هذا الوجود كلّه و مهمّة الإنسان في هذا الوجود التقوا جميعا على منهج واحد يتمثل في قول الحقّ في حديثه القدسي: " يا ابن آدم: خلقت الأشياء من أجلك، و خلقتك من أجلي، فلا تشتغل بما هو لك عمّن أنت له ".. [/font]
[font="]فكما انتفعت بعبوديّة العبيد لك، فيجب أن تحسّ عبودية الخالق لك و إلاّ كنت ظالما مجحفا، و ظالم لمن ؟.. إنّ الظلم مادة أخذ الحقّ من الغير فيضرّه، لينتفع به الآخذ، و لكن إن فعلت أنت ذلك فمن الذي أضررت بهذا الفعل ؟.. إنّك أضررت نفسك و ذلك حمق ثالث، لأنّ العاصي أو الفاجر ظالم لنفسه و لم يظلم الذي خلقه، لأنّ الذي خلقه خلقه بكلّ صفات الكمال فيه، فعبادته له لا تزيد في ملكه شيئا، وكفره به لا ينقص من ملكه شيئا.. فالذي كفر أو عصى إنّما ظلم نفسه، لم يظلم الخالق لأنّ الخالق بكلّ صفات الكمال هو الخالق.. [/font]
[font="]فالإنسان حين يكفر بربّه أو حين يعصي ربّه يكون قد ظلم نفسه فقط، لأنّ الإنسان هو أسمى صنعة في الوجود.. و هل رأيتم في عالم البشر صانعا يأتي بصناعته ليتلفها ؟.. كلاّ، إنّ كلّ صانع يعالج في صنعته لتكون صنعة رائعة و راقية..[/font]
[font="]اللهم لا تطوي صفحات هذا اليوم إلاّ و أنت: ساترا لعوراتنا، و ماحيا لسيّئاتنا، و قابلا توبتنا، و ناصرا لديننا، و راحما لبلدنا و شعبنا و باقي البلدان و الشعوب المسلمة، و مستجيبا لدعوتنا.. يا أرحم الراحمين يا ربّ العرش الكريم، و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين..
[font="]الشّيْخ محمّد الشّاذلي شلبي
[font="] الإمام الخطيب[/font]
[/font][/font]
[font="]الحمد لله ربّ العالمين، القائل : " إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها زينة لها لَنْبُلَوُهْم أيُّهُم أحسنُ عملا "، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادة : " شاكِرًا لأَنْعُمِهِ "، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، القائل عن الحقّ تبارك و تعالى: " يا ابن آدم: خلقت الأشياء من أجلك، و خلقتك من أجلي، فلا تشتغل بما هو لك عمّن أنت له "، اللهمّ فصلّ و سلّم و بارك عليه و على أله الطيّبين، و صحابته الميامين، و على التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.. أمّا بعد : [/font]
[font="]أيّها النّاس: يجب أن يعلم الإنسان لمن هذا الوجود نفعا، حتّى يعرّف نفسه لمن ذلك الموجود إنسانا.. فالإنسان لا شكّ حين يستقرئ الكون كلّه، ما يحيط به حسّه و ما يستنبطه من وراء ذلك عقله، يجد نفسه سيّد هذه الأجناس كلّها، و إذا كانت السّيادة في الكون تعني الخادميّة و المخدوميّة، فالإنسان بما يرى من ملكوت الله مخدوم كلّ ذلك الكون.. فكلّ الأجناس كما قلنا خلقت في خدمته:[/font]
[font="]من تحته مباشرة وهو الحيوان، و من تحت الحيوان مباشرة النّبات، و من تحت النّبات مباشرة وهو الجماد.. و الأجناس هذا مرتّبة ترتيب حكمة، بحيث يخدم الأدنى فيها كلّ الأصناف الأعلى منه.. فالجماد الذي نراه ممثّلا في الشّمس و القمر و الجبال و طبقات الأرض و عناصرها، و الماء بكلّ أنواعه، كلّ ذلك يخدم الأجناس التي تعلوه، فهو في خدمة النّبات يمدّه بكلّ عناصر الغذاء و النموّ، وهو أيضا في خدمة الحيوان يمدّه بكلّ عناصر البقاء و الاستبقاء، وهو أيضا في خدمة الإنسان يمدّه بكلّ ذلك.. فإذا ارتقينا إلى النّبات وجدناه لا يخدم من دونه وهو الجماد و إنّما يخدم من هو أعلى منه وهو الحيوان و الإنسان.. فإذا ارتقينا إلى الجنس الثالث وهو الحيوان وجدناه لا يخدم من دونه و إنّما يخدم من هو أعلى منه وهو الإنسان..[/font]
[font="]ثمّ تقف حلقات الخدمة فلا نجد للإنسان ارتباطا بغيره من الأجناس يكون هو في خدمته.. إذا فقد انتهت خدمة الكون كلّه عند الإنسان، و بقي على الإنسان أن يبحث عن مهمّة نفسه في هذا الوجود، فقد عرفنا أنّ الجماد له مهمّة يؤدّيها مع النّبات و مع الحيوان و مع الإنسان، و الحيوان له مهمّة يؤدّيها مع الإنسان، ثمّ تنتهي دورة الخدمة، فأين هي مهمّة الإنسان ؟..[/font]
[font="]كان يجب عليك أيّها العاقل العالم المتدبّر الذي غرّك أنّك تبتكر كثيرا، و تطّلع بدقّة على أسرار الكون، كان ينبغي عليك أن تفهم مهمّتك أوّلا قبل أن تستنبط من غيرك مهمّة يؤدّيها لك ؟[/font][font="]!![/font][font="] تلك هي مهمّة العقل الأولى، يجب أن يبحث الإنسان عن مهمّته، فإن لم يبحث عنها ليجدها فليعتبر نفسه أدنى من الجماد، و أتفه من النّبات، و أقلّ شأنا من الحيوان ؟.. و كيف يكون السّيد المخدوم أقلّ شأنا من الخادم ؟.. أي أنّه لابدّ أن يكون للإنسان المخدوم مهمّة تناسب سيادته على بقيّة الأكوان، فتلك وقفة عقلية يجب أن يقفها الإنسان الآن، ثمّ عليه أن يقف وقفة أخرى : [/font]
[font="]1 ) [/font][font="]أيّها الإنسان، متى خدمتك هذه الأجناس التي هي في خدمتك، أخدمتك بعد أن وجد لك عقل تفكّر به لتخدمك أم وجدت لك قدرة عليها ؟.. [/font]
[font="]2 ) [/font][font="]أم خدمتك أيّها الإنسان، قبل أن يوجد لك عقل و قبل أن يوجد لك فكرا ؟..[/font]
[font="]3 ) [/font][font="]أيّها الإنسان سيّد الأجناس، أخدمتك هذه الأجناس وهي في متناولك، بحيث تأتمر بأمرك، أن أطلعي أيّتها الشّمس، و أبزغ أيّها القمر، و تحرّك أيّها الهواء، و أمطري أيّتها السّماء ؟..[/font]
[font="]إنّه لم يكن لك قدرة على شيء من ذلك، فكان من الواجب عليك أن لا تستقبل وجودك في هذا الوجود بتلك البلادة التي تقف فيها عند، أن تنتفع بالأشياء دون أن تبحث لنفسك عن مهمّة تحاول أن تجدها لنفسك، حتّى لا تكون أتفه ممّن دونك، كلّ شيء في الوجود يعطيك و أنت تعطي من ؟.. كان يجب عليك أن تبحث هذا البحث، و كان يجب أن تفكّر هذا التفكير، فهب أنّك كنت في بيتك وحدك و لا أحد في الدّار معك، ثمّ استيقظت فوجدت مائدة عليها أصناف الطّعام لفطورك دون أن تعلم أنّ في البيت أحدا يهتمّ بك، أما كان الأجدر بعقلك و فكرك أن تبحث عمّن جاء بتلك المائدة ؟.. و ألاّ تتناول الطعام تناول الغافل، و لا تبحث عمّن أتى لك بها ؟..[/font]
[font="]فكذلك الإنسان الذي وجد أشياء في خدمته بدون قدرة له عليها و بدون دراية له بها، فكان من الواجب على الإنسان أن يبحث عمّن أوجد له كل هذه الزّينة، و عمّن سخّرها لخدمته دون قدرة له عليها، و قبل أن توجد له قدرة، و قبل أن يوجد له فكر.. [/font]
[font="]منهج الأنبياء في الحياة[/font]
[font="]من رحمة الحقّ تبارك و تعالى بالنّاس، أرسل الرّسل و الأنبياء ليخرج النّاس من غفلتهم، و يحلّوا لهم هذه الألغاز.. اللّغز الذي يبحثون عنه في: من الذي سخّر لهم ما لا يقدرون عليه و من الذي أمدّهم بما لا قدرة لهم عليه، و أمدّهم قبل أن يرهفوا السّمع للرسول الذي سيحلّ اللّغز الذي يتطلبه العقل ليعيد لهم قيمتهم في الوجود، حتى لا يكونوا تافهين لا عمل لهم و لا مهمّة بدلا من أن يصمّوا آذانهم و يدبروا عنه.. هذا حمق آخر.. فالحمق الأوّل أنّ الإنسان لم يفكّر في مهمّته.. و الحمق الثاني في أنّ الإنسان أعرض عمّن جاء ليحلّ له اللغز، و لكن الله رحيم، فكرّر التذكير بالعظة، و لأنّه ربّ رحيم يعلم غفلة الإنسان و حتى لا يكون لأحد عنده حجّة فأرسل الرّسل، فهل أرسل الرسل ليقرّروا لهم هذه المسائل، كلاّ، إنّه أرسلهم ليذكّرهم بهذه المسائل، فكأنّ هذه المسائل الأصل فيها أن تكون معلومة، فإن حدث شيء فإنّما حدث نسيان لها، فليست بداية تعليم و لكنّها تذكرة تعليم فقط، و الذين تأخّروا عن الخلق الأوّل من آدم هم الذين وقعوا في هذه الورطة، لأنّ المخلوق الأوّل الذي يمثّل الأبوّة الأولى لنا شهد كلّ ذلك مشهدا، شهد خلق الله له بيديه، شهد النّفخ في الرّوح، شهد إسجاد الملائكة له، تلقّى من الله مباشرة كلّ منهج يفيد الخير في الحياة،أي أنّه قد استقبل كلّ ذلك استقبالا محكما، و لكن الغفلة جاءت لمن جاء بعده، أتدرون لم جاءت الغفلة لمن جاء بعده ؟.. لأنّ آدم عليه السلام حين خلق لم يخلق وليدا من والدين يشكّ في أنّهما السبب الأصيل في وجوده، و إنّما وجد نفسه هكذا ( آدم ) بكلّ مقوّمات الرّجولة فيه، لم يشهد له طفولة و لكنّه فوجئ بأنّه وُجد رجلا، و وجد رجلا له فكر، و وجد رجلا يخاطب من السّماء بمنهج، و وجد رجلا تسجد له الملائكة، إذًا فالمسألة بالنسبة لآدم مسألة موفورة الدّليل قويّة البيان، و لكن كلّ الشكّ جاء لمن جاء بعده.. [/font]
[font="]فحين جاء الرسل ليبيّنوا للنّاس لغز هذا الوجود كلّه و مهمّة الإنسان في هذا الوجود التقوا جميعا على منهج واحد يتمثل في قول الحقّ في حديثه القدسي: " يا ابن آدم: خلقت الأشياء من أجلك، و خلقتك من أجلي، فلا تشتغل بما هو لك عمّن أنت له ".. [/font]
[font="]فكما انتفعت بعبوديّة العبيد لك، فيجب أن تحسّ عبودية الخالق لك و إلاّ كنت ظالما مجحفا، و ظالم لمن ؟.. إنّ الظلم مادة أخذ الحقّ من الغير فيضرّه، لينتفع به الآخذ، و لكن إن فعلت أنت ذلك فمن الذي أضررت بهذا الفعل ؟.. إنّك أضررت نفسك و ذلك حمق ثالث، لأنّ العاصي أو الفاجر ظالم لنفسه و لم يظلم الذي خلقه، لأنّ الذي خلقه خلقه بكلّ صفات الكمال فيه، فعبادته له لا تزيد في ملكه شيئا، وكفره به لا ينقص من ملكه شيئا.. فالذي كفر أو عصى إنّما ظلم نفسه، لم يظلم الخالق لأنّ الخالق بكلّ صفات الكمال هو الخالق.. [/font]
[font="]فالإنسان حين يكفر بربّه أو حين يعصي ربّه يكون قد ظلم نفسه فقط، لأنّ الإنسان هو أسمى صنعة في الوجود.. و هل رأيتم في عالم البشر صانعا يأتي بصناعته ليتلفها ؟.. كلاّ، إنّ كلّ صانع يعالج في صنعته لتكون صنعة رائعة و راقية..[/font]
[font="]اللهم لا تطوي صفحات هذا اليوم إلاّ و أنت: ساترا لعوراتنا، و ماحيا لسيّئاتنا، و قابلا توبتنا، و ناصرا لديننا، و راحما لبلدنا و شعبنا و باقي البلدان و الشعوب المسلمة، و مستجيبا لدعوتنا.. يا أرحم الراحمين يا ربّ العرش الكريم، و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين..
[font="]الشّيْخ محمّد الشّاذلي شلبي
[font="] الإمام الخطيب[/font]
[/font][/font]