حقوق كبار السن.

أحمد بن ناصر الطيار
1446/04/07 - 2024/10/10 14:12PM

الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق ولم يجعل له عوجا، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, شهادةَ مَن أسلم وجهه لله فلم يَجِدْ حَرَجَا ، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، الصادقُ الْمَصْدُوقُ مَدْخلاً ومَخْرَجاً، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَن اتَّخذ دينه شريعةً ومنهجاً.

أما بعد, فاتقوا الله أيها المسلمون, واعلموا أنَّ هذا الدين العظيم, جاء بإنزال الناس ومنازلهم, وإعطاءِهم حقوقَهم, فالصغير نرحَمه, والكبير نُكرمه, والْمُعسر نُنظِره, والغنيُّ الباذِلُ نشكُره.

ومن أعظم مَن جاء الإسلامُ بالتأكيد على حقِّه, وتوافرتِ النصوصُ بوجوبِ إكرامه وبرِّه: ذُو الشيبة الْمُسلم.

فإنّ كبيرَ السِّن الذي شاب شعره, ومضى دهرُه وعمْرُه, تشتدّ رغبته وحاجته, إلى مَن يُشعره بالمحبة والاحترام، ومَن يُجِلُّه ويحفظُ شيبته بالبرِّ والإكرام.

فقد عاش جُلَّ حياتِه في العمل وكسبِ العيش, وقضاءِ الحوائج, والكدِّ على الأهل والأولاد، فلمَّا كَبُرَ سِنُّه وخانته أركانُه: جلس وحيداً فريداً بين الجدران.

والمرأة الكبيرةُ كذلك, قضتْ حياتها في خدمةِ زوجها, وتربيةِ أولادها, ومتابعةِ شؤون بيتها, ثم بعد هذه الحياة الزاخرة, تعيش أسيرة البيت, إنْ أحسن إليها أحدٌ زارها زيارةً خاطفة, وجلسةً عابرة.

فما أشدَّ ما يُعانيه كثيرٌ منهم من المللِ والْكآبةِ والفراغ, ولأجل هذا حثَّ الإسلامُ على إكرامهم والعنايةِ بهم.

وكبارُ السنّ - يا أمة الإسلام -: لهم قدرٌ ومكانةٌ في شرعنا, لهم حقُّ الإجلال والاحترام, والصفحِ والعفوِ عن الزلاَّت والهفوات.

وهذا والله من تعظيمِ الله وإجلاله, قَالَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ».

ومَن أكرمَ ذا الشيبةِ المسلم, وتحمَّل ما يصدُر منه: فإنَّ الله تعالى سيُهيِّئ له عند كبره وضعفِه: من يرعى حقَّ شيبته, ويقومَ بخدمته وإكرامه, فإنَّ الجزاءَ مِنْ جنسِ العمل.

ومن قصَّر في حقِّهم, ولم يُراعِ شيبتهم: فلْيسمعْ إلى قولِ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَن لَم يَرحمْ صَغِيرنَا, ويَعرف حَق كَبيرِنَا فَليسَ مِنَّا).

وهذا التهديد الشديد فيمن لم يَعرف حَق الكَبيرِ, فكيف بمن أهدر حقَّه, وبخسه قدْره, وتأفَّف وتذمَّر من تصرُّفاته في شيبته, وهو أحوج ما يكون إلى العطف والتوقير, كيف لا, وقد شاب شعرُه, واحْدودب ظهره, وضعفت أركانه, ولم تحمله أقدامه, أمِثْلُ هذا يُهْدَر حقُّه, ولا يُصبَر على تصرُّفاته, ولا تُتحمَّل أخطاؤه؟

فما أحرى مثل هذا ألا يُعان عند كِبَره, وأنْ يخذُله الله عند ضعفِه, فما تفعله مع كبار السنّ وأنت في شبابك, سيُفعلُ بك عند كبرك, إنْ خيراً فخير, وإنْ شرًّا فشر, هذه سنَّةُ الله في الأغلب الأعمّ.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}.

اللهم ارْحم كبار السنّ يا رب العالمين, وأعنَّا على القيام بحقوقهم, وخدمتِهم وإزالةِ الأذى عنهم, إنك جوادٌ كريم.

الحمد لله الذي افْتَتَحَ بالحمد كتابه، وألْهَمَه عبادَه، وجعله مُسْتَزِيداً لهم من فضله، وصلى الله على محمدٍ نبيِّه وخاتَمِ رُسُلِه، وصفوته من خلقِه، وخِيْرَتِه من عباده.

أما بعد.. فيا أمة الإسلام: إليكم أهمَّ ما يجب علينا تجاه الْمسنِّين, وأفضلَ ما نُقدِّمه لهم:

أولاً: احترامهم وتقديرهم، ومبادرتُهم بالسلام والمصافحة، والسؤالُ عن حالهم.

ثانياً: التبسُّم والبشاشةُ في وجوههم, وأنْ نُشعرهم بفرحنا وسرورنا لرؤيتهم.

ثالثاً: مدحهُم والثناء عليهم، وذكرُ محاسنهم وماضيهم, وإبرازُ جهودهم وأعمالهم, فهم أشدُّ ما يكون رغبةً, في الحديث عن ماضيهم وحياتهم.

رابعاً: عدمُ التَّدقيق عليهم في كلِّ شيء، وعدمُ مُحاسبتهم على كلِّ كلمة يقولونها، فما عاد لهم صبرٌ على الأخذ والردّ، وما عادوا يحتملون الانتقاد والعتاب.

خامساً: إكرامهم بالهدايا الْمُحبَّبةِ إليهم, حتى يشعروا بأن لهم مكانةً ومنزلةً عند الناس.

سادساً: مُمازحتهم ومُداعبتُهم؛ فهذا يفرحهم ويشرح صدورهم، فهم أحوج إلى هذا من غيرهم.

سابعاً: مُشاورتُهم واحترمُ آرائهم.

ثامناً: ملء فراغهم بالأمور النافعة, ومن ذلك ربطُهم بالمساجد, والمشاركةِ في الأنشطة والمخيمات والرحلات, وأداءِ العمرة.

تاسعاً: زيارتهم في بيُوتهم, ومُؤانستهم في محلِّ إقامتهم.

وهذه الحقوق واجبةٌ علينا تجاه كلِّ كبير, وتتأكَّد كلَّما قرُبَتْ صِلَتُنَا بهم, فكيف إذا كان الكبير أبَك وأمك, فالحق لهم أوجب, والذنب في التفريط أشدّ.

فاتقوا الله يا أمة الإسلام, وقوموا بواجبكم تجاه من يكبُرُكم سنًّا, وأحسنوا إليهم, فإنَّ الله لا يُضيعُ أجر الْمُحسنين.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى ‌النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا}.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفِّق إمامنا ووليّ عهده لهداك، واجعل عملهما في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1728558733_حقوق كبار السن.pdf

المشاهدات 1092 | التعليقات 0