حقوق كبار السن ودفع الأذى عن الوالدين
حسين بن حمزة حسين
1446/04/06 - 2024/10/09 16:18PM
أخوة الإيمان من الواجبات العَظيمةِ، التي كَفَلَهَا الإسلامُ ودَعَا وأَكَّدَ عليهَا: مُراعَاةُ حقوق كِبارِ السِّنِّ، وحِفظُ حقوقهم وواجباتهم، والتَّأدُّبُ مَعهُم، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا" رواهُ أبو دَاودَ. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ" رواهُ أَحمدُ.
معاشر الشّباب: إذا رأيتم الكبير فارحموا ضعفه، ووقّروا شيبته، وقدِّروا منزلته، وارفعوا درجته، وفرّجوا كربته يعظم الله لك الثواب، ويجزل لكم العطايا يوم لقياه، أحسنوا لكبار السن لاسيّما الآباء والأمهات (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) ، أكرموا كبار السنّ من الآباء والأعمام والعمات والأخوال والخالات والجيران وكبار السنّ من المسلمين، بَادِروهم بالسَّلامِ وَتقْبِيلِ الرَّأْسِ واليَدَينِ، لاطِفُوهُمْ بالكلامِ، مَازِحُوهُمْ بِمَا يَشْرَحُ صُدُورَهُم، امْلَؤا فَرَاغَهُم بِمَا يُسعدهم، ذكّروهم بالله وذِكر الله، صلّوا معهم، زُورُوهُمْ وآنِسُوهُمْ، جالسوهم، أدخلوا السرور عليهم، شاركوهم مناسباتكم الجميلة، أنشروا حسناتهم واذكروها لهم، واصفحوا ما كان من السيئات فاغفروها واستروها، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
أيها الأبناء الكرام: تذكروا أنّ الآباء والأمهات كلما طالت أعمارُهم، وهنَت أبدانُهم وضعُف صبرُهم وأهليّتُهم، فيا أيها الشباب من الأبناء والبنات الذين يعيشون مع آبائهم في المنزل، أحسنوا لآبائكم، أكرموهم بحسن العشرة، وكف أذاكم والأذى عنهم، لا تكونوا سبب شقائهم وأذاهم، أعينوهم في تربية إخوانكم الصغار، قوموا بشؤونهم، أشعروهم ببرّكم، لا تردّوا لهم طلبا، ولا تسقطوا لهم كلمة.
أيها الأبناء والبنات المتزوجون :لا تدخلوا آباءكم في مشاكلكم وخلافاتكم فيما بينْكم وبين زوجاتكم وأهليكم إلا في الضرورة القصوى، واعلموا أن بيْت العائلة الذي يجمع الأبناء والبنات والأحفاد البيْت الكبير، بيْتَ العز والشرف، هو بيْت الوالدين، أعينوهم وقت الزيارة، إحذروا أن تُتْعبُوهُم وتكلّفوا عليهم، اجعلوا البيْت فرحةً بجميل الكلام وحسن اللقاء، لا تجعلوه ترْحةً فتَرتَفِع الأصواتُ بالمشاكل والخلافات أمام الوالدين، فينزل الأسى والأسف في قلوبهم، وينزل غضبُ اللهِ عليكُم لعقوقكم، لا تكلّفوهم فوق طاقاتهم، فهم يحبونكم ويحبّون أبناءكم، ومن الأبناء هداهم الله من جعل بيْت الأبوين مرمى لأبنائه كلّما غضب من زوجته أو خرج من منزله، لا يقصد الزيارة ولا يُقَدّر الحاجة، بل يرمي أبناءه الصغار في بيت أبويه في كل وقت وحين، وكأن المسؤولية على والديه، ووالله إن ذلك من العقوق إذا كان من غير رضاهم وتحميلهم فوق طاقاتهم، فأعينوهم ويسّروا عليهم، أكثروا من شكرهم والدعاء لهم وذكر فضلهم فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
أيها الشباب : لا يخلوا كبار السن وخصوصاً – الآباء والأمهات - من أمراض وقد يكون منهم القعيد والمريض بل ومنهم منْ يُردُّ إلى أرذلِ العمرِ لكيْلا يعْلم بعد علمٍ شيئاً، فيُصاب بالخرف والزهايمر حتى يكون كالطفل الصغير فاقد الأهلية، طعامه وشرابه بل وتُحمَلُ العذرةُ من تحته، أوصيكم بتقوى الله فيهم، فهذا زمن الوفاء وردّ الدّين، لا تتركوهم وحدهم، لا تتركوهم مع الخدم دون حسيب ولا رقيب، وتحسبون أنكم وفّيتم حقهم، لا تتركوهم يتألمّون من أمراض وإهمال وأنتم تستطيعون رفع ذلك عنهم، تذكّروا فضْلهم عليكم وأنتم صغاراً وكباراً، وكم آثروكم على أنفسهم بل كنتم أغلى من الدنيا بأكملها عندهم، واذكروا كم صبروا عليْكم وضحّوا من أجلكم، أعطوكُم كلّ أعمارهم، ووالله لن تجازوهم حقهم ولو حملتموهم على ظهوركم وجعلتم خدودكم لهم أرضا وأبدانكم وطاء، وما ندِم أحدٌ كمداً وحزناً ما ندِم مفرّط في برّ أبويه أو أحدهما كان في حاجته وفرّط حتى ذهب ومات.-نسأل الله السلامة-
وليستحضر القائمون على ذويهم أنه كلما كانت الخدمة أشدَّ وأكثرَ تعباً ،كان الأجرُ أعظمَ والثوابُ أجزلَ من الله عز وجل، وربما تكون رعاية هذا الكبير والقيام بشؤونه بابًا من أبواب الجنة، وربما يكون وجوده في البيت سببًا لسوق أبوابٍ من الرزق لا يعلمها إلا الله، واسألوا البارّين كم فرّج الله لهم همّا، وبسَط لهم رزقا؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (هل تُنْصَرون وتُرْزَقون إلا بضُعفائكم )رواه البخاري، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ) رواهُ أَحمدُ.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية
إنّ من نعم الله على العبد أن يُطيل الله في عمره ويحسن العبْد في عبادتهِ، فعن أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ" قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ).
معاشر كبار السنّ: أنتم كبارٌ في قلوبنا، كبارٌ في نفوسنا، كبارٌ في عيوننا، كبارٌ بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، أنتم الذين علّمتم وربّيتم وبنيْتم وقدّمتم وضحّيتم، لئن نسي الكثير فضلكم، فإن الله لا ينسى، ولئن جحَد الكثيرُ معروفَكم، فإنّ المعروف لا يَبْلى، ولئن طال العهد على ما قدمتموه، فإن الله لا ينسى ثم إلى ربك المنتهى، وعنده الجزاء الأوفى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً).
معاشر كبار السنّ: أمّا الآلام والأسقام فالملائكة تكتب حسناتها، والله عظّم أجورها، وستجدونها بين يدي الله، فاصبروا واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثواب. رفع الله قدركم، وأعلى شأنكم، وشفى مرضاكم ..